من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم معالي وزير الصحة الدكتور يوسف الهاجري وفقه الله لكل خير آمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعده:
لقد علمت نبأ تعيينكم وزيراً للصحة فسألت الله لكم التوفيق والسداد والإعانة على القيام بأعباء ما أسند إليكم على الوجه الذي يرضيه وينفع عباده إنه مجيب الدعاء، ولا يحسن بي أن أهنئكم بهذه الوظيفة لما لا يخفى عليكم من أن المسئولية عظيمة والخطر كبير، ولكن يحسن بي أن أهنئكم بها من جهة أخرى وهي ثقة المسئولين بكم وحسن ظنهم بمعاليكم، وأسأل الله عز وجل أن يجعلكم في الخير فوق ظنهم، وأن يحقق على أيديكم ما يرجوه المسلمون من خير وصلاح وتقدم ونجاح.
وبهذه المناسبة فإني أوصيكم بأمر عظيم وهو: تقوى الله سبحانه في كل أموركم، فبالتقوى يحصل كل خير ويندفع كل شر، وبالتقوى تصلح أمور الدنيا والآخرة ويستحق العبد العون من الله والتسديد والمزيد من كل خير، وبالتقوى تفرج الكروب وتيسر الأمور وتحسن العاقبة كما قال الله سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}[1]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}[2]، وقال سبحانه: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}[3]، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ}[4]، وقال جل وعلا: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}[5]، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وسمى الله دينه تقوى؛ لأنه سبحانه يقي من استقام على دينه شر الدنيا والآخرة ويمنحه السعادة في الدارين إذا استقام وصبر.
وحقيقة التقوى هي الإخلاص لله في كل الأمور وتعظيمه ومراقبته والرهبة منه والرجاء لما عنده والاستقامة على طاعته وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام في جميع الأحوال، ومن التقوى الشعور بالمسئولية وأخذ العمل بقوة ونشاط وحزم وصبر والحذر من الكسل والملل والتبرم بكثرة العمل، ومن التقوى الضراعة إلى الله سبحانه دائماً والاستعانة به في كل شيء وإشعار القلب بأنه لا حول ولا قوة للعبد إلا بالله سبحانه، كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى: ((ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة)) قلت: بلى: يا رسول الله قال: ((لا حول ولا قوة إلا بالله))، ومن التقوى غض النظر عن زينة الحياة الدنيا والمنافسة فيها والرغبة في الآخرة وإيثارها، وفي وصية عمر رضي الله عنه لأبي عبيدة لما ولاه الإمرة على الجيش في الشام أن قال له: (أوصيك بتقوى الله الذي يبقى، ويفنى ما سواه، الذي هدانا من الضلالة وأخرجنا من الظلمات إلى النور فغض بصرك عن الدنيا وأَلْهِ قلبك عنها، وإياك أن تهلكك كما أهلكت من كان قبلك فقد رأيت مصارعهم)، ومن التقوى النصح للمسلمين في جميع الأحوال والأعمال والاستعانة بأهل الدين والأمانة والقوة حسب الإمكان، والحذر من تولية المعروفين بالشر والخيانة ورقة الدين والمتهمين بذلك حسب الطاقة، ومن يتق الله يسدد خطاه ويسهل أمره كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}[6]، ومن التقوى إلزام من تحت يدك بالحق وتشجيعهم عليه وترغيبهم فيه وبيان حسن عاقبته وتحذيرهم من خلاف ذلك حسب القدرة، وأن تكون في نفسك مثالا عاليا وقدوة حسنة في الأمانة والقوة والصدق في العمل وسائر الأخلاق الفاضلة حتى يتأسى بك من دونك ومن فوقك ومن يشاكلك، واذكر قوله تعالى: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[7] وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[8].
وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يمنحك التوفيق والسداد، وأن يصلح لك البطانة، وأن يعينك على أداء ما أوجب عليك وأسند إليك على الوجه الذي يرضيه وينفع عباده إنه ولي ذلك والقادر عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة