بتـــــاريخ : 1/25/2012 8:41:37 AM
الفــــــــئة
  • الأخبـــــــــــار
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1043 0


    حماس وورقة عباد الشمس

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : سري عبد الفتاح سمور | المصدر : www.grenc.com

    كلمات مفتاحية  :

    سري عبد الفتاح سمور   Thursday 19-01 -2012
    حماس وورقة عباد الشمس كنت ضعيفا في مساق الكيمياء-خاصة في الجامعة حيث رسبت في المساق بلا فخر- إلا أن مسألة تحوّل لون ورقة عباد الشمس الزرقاء إلى اللون الأحمر عند تعريضها لحامض، وتحوّل الورقة الحمراء إلى اللون الأزرق عند تعرضها لقاعدة(قلوية) خطرت ببالي، وللصدق فقد اضطررت إلى التأكد من المعلومة التي كنا في صغرنا نحفظها بطريقة ربط الحاء بالحاء(التحوّل للأحمر بالنسبة للحامض) وخطر ببالي ما يقوم به الصائغ من فحص للقطعة الذهبية ليتأكد أهي ذهب أم معدن آخر وما عيار الذهب إذا كانت ذهبا حقيقيا!
    وما يجري هذه الأيام هو ما ذكرني بهذه المسائل أو التجارب الكيميائية العملية؛ فالغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي انفتح على الحركات الإسلامية، وهو يرسل مبعوثيه للتباحث معها في تونس والقاهرة وطرابلس والرباط وأماكن أخرى، ويستقبل في مؤسساته الرسمية والأكاديمية قادة ورموز هذه الحركات ليستمع إلى وجهات نظرهم وتصوراتهم للحياة السياسية بعد الإطاحة بالنظم التي كان الغرب راعيا لها وغاضا الطرف عن جرائمها الفظيعة ومغريا بهذه الحركات حتى لا تساكن أوطانها لا قليلا ولا كثيرا!
    فهل غيّر الغرب جلده فجأة؟هو يحاول إعطاء هذا الانطباع؛ فقبل الثورات سمح لحزب العدالة والتنمية بتسلّم الحكومة ورئاسة الجمهورية التركية بعد أن كان يحرّض جنرالاته على الانقضاض على أي تجربة إسلامية، وتجربة أربكان لم تختفي من الذاكرة، وبعد الثورات العربية تخلى عن حلفائه وأتباعه وعملائه، حتى أنه رفض أن يقبل أحدهم ولو كلاجئ سياسي أو حالة إنسانية، ودعا إلى دعم العملية السياسية في أقطار الثورات، ولم يحرّض على نتائج الانتخابات ولم يجنّد أتباعه للانقلاب عليها كما فعل في الجزائر في مثل هذه الأيام قبل عشرين سنة، بل إن أداته العسكرية (حلف الناتو) ساندت الثوار الليبيين ضد القذافي، وهي تعلم أن معظمهم من التيار الإسلامي الإخواني والسلفي أو إسلاميين غير مؤطرين، وقد لعب الناتو دورا في الإطاحة بالنظام الذي خدمه خدمات حيوية حيث فتح لهم صنابير الثروات تحت مسمى التعويضات والاستثمارات وغيرها، وسلّمهم معلومات عن كل حركات التحرر التي كان يستضيفها إبان ارتدائه قناع الوقوف مع الثوريين والمستضعفين، وجاءت كونداليزا رايس إلى وكر القذافي ليسمعها الإطراء والغزل، ولكنهم تخلوا عنه وساهموا في جعله أحاديث هو وأولاده وعائلته وأركان حكمه الطاغوتي...سبحان الله، واستمرت اللفتات الموحية بعصر جديد وعلاقات من نوع آخر مع الحركات الإسلامية التي يحلو لإعلاميين تسميتها بـ «حركات الإسلام السياسي» تقوم على الحوار والمشاركة وتجنب التصنيف الجاهز بدعم الإرهاب أو الظلامية والتخلف والرجعية وحبس المرأة...إلخ من التهم والأوصاف التي لطالما سمعناها، بل لقد مُنحت جائزة نوبل للسيدة توكل كرمان وهي من فرع الإخوان المسلمين في اليمن(حزب الإصلاح) المحجبة التي لا تتوانى عن الدفاع عن هويتها الثقافية بما في ذلك الحجاب الذي شُنّت ضده حملات في الغرب مدعومة بقوانين أقرتها العديد من حكوماته وبرلماناته، ومعروف أن جائزة نوبل وغيرها من الجوائز العالمية تخضع بدرجة أو بأخرى لاعتبارات سياسية وتدخلات وضغوطات من لوبيات مختلفة أهمها اللوبي اليهودي.
    من السذاجة والسطحية الحكم على الغرب بالتغيّر، لأن التغير يأتي من تبدّل البنية الثقافية والسياسية والاجتماعية، وهذه لا تزال على حالها في بلاد الغرب، وهناك من يفسّر هذه الطريقة الجديدة في التعامل مع التيار الإسلامي من منطلق أحقاد ولا موضوعية فيتهمها بأنها عميلة للغرب منذ نشأتها، ويتناسى عذابات قادتها وجنودها وأنصارها وعوائلهم ولو أنهم كذلك لما تعرّضوا لهذا التهميش والبطش الشديد على مدار العقود الماضية، وآخرون لهم وجهة نظر أقل حدّة حيث يرون أن الحركات الإسلامية كانت مقموعة ومعادية للغرب فقررت بعد الثورات عقد صفقات وتحالفات مع الغرب الذي تهمه مصالحه قبل كل شيء، ورأي آخر يرى أن الغرب يريد غربلة الحركات الإسلامية وفق الثنائية القديمة-الجديدة التي تصنف الإسلام إما متطرفا/راديكاليا أو معتدلا(لاحظوا أن أدبياتهم تصنّف الإسلام هكذا وليس فقط الحركات الإسلامية!) وأن تصفية أسامة بن لادن وعدم حدوث ردّات فعل في العالم الإسلامي دفعت الغرب إلى الاعتقاد بأن «الاعتدال» هو السمة السائدة، وأن سياسة جورج بوش الصغير كانت خاطئة من حيث الاستهداف الشامل ورفع شعار «إما معنا أو مع الإرهاب» وهذيانه عن حرب صليبية جديدة، بل حتى في أفغانستان تـظهر بوادر انفتاح على حركة طالبان والتي لها آراء تعتبر متشددة جدا لو قورنت مع حركات إسلامية أخرى، ورأي آخر يرى بأن الغرب يريد حشد الجميع لمواجهة إيران وهو يذكي التحريض المذهبي والعرقي (سنة وشيعة وعرب وفرس)ويريد إغراء الحركات الإسلامية العربية وحركة طالبان وحتى بعضا من القاعدة كي لا تتحالف مع إيران وأن تستبدل أي قوة متحالفة مع إيران تحالفها بتحالف مع الغرب أو على الأقل عدم التماهي مع إيران أثناء المواجهة القادمة التي لا بد منها عاجلا أم آجلا، فأي الآراء أقرب للحقيقة والصواب؟
    يجب ألا نغفل عن وضع الغرب الداخلي والخارجي وتأثيرات مخرجات الأزمات المحلية والعالمية على سياساته الخارجية؛ فأمريكا فشلت في العراق إلا في تدميره وتمزيقه، ولكنها لم تحوّله -كما وعدت- إلى جنة ديموقراطية علمانية، وتعزز النفوذ الإيراني فيه، علما بأن إيران –إضافة إلى العراق وكوريا الشمالية- من محور الشر حسب تصنيف بوش الصغير وعصابة المحافظين الجدد، أما أفغانستان فإن الخسائر تتزايد فيها، وحدثت أزمة مع باكستان المجاورة، والحرب على ما يسمى الإرهاب جعلت العالم بعيدا عن الأمن والسلام ومليئا بالأحقاد والكراهية والقتل في كل مكان، وقد استفادت منها فقط فئة لا تشكل نسبة تذكر من الشعب الأمريكي وقد زادت أرصدتها لتـصل إلى أرقام فلكية، وكان لا بد من ظهور الأزمة المالية في أمريكا، والحل الأمثل لوقف الأزمة/النزيف فقط بالكف عن إرسال الجنود إلى ما وراء البحار وإعادة من هم هناك إلى ديارهم، أما أوروبا فلم تسلم هي الأخرى من انعكاسات الأزمة المالية خاصة في منطقة اليورو بل بات الاتحاد الأوروبي مهددا، وعليه أصبحت فكرة الرأسمالية محل مراجعة، بل إنها ماتت ولكن لم يستصدر تصريح الدفن أو إعلان الوفاة مثلما حدث مع الماركسية، هذا في الوقت الذي تصعد فيه قوى ودول أخرى بها قطاع تكنولوجيا رقمية لا بأس به، مع الإقرار بالتفوق الأمريكي بهذا المجال حتى الآن، وتشكل كتلة بشرية هائلة تفوق الغرب، وناتجها القومي في ازدياد مطرد ولا ترهن نفسها لاشتراطات المؤسسات الدولية الخاضعة للهيمنة الأمريكية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي مثل الصين والهند والبرازيل، إضافة إلى صعود دول أخرى في أقاليم العالم المختلفة-بما في ذلك غلاف أمريكا- وانتهاج القوى الصاعدة سياسات التميز وتقوية الذات مثل فنزويلا وإيران وتركيا، وفي ظل الأزمة الاقتصادية والخسائر في العراق وأفغانستان، وصعود قوى دولية في مجالات الإنتاج والاعتماد على الذات والتـطور التقني والعلمي لدول كبيرة، جاءت ثالثة الأثافي أي الثورات العربية، والتي أدرك الغرب بدهائه السياسي ومعلوماته الغنية أن معارضتها تعني خسارة أخرى له سيترتب عليها نتائج لا يريدها في منطقة يعتبرها من أهم مناطق الاستقرار أو الارتكاز، ولا بأس من محاورة الإسلاميين وهو يعلم منذ سنين طويلة مدى شعبيتهم الواسعة، والذين خاض معهم حربا ضروسا بوكلائه من الأنظمة البائدة، وهم –بلا شك- يريدون التقاط الأنفاس والمشاركة في مرحلة ما بعد الثورات أو ما بعد المرحلة الأولى من الثورات بلا منغصات يقف الغرب خلفها وهو ما زال قادرا على التخريب وافتعال الأزمات وإشعال الحرائق وهناك دلائل على ذلك، فكان الحوار ومحاولة التفاهم ولو مرحليا، واعتبار هذا نوعا من الهدنة بانتظار ما ستؤول إليه الأمور في الشرق والغرب، وملف إيران ليس بعيدا عن هذه الحسابات، ويجب على الحركات الإسلامية ألا تكون بيدقا في مواجهة إيران مهما كانت المغريات حتى لا يأتي يوم تقول فيه:أكلت يوم أكل الثور الأبيض!
