بتـــــاريخ : 8/10/2008 4:00:21 PM
الفــــــــئة
  • الاقتصـــــــــاد
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 3169 0


    العولمة الاقتصاديةوسبل تفعيل إقامة سوق إسلامية مشتركة

    الناقل : heba | العمر :42 | الكاتب الأصلى : عمر صالح بن عمر | المصدر : www.arriyadh.com

    كلمات مفتاحية  :
    تحليل العولمة الاقتصادية السوق الاسلامية

    العولمة الاقتصادية

    وسبل تفعيل إقامة سوق إسلامية مشتركة


    ملخص البحث :

    هذه الدراسة: تحاول الإجابة عن سؤال: كيف تتم إقامة سواق إسلامية مشتركة في عصر العولمة ؟

    وقد جاءت الإجابة بعد المقدمة في ثلاثة مباحث:

    -      أشارت المقدمة على تزايد الاهتمام بقضية العولمة، وتزايد الدعوات إلى إقامة سوق إسلامية مشتركة.

    -      وتناول المبحث الأول: مفهوم العولمة، ومفهوم السوق الإسلامية المشتركة، والمقارنة بينهما.

    -      وعرض المبحث الثاني مبررات إقامة السوق الإسلامية المشتركة، وبيان أهدافها، ومبررات العولمة وأهدافها.

    -      وتتبع المبحث سبل تفعيل إقامة السوق الإسلامية المشتركة وهي أربعة: التوعية، والاستشارة والاستثمار، والتمويل، جاءت مطعمة بإحصاءات مهمة، حرصت أن تكون حديثة.

     

    مقدمة:

    لم تحظ قضية باهتمام الشرق والغرب على المستوى الرسمي والشعبي مثل قضية العولمة باعتبارها أهم الظواهر التي تجتاح البشرية في القرن الحادي والعشرين. وإنه رغم انقسام الآراء وتناقض المواقف حولها فقد استطاعت استقطاب الشرائح الفكرية والفئات الاجتماعية المتعددة الانتماءات والمشارب والتخصصات: من اقتصاديين وسياسيين وعلماء اجتماع، ومثقفين لا يربط بينهم سوى اهتماماتهم بجملة التغييرات النوعية المتلاحقة التي يشهدها العالم في مجال الاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع والبيئة، والتي تعدت نطاق الدولة، وتجاوزت الحدود، وعبر القارات. ولذا أضحت مناقشة آثارها على الاقتصاديات العربية والإسلامية – وكذلك بقية المجالات الأخرى – أمر بالغ الأهمية.

    كما أنه اليوم قد تزايدت الدعوات، وتكاثفت الجهود لإقامة أسواق مشتركة عربية أو إسلامية وخاصة بعد ظهور مشروعات مناهضة للمشروع الإسلامي يجري التسويق لها في المنطقة وأبرزها "السوق الشرق أوسطية" ومشروع المتوسطية [يراجع كتاب: إسرائيل والعرب والسوق الشرق أوسطية للدكتور محمد وهبة، الناشر المكتبة الأكاديمية 1994، الطبعة الأولى].

    والإسلام برسالته الشاملة قد أولى الجانب الاقتصادي اهتماماً بالغاً وعناية فائقة، كما أولى المصالح العامة رعاية خاصة. وإننا "إذا استقرينا موارد الشريعة الإسلامية الدالة على مقاصدها من التشريع، استبان لنا من كليات دلائلها ومن جزئياتها المستقرأة أن المقصد العام من التشريع هو: حفظ نظام الأمة واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه، وهو نوع الإنسان، ويشمل صلاحه صلاح عقله، وصلاح عمله وصلاح ما بين يديه من موجدات العالم الذي يعيش فيه" [ابن عاشور: مقاصد الشريعة الإسلامية/273، دار النفائس، ط2، سنة 1421ه‍/2001م]، "وما يظن بشريعة جاءت لحفظ نظام الأمة وتقوية شوكتها وعزتها، إلا أن يكون لثروة الأمة في نظرها المكان السامي من الاعتبار والاهتمام" [ابن عاشور: المرجع السابق]. ومن أعظم مقاصد المعاملات المالية الرواج وهو دوران المال بين أيادي أكثر من يمكن من الناس بوجه حق دل عليه الترغيب في المعاملة بالمال [ابن عاشور: المرجع السابق].

    والسوق هو الوضع الحقيقي أو الاعتبار للتعامل بين الناس، وفيها تتم المعاوضات المالية وإبرام العمليات التجارية. والتجارة مرآة صادقة تعك هيكلة الاقتصاد وقدرته وحجمه، وقد دعت النصوص الشرعية إلى العمل بالتجارة، واكتساب المال عبر الطرق المشروعة؛ قال تعالى: { آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } [النساء/29]، وبين الجائز منها من غير الجائز فقال: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } [النساء/29].

    وقد كانت التجارة بسيطة ثم أخذت في التطور والنمو لمواجهة تطورات العصر وتحدياته فقد أضحت الحروب الدائرة حالياً حرب أسواق، وما الأسباب الرئيسية للحرب العالمية الأولى والثانية إلا أسباباً اقتصادية، ذلك بأن السوق هو المكان الطبيعي لنماء الاقتصاد وازدهاره، وقد حلت السيطرة على الأسواق من خلال حركة الواردات ورؤوس الأموال محل القوة العسكرية، وأصبحت التكتلات من أبرز سمات هذا العصر، ولعل العصب الحساس في هذه التكتلات هو الاقتصاد، فإذا كانت الدول الكبرى والعملاقة والغنية تتكتل وتقيم فيما بينها أسواقاً مشتركة مثل السوق الأوربية المشتركة فأولى بالدول العربية والإسلامية أن تتكتل وتسعى نحو التكامل الاقتصادي، ولعل من أول خطوات هذا التكامل في زمن العولمة: إقامة سوق إسلامية مشتركة، ولكن كيف يتم ذلك؟

    تتم الإجابة عن هذا السؤال عبر المباحث الآتية:

    ·         المبحث الأول: مفاهيم ومصطلحات.

