السلاآم عليكم وحمة الله وبركــآإته
د. حسن محمد صندقجي
المفارقات الصحية كثيرة، وأحد الأسباب أن الوسط الطبي قد يكون في بعض الأحيان في واد، وعموم الناس في واد آخر. ولأن التواصل يجب أن يبدأ من الوسط الطبي بإيصال المعلومة إلى الناس، فإن تقاعس الأطباء عن الحديث حول ما ثبتت فائدته الصحية، وحول ما هو ضار، أضحى أمرا ملحا.
والأمثلة كثيرة وكثيرة جدا. وأحدها تلك «السمعة السيئة» المنتشرة لدى كثير من الناس حول المكسرات و«أضرار» تناولها! وفي حين لا تفوت المصادر الطبية أي مناسبة للإشادة بالمكسرات وفوائدها الصحية، نجد أن تلك السمعة السيئة للمكسرات هي التي تجعل الكثيرين يحجمون عن تناولها حينما يعقد العزم على البدء في الاهتمام بالصحة والبدء في انتقاء وتناول الأطعمة الصحية.
وتشير مصادر طب القلب صراحة، إلى أن تناول المكسرات هو جزء من برنامج الغذاء الصحي والجيد لإعطاء القلب مزيدا من القوة والنشاط والسلامة من الأمراض، وتحديدا للشرايين التاجية وعضلة القلب النابضة. وتضيف المصادر هذه في حديثها مجال إضافة المكسرات إلى البرنامج اليومي للغذاء «المتوازن والصحي»، وهو أن تكون المكسرات «وجبة خفيفة» أو «سناك» (snack) يتناولها المرء فيما بين وجبتين رئيسيتين. أي بين الإفطار والغداء، أو بين الغداء والعشاء.
ولا تكتفي بهذه الإشادة مصادر طب القلب، بل أيضا طب الجهاز الهضمي وطب الأعصاب وطب الجلدية وغيرها.
ومن الناحية العملية، وكما يقول الباحثون من «مايو كلينك»، فإن المكسرات تتميز بأنها منتج غذائي رخيص الثمن، وهي سهلة التخزين والحفظ، وأيضا سهلة النقل إلى المدرسة أو مكان العمل أو في الرحلات والنزهات. ويضيفون أن الجوز واللوز والبندق، أو ما شئت تسميته من أنواع المكسرات، كلها مليئة بالعناصر الغذائية الصحية المدمجة والمختزنة في العبوة الصغيرة لحبة نوع من المكسرات تلك. وإذا ما كنت مريضا بالقلب، فإن تناولك المكسرات بدلا من أنواع الوجبات الخفيفة الضارة أو الأقل قيمة صحية منها، هو أمر يساعدك على تحسين صحة قلبك.
والواقع أن معظم الدراسات الطبية التي تتبعت مستوى صحة أولئك الأشخاص الذين يحرصون على تناول القليل من المكسرات بشكل يومي، وجدت في نتائجها أن نسبة الكولسترول الخفيف الضار (LDL) تنخفض لديهم، وترتفع نسبة الكولسترول الثقيل الحميد (HDL). ومعلوم أن ارتفاع الكولسترول الخفيف هو السبب الرئيسي وراء نشوء ضيق وانسداد الشرايين التاجية، المؤدية إلى الجلطات والنوبات القلبية، بكل تداعياتها المحزنة. كما أنها تحتوي على عناصر غذائية تعطي مزيدا من الصحة والحيوية لطبقة أنسجة بطانة الشرايين. وترفع من مستوى مرونة وقوة الطبقات العضلية المغلفة للشرايين.
وهناك عدة أسباب لقدرة المكسرات على تقديم الفوائد الصحية تلك على القلب وبقية أجزاء الجسم. وأهمها أن المكسرات تحتوي على نوعية الدهون «غير المشبعة» (Unsaturated fats). وبخلاف الدهون «المشبعة» الموجودة في المنتجات الغذائية الحيوانية، فإن الدهون «غير المشبعة» تعمل على خفض نسبة الكولسترول الضار.
ومن بين مجموعات «الدهون غير المشبعة»، تحتوي المكسرات على كمية مركزة من دهون «أوميغا - 3» (3 fatty acids - omega). وثمة أدلة علمية على أن لدهون «أوميغا - 3» دورا في خفض نشوء اضطرابات نبضات القلب، وبخاصة منع ظهور الأنواع شديدة الضرر من اضطرابات إيقاع نبضات القلب.
وتحتوي المكسرات على مواد «إل - أرجنين» (L – arginine). وهذه المواد تعمل على تحسين المستوى الصحي لجدران الشرايين، ورفع مستوى مرونتها، وتقليل تكوين الجلطات الدموية على بطانتها. ومعلوم أن تصلب الشرايين وتدني مرونة توسعها وانقباضها، وتكوين الجلطات داخلها، هي علامات حصول أمراض الشرايين التاجية. ومن البديهي أننا لو وجدنا مواد طبيعية تقوم بحماية الشرايين وإعطائها الصحية، فإن ذلك أفضل من اللجوء إلى تناول الأدوية والمركبات الكيميائية غير الطبيعية.
وفي عبوة (كبسولة) الحبة من المكسرات غير هذا أيضا، فهناك مواد الألياف النباتية (Fiber) وفيتامين «إي» (E) الطبيعي، ومواد ستيرول النباتية (Plant sterols). ولكل واحدة منها قصة. والألياف النباتية هي المواد الغذائية ثابتة الفائدة بشكل علمي مدروس في خفض نسبة كولسترول الدم، وخفض امتصاص الأمعاء للكولسترول والدهون والسكريات. ولذا فإن الحرص على تناولها، عبر تناول المنتجات الغذائية النباتية الغنية بها، هو وسيلة لحماية الشرايين القلبية ولخفض الكولسترول ولتقليل الإصابات بمرض السكري ولضبط الارتفاعات في نسبة سكر الدم في الفترة التي تلي تناول وجبات الطعام.
وبخلاف الفيتامين الصناعي المتوفر في حبوب فيتامين «إي»، فإن فيتامين «إي» الطبيعي أحد المواد المضادة للأكسدة والواقية من ترسيخ ترسيب الكولسترول في جدران الشرايين.
ومواد ستيرول أحد أهم المواد التي تم في التسعينات الماضية اكتشافها لجهة خفض كولسترول الدم. وتعمل هذه المواد المتوفرة فقط في المنتجات النباتية، والمكسرات من أهم مصادرها، على إعاقة امتصاص الأمعاء للكولسترول. والحقيقة العلمية تقول إن الكولسترول مادة لا توجد إلا في المنتجات ذات المصدر الحيواني، أي اللحوم والبيض ومشتقات الألبان والأسماك والمأكولات البحرية الأخرى، بينما لا تحتوي المنتجات النباتية قاطبة، كالخضار والفواكه والبقول والحبوب والمكسرات والزيوت النباتية كلها، مطلقا على أي نسبة من الكولسترول.
والمطلوب هو تناول كمية قدرها 45 غراما، كل يوم، من أحد أنواع المكسرات. وأفضلها الجوز، أو ما يسمى بـ«عين الجمل»، والفستق الحلبي، واللوز، والبندق. أي ما يملأ الكف من أحد أنواع المكسرات تلك.
* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض