موقف الشريعة الإسلامية من الغزو العراقي للكويت
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه .
أما بعد : أيها الإخوان المسلمون في كل مكان نظرا لما جرى من حوادث في اليوم الحادي عشر من هذا الشهر من شهر الله المحرم عام 1411 هـ من العدوان الأثيم والظلم العظيم من رئيس دولة العراق على دولة الكويت وذلك باجتياحه بلاد الكويت بجيوشه مزودة بأنواع الأسلحة المدمرة وما حصل بسبب ذلك من الفساد العظيم وسفك الدماء ونهب الأموال وهتك الأعراض وتشريد الآمنين .
بسبب هذا كله كثر السؤال عن هذا الحادث وعما ينبغي نحوه ورأيت أنه من الواجب إخبار المسلمين فيما يتعلق بهذا الحادث وما يجب على المسلم نحوه فأقول :
لا شك أن هذا الحادث من رئيس دولة العراق حادث أليم وعدوان كبير على دولة مجاورة آمنة يجب على جميع الدول الإسلامية وغيرها وعلى جميع المسلمين إنكار ذلك وشجبه وبيان أنه عدوان أثيم وظلم كبير . يجب على رئيس دولة العراق أن يبادر بسحب جيشه من دولة الكويت وأن يحذر مغبة ذلك في الدنيا والآخرة والظلم عاقبته وخيمة والله عز وجل يقول في كتابه المبين : وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ[1] ويقول سبحانه وتعالى : وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا[2] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)) ويقول الله عز وجل فيما رواه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ))
لا شك أن هذا العدوان من أقبح الظلم ولا شك أيضا أنه مخالف للتعاليم الإسلامية والمواثيق الدولية حري صاحبه بالعقوبة العاجلة والآجلة. والمشاكل بين الجيران وبين القبائل وبين الدول لا تحل بالظلم والعدوان ولكن تحل بالطرق السلمية والصلح أو بالحكم الشرعي أما حلها بالظلم والعدوان والسلاح وقتل الأبرياء ونهب الأموال وغير هذا من أنواع الفساد فهذا لا تقره شريعة إسلامية ولا يقره ميثاق دولي ولا عرف بين الناس بل مخالف للأعراف ومخالف للمواثيق الدولية كما أنه مخالف لشرع الله المطهر .
والواجب على الدول الإسلامية وغيرها والعربية وغيرها إنكاره وقد وقع ذلك وأجمع العالم على إنكاره ولا شك أنه جدير بالإنكار فالواجب على دولة العراق أن تسحب جيوشها من دولة الكويت وأن تبادر بذلك وأن تلغي هذه المشكلة الخطيرة وأن تحل المشكلة بينها وبين الكويت بالطرق السلمية التي أوضحها الإسلام ودرج عليها المسلمون ودرج عليها كل من له أدنى بصيرة وأدنى رغبة في الحق والعدل والإنصاف .
وهذه المسألة كغيرها من المسائل التي تقع بين الناس سواء كان ذلك بين دول وقبائل أو غير ذلك يجب أن تحل بالطرق الشرعية ويحرم حلها بالظلم والعدوان والصلح جائز بين المسلمين كما قال جل وعلا : وَالصُّلْحُ خَيْرٌ[3] وفي الحديث الشريف يقول عليه الصلاة والسلام : ((الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما)) فإذا تيسر الصلح الذي لا يخالف شرع الله بل يتحرى فيه العدل والإنصاف والقسط فذلك جائز فإن لم يتيسر ذلك وجب الرجوع إلى حكم الله كما قال عز وجل في كتابه المبين : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[4]
فقد أجمع العلماء على أن الرد إلى الله سبحانه هو الرد إلى كتابه العظيم القرآن وأن الرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه في حياته عليه الصلاة والسلام والرد إلى سنته الثابتة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وهذا هو خير للمسلمين وفيه العاقبة الحميدة وهو الواجب على كل من آمن بالله واليوم الآخر وقال الله عز وجل : وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ[5] وهذا عام في جميع المسائل بين الدول والشعوب وغير ذلك وقال سبحانه وتعالى : فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ[6] يعني النبي صلى الله عليه وسلم ويقول سبحانه : أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[7] فالواجب على جميع الدول وجميع الجماعات وجميع القبائل وجميع المسلمين في كل مكان أن يرجعوا إلى حكم الله فيما يتنازعون فيه ويختلفون فيه وأن يحذروا العدوان والظلم وأن تحل المشاكل بينهم بالطرق السلمية والوسائط العاقلة الطيبة فإن لم يتيسر ذلك وجب الحل بالحكم الشرعي لا بالعدوان والظلم . وهذه المسألة التي بين الكويت والعراق يجب أن تحل بمحكمة شرعية من العلماء المعروفين بالعلم والفضل والاستقامة ليحلوها على ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إذا لم يتيسر الصلح . وهكذا جميع المشاكل التي تعم وتعرض بالدول الإسلامية أو العربية في كل مكان تحل بهذه الطريقة . بالصلح إن تيسر لا بالعدوان والظلم . ولا شك أن كل ما يجري بين الناس من الفساد والشرور والظلم كل ذلك بأسباب الذنوب والمعاصي كما قال الله عز وجل في كتابه العظيم : وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [8]وقال سبحانه : مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ[9] وقال جل وعلا : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [10]فالواجب على جميع المسلمين التوبة إلى الله من جميع الذنوب وذلك بالندم على الماضي منها والإقلاع عنها والعزم الصادق على عدم العودة فيها وهذه هي التوبة النصوح وإذا كان الذنب يتعلق بحق المخلوق فلا بد من التحلل من المخلوق وسماحه إذا كان مرشدا أو رد مظلمته إليه وإعطائه حقه ولا تتم التوبة إلا بذلك والله سبحانه وتعالى يقول : وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[11] ففي التوبة الفلاح والظفر بكل خير والسلامة من كل شر في الدنيا والآخرة وقال سبحانه : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ[12] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له )) فعلى جميع المسلمين في كل مكان أن يراقبوا الله وأن يستقيموا على دينه وأن يسارعوا إلى ما أوجب عليهم وإلى ترك ما حرم الله عليهم وأن يتناصحوا فيما بينهم ويتعاونوا على البر والتقوى ويتواصوا بالحق والصبر عليه عملا بقول الله عز وجل : وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[13] وقوله صلى الله عليه وسلم : ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) وقوله صلى الله عليه وسلم ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)) وشبك بين أصابعه فالتناصح في الله والتواصي بالحق من أهم المهمات وأعظم الواجبات في حق الأفراد والجماعات والشعوب . ويجب على رئيس دولة العراق أن يتوب إلى الله وأن يبادر بالرجوع إليه والتوبة بما وقع منه من ظلم والمسارعة إلى إخراج جيشه من الكويت حتى تهدأ الفتنة وحتى تعود الأمور إلى نصابها ويحصل التقارب في حل المشكلة بالطريقة التي ذكرتها آنفا . وهذا قول جميع أهل العلم ليس في هذا نزاع وهو أن جميع المشاكل بين الدول والجماعات والقبائل والأفراد يجب أن تحل بالحل الشرعي إذا لم يحسن حلها بالطرق السلمية والصلح الشرعي الذي لا يخالف شرع الله . وأما ما حصل من الحكومة السعودية لأسباب هذه الحوادث المترتبة على الظلم الصادر من رئيس دولة العراق لدولة الكويت من استعانتها بجملة من الجيوش التي حصلت من جنسيات متعددة من المسلمين وغيرهم لصد العدوان وللدفاع عن البلاد - فذلك أمر جائز بل تحتمه وتوجبه الضرورة وأن على المملكة أن تقوم بهذا الواجب . لأن الدفاع عن الإسلام والمسلمين وعن حرمة البلاد وأهلها أمر لازم بل متحتم فهي معذورة في ذلك ومشكورة على مبادرتها لهذا الاحتياط والحرص على حماية البلاد من الشر وأهله والدفاع عنها من عدوان متوقع قد يقوم به رئيس دولة العراق . لأنه لا يؤمن بسبب ما حدث منه مع دولة الكويت فخيانته متوقعة . فلذلك دعت الضرورة إلى الأخذ بالاحتياط والاستعانة بالجيوش المتعددة الأجناس حماية للبلاد وأهلها وحفظا للأمن وحرصا على سلامة البلاد وأهلها من كل شر . ونسأل الله أن يثيبها على ذلك ويوفقها لكل خير وأن ينفع بالأسباب ويحسن العاقبة وأن يكبت كل ذي شر ويشغله في نفسه وأن يجعل كيد أعداء الله في نحورهم ويكفي المسلمين شرهم إنه جل وعلا خير مسئول .
وأسأل الله عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين وأن يهديهم الصراط المستقيم وأن يكبت كل عدو للإسلام والمسلمين وأن يشغله في نفسه وأن يعيذ المسلمين من شره وأن يجعل فيما أجرته الحكومة السعودية الخير للمسلمين والعاقبة الحميدة وأن يبارك في جهودها ويسدد خطاها وأن يحسن العاقبة لها ولجميع المسلمين إنه جل وعلا جواد كريم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان .