هل صحيح بأن اليوم العاشر من محرم يصادف اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي رضي الله عنهما، وقطع رأسه ومثل بجسده، وأخذ رأسه على رمح إلى الخليفة يزيد آنذاك، فإن كان ذلك حدث فعلاً في هذا اليوم فما هو دورنا نحن أهل السنة والجماعة حيال هذه القضية ؟ هل نتجاهل هذا اليوم ولا نتحدث عن تفاصيله على المنابر الدينية الرسمية كخطب الجمعة ، أي هل هي ردة فعل من قبلنا نحن أهل السنة والجماعة ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد استشهد سيدنا الحسين السبط رضي الله عنه في يوم عاشوراء سنة إحدى وستين في قول جماعة المؤرخين.
قال الذهبي في السير : مات يوم عاشوراء، سنة إحدى وستين. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : والحسين -رضي الله عنه ولعن من قتله ورضي بقتله- قتل يوم عاشوراء عام واحد وستين. انتهى.
وأهل السنة والجماعة يحزنون لمقتل الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتألم قلوبهم لذلك، فيصبرون ويحتسبون هذا المصاب عند الله تعالى، وإذا ذكروا هذا المصاب استرجعوا فيؤجرون لذلك.
قال شيخ الإسلام رحمه الله : والحسين رضي الله عنه أكرمه الله تعالى بالشهادة في هذا اليوم، وأهان بذلك من قتله أو أعان على قتله أو رضي بقتله، وله أسوة حسنة بمن سبقه من الشهداء، فإنه وأخوه سيدا شباب أهل الجنة، وكانا قد تربيا في عز الإسلام لم ينالا من الهجرة والجهاد والصبر على الأذى في الله ما ناله أهل بيته، فأكرمهما الله تعالى بالشهادة تكميلا لكرامتهما ورفعا لدرجاتهما، وقتله مصيبة عظيمة، والله سبحانه قد شرع الاسترجاع عند المصيبة بقوله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) {البقرة}, وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما من مسلم يصاب بمصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها . ومن أحسن ما يذكر هنا : أنه قد روى الإمام أحمد وابن ماجه عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من مسلم يصاب بمصيبة وإن قدمت فيحدث عندها استرجاعها كتب الله له مثلها يوم أصيب . هذا حديث رواه عن الحسين ابنته فاطمة التي شهدت مصرعه. وقد علم أن المصيبة بالحسين - على أية حال - تذكر مع تقادم العهد فكان في محاسن الإسلام أن بلغ هو هذه السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أنه كلما ذكرت هذه المصيبة يسترجع لها فيكون للإنسان من الأجر مثل الأجر يوم أصيب بها المسلمون. انتهى .
وهذا الذكر والاستحضار للمصيبة والحزن عليها لا يختص بيوم عاشوراء، بل كلما ذكر المسلم هذا المصاب واسترجع رجي له حصول الأجر الموعود في الحديث.
وأما اتخاذ ذلك اليوم مأتما وموسما للنياحة يردد فيه خبر مقتل الحسين -على أية حال- مع ما زيد فيه من زيادات لا تصح فضلا عما يربو على ذلك من لطم الخدود وشق الجيوب فهو من عمل أهل البدع الجهال، ولقد قتل من هو خير من الحسين رضي الله عنه، فقتل أبوه علي رضي الله عنه وهو خير منه، وقتل عثمان رضي الله عنهم جميعا، ولم يتخذ المسلمون يوم مقتلهم مأتما وموسما لتجديد الحزن والنياحة، فهذا من فرط الجهل والضلال عن الحق.
فالموقف الصحيح للمسلم التابع للسنة في يوم عاشوراء هو أن يصومه اتباعا للسنة، وأن يجانب ما أحدثه الناس فيه من البدع والمخالفات من إظهار الحزن والجزع أو إظهار الفرح والسرور.
قال شيخ الإسلام رحمه الله : وصارت البدع والأهواء والكذب تزداد حتى حدث أمور يطول شرحها، مثل ما ابتدعه كثير من المتأخرين يوم عاشوراء فقوم يجعلونه مأتما يظهرون فيه النياحة والجزع وتعذيب النفوس وظلم البهائم وسب من مات من أولياء الله والكذب على أهل البيت وغير ذلك من المنكرات المنهي عنها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتفاق المسلمين ... وقوم من المتسننة رووا ورويت لهم أحاديث موضوعة بنوا عليها ما جعلوه شعارا في هذا اليوم يعارضون به شعار ذلك القوم فقابلوا باطلا بباطل وردوا بدعة ببدعة، وإن كانت إحداهما أعظم في الفساد وأعون لأهل الإلحاد. انتهى.
والحاصل أن أهل السنة وسط بين الغالي والجافي، فهم لا يظهرون الفرح في يوم عاشوراء كرد فعل على ما يفعله أهل البدع لأن البدع لا تقاوم بمثلها، وأما موقفهم من مقتل الحسين الشهيد رضي الله عنه فقد مر إيضاحه مستوفى .