الطفولة مرحلة حلوة يمر بها كل إنسان، وتمتاز عن غيرها من المراحل بحب اللعب والمرح وعدم الاكتراث بمشاغل الحياة ومتاعبها ويتمتع الأطفال ببراءة طبيعية تجعلهم كالورقة البيضاء التي لم يكتب بها شيء بعد، ولهذا يتلقى الأطفال النقوش الأولى التي تنير لهم طرق الحياة في البيئة المحيطة بهم لا سيما المنزل حيث تترسخ في أذهانهم تربية الآباء التي تطبع فيهم بطابعها الخاص، وتترك فيهم بصماتها الواضحة التي يصعب محوها، ثم يتأثر الأطفال بما يرونه في الشارع ثم المدرسة، ولكن دور المنزل يعد الدور الرئيس والأهم، وقد أصبح هذا الدور المهم يتعرض في الآونة الأخيرة إلى تهميش واضح من قبل آلات الترفيه المتعددة من مثل التلفاز والفيديو والفضائيات، والإنترنت وأخيراً جاء دور الألعاب الإلكترونية، وكل هذه الآلات تؤثر سلباً في العملية التربوية، ولكن الألعاب الإلكترونية تعد أكثر خطورة وأشد تأثيراً حيث إن الطفل يمثل الدور الفاعل والمسيطر في الساحة بينما يمثل دور المتلقي في الآلات الأخرى، والأنكى من ذلك أنها تجمع التأثير البصري والصوتي والحركي معاً وبتوجيه من الطفل.
وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الألعاب أصبحت تمثل خطورة أخلاقية للأطفال، حيث إن بعض الألعاب الموجودة في الأسواق المحلية والعالمية تعلم الأطفال قيما أخلاقية منفلتة من حيث الأفعال الإجرامية كالقتل والتدمير والتمرد على القانون أو من حيث تعليم الأطفال الخلاعة والمجون.
والغريب أن بعض الصحف الكويتية بدأت تنشر إعلانات لهذه الألعاب الخلاعية والإجرامية، وتباع نسخاً تقليد ونسخاً أصلية ببعض الجمعيات التعاونية، والمحلات الكبرى وتتراوح قيمتها من دينار للعبة التقليدية إلى 32 ديناراً للعبة الأصلية.
عنف وخلاعة
- ويؤكد أحمد عامر وهو أحد المتابعين لهذه الألعاب أن لعبة >حرامي السيارات الجزء الخامس< التي توجد في أغلب البيوت أنها تحوي مشاهد عنيفة وخلاعية، ويقول شاهدت برنامجاً في أحد التلفزيونات الأمريكية يتحدث عن محتوياتها ثم عمل مقابلات متعددة مع بعض أولياء الأمور الذين طالبوا بمنع هذه اللعبة بعدما رأوا محتوياتها وعلموا حقيقتها، وأضاف أحمد قائلاً: إنني متأكد أن أغلب أولياء الأمور في الكويت وغيرها من البلدان الإسلامية لا يعرفون محتوياتها، وإذا علموا ما تحويه من مشاهد خلاعية وكلمات مثيرة، ما ترددوا بالمطالبة بمنعها.
قصص واقعية
وتشير البرامج الوثائقية التي تتحدث عن هذه اللعبة إلى بعض القصص التي توضح كيف أثرت هذه اللعبة على المراهقين، ومنها أن مراهقاً أمريكياً قتل شرطياً وحينما سئل قال: أحببت أن أتقمص شخصية البطل الذي لا يفتؤ يقتل الشرطة دائماً، ولذلك اعتقد المراهق أن قتل الشرطة نوع من أنواع البطولة، وهذا خطر كبير جداً؛ لأن الأطفال يجب أن يتربوا على حب النظام واحترام الشرطة ورجال الأمن حتى لا يصبحوا فريسة سهلة للعصابات الإجرامية.
