يعتبر هشاشة (ترقق) العظام مرضا من أمراض العظام الشائعة تصبح فيه العظام هشة وعرضة للكسر بسهولة. ونتيجة لهذا المرض، تصبح عظام الرجلين والعمود الفقري والحوض والفكين، وعظام الأسنان أيضا، هشة ومعرضة للكسر بسهولة اذ أن أي إرتطام أو سقوط بسيط يمكن أن يؤدي الى كسر خطير
.
وتشير الدراسات الى أن هشاشة العظام هو من أكثر أمراض العظام انتشارا في العالم ويعاني منه بشكل رئيسي النساء فوق سن الأربعين.
ولمرض هشاشة العظام أنواع عدة تختلف باختلاف مسبباتها، فقد يكون هشاشة العظام ناتجا عن تغيرات هرمونية (خاصة في هرمون الأستروجين عند النساء، وهذا ما يجعل النساء أكثر عرضة للاصابة به بعد انقطاع الدورة الشهرية).
أما الأنواع الأخرى فقد يتعرض لها الرجال والنساء على حد سواء وفي مختلف الأعمار وتعود الأسباب الى نقص في العناصر الغذائية الأساسية لصحة العظام، مثل الكالسيوم وفيتامين دال، أو تعود الى اتباع عادات غذائية وأنماط حياتية غير صحية (مثل اتباع أنظمة حمية غير متوازنة، وقلة النشاط الرياضي، والإفراط في التدخين، أو استهلاك منتجات النيكوتين، وشرب منتجات الكافيين أو الكحول بكثرة)، أو بسبب تناول بعض أنواع من الأدوية التي تعالج أمراضا أخرى، كالكورتيكوستيرويدات.
ويهدف علاج هشاشة العظام بشكل رئيسي الى تجنب المزيد من خسارة العظم وتجنب الكسور. وتختلف خيارات العلاج الطبية باختلاف مسببات المرض، لكن ترتكز جميع الخيارات على دعائم أساسية ثلاث وهي:
اتباع نظام غذائي متوازن غني بالكالسيوم وفيتامين دال، اتباع برنامج رياضي منتظم والذي يشمل تمارين رفع أثقال مدروسة وتمارين تدريب للتقوية، واتباع نمط حياة صحي بلا تدخين أو افراط في شرب الكافيين والكحول. وفي بعذ الحالات، يستلزم الأمر تناول بعض الأدوية والعقاقير أيضا إذ يمكن تحسين قوة وكثافة العظم عن طريق العلاج الهرموني أو غير الهرموني باستخدام بعض الأدوية والتي يتم وصفها تبعا لمسببات المرض.
ويوصف العلاج الهرموني للنساء عند انقطاع الدورة الشهرية إذ يقلل من خسارة العظم ويزيد من كثافة عظم العمود الفقري والورك، الا أن الدراسات الحديثة كشفت عن علاقة هذه الأدوية الهرمونية بزيادة امكانية الاصابة بسرطان الثدي والسكتة الدماغية والنوبة القلبية، لهذا يوصى هذا العلاج تحت إشراف طبي ومن ذوي الإختصاص ولا يوصى باستخدام هذا العلاج لفترة طويلة. وتساعد الأدوية غير الهرمونية، مثل البيزفوسفونات، على زيادة كثافة العظم وتقلل الاصابة بالكسور، وتحمي الأشخاص الذين يتناولون أدوية معينة كالكورتيكوسترويدات. ويتم التدخل الطبي والغذائي للحد من الآثار الجانبية لمثل هذه الأدوية، خاصة أنها قد تشمل مشاكل معدية معوية، غثيان، حرقة، أو اهتياج المريء، الى جانب بعض الآلام في البطن أوالمفاصل.
وهناك أدوية شبيهة بالعلاج الهرموني والتي يمكن أن تقوي العظم دون أن تؤثر على الاصابة بسرطان الثدي والرحم، الا أنها قد تزيد من الهبات الساخنة عند انقطاع الدورة الشهرية، كما وتزيد من خطر الاصابة بالجلطات الدموية في الشرايين.
