بتـــــاريخ : 5/27/2010 7:48:10 PM
الفــــــــئة
  • الأخبـــــــــــار
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 927 0


    لا قداسة للراشى والمرتشى

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : خالد صلاح | المصدر : www.almasry-alyoum.com

    كلمات مفتاحية  :
    الراشي المرتشي مقالات اراء

    المستشار محمد الحسينى حملنا إلى أرض ملغمة بالأسئلة والاشتباكات حين تقدم ببلاغ للنائب العام للتحقيق مع صحيفتى «المصرى اليوم» و«اليوم السابع» بعد نشر مذكرة النيابة بشأن قضية رشوة اثنين من أعضاء مجلس الدولة، جرفنا بنفسه لكى ننطق بما لا نحب فى هذه القضية، وأن نفرج عن علامات الاستفهام التى حبسناها بإرادتنا طوعا تقديرا لمؤسسة القضاء، فقد كنا ننتظر من المستشار الحسينى، رئيس مجلس الدولة، أن يساند النشر ويدفع نحو العلانية حتى يردع هؤلاء الذين يتوهمون أن أموالهم قادرة على شراء كل شىء، بما فيها ذمم بعض القضاة،

    كنا نأمل فى دعمه لمواجهة المال الحرام الذى يتحرك عبثا ليضرب العدالة فى دارها، لكن المسار انحرف بالكامل الآن فبدلا من أن يتفجر النقاش فى المجتمع حول هؤلاء الذين يخططون لشراء الضمائر والبشر والأحكام القضائية أحيانا، تحول الحوار إلى مواجهة بين قضاء مجلس الدولة وحرية الصحافة فى مصر.

    لم تكن نوايانا فى «المصرى اليوم» و«اليوم السابع» قد انعقدت على النيل من هيبة القضاء لكنها استقرت على كشف هؤلاء الذين يتصورون أن (العدل) سلعة يمكن شراؤها من السوبر ماركت، وأن القضاء يمكن عرضه فى بورصة الأموال، ادفع لتحصل على البركة، وادفع لتحصل على صكوك الملكية، وادفع لتهرب من الضرائب، وادفع لتشترى من تشاء متى تشاء فى أى وقت.

    كان هنا جوهر المعركة الأساسية فى نشر مذكرة النيابة، لم يكن القضاة الذين تلقوا الرشوة جزءا من غاية النشر، بل كانت قوى المال التى تريد أن تشترى السلطة وتشترى النفوذ وتشترى القضاء معا فى حزمة واحدة هى أساس المواجهة، وهى هدف الإعلان عن تفاصيل هذا التحقيق الدقيق الذى أجرته نيابة أمن الدولة العليا، هذا المال الحرام الذى يتحرك فى الشرايين ليفسد البشر ويشوه العدل كان هو قضيتنا الأولى،

    هذا المال الذى خاب ظنه وتهاوت خطته الرخوة، وانكسرت شوكته فى تفاصيل التحقيقات كان هو الأساس الذى أردنا للنقاش العام أن ينطلق من حوله، ثم جاء بلاغ المستشار محمد الحسينى لينجرف بنا عن هذه الغاية إلى معركة لم تكن فى ضمائرنا، ولم يستهدفها النشر، نوايانا المهنية فى «المصرى اليوم» و«اليوم السابع» لم تستهدف القضاة بقدر ما استهدفت هؤلاء الذين يخططون عبثا لإفساد صرح للعدالة هو آخر ما نحتمى به اليوم، وهو أول من نستند على أسواره العالية لتأكيد دولة المؤسسات.

    فلم تكن الصحافة المصرية بتنوعاتها المختلفة وألوانها المتعددة تسبغ القداسة على شىء أكثر مما فعلت مع المؤسسة القضائية.. الصحافة اشتبكت مع السلطة التشريعية ممثلة فى مجلس الشعب ولم تتراجع يوما أمام المؤسسة أو الأشخاص من نواب المجلس، والصحافة اشتبكت مع السلطة التنفيذية ممثلة فى الحكومة كمؤسسة وكأشخاص من الوزراء، والصحافة اشتبكت مع المؤسسات الدينية بالفكر والنقاش،

    واشتبكت مع مؤسسات الأمن بالمواجهة والنقد، لكن الصحافة فى مصر آثرت دوما أن تكون أول من يحمى هيبة القضاء، وأكثر من يعلى من شأن قداسة هذه المؤسسة، وأول من ينحاز إلى السلطة القضائية حين تقف وجها لوجه ضد أى من السلطات الأخرى التشريعية أو التنفيذية.

    كنا نعتبر ذلك من تقاليد هذه المهنة عن يقين بأن استقرار هذه المؤسسة وهيبتها هو الضمان الأول لتحقيق العدالة، وأن استقلال هذه المؤسسة هو الضمان الأول لحرية الصحافة التى لم تَحْتَمِ بمؤسسة أكثر مما احتمت بالقضاء حين طاردتها المؤسسات التنفيذية أو التشريعية بقوانين الحبس أو بالإجراءات العقابية.

    الآن وضعنا بلاغ المستشار محمد الحسينى فى مشكلتين أساسيتين:

    الأولى هى وضع حرية الصحافة وجها لوجه أمام مصطلح هيبة القضاء، فى حين أن نشر مذكرة نيابة أمن الدولة هو بحد ذاته تأكيد لهيبة القضاء، فالذى حقق فى القضية هم رجال القضاء، والذى باشر التحقيق هم رجال مجلس الدولة، والذى اتخذ القرار التأديبى النهائى ضد القاضيين هم قضاة مجلس الدولة أيضا، فأى شىء يحافظ على الهيبة أكثر من تأكيد عملية التطهير الأساسية التى يجريها القضاة لأنفسهم دون تردد وبلا ارتباك أو تستر، واتخاذ قرار تأديبى علنى ضد هذين القاضيين.

    المشكلة الثانية والأهم تتعلق بما أشرت له فى البداية من انحراف المناخ العام عن مناقشة القضية الأعظم خطرا وتأثيرا هنا وهى طريقة التفكير الحرام لاستخدام الأموال لجمع النفوذ والسلطة والقوة وتلوين العدالة حسب الأهواء الخاصة.

    مراجعة ما نشرته «المصرى اليوم» و«اليوم السابع» ترفع اللبس بالتأكيد، فالصور المصاحبة لمذكرة النيابة، والتفاصيل التى جرى عرضها للتحقيق استهدفت ألاعيب المال الحرام أكثر دون ان تستهدف النيل من القضاة أنفسهم،

    والحوار الذى أرادته الصحيفتان للمجتمع هو حول المال والسلطة، والمال والعدل، لا حول القضاء وهيبته السامية، نحن نحمى هذا الاستقلال وهذه الهيبة من أجل أنفسنا، ومن أجل حريتنا، ومن أجل إيماننا بدولة المؤسسات، لكننا نؤمن بأن هذه الهيبة تخص أهل العدل لا أهل الرشوة، وأن القداسة التى نحفظها فى قلوبنا للقضاة لا علاقة لها بالراشى والمرتشى، فهؤلاء لا كرامة لهم عندنا ولا قداسة.

    كلمات مفتاحية  :
    الراشي المرتشي مقالات اراء

    تعليقات الزوار ()