بعد أحداث 11 سبتمبر بدَا أن كل مسلم على ظهر الأرض محل اتهامٍ، وأصبح أي تعبير عن هُوية المسلم مخاطرة بالخوف من الاشتباه به في النشاط الإرهابي، وشعر المسلمون أنَّ عقيدتهم الإسلامية تحت الحصار، كل ذلك يطرح سؤال: لماذا يكرهوننا؟ والذي يحاول الإجابة عليه كتاب "الإسلام تحت الحصار"؛ لمؤلفه الدكتور أكبر أحمد، وقد نقله للعربية عزت شعلان، وفي إطار الإجابة على كثير من تساؤلات الواقع الراهن التي تدور في أذهان الغرب، يطرح المؤلف الكثير من مظاهر الخلل في المجتمعات الإسلامية.
ويؤكد أن الغرب يَكيل بمكيالين في تعامُله مع الإسلام والمسلمين، ومن ذلك قضية العصبية التي تَمَّ تعميم الحكم بها على كل المسلمين؛ بناءً على النموذج الطالباني، ولا تمثل طالبان المثل الوحيد على العصبية المفرطة، فالجماعات الأخرى تعكس العصبية المفرطة كذلك بطريقة مختلفة، وهذه تشمل رجال الدين المسلمين في إيران، والمستوطنين اليهود في فلسطين، ومليشيات الصرب في البلقان، والجماعات الهندوسية في الهند.
العصبية المفرطة:
فالعصبية من أهم مظاهر الخلل المعاصرة، ويوضِّح المؤلف أن للعصبية جانبها السليم وجانبها المريض، فالعصبية الطيبة الخيِّرة، هي التي تؤدي إلى التماسك في المجتمع والتضامن والتعاون بين فئاته وطبقاته، بحيث يتم التوازن، فلا تَطغى طبقة على طبقة، وتتضافر بذلك الجهود كلها في سبيل المصلحة العامة.
لكن العصبية الذميمة المريضة هي التي تؤدي إلى الفرقة والتناحُر والصراع، وتنتهي إلى خلخلة الاستقرار وشيوع الكراهية والأحقاد، وقد يصل الأمر إلى العنف، وهو ما يُسميه المؤلف العصبية المُفرطة.
ويتناول المؤلف -في كتابه الذي نُشِرت منه أجزاء عبر الإنترنت- الطالبان كنموذج العصبية المفرطة في المجتمع الإسلامي، فهم مجتمع قبَلي متماسك، واستولوا على السلطة السياسية في كابل، وأصبحوا حكام الدولة، وأدَّى نقص الخبرة والتدريب في الحكم إلى فشلهم، وتحوَّلت فكرتهم في الاستبعاد التي كانت مصدر قوتهم إلى مصدر ضعفٍ، وشوهت العصبية لديهم، ومارسوا العصبية المفرطة، وهو أمر له القدر نفسه من الأهمية، وبالغوا في ميلهم الفطري إلى وضع النساء والأقليات في طوائف خاصة، وتعرض ذلك للفساد الكبير، وأصبح تعاملهم قاسيًا، وخرج على المبادئ الأولية للعصبية، وأدى إلى الانحلال.
ولا تمثل طالبان المثل الوحيد على العصبية المفرطة، فالجماعات الأخرى تعكس العصبية المفرطة كذلك بطريقة مختلفة، وهذه تشمل رجال الدين المسلمين في إيران، والمستوطنين اليهود في فلسطين، ومليشيات الصرب في البلقان، والجماعات الهندوسية في الهند.
فالداعون إلى الاستبعاد يخلقون الحواجز ويؤمنون بالطبقات، أما الداعون إلى الاشتمال، فهم على استعداد للتسامح والتعامل مع الآخرين، بل الاستماع إليهم والتأثر بهم، والمشتملون هم أولئك المؤمنون بأن الحضارة الإنسانية واحدة في الأساس، مهما فرَّقتنا الأديان أو الثقافة أو اللغة.
هذه المراجع الفكرية موجودة في كل مجتمع إنساني، فكثير من المتمسكين بالديانات في تيَّارها العام، متشددون ولا يقبلون ببساطة، حتى أولئك الذين ينتمون إلى مذهب مختلف من الديانة نفسها. ويرى المؤلف أن المعركة الحقيقية في القرن الحادي والعشرين، ستكون بين المشتملين والمستبعدين.
ما بعد 11 سبتمبر:
ويوضح المؤلف أن أحداث 11 سبتمبر ردَّت العالم إلى حالته البدائية العصبية، وكان الإحساس بالعصبية المفرطة واضحًا مع ما يصاحبه من البارانويا والارتياب، وشعرت معظم الديانات والمجتمعات أنها تحت الحصار، وكانت قد بدأت في السنوات الأخيرة من القرن العشرين فكرة عامة غير محددة في الغرب، تتصور أن العدو العالمي الجديد بعد سقوط الشيوعية سيكون الإسلام، وتبلورت الفكرة يوم 11 سبتمبر وتبِع ذلك إعلان بوش عن حملة صليبية على الإرهابيين المسلمين.
وأحس المسلمون أنهم مهددون بصفة خاصة بعد الأحداث؛ سواء كانوا أغلبية، أو أقلية في حياتهم، وبدا أن كل مسلم على ظهر الأرض صار محل اتهام بارتباطه الديني، وأصبح أي تعبير عن هُوية المسلم مخاطرة بالخوف من الاشتباه به في النشاط الإرهابي، وشعر المسلمون أن عقيدتهم الإسلامية تحت الحصار.
إن الغرب يحتاج إلى التخفيف من رد الفعل العصبي المتوفر تجاه المسلمين، واعتبار أيِّ مسلم من الأصوليين، ومن واجب الغرب أن يتعلَّم كيف يَكبح ويتحكَّم في اتجاهاته نحو الهَلع من الإسلام.
لقد جاءت أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، وكأنها تدفع العالم نحو فكرة صدام الحضارات، ولكنها حملت في الوقت نفسه دعوة مُلحة للحوار، والتحدي الذي يواجه الحضارة الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، يتعلق بالمشاركة الخلاَّقة في حوار الحضارات، والبحث عن التوازن الداخلي بين الحاجات والتقاليد في المجتمعات المحلية، وعالم تتزايد فيه السيطرة من جانب الشركات الدولية والهموم السياسية، والالتزام بالبحث عن حلول عالمية للمشكلات الدولية الشائعة التي تواجه المجتمع الإنساني، والسعي في سبيل نظام عادل رحيم يدعو للسلام.
ما الخلل في المجتمع الإسلامي؟
ويطرح المؤلف تساؤلاً، وهو: ما الخلل في المجتمع الإسلامي؟ هل يتعلق الأمر بالإسلام أم هي العولمة؟
ويقول مجيبًا: لقد أنشأت العولمة الارتباك واليأس، ويقول كوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة: إن الملايين من الناس حول العالم لا يرون في تجربة العولمة عاملاً في التقدم، وإنما قوة للتفكك أشبه بالإعصار في قدرته على تدمير الحياة والأعمال والتقاليد.
ورغم أن رؤية المسلمين للعالم هي رؤية عالمية، ففي القرآن الكريم: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]، وكان التاريخ الإسلامي تطبيقًا للعالمية، واستيعابًا للتعدُّدية الجغرافية والعِرقية، واللغوية والسياسية - فإن العولمة الحالية تبدو في نظر زعيم إسلامي مثقف مثل محاضر محمد، تحديًا هائلاً ومُخيفًا، وتهديدًا للمسلمين وعقيدتهم، ولا تتيح مجالاً للتفاؤل بمستقبل للمسلمين في القرن الحادي والعشرين.
تواجه المجتمع الإسلامي في عصرنا أزمات رئيسية تتعلق بالقيادة، ولا تؤثر هذه الأزمة على الشعوب الإسلامية وحسب، وإنما تؤثر كذلك على علاقاتها بالدول الأخرى، لقد فشِل زعماء المسلمين في تحقيق العدل أولاً، ثم فشِلوا ثانيًا في خلق الظروف المناسبة لتحقيق الإحسان والعلم في مجتمعاتهم.
ويدرك المسلمون حيثما كانوا وجودَ الأزمة في مجتمعاتهم، وإن كانوا لا يعرفون تفسير ابن خلدون لانهيار المجتمع، وهم يستجيبون حسب أفكارهم وقدراتهم، وقد تعرَّفنا إلى استجابتين متعارضتين على نطاق واسع بين استجابات كثيرة، وتتمثل في الدعوة الأساسية للاشتمال على الأمم بحق حوار وتفاهم، أما الاستجابة الأخرى، فهي تشجِّع على الأنشطة التي تدعو إلى الاستبعاد والمواجهة والرفض.
إن الداعين إلى الاستجابة الأولى، يرغبون في الحوار والتوافق، وهم على وعي بالمجتمع الإنساني العام، وعندهم أن المصير الإنساني مشترك، وأن المستقبل كفيل بالتقارب بين مختلف الناس والمجتمعات، وهم يَستلهمون عقيدتهم.
أما الذين يتخذون الجانب المعارض، الذين يؤمنون بالاستبعاد - فهم يستلهمون عقيدتهم كذلك، لكنهم على كل حال يفسرون عقيدتهم بطريقة حرفية ضيِّقة، فالذين يختلفون عنهم يخرجون عن الحدود وهم على استعداد لرفض أولئك الذين لا يشاركونهم في أسلوب تفكيرهم، ولو تَمَّ ذلك بالعنف غالبًا.
ولا يقتصر غضبهم مع ذلك على أولئك الذين يؤمنون بديانات أخرى، وإنما يوجه أيضًا للأفراد في مجتمعهم نفسه الذين يفكرون على نحو مختلف.
ويرى المؤلف أنه إذا كان لنا أن نَمنع العالم من الانزلاق إلى أزمة بعد أزمة، والانتقال من منطقة اشتعالٍ إلى أخرى، فنحن جميعًا بحاجة إلى إعادة التفكير على نحو جذري في العلاقة بين ديننا والأديان الأخرى؛ أي: تقدير أصيل جديد لكل دينٍ.
وما لم يكن هناك التزام بالحوار والتفاهم، فسوف يكون التقدم ضئيلاً، ولن يكون هناك أملٌ في تحويل العملية التي خلَقت العصبية المفرطة، وما أعقبها من عالم مليء بالعنف والكراهية، ولن يتأتَّى التفاهم دون تقديرٍ لعُمق الشعور بغياب