احتجاجات في درعا
سورية: القمع الوحشي للمظاهرات السلمية. هذا ما يحدث هناك، اليس كذلك؟
هذا هو الموقف في سورية كما يراه الامين العام للامم المتحدة والصحافة العالمية ايضا. لكن مع متابعتي للازمة السورية من بيروت على مدى الاسبوعين الماضيين لست متأكدا من أن عبارة "القمع الوحشي للاحتجاجات السلمية" تصور الامر بدقة.
اقر اولا ان بي بي سي تغطي احدث سورية من بيروت ورويترز تغطيها من الاردن والاسوشيتدبرس تغطيها من قبرص.
فقد طردت الحكومة السورية عمليا كل المراسلين الاجانب الذين كانوا في دمشق، ولا تسمح لاي صحفيين جدد بالدخول الى البلاد.
كما بدأت حملة لاخافة الصحفيين المحليين، باعتقالهم واستدعائهم للاستجواب وغير ذلك.
ربما كانت تلك الاجراءات تفيد في الماضي، اذ كانت وكالة الانباء الرسمية (سانا) تبث الرواية الحكومية للخبر وكانت وسائل الاعلام العالمية تنقل عنها، بما انه ليس لديها مصدر اخر.
بالطبع لم تكن الحكومة السورية تملك تحديد ما يقوله الصحفيون الاجانب، ولا شك في انهم كانوا يمحصون الرواية الرسمية، لكن الحكومة كانت تحدد ما تتحدث عنه الصحافة وتختار شروط الجدل.
الا انه هذه المرة حدث امر جديد، فقد شن نشطاء المعارضة حملة غير متوقعة وبطريقة ذكية وشجاعة لتصوير القمع وعرضه عبر الانترنت.
ورغم محاولات الحكومة قطع شبكات الاتصالات المحلية الا ان صورا تظهر العنف الدموي لقوات الامن نشرت على الانترنت، واحيانا بتصوير الحدث الواحد من زوايا مختلفة.
لم يحدث هذا عفويا.
اذ يتعين شراء الكاميرات، وبعضها مخبأ في شكل اقلام بحيث يمكن للناس ان يصوروا دون ان يلحظهم احد، وتوزيعها وكذلك سبل تحميل الصور: هواتف بالاقمار الصناعية وشرائح اتصال معلوماتي اجنبية وحتى ـ كما قيل لي ـ اطباق فضائية متنقلة.
ما هي الاخبار التي تنقلها الصور؟ القمع الوحشي للمحتجين السلميين. وبعد ما جرى في تونس ومصر والبحرين اصبح من السهل قبول ذلك دون تفكير عميق في مصداقيته.
الا ان الصحفيين متشككون بطبعهم خاصة فيما يقدم لهم من معلومات.
وتبذل بي بي سي ـ وبالتاكيد ليست وحدها في ذلك ـ جهدا كبيرا للتدقيق في الصور من قبيل: هل يتسق شكل الطقس في الصورة مع الطقس في ذلك المكان في هذا اليوم؟ هل يستطيع احد ممن كان في درعا او غيرها ان يتعرف على المباني في الصور والافلام؟ واذا كان من يصور يتحدث، فهل اللهجة صحيحة؟ وغير ذلك ايضا من سبل التدقيق.
لكنني اقول هنا انني شاهدت عددا لا يحصى من تلك الافلام وبعضها يظهر اعمال عنف وحشية، ولا اشك كثيرا في انها اصلية وان الناس الذين صوروها خاطروا بحياتهم بشدة ليخبروا العالم بما يجري.
لكنني افكر فيما لم يتم تصويره وبثه عبر الانترنت.
قال المندوب السوري الى الامم المتحدة هذا الاسبوع ان 51 من قوات الامن قتلوا في 10 ايام، ومنذ تصريحه قتل ستة اخرون.
وبثت وكالة الانباء الرسمية السورية صور جنازاتهم.
ويقابل هذا الرقم ما بين 200 و300 مدني قتلوا في الايام العشرة تلك، كما تقول المعارضة.
ولا يفيد سانا ان تحكي قصص هؤلاء القتلى من قوات الامن بلغة اقرب للغة الاتحاد السوفيتي السابق، بنقل تصريحات ذويهم عن فدائهم للوطن بارواحهم.
وكان هناك شخص يتحدث عبر بي بي سي وذكر ملاحظة مثيرة، اذ قال ان ابن عم زوجته وهو عقيد في الجيش السوري قتل ومعه 10 جنود باطلاق الرصاص عليهم يوم 10 ابريل وهم في سيارة على الطريق الرئيسي الى بانياس حين تعرضت سيارتهم لوابل من الرصاص.
وهناك جدل واسع على مواقع الانترنت حول الحادث، ولن اخوض في التفاصيل، لكن الخلاصة ان المعارضة تدعي ان قوات الجيش تلك قتلتها الدولة لانها انشقت، الا ان الادلة الواضحة تشير الى انهم هوجموا في كمين وقتلوا بدم بارد.
وهكذا فان جهود الحكومة للتحكم في التغطية الاعلامية يتم تجاوزها بمعارضة وقحة تمكنت من تشكيل ما يطلق عليه العاملون في مجال الدعاية "سرد القصة".
ورغم انه يعملون في الفضاء الاليكتروني الحر الا ان فاعليتهم عالية.
فهي اذن "قمع وحشي لاحتجاجات سلمية"؟ ربما.