وتعد شركة سوني من أشهر الشركات المنتجة لأجهزة التحكم الخاصة بألعاب الفيديو ومن إصداراتها >البلاي استيشن< والتي تعد من الألعاب الأكثر انتشاراً لدى الأطفال والمراهقين، وتشير الإحصاءات الصادرة من الأسواق العربية والخليجية بصورة خاصة إلى أن الشريحة العمرية الأكثر إنفاقاً على ألعاب الفيديو تتراوح بين الثالثة عشر والثالثة والعشرين عاماً، ومع ذلك لا تزال نسبة استخدام الأسواق العربية لألعاب الفيديو ضعيفة جداً بسبب انتشار النسخ المقلدة إلا أنها بدأت في الآونة الأخيرة بالتوسع بشكل سريع لا سيما بعد ظهور >البلاي ستيشن2<.
إجرام وسرقة
والعجيب في الأمر أن كثيراً من هذه الألعاب تتضمن مقاطع خلاعية، أما الإجرام كالقتل والسرقة فيمكن أن نقول إنها تمثل الأغلب الأعم فيها ومما يبعث الحيرة والأسى أن كثيراً من الجرائد والمجلات مازالت تنشر لها إعلانات ترويجية ودعائية، وضمن هذه الإعلانات توجد الكلمات السرية للألعاب، وهذه الكلمات مليئة بالألفاظ الإباحية، التي لو علمها أولياء الأمور لطالبوا بإيقاف مثل هذه الألعاب والترويج لها، ويعجب المرأ حين يتصفح بعض هذه المجلات أو الجرائد ويرى الجرأة على نشر الفساد، من غير حياء ولا خوف حتى إنهم يضعون ألفاظاً مترجمة باللغة العربية، ونذكر بعض الألفاظ التي وردت في جريدة صادرة من الكويت بتاريخ 6/1/2006 وهي كالتالي:
> الرغبة الجنسية الكاملة، العالم المنحرف، الناس لا يرتدون ملابس البحر في أعلى درجات الإغراء< وهناك ألفاظ أسوأ منها توجد في المنشورات الأجنبية المكتوبة باللغة الإنجليزية التي يتناقلها الأطفال فيما بينهم ومنها >المو... يملئون الشوارع ومعهم ألعاب جنسية، المو... يدفعون لك المال وأنت لا تدفع< وغير ذلك من الألفاظ الخلاعية التي أصبحت ضمن الثقافة اليومية لأطفالنا ونحن لا ندري لأن كثيراً منا يعتقد أن أن هذه الألعاب التي يتعامل معها أطفالنا ما هي إلا مجرد تسلية ليس لها بُعد آخر، ومن هنا نطرح هذه التساؤلات أمام أولياء الأمور والمسؤولين، ونقول: ماذا يكون جواب الآباء إذا قال أبناؤهم الصغار نحن ذاهبون إلى العالم المنحرف الذي توجد فيه الرغبة الجنسية الكاملة؟!، لماذا لا توجد هناك هيئة رقابية تتابع مثل هذه الأمور؟ وأين وزارة الإعلام من هذه الأمور التي تكاد تفتك بأخلاقيات المجتمع وتحاول تغيير قيمنا من خلال إفساد فلذات أكبادنا؟ وأين دور مجلس الأمة لمراقبة مثل هذه السلبيات المشينة؟ ولماذا لا يكون هناك مراقبون ومفتشون لمحلات بيع أسطوانات الألعاب؟ وكذلك مراقبة الإعلانات الترويجية التي تشجع الأطفال والشباب على استخدام هذه الألعاب وكذلك استخدام الكلمات السرية الخلاعية التي تفتح لهم آفاقاً بعيدة لا يستطيع أن يصل إليها إلا من خلال هذه الكلمات؛ لأن هذه الكلمات السرية هي التي يستطيع من خلالها اللاعب أن يصل إلى الأماكن الأخطر إجراماًَ وخلاعة، بل يمكن أن يدخل أماكن للتعري بمجرد وضعه الكلمة السرية حيث عالم الانحراف والساقطات كما هو موضح في الكلمة السرية، وقد أكد بعض المتابعين أنه شاهد بعض هذه الألعاب وهي عبارة عن فتيات، ويكون الفائز من يستطيع أن يعري الفتاة التي أمامه أكثر من الآخر وآخر قطعة يسقطها عن جسدها هي مكمن فوزه.