ولكي نحافظ على عظامنا قوية، يجب أن ندخل في غذائنا المواد الغنية بالكالسيوم والمتواجدة في الحليب ومشتقاته كاللبن واللبنة، الجبنة البيضاء، بذور السمسم، السمك الدهني (خاصة السردين و السلمون)، التين المجفف، الدبس، الحمص والطحينة، اللوز والجوز. كما تحتوي الأطعمة المضاف اليها الكالسيوم على نسبة جيدة من الكالسيوم، مثل حبوب الافطار أو السيريال. ولتعزيز كمية الكالسيوم في الوجبة، يمكن اضافة مسحوق حليب خالي الدسم الى الشوربات أو مطحون الفواكه أو المرق. كما وينصح بتناول الأطعمة الغنية بالكالسيوم (أو أقراص الكالسيوم) في المساء لأن أفضل عمليات امتصاص للكالسيوم تتم أثناء الليل.
والجدير بالذكر بأن دورة الكالسيوم في الجسم تحتاج الى عناصر أخرى أهمها فيتامين دال، والفوسفور والمغنيسيوم، وفيتامين كي. ويمكن لنقص الكالسيوم أن يؤدي الى أمراض العظم، بالإضافة الى ضعف عضلة القلب والعضلات الأخرى والى خلل في عمليات حرق الطاقة مع الشعور بعدم الراحة.
ويحتاج جسم الانسان إلى كمية محددة من الكالسيوم تختلف من مرحلة الى أخرى حسب العمر، لكنه في حالة نقص الكالسيوم وهشاشة العظام، فان زيادة الكالسيوم في الطعام عن الحد الضروري لا تعود بالنفع على جسمنا ولا تصحح الخطأ المرتكب في سن مبكرة من عدم كفاية مخزوننا من الكالسيوم، لذا يجب التركيز على توازن وجبات الطعام المقدمة والمتناولة للأطفال والمراهقين والمراهقات. كما وينصح بتحديد كمية القهوة خلال اليوم الى فنجانين فقط وذلك لأن الكافيين الموجود في القهوة يساهم في خسارة الكالسيوم من الجسم.
إضافة الى الكالسيوم، فانه يجب العمل على تناول كمية كافية من فيتامين دال لأنه يساعد على امتصاص الكالسيوم من الطعام داخل الجهاز الهضمي وامتصاصه من قبل العظام. ويعتبر المصدر الرئيسي لفيتامين دال هو أشعة الشمس اذ يمكن الحصول على ما يكفي من فيتامين دال عن طريق تعريض اليدين والوجه والرجلين لأشعة الشمس مدة 5-10 دقائق يوميا. أما الأشخاص ذوي البشرة السمراء أو الذين يبلغون من العمر 50 سنة فما فوق، فيحتاجون للتعرض لمدة أطول تصل الى 15-20 دقيقة يوميا حسبما ورد في توصيات منظمة الصحة العالمية.
ومن المصادر الغذائية لفيتامين دال: الزبدة، صفار البيض، زيوت السمك، مشتقات الحليب، وكبد الحيوان. ومن المستبعد أن يحصل الشخص على احتياجاته من فيتامين دال من الطعام فقط إذ يوفر الطعام بما مقداره 150 وحدة دولية كحد أعلى، بينما يوفر التعرض للشمس نحو 2000 وحدة دولية.
وفي حالة حدوث نقص فيتامين دال، فيتم وصف الحبوب اللازمة تحت إشراف طبي، لأن تناول الكثير من فيتامين دال قد يؤدي إلى التسمم. وأود التنويه هنا الى قيام العديد من الأشخاص بتناول حبوب زيت السمك كمصدر لفيتامين دال، بل أن البعض بنصح الغير بها أيضا، ولكن مثل هذه الحبوب تحتوي على فيتامين ألف أيضا، وقد تكون الجرعة المتناولة سامة اذا تم تناولها بكثرة، كما وأنه يمكن أن يزيد من امكانية الكسور بعكس ما يعتقد البعض، لذا فأحذر من إستعمال مثل هذه الحبوب، وبدون إشراف طبي.
