محمد إبراهيم الدسوقى
مصر قبل بن لادن وكاميليا
الثلاثاء، 10 مايو 2011 - 19:32
ما الذى يشغل حيز صندوق التفكير المصرى هذه الأيام؟
الليبراليون، ومن سار على دربهم من قريب أو من بعيد، تشغلهم سيناريوهات وتصورات الديمقراطية، وإعادة بناء مؤسسات الدولة بطريقة تعزز قواعد الحكم الرشيد، وأن تبقى مظلة الدولة المدنية الموجهة والحاكمة لحاضر ومستقبل البلاد، وأن تستمر معاول هدم نظام الرئيس السابق حسنى مبارك بدون توقف، وأن تستعيد ربوع الوطن الأمن الغائب.
لكنك تلاحظ أنهم ليسوا على قلب رجل واحد، وتتنازعهم الأهواء والخلافات والرغبات، خصوصاً أن الجماعات الشابة المحركة لثورة الخامس والعشرين من يناير لم تبلور تصورها النهائى بعد، نظراً لافتقارها لقيادة واعية تلعب دور المرجعية القادرة على الفصل بين الفرقاء، حينما يختلفون وتتفرق بهم السبل.
إن تحدثنا عن التيارات الإسلامية بكل ما تنطوى عليه من تنوع واختلافات، فإنها فى إيماءاتها وحركاتها تؤكد رغبتها فى أن تملأ جهازها التنفس ـ قدر استطاعتها ـ بنسمات الحرية والانطلاق بلا كوابح، بعدما كانت تختنق من كثرة مضايقتها وملاحقتها من قبل الأجهزة الأمنية فى زمن مبارك، ومن ثم فإنها لم تتردد فى العمل فى النور، والمجاهرة بما كانت تنادى به سراً، وفى مقدمة ذلك تأسيس دولة إسلامية ليس بالضرورة فى التو واللحظة، وإنما على الأقل توضع لبناتها الأولى الآن على أن يتواصل تشييدها تبعا.
وجزء من تعبير هذه التيارات عن حريتها فى الحركة كان يتم عبر إظهار قوتها بمسيرات وتجمعات تخرج لأسباب تعددت، فهم تارة يخرجون مطالبين بفك أسر الأخت كاميليا شحاتة، ومحاصرة الكاتدرائية المرقسية فى العباسية، وتارة أخرى للتظاهر ضد الولايات المتحدة لقتلها أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة بهمجية، وإسرائيل لحصارها قطاع غزة.
لن أتوقف عند ما تثيره تلك التيارات من خوف وفزع شديدين بين جموع المصريين، وليس المسيحيين وحدهم، بسبب توجهاتها ومواقفها المغلفة بالتشدد والتصلب، بل سأركز على شغلها الساحة المصرية بقضايا ليس هذا مجالها ولا أوانها المناسب، فهل من الجائز إحداث كل هذا الصخب والجلبة على كاميليا وأخواتها، وبن لادن ـ مع إدانتى لقتله بهذا الشكل البربرى ـ والحصار الإسرائيلى للقطاع، بينما تقاسى مصر من استباحة الخارجين على القانون والبلطجية لحرمة البيوت وأماكن العمل، وتوقف عجلات الإنتاج فى مواقع كثيرة.
ما العائد الذى ستحصل عليه التيارات الإسلامية من خلف إضاعة الوقت فى زيادة التوتر والخوف مما يسعون إليه؟
إن مصر ومستقبلها يسبق فى أهميته التنديد باغتيال بن لادن، والحصار الإسرائيلى لغزة، والتفتيش عما إذا كانت فتاة مسيحية قد أسلمت أم لا، فهذه موضوعات يمكننا مناقشتها باستغراق، عندما نملك الرفاهية الكافية، أى بعد أن تنتهى متاعبنا وهمومنا الراهنة، وما أكثرها وأخطرها ونطمئن على مستقبلنا.
كنت أتمنى أن تتجه مظاهرات السلفيين الجمعة الماضى إلى أقسام الشرطة لحمايتها أو للمنشآت الحيوية المهددة بأن تمتد إليها يد العناصر المخربة المستاءة من أن يزيح الشعب المصرى نظاما أهدر كرامته وكرامة وطن بكامله. وما بين المعسكرين الليبرالى والإسلامى يقف طرفان، الأول المواطن المصرى البسيط الحالم بتغيير حاله البائس الموروث من عهد مبارك، وأن يزيد دخله بقدر يساعده على مواجهة حاجته اليومية، وأن يعثر ملايين العاطلين عن العمل على فرص تغنيهم عن سؤال اللئيم، الطرف الثانى، المخربون الذين يضمرون شراً لهذا البلد الطيب وأهله، لنعلى من قيمة مصر ولتتواضع كل الأطراف وتتنازل عن الأنانية المفرطة التى تقود للتهلكة وسوء المصير.