    ·        المبحث الثاني: مبررات وأهداف.

    ·        المبحث الثالث: سبل التفعيل.

     

    المبحث الأول:

    مفاهيم ومصطلحات

    أتناول في هذا المبحث مفهوم العولمة ومفهوم السوق الإسلامية المشتركة.

     

    أولاً: مفهوم العولمة:

    العولمة من العالم، ومعناه أن تتحد شعوب العالم في جميع أمورها على نحو واحد، فكأن العالم بيت واحد أو قرية واحدة، إلا أن الجدل يظل مستمراً حول تحدي مفهوم العولمة، فضلاً عن دوافعها وأهدافها، وهو أهم جدل معاصر بدليل سيل الدراسات والعديد من الندوات والمؤتمرات المنعقدة حول العولمة، وبمختلف اللغات.

    وإن صايغة تعريف العولمة تعريفاً دقيقاً تبدو شاقة لتعدد تعريفات العولمة التي تختلف باختلاف إيديولوجيات الباحثين، أو رؤيتهم السياسية، أو وجهتهم العامة التي ينحازون إليها إزاء العولمة رفضاً أو قبولاً، وقد تجاذب مفهوم العولمة ثلاثة تيارات [علي عبد الله: التحديات والأبعاد المستقبلية/ مجلة النبأ/ العدد 57].

    -      التيار الأول: يرى أن العولمة هي هيمنة القوى الاقتصادية، والعسكرية على الأرض، وبكلام أكثر دقة أمركة النظام الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي.

    -      التيار الثاني: يرى أنها عملية تبادل منافع وخبرات ومعارف بين أمم وشعوب الأرض، وتحرر وتكامل اقتصادي.

    -      التيار الثالث: يرى أنها ظاهرة حضارية تؤدي إلى تحويل العالم إلى قرية كبيرة تتلقى نفس التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإعلامية، وهذا كله يقود إلى الاندماج المتسارع للاقتصاد العالمي.

    والذي يعنيني في هذا البحث: العولمة الاقتصادية دون غيرها، فسأحاول تعريفها واضعاً في الاعتبار أبعادها المختلفة: ما يتعلق بانتشار المعلومات بحيث تصبح مشاعة لدى جميع الناس، وما يتعلق بتذويب الحدود بين الدول، وما يتعلق بزيادة معدلات التشابه بين الجماعات والمجتمعات والمؤسسات، وبما تؤديه من نتائج سلبية لدى بعض المجتمعات، أو نتائج إيجابية لدى مجتمعات أخرى، وما تبرزه العولمة من تكتلات اقتصادية عالمية، ومدى صلاحية نظام حرية السوق ليكون أساساً للتنمية في مختلف البلدان.

    ومراعاة لهذه الأبعاد المختلفة فإن مفهوم العولمة الاقتصادية لا يتجزأ عن التطور العام للنظام الرأسمالي حيث تعد العولمة حلقة من حلقات تطوره، وذلك لتوفير مجالات الاستثمار، واستيعاب الفوائض، بحيث تسعى الرأسمالية لتكريس تبعية التنمية العربية والإسلامية للغرب، ومن ثم تجديد نفسها والتغلب على تناقضاتها، والتكيف مع أزماتها.

    وبعد هذه المعطيات مع ما اطلعت عليه من عدة تعريفات للعولمة، يمكن القول بأنها: تسهيل انتقال القوى العاملة والمعلومات والسلع والأموال بين مختلف دول العالم، وتخطي الحدود الإقليمية، واندماج الأسواق في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة.

    من هذا التعريف نلحظ أن العولمة تعني حرية أصحاب رؤوس الأموال لجمع المزيد من المال في سياسة اقتصادية كانت تعتمد على الإنتاج الذي يؤدي إلى تحقيق الربح، وأصبحت اليوم تعتمد على تشغيل المال فقط دون خسائر من أي نوع للوصول إلى احتكار الربح، وقد يكون هذا التشغيل خفياً غير مباشر أحياناً، وهذا يوحي بعودة الهيمنة الغربية من جديد على عصب الحياة، ألا وهو الاقتصاد، لكن بطرق حديثة حسب منطق الرأسمالية الذي يقضي بالتوسع المستمر عبر القارات، لتتلاعب بمقدرات الأمم والشعوب كيف تشاء. والعولمة – إذن – ظاهرة تجارية اقتصادية في الجوهر [يرى د. علي جمعة أن العولمة هي حالة وليست مفهوماً؛ (انظر الإسلام والعولمة/ 132: العولمة حالة لا مفهوم]، ومحركوها الأساسيون هم المستثمرون وأرباب التجارة، والشركات الكبرى، وتتجلى بوضوح في الجانب الاقتصادي أكثر مما تتجلى في غيره من المجالات الأخرى، وهو الأكثر اكتمالاً، والأكثر تحققاً على أرض الواقع.

    وقد أخذت العولمة الاقتصادية أبعادها في العصر الحاضر بانتصار القوى الرأسمالية العالمية، فاستعاد النظام الاقتصادي الرأسمالي هيمنته وانتشاره في صور جديدة مبنية على اقتصاد السوق، وعلى الثورة المعلوماتية، وعلى دمج الاقتصاديات الوطنية بالسوق الرأسمالية العالمية بإشراف مؤسسات العولمة الاقتصادية الثلاث التي هي: صندوق النقد الدولي الذي يقوم بدور الحارس على نظام النقد الدولي. والبنك الدولي الذي يعمل على تخطيط التدفقات المالية طويلة المدى، والمنظمة العالمية للتجارة خليفة "الغات".

    وتبدو ملامح العولمة الاقتصادية من خلال جملة من المظاهر التي منها:

    1.      الإقبال الشديد على التكتل الاقتصادي للاستفادة من التطورات التقنية المدهشة.

    2.      تعاظم دور الشركات متعددة الجنسيات، وتنامي أرباحها، واتساع أسواقها، وتزايد نفوذها في التجارة الدولية والعالمية.

    3.      إثارة المشكلات الاقتصادية وتدويلها مثل: الفقر، والأمية، والتلوث وحماية البيئة..

    4.      تزايد دور التقنيات والتغيرات السريعة في أسلوب الإنتاج، ونوعية المنتج، ولا يخفى تأثير ذلك على الاقتصاد العالمي.

    5.      توسيع النظام الربوي، وتمكين المؤسسات الربوية من السيطرة على الاقتصاد.

     

    ثانياً: تعريف السوق الإسلامية المشتركة:

    السوق الإسلامية المشتركة هي التي يتم من خلالها إلغاء القيود المفروضة على انتقال عناصر الإنتاج من أيد عاملة ورأس مال وغيره بالإضافة إلى حرية انتقال السلع بين الدول الأعضاء، ووضع سياسة جمركية موحدة تجاه العالم الخارجي، فهي تعني:

    1.      "تجميع القوى الاقتصادية العربية والإسلامية، والتعامل مع الغرب ككتلة اقتصادية إسلامية لها مصالح مشتركة وليس كدول ووحدات اقتصادية منفردة.

    2.      توحيد السياسات والاستراتيجيات الاقتصادية لتشجيع رؤوس الأموال بين البلدان الإسلامية.

    3.      دعم التبادل التجاري وتحديد استراتيجية شاملة لتحقيق ذلك ويتضمن ذلك تبادل البضائع والمنتجات الوطنية العربية والإسلامية.

    4.      تشجيع انتقال رؤوس الأموال بين البلدان العربية والإسلامية، وتوفير المناخ الآمن للاستثمار وتحفيز المستثمر المسلم إلى نقل أمواله المستثمرة في الغرب لاستثمارها داخل وطنه“.

    ويمكن أن تبدأ السوق الإسلامية المشتركة بإنشاء مشروعات ثنائية مشتركة بين دولتين أو أكثر أو بين مجموعات كالسوق الخليجية أو السوق المغاربية أو السوق العربية لتنتهي بالسوق الإسلامية المشتركة.

     

    ثالثاً: مقارنة بين العولمة والسوق الإسلامية المشتركة:

    1/ العولمة كونية الارتباط، محلية التركيز، لا يهمها إلا مصالح فئة معينة، بخلاف السوق الإسلامية المشتركة فإنها كونية الارتباط، كونية الارتكاز، ذلك بأنها ذات صبغة إسلامية، والإسلام عالمي الهدف وعالمي الوسيلة؛ قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات/12].

    وأساس التعارف تحقيق المصالح، وما القصد العام من الشريعة الإسلامية إلا جلب المصالح للناس وتكميلها. ودرء المفاسد عنهم وتقليلها.

    2/ العولمة تقوم على نفي الآخر، واستبعاده، واستغلال ثروته، بخلاف السوق الإسلامية المشتركة فإنها تقوم على احترام الآخر، والتعامل معه أخذاً وعطاء؛ قال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف/32]، أي "خولا وخداماً، يسخر الأغنياء الفقرءا، فيكون بعضهم سبباً لمعاش بعض"، وقيدماًق ال الشاعر:

    الناس للناس من بدو حاضرة         بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم

    3/ العولمة تسعى لتحقيق مكاسب الرأسماليين ومنافعهم، بينما السوق الإسلامية المشتركة تسعى – بصبغتها الإسلامية – لتحقيق منافع البشرية جمعاء، شعارها: ”لا يؤمن أحدكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه“.

    4/ العولمة لا تقيم للأخلاق وزنا في تعاملاتها، بخلاف السوق الإسلامية المشتركة فإنها ذات بُعد أخلاقي؛ تمنع الاحتكار والغش والضرر عموماً ”لا ضرر ولا ضرار“ [أخرجه مالك في الموطأ/ 529 رقم1426: كتاب الأقضية، باب القضاء في المرفق صححه الألباني في صحيح الجامع وزيادته 2/1249].

     

    المبحث الثاني:

    المبررات والأهداف

     

    أولاً: مبررات السوق الإسلامية المشتركة وأهدافها:

    من مبررات إقامة السوق الإسلامية المشتركة ما يأتي:

    1/  السوق المشتركة ضرورة شرعية تدعو إليه عمومات الشريعة الحاثة على التعاون والوحدة مثل قوله تعالى: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [المائدة/2] وقوله تعالى: { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ } [آل عمران/103] وقوله: { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [آل عمران/105]، وإن كان المراد بالتفرق في أمر الدين إلا أنه يعم كل ما من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف الأمة وذهاب ريحها، يؤيد هذا قوله تعالى: { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [الأنفال/46].

    وضرب لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثلاً لوحدة الأمة الإسلامية ”بالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عُضوٌ تداعى لـه سائر الجسد بالسهر والحمى“، ففي قيام السوق إحياء لروح الوحدة والتضامن والعمل المشترك بين الدول الإسلامية، كما أن فيه تأكيداً على تضامن المسلمين وتنسيق مواقفهم واتحاد قرارهم، وبمثل هذا يحظون بمحبة الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ } [الصف/4]، ولعل من أهم مقومات النظام الاقتصادي وجود التنظيم التعاوني في كل مراحله سواء في تعاون الأفراد في مجالات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك والخدمات أو في تعاون الدول في إقامة سوق مشتركة تعاوناً يحقق الأمن والطمأنينة لكافة أفراد المجتمع، ويضمن لهم الرفاهية، وذلك لقيام نظامها العام على أسس تعاونية لا على أسس استبدادية، وإذا قامت الحياة على التعاون والعدالة والكفالة كانت الحياة ناهضة مستقيمة، وسبباً من أسباب النهوض الحضاري.