ويعتبر الفوسفور العنصر الرفيق للكالسيوم اذ يتعاون مع الكالسيوم لبناء العظام والأسنان ولتفكيك النشويات والدهون المتناولة داخل الجسم.
وتعتبر الأطعمة الغنية بالكالسيوم مصدرا للفوسفور، ولكن يجب مراعاة الإنتباه الى أن نسبة الفوسفور في الجسم يجب أن تكون أقل من نسبة الكالسيوم (كما هي في الأطعمة الطبيعية)، لذا فاننا ننصح بتخفيف المواد الغذائية المصنعة والغنية بالفوسفور مثل المشروبات الغازية المحتوية على حمض الفوسفور، والكحول، والخمائر لأنها تقلل من امتصاص الكالسيوم.
أما المغنيسيوم، فهو يتواجد بأكثرية في العظام وهو ضروري لعمل الجهاز العصبي وانتقال النبضات العصبية ولحماية العضلات ومعالجتها بالتعاون مع الكالسيوم، ولحماية الأسنان من التسوس. ومن مصادره: عصير الجريب فروت، عصير البندورة، الموز، الحبوب الكاملة، المكسرات كالجوز والكاجو والفول السوداني، الحليب المجفف، الكاكاو والشوكولاتة.
ومن العناصر الرفيقة أيضا هو عنصر الكبريت إذ ينصح بتناول الأطعمة الغنية بالكبريت مثل الثوم والبصل والبيض لأن الكبريت ضروري لصحة العظام. وهناك بعض الأبحاث التي أشارت إلى دور بعض أنواع فول الصويا في علاج هشاشة العظام للسيدات بعد مرحلة انقطاع الدورة الشهرية لأنها غنية بالفيتواستروجين ولأن قلة الأستروجين في جسم المرأة عند انقطاع الدورة تساهم في هشاشة العظام.
وقد أشارت الأبحاث الحديثة إلى دور فيتامين كي في صحة العظام إذ تسببت الكميات القليلة من فيتامين كي في الدم إلى زيادة نسبة قلة كثافة العظام. وبرغم ذلك فإن الإجماع العلمي المبني على الدراسات في الأعوام الأخيرة لا ينصح بالإعتماد على تناول المكملات الغذائية من فيتامين كي بل يدعو إلى مراعاة التوازن والتكامل الغذائي بشكل يومي، وحسب الحالات الفردية، فقد نستدعي تدخلا طبيا تغذويا معينا من أجل موازنة الغذاء المتناول، والأدوية المتناولة مع وصف لبعض المكملات الغذائية إذا لزم الأمر وحسب الفحوصات المخبرية والتاريخ المرضي للفرد. والجدير بالذكر إلى أنه يتم تصنيع جزء من فيتامين كي عن طريق الميكروبات الموجودة في الجهاز الهضمي لجسم الإنسان، ولكن الكميات المنتجة ليست كافية لتلبية إحتياجات الجسم، فنعتمد بالتالي على المصادر الغذائية لفيتامين كي، والتي على رأسها الخضار الورقية الخضراء، مثل السبانخ والروكولي والملفوف، والزهرة أو القرنبيط، والبامية، وبعض الفواكه كالفراولة والكيوي والعنب الأسود، وبنسبة أقل في كل من البيض، والحليب، ورقائق الشوفان، وبعض المكسرات.
وفي النهاية أقول نعم، ترتبط العديد من العناصر الغذائية في تحديد خطر إصابتنا وقدرتنا على حماية عظامنا من ترققها، وأذكر بالأخص الكالسيوم، وفيتامين دال، الفسفور، المغنيسيوم، الكبريت، فول الصويا، وفيتامين كي إذ تلعب حميتنا الدور الأعظم في توفير احتياجاتنا من هذه العناصر وبنسب إحتياجنا منها.