بتـــــاريخ : 6/29/2013 8:53:45 AM
الفــــــــئة
  • الاقتصـــــــــاد
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1216 0


    مصالح البلدان المتقدمة النمو وتردي حالة البلدان النامية

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : د. تيسير الناشف | المصدر : www.doroob.com

    كلمات مفتاحية  :

    http://farm3.static.flickr.com/2353/2353142022_a9d46c9bbb.jpg

    د. تيسير الناشف

    يسوء توزيع الدخول في العالم بين البلدان النامية والبلدان المتقدمة النمو وداخل كل من البلدان النامية والبلدان المتقدمة النمو. تحصل البلدان المتقدمة النمو على الأغلبية الساحقة من هذا الدخل. وتزداد الهوة بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب اتساعا. إن متوسط دخل الفرد في البلدان النامية يقل كثيرا عن متوسط دخل الفرد في البلدان المتقدمة النمو. ونسبة الذين يعانون من البطالة أو البطالة المقنعة أو العمالة الجزئية في البلدان النامية أعلى كثيرا من نسبتهم في البلدان المتقدمة النمو. ونسبة الأطباء والأَسِرَّة في المستشفيات إلى السكان في البلدان النامية أقل كثيرا من نسبتهم في البلدان المتقدمة النمو. وهناك مؤشرات أخرى كثيرة على التباين الهائل في الظروف المعيشية بين مجموعتي البلدان.
    لقد شوه تباين جلي ولا يزال يشوه الواقع العالمي: تزايدت الوفرة في الموارد المادية والفكرية، وكان من الممكن أن تفضي تلك الوفرة إلى تحقيق فرص وتوقعات أكثر. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى لم تُعبَّأ الإرادة السياسية الكافية اللازمة لترجمة هذه الإمكانيات إلى واقع التقدم والتنمية الذي تتشاطره جميع البلدان الشعوب.
    واقتصادات الأغلبية العظمى من البلدان النامية – ومنها عدد كبير من البلدان العربية – اقتصادات لا يؤدي الإنتاج فيها دورا رئيسيا. إنها اقتصادات يؤدي الاستهلاك فيها دورا كبيرا. من الصحيح القول إن اقتصادات البلدان المتقدمة النمو استهلاكية جدا، بيد أن للإنتاج في اقتصادات تلك البلدان دورأكبر بكثير من دوره في اقتصادات البلدان النامية.
    والاقتصاد القائم في عدد من البلدان النامية هو الاقتصاد الريعي الذي يستند إلى بيع سلعة طبيعية واحدة في أغلب الحالات.
    وفي عدد كبير من البلدان النامية تقوم أسباب تحول دون نشوء وتطور الاقتصاد الإنتاجي أو تضعفه إذا كان قائما. ومن هذه الأسباب استشراء الفساد المالي والسياسي وتشبث الحكام بمواصلة ممارسة السلطة وقتا طويلا وسوء الإدارة والبيروقراطية وعدم التمييز، أو عدم التمييز الكافي، بين وظائف الحاكم الرسمية ووظائفه غير الرسمية وانعدام المفهوم الحديث للدولة بوصفها دولة جميع مواطنيها وغلبة مفهوم الرعية وليس مفهوم المواطنة والقمع السياسي والاجتماعي واستعمال الحكام الدولة أداة للنهوض بمصالحهم ولتحقيق تصوراتهم وسياساتهم. ومن جوانب سوء الإدارة النقص في التخطيط ووجود قدر كبير من الارتجالية في اتخاذ القرار وفي عملية تنفيذ القرارات وفي القيام بالاختيار، والافتقار إلى تحديد سلم للأولويات. ومن هذه الأسباب أيضا عدم إيلاء ما يكفي من الاهتمام للنهوض بالاقتصاد وبالتنمية الزراعية والصناعية والتكنولوجية ولتنظيم طاقات المجتمع والدولة صوب هذا النهوض. ولا توجد هذه الأسباب كلها في كل بلد من البلدان، فقد يوجد مزيج من هذه الأسباب في بلد ومزيج آخر منها في بلد آخر.
    ويهدر الشطر الأعظم من ميزانيات عدد كبير من البلدان النامية على المنتجات المستوردة التي للكثير منها أسعار عالية والتي تغرق الأسواق بما يحتاجه السكان وبما لا يحتاجونه، وعلى الأسلحة بكميات هائلة وعلى قطع غيارها وصيانتها، وعلى توظيف الموظفين في الإدارات الحكومية التي لا تستلزم وظائف تلك الإدارات العدد الكبير من أولئك الموظفين. توظيف الموظفين في الإدارات الحكومية دون قيام الحاجة إلى