    وإذا كان مقصد الشريعة العام: جلب المصالح للأفراد ودرء المفاسد عنهم مقصداً متفقاً عليه فإن صلاح الأمة وانتظام أمورها أسمى وأولى، وهل يقصد من صلاح الأفراد إلا صلاح المجتمع؟!

    وإذا كان ذلك مقصداً واجب التحقيق كان كل ما يؤدي إلى تحقيقه واجب التحصيل، وبذلك تكون السوق الإسلامية المشتركة واجبة التحصيل من باب: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، وتكون إقامتها من صميم التكاليف الإلهية التي كلفنا بها الحق – سبحانه – العليم بمصالح عباده.

    2/  السوق الإسلامية المشتركة ضرورة ظرفية:

    السوق المشتركة ضرورة حياتية تقتضيها الظروف الراهنة، إذ العصر الذي نعيش فيه عصر التكتلات والاتفاقيات، بادرت إليها الدول الغنية قبل الفقيرة والغربية قبل العربية والدول المختلفة الأديان قبل الدول التي يوحدها الدين الإسلامي!!

    فالعالم اليوم يسير نحو التكتلات الدولية وذلك للفائدة المتبادلة بين الدول الأعضاء سواء على الجانب الاقتصادي أو الجانب السياسي أو الاجتماعي بما يوفره هذا التكتل من التقوي بالآخرين على مجابهة الأحداث، ومقاومة العدوان بجميع أشكاله وحماية المصالح الداخلية والتجارة الخارجية.

    وإذا كان عصرنا عصر التكتلات العملاقة التي لا مكان فيها للضعفاء والمترددين والذين لا يلحقون بقطار العصر ولا يفهمون لغته. فإن العصب الأساس في تكوين هذه التكتلات بعد هوية الأمة هو الاقتصاد. وإن حرص الدول العملاقة على التكتل وتظافر جهودها للتعاون فيما بينها لأكبر حافز للدول الضعيفة على التعاون، إذ لم يعد من المجدي لأية دولة الانفراد عن غيرها من الدول، وبخاصة بعد أن ظهرت التكتلات الكبرى في عالم السياسة والاقتصاد، وقد ثبت للعيان جدوى التجربة التي حققتها الدول الأعضاء في السوق الأوربية المشتركة، وأصبحت الانعزالية خطراً مؤكداً على أية دولة منعزلة إذا لم تكن لها دول أخرى تؤازرها.

    ولعل خير دليل على ما قد تتعرض لـه الدول المنفردة من مخاطر ما أكدته الإحصائيات الدولية على نسبة الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي حيث بينت أن جميع البلدان النامية – مع أنها تمثل 78.4% من حجم السكان في العالم إلا أن نسبة الاستثمار فيها لا تزيد عن 27%، وفي نفس الوقت نجد الدول الصناعية على غالبية الاستثمار العالم مع أن سكانها لا يتجاوز عددهم 14.7% فقط. وهذا يؤكد أن اقتصاديات العالم – في ظل ما يعرف بالعولمة – يقوم على الاحتكار وليس على المنافسة الكاملة كما يروج المستفيدون [الاقتصاد الإسلامي/ 40 – العدد 224 تاريخ 11/1420ه‍ -2/2000م].

    وأمام هذا إذا لم يتدارك العالم الإسلامي أمره فقد تضيع هويته ويفقد تميزه الحضاري والثقافي والاقتصادي، وإن لم تتلاش هويته فلا أقل من أن تتعرض إلى التهميش أمام هذا التيار العولمي القوي، علماً أن الإسلام لا يعارض العولمة بمفهومها السمح بدليل قوله تعالى: { النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات/13]، مع قوله تعالى: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [المائدة/2]، وإنما يعارض العولمة بمفهومها الانتهازي والذي يرمي إلى استغلال الآخرين والإفساد في الأرض، ودليله قوله تعالى: { وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ } [هود/85]، مع قوله تعالى: { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ } [البقرة/205].

    وهل يا ترى يستطيع العالم الإسلامي أن يحقق ذاته بتحقيقه التكامل الاقتصادي الذي من أولى خطواته: إقامة سوق مشتركة، وقد هيأ الله للأمة الإسلامية من العوامل ما يعجل بتحقيق ذلك إذا توفرت الإرادة الصادقة. ومن هذه العوامل:

    *  العامل الأول: حرص الزعماء والقادة السياسيين على التعجيل بإقامة السوق المشتركة، ووضع استراتيجيات مستقبلية لمواجهة التغيرات الاقتصادية وقد تواترت الأخبار عنهم بما يشبه إجماعهم على ذلك، وقناعتهم شبه الكاملة بأهمية وحتمية هذه السوق لتحقيق مصالح شعوبهم المشتركة.

    ولعل من أقدم الوثائق الداعية إلى إقامة سوق إسلامية مشتركة ما جاء في قرارات المؤتمر الثامن لوزراء خارجية الدول الإسلامية في طرابلس بليبيا 16/5/1977م. ولا تزال الدعوة مستمرة، وهذا ما أكده البيان الختامي للقمة العربية التي عقدت بعمان 27-28/3/2001م فقد أكد على إنعاش التجارة البينية العربية، ودعا إلى الاهتمام بإحياء السوق المشتركة وإخراجها من حيز النظريات إلى أرض الواقع. ونحسب أن السوق العربية المشتركة خطوة نحو السوق الإسلامية المشتركة.

    *  العامل الثاني: العوالم الاستراتيجية التي تتمتع بها الدول الإسلامية من حيث الموقع، فهو يعتبر قلب العالم، وأن اتصال بعضه ببعض يجعل منه كتلة متراصة متماسكة، وأن الدول الغربية التي أقامت سوقاً مشتركة لا تتمتع بمثل ما تمتعت به البلاد الإسلامية من حيث الموقع.

    *  العامل الثالث: الموارد الطبيعية: ليس من المبالغة القول بأن البلاد الإسلامية من أغنى بلاد العالم في ثروتها الطبيعية، ولا أدل على ذلك من أن:

    المساحة الواسعة الشاسعة للعالم الإسلام مع الموقع الاستراتيجي الذي "يحتله من الكرة الأرضية فهو إلى حد ما في قلب العالم تقريباً، ويسيطر على أهم الممرات المائية وطرق المواصلات في العالم" [د. بابللي: السوق الإسلامية المشتركة/ 27، مطبعة المدينة بالرياض، الطبعة الثانية].

    الأراضي الصالح للزراعة تصل نسبتها إلى حوالي 14.7% من مجموع مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في العالم [د. العقلا: السوق الإسلامية المشتركة/108، مؤسسة شباب الجامعة بالإسكندرية/2000م]. وتقدر مساحة الأراضي الزراعية في العالم العربية وحده في عام 2000 بحوالي 70 مليون هكتار مقارنة بحوالي 67 مليون هكتار عام 1999 أي بزيادة تقدر بنحو 4.3% بالمقارنة مع العام السابق [التقرير الاقتصادي العربي الموحد، سبتمبر 2000 صفحة: 37].

    الموارد المائية في العالم الإسلامي مكسب عظيم سواء كان ماء الأنهار أو ماء البحار. يمتلك العالم الإسلام حوالي 66.3% من الاحتياطي العالمي من البترول، كما يمتلك موارد معدنية أخرى مثل الحديد والنحاس والنغنيز والكروم والرصاص والألمنيوم والفوسفات [التقرير الاقتصادي العربي الموحد، سبتمبر 2000 صفحة: 123].

    والمقام لا يستدعي الاستفاضة في مثل هذا بل يمكن الرجوع إليها في مظانها [التقرير الاقتصادي العربي الموحد، سبتمبر 2000 صفحة: 123].

    *  العامل الرابع: الموارد البشرية: من أيد عاملة وعقول مفكرة وهي نوعان: موارد بشرية فاعلة ما بين 15 إلى 65 عام وهي التي تساهم بشكل مباشر في إحداث التمية الاقتصادية وتساعد على قيام السوق المشتركة. وموارد بشرية كامنة وهي ذخر الأمة وعدتها المستقبلية، وهم ما دون الخامسة عشرة – والطفل الصغير – وإن لم يساهم في التنمية فإنه يعتبر منتجاً بمساهمته في إدخال السعادة على والديه مما يساهم في زيادة محصلتهما الإنتاجية والاقتصادية. وقد تزايد سكان العالم العربي من 170 مليون نسمة عام 1981 إلى حوالي 280 مليون نسمة عام 2000، ويتوقع زيادة هذا الرقم ليتراوح ما بين 600 إلى 800 مليون نسمة عام 2025.

    3/  السوق الإسلامية المشتركة ضرورة اقتصادية:

    السوق الإسلامية المشتركة ضرورة اقتصادية باعتبار ما تحققه من فوائد اقتصادية تتمثل في:

    ·     الاكتفاء الذاتي العربي والإسلامي أو الاقتراب منه، وخفض نسبة الاعتماد على العالم الخارجي في استيراد السلع اللازمة للسوق المحلية العربية والإسلامية.

    ·    إقامة الصناعات التخصصية بين الدول الإسلامية وما يؤدي إليه التخصص من جودة مستمرة كَمّاً ونوعاً حتى تتمكن الصناعات من الصمود أمام الصناعات الأعلى جودة.

    ·    توسيع مجالات الإنتاج وتعددها ليلبي حاجة السوق في الدول الأعضاء، ثم تصدير الفائض إلى الدول الأخرى.

    ·    زيادة معدل النمو الاقتصادي وارتفاع مستوى التشغيل والإنتاج من خلال المشروعات الاقتصادية المشتركة، وفتح مجال جديد أمام رجال الأعمال العرب والمسلمين.

    ·    توسيع نطاق السوق إذ إن انضمام الدول بعضها إلى بعض في سوق مشتركة يعني فتح أسواق جديدة أمام منتجات كل دول الأعضاء في السوق المشتركة.

    ·    انتشار المنافسة في أسواق دول الأعضاء بالسوق المشتركة، فما يعتريه الخمول والكساد في سوق قد يكون لـه رواج في سوق آخر.

    ·    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري وتنمية البنية التحتية للدول الإسلامية فيكون للمسلمين كيان اقتصادي قوي قادر على المنافسة ولا يخشى الدول القوية التي لا ترحم الضعفاء.

    ·    استثمار الموارد الطبيعية "فبالسوق المشتركة تتمكن الدول الأعضاء من استثمار مواردها الطبيعية بشروط أفضل مما لو اضطرت إلى التعاقد مع مستثمر قوي يفرض عليها شروطه، لأنها في الوضع الأول تكون مطمئنة إلى أن مواردها الطبيعية لن تخرج عنها إلا لتعود إليها لوحدة الهدف الذي يربط بين الدول الأعضاء، ولتبادل المنافع المشتركة بينهم".

    ·    قيام السوق المشتركة يحد من مخاطر العولمة الاقتصادية على واقعنا الاقتصادي والاجتماعي ويؤمن قيام كتلة عربية إسلامية اقتصادية تقودها المصالح المشتركة وتكون قادرة على المنافسة بما يؤهل الأقطار الإسلامية للتعامل مع التكتلات الاقتصادية والتجمعات الإقليمية التي أصبحت ركائز أساسية يستند إليها ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، فإذا ما واجهنا القوة الاقتصادية بقوة اقتصادية مقابلة فإننا سنكون مشاركين في العولمة وليس مجرد تابعين للغير، وبالتالي سيكون لنا تأثيرنا الذي لا يمكن تجاهله على اقتصاد العولمة وتصحيح مسارها" [الاقتصاد الإسلامي/ 57، العدد 223 تاريخ 10/1420ه‍-2000م].

    4/ السوق الإسلامية المشتركة ضرورة سياسية:

    السوق الإسلامية المشتركة ضرورة سياسية باعتبار ما تحققه من فوائد ومكاسب سياسية تتمثل في تحقيق ما يحلم به العرب والمسلمون من وحدة سياسية – فضلاً عن الوحدة الاقتصادية – ويعد قيام السوق عاملاً مهماً من عوامل القوة والاستقلال التام في ظل حرية انتقال رؤوس الأموال الإسلامية وتشجيع التجارة البينية، وخاصة أن الاستعمار الحالي استعمار اقتصادي، وقيام السوق المشتركة يعيد للمسلمين ثقلهم الدولي، ومكانتهم بين الشعوب التي تتسابق لفرض نفوذها عليها واستنزاف خيراتها وهذا ما حذر منه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: ”يُوشِكُ الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قِلةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم كثير، ولكنكم غُثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: حبُّ الدنيا وكراهية الموت“ [أخرجه أبو داود في سننه 5/38، رقم 4279: كتاب الملاحم، باب تداعى الأمم على الإسلام].

    ومما سبق يمكن استخلاص الأهداف التي يُسعى إلى تحقيقها من إقامة سوق إسلامية مشتركة وهي:

    أ/  الامتثال لأمر الله عز وجل الداعي إلى التعاون.

    ب/  تحسين العلاقة بين المسلمين مما يحقق السلام والوئام بين الدول الإسلامية، ويساهم في التقريب بينها وتوحيدها.

    ج/  فتح الحدود الإسلامية أمام حركة التنقل بإيجاد سوق تجارة حرة، وسوق عمالة حرة كذلك.

    د/  تجميع اقتصادات الأقطار المختلفة في اقتصاد واحد قوي، يحقق التكامل الاقتصادي، ويقطع الطريق أمام القوى الأجنبية والاستعمارية حتى لا تتدخل في شؤون الدول الإسلامية، أو تحتل أراضيها، وتهيمن على مواردها.

    ه‍/  تعزيز قدرات الأمة على مواجهة العولمة الاقتصادية، والتكتلات العالمية، والتصدي لمحاولات الهيمنة على اقتصادات الدول الإسلامية.

    و/  تحقيق مصالح المسلمين الاقتصادية بتحقيق الاكتفاء الذاتي، وزيادة معدل النمو الاقتصادي.

     

    ثانياً: مبررات العولمة وأهدافها:

    من أبرز دوافع العولمة أزمة الاقتصادي الأمريكي واختلالاته الداخلية والخارجية المزمنة، تزامنت هذه الأزمة مع صعود بعض القوى الاقتصادية الجديدة كاليابان، لذلك وجدت الولايات المتحدة الأمريكية في العولمة الاقتصادية المستندة إلى مبادئ السوق ومفاهيمها وآلياتها مخرجاً لاقتصادها من أزمته، ووسيلة للهيمنة على مقدرات الاقتصاد العالمين، وأداة ضغط على القوى الاقتصادية الصاعدة، فضلاً عن تهميش اقتصاديات الدول الإسلامية وإلحاقها بالاقتصاد العالمي من موقع متخلف [علي عبد الله: العولمة: التحديات والأبعاد المستقبلية، مجلة النبأ، العدد 75 www.annabaa.org/nba 57/alawlama.htm].

    إن ما تنادي به العولمة من أهداف ومقاصد نظرياً تتماشى إلى حد كبير مع ما تنادي به الشريعة الإسلامية من جلب المصالح للناس ودرء المفاسد عنهم، ومن انفتاح على العالم، قال تعالى: { قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ } [الأنعام/11] وقال: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } [الملك/15]. والعولمة في ظاهرها تحمل شعارات السعادة للناس والرفاهية والعدل والحرية والقضاء على الفقر كأهداف نبيلة تسعى لنشرها عالمياً، ولكن الواقع بخلاف ذلك فلا أهداف نبيلة، ولا غايات شريفة، وما هي إلا "ادعاء ساذج" [هانس بيتر مارتين، وهارالد شومان: فخ العولمة/ 257، عالم المعرفة، 238، سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، جمادى الآخرة 1419، أكتوبر 1998] ووسيلة لاحتكار التجارة العالمية واحتكار وسائل الإعلام وأدوات الإنتاج المعلوماتي، ودعوة مبطنة لإلغاء اقتصاديات الدول في سبيل الهيمنة والسيطرة المطلقة للشركات الكبرى، إنها فلسفة الأنانية والمنفعية التي تقوم على قتل الروح الجماعية وإهمال الآخرين، وخدمة المصالح الخاصة.

    ويؤكد هذا جملة من المظاهر؛ منها:

    1ـ  إن منظمة التجارة العالمية في السنوات الخمس الأخيرة قد أسهمت بدور بارز في تركيز الثروة في أيدي أقلية من الأثرياء جنباً إلى جنب مع زيادة تفشي الفقر لأغلبية سكان الأرض؛ فعلى سبيل المثال 20% من دول العالم هي أكثر الدول ثراء، وتستحوذ على 87.7% من الناتج الإجمالي للعالم، وعلى 74.4% من التجارة الدولية ويمتلك سكانها 85.5% من مجمع مدخرات العالم.

    2ـ  تعظم القوة الاقتصادية للشركات المتعددة الجنسيات، ومن ورائها أمريكا سيطرت على مشروعات استثمارية ضخمة بغية الهيمنة على الآخر واختراقه وسلب خصوصياته، وإخضاع السوق العالمية لقوانين تقوض كل أشكال السيادة القطرية، "لتشل حركة الدولة والأمة وتفكك نظمها الإنتاجية ومؤسساتها، أي القفز فوق سهام الدولة والأمة والوطن، وتمكين الشركات المتعددة الجنسية والمؤسسات الاقتصادية الكونية من إدارة وتسييس شؤون الاقتصاد العالمي لتحل محل الدولة لغرض تعميق اختراق اقتصاديات الجنوب وإلحاقها بالاقتصاد العالمي من موقع متخلف لتؤدي وظائف معينة"، ذلك بأن متزعم العولمة الدول الرأسمالية، والدولة الرأسمالية مناط بها أن ترعى مصالح الطبقة الرأسمالية حيث إن وظيفتها الأساسية تأسيس البنى القانونية والمؤسسية الملائمة لاحتياجات النظام الرأسمالي.

    3ـ  تراجع معدل النمو الاقتصادي العالمي 2001 إلى 2.2% مقارنة مع معدل نمو حقيقي بلغ 4.7% عام 2000، وحتى بوادر الانتعاش الاقتصادي التي بدأت في أواخر 2001 والربيع الأول من عام 2002 شهدت الأسواق المالية العالمية ضعفاً واضحاً، وفقدت أسعار الأسهم الدولية جزءاً كبيراً من قيمتها [التقرير الاقتصادي الخليجي 2002-2003 ص13، الصادر عن وحدة الدراسات – دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر، الطبعة الأولى، الشارقة، أكتوبر 2002. وينظر الملحق رقم2].

    4 ـ  تهميش العولمة للدول النامية؛ ونظراً لهذا التهميش نجد هذه الدول تطالب بالحصول على مزايا عادلة، وإشاعة استراتيجية تقوم على أساس المشاركة الإيجابية لكل الدول في إطار العولمة، محذرة من مخاطر التهميش الذي تتعرض لـه. وبالرغم من أن مؤتمر "دافوس" الذي عقد في كانون الثاني 2000 بسويسرا ركز على نقطة رئيسية وهي سبل تقليص الفجوة بين الثراء والفقر، وتخفيف أضرار العولمة على البلدان الأضعف اقتصادياً ومالياً [نبيل شبيب: قمة الألفية: الشعار للفقراء والمكاسب للأغنياء، اقتصاد وأعمال، إسلام أون لاين. نت]، ورفع شعار: "بداية جديدة من أجل التغيير" إلا أنه لم يحدث أي تغيير، ولم يستطع إبعاد شبح التيار المناهض للعولمة حتى في قلب مراكز العولمة ذاتها. وقد بيّن الدكتور عصام الزعيم في مقابلة معه أن العولمة بالقدر الذي تعد فيه أداة دمج فإنها أداة تهميش وتجزئة [البعث الاقتصادي/17 العدد 90، تاريخ 2/2000 ص17]، وهذا ما أكدته الشعارات التي نادى بها المتظاهرون بمناسبة اجتماع وزراء أعضاء منظمة التجارة الدولية في سياتل عام 2000: الرأسمالية وحش قاتل. نريد معلوماتية تخدم الإنسان. لا نريد عولمة لجمع الثروة فقط. لا نريد حريات اقتصادية تسحق حق العيش الكريم [نبيل شبيب: قمة الألفية: الشعار للفقراء والمكاسب للأغنياء، اقتصاد وأعمال، إسلام أون لاين. نت].

    5 ـ  لم يعرف التاريخ ارتفاعاً في نسبة الفقر في العالم مثلما عرفه الآن، فمن بين عدد سكان العالم البالغ عدده 6 مليارات نسمة عام 1999 يعيش 2.8 مليار نسمة منهم (أي حوالي النصف) على أقل من دولارين يومياً، ويعيش 1.2 مليار نسمة تحت خط الفقر المحدد دولياً بأقل من دولار واحد يومياً (حوالي 23% من سكان العالم)، في حين أن الشعوب الغنية تمثل 5% من سكان العالم إلا أنهم يحصلون على دخل يزيد أكثر من 114 مرة من دخل المنتمين إلى الشعوب الفقيرة [شؤون خليجية/211، مرجع سابق]، وفي ظل هذه الطبقية فهل ستعيش البشرية في أمان؟!!

    الجواب إن هذه الطبقية ساهمت في انتشار الجريمة، فعلى سبيل المثال: 2% من الشعب الأمريكي إما قابعون تحت السجون أو تحت إجراءات حسن السلوك، وأن 28 مليون أمريكي يعيشون في مساكن محروسة بكل وسائل التقنية الحديثة من أسلحة وكاميرات وغيرها، والسبب في ذلك عدم الاطمئنان جراء الجريمة المستفيضة [د. عبد الله عثمان، د. عبد الرؤوف محمد آدم: العولمة، دراسة تلحيلية نقدية/67 دار الوراق/1999].

