ختمت مقالي السابق بالقول : إذا كان ميسي قد وصل إلى الفورمة الكبيرة التي تلازمه ، فلا أظن أن الاوروجواي قادرة على أن تحقق معجزة جديدة في " لوبيززو" على طريقة " الماراكانازو" !! .. ولكن ماتحقق بالفعل فجر اليوم كان عكس ما ذهبت إليه ، فقد فاز منتخب الاوروجواي بركلات الترجيح وأسقط منتخب راقصي التانجو، صاحب الارض والجمهور في عقر داره ومن مرحلة مبكرة لا تليق بهذا الفريق الكبير الذي يعاني قلة الابداع والعمل الجماعي وافتقاد الثقة رغم أنه يضم أفضل لاعب في العالم !
واستحق نجوم الاوروجواي كل التهنئة والتقدير والاحترام ، لانهم حققوا معجزة كروية جديدة في" لوبيززو" ، واستطاعوا تكرار معجزة أو اسطورة "الماراكانازو" التي جرت من 61 عاما حينما قهر منتخبهم ، منتخب السامبا علي ملعبه الاشهر في العالم ستاد " الماراكانا " أكبر ستاد في الكرة الارضية في نهائي كأس العالم عام 1950، ليفوزوا بالمباراة وبكأس العالم، ورغم أنهم لعبوا فجر اليوم في ستاد الجنرال" لوبيز" ، امام منتخب التانجو المفعم بالنجوم وأمام 47 ألف من جماهيره ورغم أنهم لعبوا حوالي 47 دقيقة بعشرة لاعبين فقط ، فلم يستسلموا أو يفقدوا الثقة والامل والتحدي والرغبة في الفوز ، ولم يشعر أحد نهائيا ، بأن عددهم أقل من منافسيهم ، أو أنهم في موقف الاضعف ، بل ظلوا يدافعون في قوة ، ويهاجمون في ثقة وبراعة ، وأكدوا أن الدفاع القوي الواثق هو القاعدة القوية التي ينطلق منها الهجوم والتفوق ، والعكس صحيح ، فإذا كنت تمتلك فريقا مميزا بأبرع المهاجمين ، وليس لديك دفاعا ثابتا متماسكا ، فلن تصل أبداً إلى القمة ومن هذه النقطة خسرت الارجنتين وودعت مبكرا .
وأعترف بأنني لم أكن موفقا في رؤيتي الفنية لاوراق الفريقين ، ولإفراطي في التفاؤل بأن ميسي وحده قادر على حمل منتخب التانجو إلى المراحل الاهم في البطولة، ولكن الحق يقال أن لاعبا واحدا مهما كان وحتى لو بمستوى الافذاذ مثل ميسي ليس قادراً على ضمان الفوز لفريقه ، خاصة عندما تختفي مفاتح اللعب الاخرى ، ويبني المدرب خطته عليه وحده ، ويقف زملاءوه مكتوفي الايدي ، فاقدين الثقة وكل مهمتهم انتظار ابداعات زميلهم الفذ ، وبعيدا عن دقائق محدودة جدا ولعبات معدودة من هيجواين ، أو دي ماريا او البديلين باستوري وتيفيز ، فقد كان باقي لاعبي الارجنتين موظفين سلبيين ، ولم يكن أي واحد منهم ، يستحق أن نطلق عليهم مفاتيح لعب – ولو صغيرة – لمنتخبهم ، او لتبادل الادوار مع ميسي الذي لم يقصر ، ولكن "يدا وحدها لن تصفق " ، وشتان الفارق ما بين روح وتحركات ومفاتيح ومواهب نجوم برشلونة الذين يتحركون بإنسجام وتجانس مع ميسي ، فتظهره معدنا نفيسا براقاً ، وبين لاعبين كسالي، كأنهم موظفين، يفتقدون الحمية والنخوة والثقة والابداع ، ومدرب مثل "باتيستا" استسهل القضية ، وأوكل أمره إلى ميسي بمفرده وجعله السيناريو الوحيد في الاداء ، فلما روقب وحوصر وتخلى التوفيق عن لعباته في مواجهة دفاع صارم وحارس متألق وموهوب ، أصبح فريق التانجو بلا حول ولا قوة، ولا بريق ، وقد شاهدنا كم كان اجويرو سلبيا ، ودي ماريا تائها ، وزانيتي غائبا، وماسكيرانو وجاجو متراجعين وزاباليتا طائشا ، كما كان الدفاع كله مهزوزا ومرعوبا من الكرات العالية التي تمر عبر منطقة جزاءه ، وكأنها ألعاب هوائية محرم عليهم المشاركة فيها رغم أنها في قواعد كرة القدم أسهل اللعبات التي يمكن التصدي لها وإبعاد خطورتها ولو بشكل طائش .
وعن الفريق الاوروجواياني الكبير ، فحدث ولا حرج ، فقد كان فورلان ووسواريز مصدر رعب دائم لدفاعات التانجو ، حتى لو كان أحدهما بمفرده في مواجهة ثلاثة مدافعين ، وتستغرب كيف نال مدافعو التانجو 7 إنذارات منها 2 لماسكيرانو ، لتكتشف كيف كان رعبهم من مهارات المنافسين ، ولم يكن وحدهما فورلان وسواريز النجوم او مفاتيح اللعب ، فقد كان مدربهم تاباريز أستاذا ومفكرا في التخطيط للمباراة وقيادة فريقه في الملعب ، كما أن باقي لاعبيه كانوا في مستوي من التألق والثقة ، لايقل عن نجميهم فورلان وسواريز، وخاصة في العمل الجماعي دفاعا وهجوما ، وفب تعاونهم المثالي في رقابة ميسي للحد من خطورته وادائهم بروح عالية وثقة كبيرة ، أصابت لاعبي التانجو ب "الخضة" والتحفظ حتي عندما كان الاوروجوانيون أقل في العدد طيلة 47 دقيقة وفي ظل تشجيع وزئير مرعب ل 47 ألف متفرج ارجنتيني، وكان اللجوء لركلات الترجيح بالطبع نهاية طيبة لفريق ضيف ، نجح في إكمال تألقه وعبور الحاجز الارجنتيني المنيع ليحقق معجزة كروية أخري في ملعب منيع وأمام منتخب عملاق .. وليثبت هذا الفريق وهو الفائز بالمركز الرابع في مونديال جنوب افريقيا ، أنه لا يزال واحدا من أقوى منتخبات العالم ، وليس فقط قارة امريكا الجنوبية .. وربما ليس من المستبعد أن نراه في النهائي ، وأيضا ربما نراه يعود إلى بلاده حاملا كأس كوبا امريكا ، ليستكمل معجزة الماراكانازو !