هجمة شرسة
وهذا كله يوضح أننا نتعرض إلى هجمة شرسة تستهدف أغلى ما نملك الذي هو ديننا وقيمنا الأخلاقية والتي مازلنا نتمسك بها في وقت تحرر الآخرون من كل ما يمت إلى الأخلاق والدين بصلة، وعليه ينبغي على الجميع أن يتوحدوا في مواجهة هذه الكوارث الأخلاقية وعلى الحكومة أن تقوم بواجبها للحفاظ على أخلاقيات المجتمع وقيمه، لا سيما وزارة الإعلام التي يجب ألا تهمل دورها الرقابي وألا تعتقد أن هذه الأمور تخص وزارة الشؤون والعمل أو التجارة، فالكل يجب أن يؤدي أمانته بأحسن ما يمكن لا سيما فيما يتعلق بنشر الألفاظ الخلاعية في الإعلانات، كما أننا نناشد أعضاء مجلس الأمة الموقرين أن يقفوا أمام هذه الثقافة الوافدة التي تنشر في أوساط الشباب الإجرام والخلاعة، وعدم احترام القانون حيث إن هذه الألعاب ترسخ في عقلية الطفل أو المراهق أن القتل بطولة لا سيما قتل الشرطة، وهذه مصيبة بحد ذاتها، أما ألعاب السرعة فأعتقد أننا نشاهد أثرها لدى الشباب في الشوارع والأرقام التي تنشرها وزارة الداخلية عن حوادث السيارات في كل عام خير دليل على هذا التأثير الجنوني لهذه الألعاب.
وتؤكد الدراسات التي تحدثت عن تأثير هذه الألعاب على الأطفال أن الأطفال المولعين بها يصابون بتشنجات عصبية تدل على توغل سمة العنف والتوتر الشديد في أوصالهم ودمائهم حتى ربما يصل الأمر إلى أمراض الصرع الدماغي ويؤكد الخبراء أيضاً أن الطفل المدمن لهذه الألعاب يصبح عنيفاً؛ لأن كثيراً من الألعاب >كالقاتل الأول< تزيد رصيد اللاعب من النقاط كلما تزايد عدد قتلاه، وهنا يتعلم الطفل ثنائية أن القتل شيء مقبول وممتع، ولذلك فإن الطفل هنا يشارك في العنف بالقتل والضرب والتخريب والسحق والخطف ونحو ذلك.
وتشير الدراسات أيضاً إلى أن الأطفال المدمنين على ألعاب الفيديو أكثر عرضة للإخفاق الدراسي وأضعف في تطوير المهارات الدراسية نتيجة الإضراب العصبي الذي يسببه التركيز لفترات طويلة أمام اللعبة، وسجل الأطباء ارتفاعاً في عدد الأطفال الذين يعانون ضعف البصر ويحتاجون إلى نظارة طبية، كما سجل أطباء العظام نسبة مخيفة في تشوهات العمود الفقري لدى الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات وفي أيديهم جهاز التحكم بالألعاب.
حلول
ويعتقد الباحثون أن ألعاب الفيديو يمكن تسخيرها لتطوير القدرات الذهنية لدى البالغين والأطفال في عمر المراهقة، وتحديداً ألعاب التخطيط الاستراتيجي، وقد وضع بعض الباحثين حلولاً يمكن أن تساهم في تقليل المشكلات التي تنتج عن هذه الألعاب ومن هذه الحلول تلك التي وضعها الدكتور خالد الحليبي، والتي تشير إلى أن:
1- نوجه أولادنا ونرغبهم في شراء الألعاب المربية للذوق، والمنمية للذاكرة.
2- أن نشجع الأطفال على مزاولة الألعاب الجماعية، وتفضيلها على النشاطات الفردية، فإذا اندمجوا فيها قلت احتمالات عودتهم إلى مشاهدة التلفاز-4-.
3- أن نوجههم إلى الألعاب ذات الطبيعية التركيبية والتفكيرية، وإلى ألعاب الذكاء، والبناء، والمسابقات الثقافية في برامج الحاسب، والألعاب التعليمية.
4- أن نوجههم إلى هواية مفيدة وندعمهم بالمال والأدوات والمكان والتشجيع المستمر.
5- تحدد ساعات معينة للعب في الألعاب المختارة بعناية بحيث لا تزيد عن ساعة أو ساعتين على الأكثر متقطعتين غير متواصلتين، حتى لا تضيع أوقات الأطفال هدراً، وأنبه على أن خبراء الصحة النفسية والعقلية أجمعوا على ضرورة قضاء75% من وقت فراغ الطفل في أنشطة حركية، وقضاء 25% في أنشطة غير حركية، بينما واقع أطفالنا أن جلوسهم أمام التلفاز يصل إلى حوالي 80% من أوقات يقظتهم، وبخاصة في الإجازات. ولكن ينبغي أن نتنبه بأننا حينما نحدد معه وقت المشاهدة نبين له أنه من أجل صحته لابد أن يقوم بنشاط حركي.
6- توجيه الطفل للمشاركة في حلقة لتحفيظ القرآن الكريم، أو مركز اجتماعي، أو زيارة قريب أو صديق أو مريض، أو القراءة المفيدة، أو خدمة الأهل في البيت والسوق، أو أي منشط مفيد له؛ حتى لا تضيع فترة تربيته في إتقان اللعب واللهو، ويفقد مهارات حياتية كثيرة سوف يحتاجها في المستقبل.
7- بناء الحصانة الذاتية في نفوس أولادنا؛ بحيث تنتج عنها طبيعة رافضة لكل ما هو ضار أو محرم؛ دون تدخل منا.
ويقول الدكتور الحليبي: لابد أن نوقن ـ نحن الآباء ـ بأن البهجة التي يبحث عنها أطفالنا لا توجد في الألعاب الإلكترونية، وإنما الفرحة الحقيقية، والضحكات النقية الصافية إنما تنطلق من أعماق هؤلاء الأبرياء بدون أية مؤثرات إلكترونية خادعة، ولا ضحكات هستيرية مصطنعة، لتعبر بصدق عن مشاعرهم المرهفة بدون تكلف، وتتحدث عن مدى استمتاعهم بالحياة دون خوف أو وجل، ودون استفزاز للمشاعر، أو غرس لأفكار عدوانية، ولا تخريب لأخلاقيات الفطرة السليمة بالعنف والبطولات الكاذبة..!، ويضيف قائلاً: إنني أتحدث عن صغارنا الذين يحتاجون منا إلى الحنان الحقيقي، وإلى مشاعر الأبوة، وأحاسيس المحبة النابعة من القلوب الكبيرة المحيطة بهم، أتحدث عن المناغاة والملاعبة البريئة والقصص الحلوة التي كانت تسبق النوم، والتي يجب أن نعود إليها ونمارسها معهم نحن الآباء، والأشقاء و الأمهات، أو أي قريب أو بعيد يعيش مع هؤلاء الصغار، أو يرونه صباحاً أو مساء، أتحدث عن هذه الصورة التي من الصعب الحصول عليها في جيل آباء اليوم.
لا بد أن نمنح أطفالنا من أوقاتنا؛ لنتحاور معهم، ونقص عليهم قصص تاريخنا الجليل، ونخرج معهم للفسحة، ونخطط لأوقاتهم، ونعود ونكرر لابد من أن يتابع الآباء حقيقة ألعاب أطفالهم وألا يتركوا الحبل على الغارب، كما نتمنى من الجرائد والمجلات التي تنشر إعلانات هذه الألعاب الفاسدة أن يتقوا الله وألا يكونوا منابر لإشاعة الفاحشة في المجتمع، ونأمل أن يكونوا منابر للإصلاح، وكشف أوكار الفساد.
قال تعالى: -إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة-.