    أعود الآن إلى ورقة عباد الشمس؛ فحركة حماس هنا أشبه بورقة عباد الشمس من حيث تعاطي الغرب معها، فهل سيفتح معها صفحة جديدة مثلما فعل مع أخواتها في البلاد العربية؟ فالغرب يصنّفها كحركة إرهابية، وقد حاصر الحكومة العاشرة التي شكلتها ورفض رفع الحصار عن الحكومة التي شكلتها لاحقا مع حركة فتح وقوى أخرى، وحرّض وما زال أنظمة عربية عليها وعلى قادتها، وتبنى بطريقة مقززة سياسات إسرائيل تجاهها، وإذا كان السبب يعود للأيديولوجيا فهو غير مقنع لأنه يحاور نظيراتها، وسياسيا أبدت حماس مرونة كبيرة، فأعلنت مرارا وتكرارا قبولها بدولة فلسطينية على حدود حزيران 1967م وهي تستعد للمشاركة في إعادة بناء منظمة التحرير، و تلتزم بهدنة يخرقها الاحتلال لا هي، وإذا كان الغرب يرهن علاقته بحماس بقبولها بشروط الرباعية ومنها الاعتراف بإسرائيل فإن الرباعية جسم سياسي يعود لعهد بلير أيام كان رئيس وزراء وجورج بوش وصاحب فكرتها رئيس وزراء إسبانية في تلك الفترة ذهب من غير رجعة(خوسيه أثنار)، وفضائح مبعوثها بلير تتوالى، وعلى كل فإن الغرب يطلب ما لا يستطاع لأنه يستحيل على حماس أن تعترف بإسرائيل!
    وهل سيبقى الغرب مرتهنا لإسرائيل بسبب تأثير اللوبي الصهيوني؟مؤخرا وجهت دعوة لأعضاء من المجلس التشريعي الفلسطيني عن كتلة حماس البرلمانية لزيارة سويسرا وفعلا طار وفد برلماني حمساوي إلى هناك، ولكن الإذاعة العبرية تزعم بأن رئيس الاتحاد البرلماني العالمي وعد ألا يتكرر هذا الأمر واعتذر لرئيس الكنيست، ما مدى صحة هذه الأخبار؟الأيام والأسابيع القادمة ستبين حقيقة الموقف، وسنرى أي لون على ورقة عباد الشمس!
    ليس هناك أي قيمة أو معنى للانفتاح على الحركات الإسلامية ما لم يشمل حركة حماس؛ فحماس-بإجماع الخبراء والمؤرخين- حالة فريدة للحركة الإسلامية على مستوى العالم لخصوصية الجغرافيا وحساسية التاريخ، وحماس تمثل قطاعا لا يمكن تجاهله من الشعب الفلسطيني، وأحد أسباب نفور العرب من الغرب هو تأسيسه لإسرائيل، ثم انحيازه الأعمى لها، وإذا اختار الغرب استثناء حماس من انفتاحه المزعوم أو الظاهر، فهذا لا يسمى انفتاحا أو تغيرا في السياسة، فورقة عباد الشمس هي حماس لا الحرية والعدالة ولا النور ولا النهضة ولا طالبان ولا العدالة والتنمية، وإذا اعتقد الغرب غير ذلك أو تردد فكل ما قام ويقوم أو سيقوم به من خطوات «انفتاحية-حوارية» نتيجتها الصفر المكعب!
    ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
    الأربعاء 24 صفر الخير-1433هـ ، 18/1/2012م
    من قلم:سري سمور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()