    قسم كبير من هؤلاء الموظفين نوع من البطالة المقنعة.
    وليس في قدرة البلدان النامية أن تتحمل اقتصاديا الآثار السلبية المترتبة في اقتصاداتها على ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة، وهي الأسعار التي تقوم البلدان المصدرة لتلك المنتجات بتحديدها بما يتفق مع مصالحها الاقتصادية كما تراها الجهات الصانعة للقرار السياسي والاقتصادي داخل البلدان المصدِّرة.
    ويودع قسم لا يستهان به من دخول بعض البلدان النامية في المصارف الواقعة خارج تلك البلدان وفي أسواق البورصة العالمية، مما يحرم شعوب تلك البلدان من الاستفادة من تلك الأموال عن طريق استثمارها في المشاريع الانمائية من قبيل إقامة البنية الأساسية من الطرق وسكك الحديد ومحطات توليد الطاقة.
    إن إعادة تنشيط النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية في البلدان النامية يتطلبان مشاركة كفؤة من هذه البلدان ومن البلدان المتقدمة النمو. في تحقيق هذين الهدفين تقع المسؤولية على كاهل هذه البلدان والبلدان المتقدمة النمو أيضا. من ناحية واحدة فإن البلدان النامية هي في نهاية المطاف المسؤولة عن تنميتها الذاتية. ينبغي لهذه البلدان، نظرا إلى أنها البلدان المعنية، كبح نزعة التضخم النقدي في اقتصاداتها والعمل من أجل تعزيز كفاءة مؤسساتها المحلية في جميع القطاعات ورفع مستويات الإدارة وزيادة قدرتها التنافسية الدولية وكفالة التشجيع النشط لعمليات الادخار المحلي ووضع سياسات وطنية سليمة وإيجاد الظروف المؤاتية للاستثمار المحلي والأجنبي والعمل من أجل تحقيق أقصى قدر من الاستفادة والتوظيف السليمين للموارد والثروات الوطنية والمساعدات الخارجية لخدمة التنمية وأحوال شعوبها. ولا يمكن لأية إجراءات خارجية أن تكون بديلة من هذه السياسات والإجراءات. وتسلِّم البلدان النامية بمسؤوليتها الأساسية عن النمو والتنمية، والتوسع في اقتصاداتها وتحديثها، والتزمت بتهيئة ظروف محلية مؤاتية للاستثمار وتكوين رأس المال.
    ومن ناحية أخرى، من منطلق التكافل الاقتصادي العالمي، الذي تدعو البلدان النامية إليه، يجب توفير بيئة اقتصادية دولية مؤاتية لتحقيق ذلك. إن التكافل الاقتصادي الدولي يتضمن التعاون الاقتصادي الدولي. ومن شأن إنشاء هذه البيئة أن يعني الإسهام في إزالة الاختلالات البنيوية الاقتصادية القائمة بين البلدان النامية والمتقدمة النمو ودعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. ولتحقيق إقامة هذه البيئة ينبغي أن تضع معا بدافع الإرادة الجادة الهادفة جميع بلدان الشمال وبلدان الجنوب نهجا عالميا تتفق عليه ويتضمن طرائق وآليات تهدف إلى النهوض الفعال الملموس بالتعاون الدولي، وعلى وجه الخصوص التعاون الاقتصادي الدولي. وينبغي لهذا النهج أن يكون شاملا وعالمي المنطلق والنطاق وأن يكون في نفس الوقت واقعيا ومضبوط المعالم وأن يتسم بقدر من المرونة حتى يأخذ في الحسبان مصالح جميع القارات والمناطق والبلدان التي لها خصائصها وظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الخاصة بها. ومن المنطقي والطبيعي أن يكون هذا النهج معنيا بمواجهة التحديات والأزمات الاقتصادية التي تواجه فئتي بلدان الشمال والجنوب كلتيهما. ومن منطلق التكافل من اللازم أن يتوخى هذا النهج تشجيع روح التعاون والحس السليم في الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية المتبادلة وحل المشاكل الاقتصادية للبلدان والنهوض بالنمو والتنمية الاقتصادية في العالم أجمع. ولا يمكن أن يتحقق هذا التعاون والتكافل إلا عن طريق وضع ذلك النهج.
