الشره
وهو: الإفراط في شهوات المأكل والجنس، ضد [العفة].
وهو: من النزعات الخسيسة، الدالة على ضعف النفس، وجشع الطبع، واستعباد الغرائز، وقد نددت الشريعة الإسلامية وحذرت منه أشد التحذير.
فال الصادق (عليه السلام): ( كل داء من التخمة، ما خلا الحمى فإنها ترد ورودا) (2الوافي ج11 ص67 عن الكافي).
وقال (عليه السلام):( إن البطن إذا شبع طغى) (1الوافي ج11 ص67 عن الفقيه).
وقال (عليه السلام): (إن الله يبغض كثرة الأكل) (2الوافي ج11 ص67 عن الكافي).
وقال أبو الحسن (عليه السلام): (لو أن الناس قصدوا في المطعم، لاستقامت أبدانهم) (3البحار م14 ص 876 عن المحاسن للبرقي(رحمه الله)).
وعن الصادق عن أبيه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (من أراد البقاء ولا بقاء، فليخفف الرداء، وليباكر الغداء، وليقل مجامعة النساء) (4البحار م14 ص545 عن طب الأئمة).
من أراد البقاء أي طول العمر، فليخفف الرداء أي يخفف ظهره من ثقل الدين.
وأكل أمير المؤمنين (عليه السلام) من تمر دَقَل، ثم شرب عليه الماء، وضرب يده على بطنه وقال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله. ثم تمثل :
وإنك مهما تُعط بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا (5 سفينة البحار م1 ص27).
مساوئ الشره
الشره مفتاح الشهوات، ومصدر المهالك، وحسب الشرِه ذما، أن تسترقه الشهوات العارمة، وتعرضه لصنوف المساوئ، المعنوية والمادية.
ولعل أقوى العوامل في تخلف الأمم، استبداد الشره بهم، وافتتانهم بزخارف الحياة، ومفاتن الترف والبذخ، مما يفضي بهم إلى الضعف والإنحلال.
ولشره الأكل آثار سيئة ومساوئ عديدة:
فقد أثبت الطب (أن الكثير من الأمراض والكثير من الخطوط التجعدات التي تشوه القسمات الحلوة في النساء والرجال، والكثير من الشحم والمتراكم، والعيون الغائرة، والقوى المنهكة، والنفوس المريضة كلها تعزى إلى التخمة المتواصلة، والطعام الدسم المترف).
وأثبت كذلك أن الشره يرهق المعدة ويسبب ألوان المآسي الصحية كتصلب الشرايين، والذبحة الصدرية، وارتفاع ضغط الدم، والبول السكري.
وهكذا يفعل الشره الجنسي في إضعاف الصحة العامة، وتلاشي الطاقة العصبية، واضمحلال الحيوية والنشاط، مما يعرض المسرفين للمخاطر.
علاج الشره
أما شره الأكل فعلاجه:
1ـ أن يتذكر الشرِه ما أسلفناه من محاسن العفة، وفضائلها.
2ـ أن يتدبر مساوئ الشره، وغوائله الماحقة.
3ـ أن يروض نفسه على الاعتدال في الطعام، ومجانبة الشره جاهدا في ذلك، حتى يزيل الجشع. فإن دستور الصحة الوقائي والعلاجي هو الاعتدال في الأكل وعدم الإسراف فيه، كما لخصته الآية الكريمة ((كلوا واشربوا ولا تسرفوا)) (الأعراف: 31).
وقد أوضحنا واقع الاعتدال في بحث [العفة].
وأما الشر الجنسي فعلاجه:
1ـ أن يتذكر المرء أخطار الإسراف الجنسي، ومفاسده المادية والمعنوية.
2ـ أن يكافح مثيرات الغريزة، كالنظر إلى الجمال النسوي، واختلاط الجنسين، وسروح الفكر في التخيل. وأحلام اليقظة، ونحوها من المثيرات.
3ـ أن يمارس ضبط الغريزة وكفها عن الإفراط الجنسي، وتحري الاعتدال فيها، وقد مر بيانه في بحث العفة.
14 ـ الأمانة والخيانة
الأمانة هي: أداء ما ائتمن عليه الإنسان من الحقوق، وهي ضد [الخيانة].
وهي من أنبل الخصال، وأشرف الفضائل، وأعز المآثر، بها يحرز المرء الثقة والإعجاب، وينال النجاح والفوز.
وكفاها شرفا أن الله تعالى مدح المتحلين بها، فقال: ((والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)) (المؤمنون:32).
وضدها الخيانة، وهي: غمط الحقوق واغتصابها، وهي من أرذل الصفات، وأبشع المذام، وأدعاها إلى سقوط الكرامة، والفشل والإخفاق.
لذلك جاءت الآيات والأخبار حاثة على التحلي بالأمانة، والتحذير من الخيانة، وإليك طرفا منها:
((إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، إن الله نعما يعظكم به)) (النساء:58).
وقال تعالى:((يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول، وتخونوا أمانتكم وأنتم تعلمون)) (الأنفال: 27).
قال الصادق (عليه السلام): (لا تغتروا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم، حتى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث، وأداء الأمانة) (1الوافي ج3 ص82 عن الكافي).
وعنه (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ليس منا من أخلف الأمانة).وقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أداء الأمانة يجلب الرزق، والخيانة تجلب الفقر) (2 الوافي ج10 ص112 عن الكافي).
قال الصادق (عليه السلام): (اتقو الله، وعليكم بأداء الأمانة إلى من ائتمنكم، فلو أن قاتل علي بن أبي طالب ائتمنني على أمانة لأديتها إليه) (3الوافي ج10 ص112 عن الكافي والتهذيب).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا تزال أمتي بخير، ما لم يتخاونوا، وأدوا الأمانة، وآتو الزكاة، فإذا لم يفعلوا ذلك، ابتلوا بالقحط والسنين) (4عن ثواب الأعمال للصدوق(رحمه الله)).
محاسن الأمانة ومساوئ الخيانة
تلعب الأمانة دورا خطيرا، فهي نظام أعمالهم، وقوام شؤونهم، وعنوان نبلهم واستقامتهم، وسبيل رقيهم المادي والأدبي.
وبديهي أن من تحلى بالأمانة، كان مثار التقدير والإعجاب، وحاز ثقة الناس واعتزازهم وائتمانهم، وشاركهم في أموالهم ومغانمهم.
ويصدق ذلك على الأمم عامة، فإن حياتها لا تسمو ولا تزدهر، إلا في محيط تسوده الثقة والأمانة.
وبها ملك العرب أزمة الاقتصاد، ومقاليد الصناعة والتجارة، وجنى الأرباح الوفيرة، ولكن المسلمين وا أسفاه! تجاهلوها، وهي عنوان مبادئهم، ورمز كرامتهم، فباؤوا بالخيبة الإخفاق.
من أجل ذلك كانت الخيانة من أهم أسباب سقوط الفرد وإخفاقه في مجالات الحياة، كما هي العامل الخطير في إضعاف ثقة الناس بعضهم ببعض، وشيوع التناكر التخاوف بينهم، مما تسبب تسيب المجتمع، وفصم روابطه، وإفساد مصالحه ، بعثرة طاقاته.
صور الخيانة
وللخيانة صور تختلف بشاعتها وجرائمها باختلاف آثارها، فأسوأها نكرا هي الخيانة العملية التي يقترفها الخائنون المتلاعبون بحقائق العلم المقدسة، ويشوهونها بالدس والتحريف.
ومن صورها إفشاء أسرار المسلمين، التي يحرصون على كتمانها، فإشاعتها والحالة هذه جريمة نكراء، تعرضهم للأخطار والمآسي.
ومن صورها البشعة: خيانة الودائع والأمانات، التي أؤتمن عليها المرء، فمصادرتها جريمة مضاعفة من الخيانة والسرقة والاغتصاب.
وللخيانة بعد هذا صورا عديدة كريهة، تثير الفزع والتقزز، وتضر بالناس فردا ومجتمعا، ماديا وأدبيا، كالخداع والغش والتطفيف بالوزن أو الكيل، ونحوها من مفاهيم التدليس والتلبيس.