قوله: [فيمسح المقيم، والعاصي بسفره] لأن سفر المعصية لا تستباح به الرخص. [من الحدث بعد اللبس يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن ] لا نعلم فيه خلافا في المذهب. قاله في الشرح لحديث علي رواه مسلم . وعن عوف بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم رواه أحمد وقال: هذا أجود حديث في المسح على الخفين؛ لأنه في غزوة تبوك آخر غزوة غزاها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الشرح: جاء في توقيت المسح أحاديث كثيرة عن الصحابة، كعلي، وصفوان بن عسال، وعوف، وغيرهم- رضي الله عنهم أجمعين- وفيها الفرق بين المقيم والمسافر. فقد جعل الشارع للمقيم يوما وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وذلك لأن السفر مظنة المشقة فزيد في رخصته. ويلحق بالمقيم: العاصي بسفره- كما سبق- فيمسح المسافر سفر معصية يوما وليلة كالمقيم، ويمسح المسافر الذي ليس سفره سفر معصية ثلاثة أيام بلياليهن. وقد اتفق على هذا التوقيت الفقهاء والعلماء الذين أجازوا المسح، وذلك لقوة الأحاديث وكثرتها، والتي فيها التفريق بين المقيم والمسافر. وقد روي في حديث أن رجلا قال: يا رسول الله أمسح على الخفين؟ قال: نعم قال: يوما؟ قال: نعم قال: يومين؟ قال: نعم قال: وثلاثة؟ قال: نعم.. وما شئت . وهذا الحديث يستدل به شيخ الإسلام وغيره على عدم التوقيت، ولذلك فقد عمل به- رحمه الله- لما سافر على البريد إلى مصر عندما جد به السير، فخاف أن يتأخر عن أصحابه . وذهب الجمهور إلى أن هذا الحديث قد خالف أحاديث التوقيت، فحمله بعضهم على أن المراد منه الترخيص في المسح على الخفين إذا احتاج الإنسان لذلك ولو طالت مدة لبسه لهما، بشرط أن يجدد لبسهما والمسح عليهما إذا انتهت المدة، جمعا بين هذا الحديث وأحاديث التوقيت المشهورة. وبعضهم حمل هذا على أنه خاص بصاحب البريد الذي يشق عليه النزول؛ لأنه يواصل سيره ليلا ونهارا، كما فعل شيخ الإسلام. ثم اختلفوا: متى يبدأ وقت المسح؟ فقال أكثرهم: يبدأ الوقت من الحدث بعد اللبس، يعني: من أول حدث يحدثه الإنسان بعد لبسه للخف. وذهب آخرون- منهم شيخ الإسلام- إلى أن الوقت يبدأ من أول مسح؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-
فكلمة: (نمسح) يعني: نبدأ بالمسح، فعلى هذا القول يبدأ التوقيت مع أول مسحة يمسحها الإنسان على خفيه إذا لبسهما على طهارة، فلو أن إنسانا أحدث في أول النهار (أي بعد صلاة الفجر) ولكنه لم يحتج إلى الوضوء ذلك النهار، ولم يمسح على خفيه إلا وقت العصر- بأن كان مسافرا مثلا، وآخر الظهر فلم يمسح إلا وقت العصر. فأول حدث أصابه كان بعد صلاة الفجر، وأول مسح له على الخف كان في وقت صلاة العصر. فعلى القول الأول تنتهي مدة مسحه إذا صلى الفجر من اليوم الثاني؛ لأن وقت المسح بدأ عندهم مع أول حديث له بعد لبس الخف، فلو أراد أن يصلي ركعتي الإشراق بعد صلاة الفجر من اليوم الثاني، فإن ذلك لا يباح له عندهم، ولا تصح صلاته؛ لأنه صلاها على غير طهارة. أما على القول الثاني فإن مسحه ينتهي في وقت العصر من اليوم الثاني؛ لأن وقت المسح عندهم يبدأ مع أول مسحة مسحها على خفيه بعد تمام الطهارة- كما سبق-. ولعل هذا القول وهو الذي اختاره شيخ الإسلام هو الأرجح لظاهر الحديث
فكلمة (نمسح) تقتضي أن اليوم والليلة تبدآن بالمسح، لكن يرد عليه أنه لو مسح قبل الحدث لبدأ الوقت من أول مسح، ولو كان على طهارة.