    وترى البلدان النامية وأيضا بعض البلدان المتقدمة النمو أنه تقع مسؤولية أخلاقية على البلدان المتقدمة النمو ترتب عليها واجبا تجاه البلدان النامية في السعي من أجل التخلص من المشاكل الاقتصادية الخطيرة التي تعاني البلدان النامية منها. وهذه البلدان النامية والمتقدمة النمو محقة في رؤيتها هذه بالنظر الى المصالح المتبادلة ووحدة الانتماء البشري.
    وثمة بون كبير بين رؤية وجود مسؤولية أخلاقية والالتزام العملي الحقيقي بالقيام بالإجراءات اللازمة لتخليص البلدان النامية من تلك المشاكل. وفيما يتعلق بمدى الالتزام الفعلي من جانب البلدان المتقدمة النمو التي ترى وجود تلك المسؤولية الاخلاقية تقع هذه البلدان على نقاط على خط متواصل أحد طرفيه التزام لا يستحق الذكر وطرفه الآخر الالتزام الأقصى. ا
    وبغية اقامة البيئة الاقتصادية الدولية المواتية من الضروري أن تُتخذ إجراءات التكيف الهيكلي (البنيوي) الاقتصادي. وفي هذا المجال نفسه، مجال التكيف البنيوي الاقتصادي، يقوم اختلال بنيوي بين البلدان النامية والبلدان المتقدمة النمو. بهدف إيقاف التراجع الاقتصادي أو تهيئة ظروف أفضل للانتعاش الاقتصادي أو تحقيق مزيد من النمو والتنمية الاقتصادية في البلدان النامية والوفاء بشروط الحكومات والمؤسسات المالية غير الحكومية والدولية المانحة للقروض مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وضعت هذه البلدان منذ الثمانينيات ونفذت برامج التكيف البنيوي الاقتصادي الداخلي.
    وشملت هذه البرامج تدابير تقشفية وتكييفية صارمة ومتشددة في حالات غير قليلة منها تكييف أسعار الصرف وإعادة هيكلة بعض المشاريع العامة وتحويلها إلى القطاع الخاص واهتمام أكبر بآليات السوق وخفض العجز في الميزانيات الحكومية وإلغاء الإعانات للمحتاجين.
    وكان لتنفيذ تلك البرامج عواقب سلبية. فتقليل الميزانيات الحكومية والموارد المالية المخصصة لقطاعات رئيسية أدى إلى تقليل الخدمات الاجتماعية للسكان في مجالات عديدة من قبيل الصحة والتعليم والتدريب. وأدى إلغاء الإعانات المالية إلى ارتفاع أسعار السلع، مما جعل من الأصعب على عدد أكبر من السكان شراء السلع الضرورية وخصوصا السلع الغذائية. وأسهم ذلك التقليل أيضا في زيادة تفشي البطالة والتضخم النقدي وزيادة اعتماد البلدان النامية على اقتصادات البلدان المتقدمة النمو. ونجمت عن ذلك كله نتائج اجتماعية مدمرة، فقد تردت الظروف المعيشية لأكثر قطاعات السكان ضعفا، وخصوصا الأطفال والمسنين والنساء، وازداد كثيرون من الفقراء فقرا، مما أدى إلى الاضطرابات الاجتماعية في أماكن عديدة.
    بيد أن الغرض من هذه البرامج لم يحقق لأسباب من أهمها أن البلدان المتقدمة النمو لم تتخذ بدورها ما كان يتوجب عليها من إجراءات التكيف البنيوي الاقتصادي بما يقابل إجراءات التكيف البنيوي الاقتصادي التي اتخذتها البلدان النامية. وبقيت الاختلالات البنيوية الاقتصادية على الساحة العالمية. وتمثلت هذه الاختلالات في مواصلة بلدان متقدمة النمو لتبني الحمائية التجارية وتحديد أسعار مرتفعة للفائدة على القروض للبلدان النامية وتقلب اسعار الصرف، بكل ما جرته هذه وتجره وراءها من آثار ضارة في اقتصادات الدول النامية. ومن هذه الآثار الحد من صادرات هذه الدول الى الدول المتقدمة النمو وزيادة مبالغ خدمة الديون على الدول النامية وزيادة الموارد المنقولة الى الدول المتقدمة النمو بسبب ارتفاع أسعار السلع الصناعية وأرتفاع أسعار الفائدة على القروض الممنوحة من البلدان المتقدمة النمو للبلدان النامية.

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()