    وإذا كانت العولمة كاذبة في ادعاءاتها ولم تستطع أن تحقق الأهداف النبيلة التي طرحتها من إسعاد العالم والقضاء على الفقر، وإيجاد المجتمع العالمي الواحد [لمزيد من الاطلاع يراجع ما جاء في الخليج الاقتصادي/8، العدد 8373 تاريخ 9/2/1323-22/4/2002: الهدف ردم الهوة بين الشمال والجنوب.. فهل تحقق؟]، وما مرد ذلك إلا لكونها لا تمتلك المقومات الإنسانية الأساسية لتحقيق ذلك، بخلاف الدول الإسلامية، ممثلة في السوق المشتركة التي تمثل قاعدة صلبة للتضامن فيما بين هذه الدول، وبه يمكن أن تفلت من العولمة بشكل عام ومن العولمة الاقتصادية بشكل خاص، فإنها قادرة على ذلك لما تمتلكه من مقومات نابعة من الشريعة الإسلامية تمكنها من بناء مجتمع عالمي قائم على العدل والحرية والمنافسة النزيهة مع رفض كل أنواع الظلم والاحتكار ”فلا ضرر ولا ضِرَار“، مع إلغاء التمييز بين الوحدات الاقتصادية للأقطار ذات العلاقة وتطبيق سياسات مشتركة بينها على نحو يتأتى معه تحقيق الأهداف الاقتصادية من:

    ـ  تنمية شاملة تنفع العباد والبلاد.  ـ وكفالة حد أدنى من المعيشة -  وتحقيق القوة والاستقلال الاقتصادي.

    ـ  وتخفيف التفاوت في الدخل والثروة بين الناس. ـ  وتحقيق المصالح الوطنية لكل دولة مشتركة في السوق بما تملأه كل دولة من فراغات الدولة الأخرى، فبعض الدول لها أموال فائضة، وأخرى مستعدة لجلب الاستثمارات، فكل واحدة تتمم الأخرى، وهذا هو طريق التكامل في شتى المجالات: الطاقة البشرية وتصدير الخدمات الفنية والاقتصادية.

    ـ  وتداول المال ورواجه بين الناس { كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ } [الحشر/7]، ذلك بأن احتكار المال في فئة قليلة من الناس يؤدي إلى مخاطر جمة، اعتبرها بعض المختصين في مجال الاقتصاد ( في حديثه عن المخاطر التي تنطوي عليها أسواق المال العالمية) أشد خطراً على الاستقرار من الأسحلة النووي [فخ العولمة/171، مرجع سابق]، وأنه بإفلاس مصرف كبير واحد يمكن أن يتسبب بين عشية وضحاها في إفلاس مصارف أخرى في العالم، ودرءاً لمثل هذه المفاسد حثت الشريعة الإسلامية على الحرية الكاملة للأسوق ولكن في إطار من الضوابط الشرعية في الكسب والربح، فحرمت جملة من الأعمال التي من شأنها إلحاق الضرر بالمسلمين في سوقهم كالاحتكار والنجش، والربا، ونحو ذلك مما هو مبسوط في كتب الفقه في الحديث عن البيوع الفاسدة.

    المبحث الثالث:

    سبل تفعيل إقامة السوق الإسلامية المشتركة

    لا تزال تأثيرات العولمة والتحرير التجاري على الأمة الإسلامية – بل على مستوى العالم – مثار بحث وتحليل من قبل الباحثين والدارسين، ولا يخفى ما لهذا من أثر على إقامة سوق إسلامية مشتركة علماً أن إقامة أي سوق لا يمكن أن تنفصم عما يجري في العالم من أحداث وتكتلات كما لا يمكن أن تنفصم عن السيادة المالية، ولا عن السياسة الاستثمارية، ولا عن ممارسات السلطة النقدية وقوانينها، ولا عن تمويل الصناعات المحلية والإقليمية المنتجة، ولا عن إقامة مناطق تجارية، ولا عن نهضة اقتصادية شاملة، وقد أشار أهل الاختصاص إلى هذا الترابط فيما كتبوه من أسس للتكامل الاقتصادي، وهي نوعان:

    ـ  النوع الأول: أسس لازمة للاتفاق على قيام التكامل الاقتصادي وهي: - تنافس منتجات الدول الأعضاء. – تقارب النمو الاقتصادي. – الاستقرار السياسي. – الوعي الاجتماعي.

    ـ النوع الثاني: الأسس اللازمة لبدء تنفيذ التكامل الاقتصادي وهي: - المسافة الاقتصادية. – إزالة الحواجز والقيود الجمركية. – وضع سياسة جمركية موحدة تجاه العالم الخارجي. – حرية انتقال عناصر الإنتاج.

    وبناء على هذه الأسس يمكن تحديد دور الدول الإسلامية في التعامل مع العولمة الاقتصادية وفي تفعيل سبل الوصول لا إلى إقامة سوق إسلامية مشتركة فحسب بل إلى التكامل الاقتصادي، ومن ثم النهوض الحضاري، وتتمثل هذه السبل: في التوعية، والاستشارة، والاستثمار، والتمويل.

    السبيل الأول: التوعية

    التوعية أمر مهم في زمن العولمة وأساس متين لقيام السوق الإسلامية المشتركة، فقد ورد في استبيان نشرته مجلة الاقتصاد الإسلامي أن من المعوقات لغياب السوق: غياب الوعي الشعبي والجماهيري وعدم فهم أهمية السوق، ويضاف إلى ذلك عدم فهم العولمة فهماً صحيحاً، وبهذا تتمثل هذه التوعية في أمرين: الوعي بأهمية السوق المشتركة، والوعي بآثار العولمة.

    1 ـ  الوعي بأهمية السوق الإسلامية المشتركة:

    ونعني بذلك الإلمام بماضي الأمة وحاضرها، ومعرفة المخاطر التي تجابهها، والعراقيل التي تحول دون استعادة مجدها وعزها، وبيان أهمية السوق الإسلامية المشتركة وآثارها الإيجابية على المستويين: الشعبي والحكومي، ولا يتم ذلك إلا بالتكرار، والتكرار عامل مهم في نجاح أي عمل، لذا يتعين على المصارف الإسلامية الحرص الشديد والتأكيد على ذلك في كل محفل ومناسبة، وإنشاء إدارة للتوعية والاهتمام بهذا الأمر ومتابعته، وإعانة كل من يدعو إليه حتى تتضافر الجهود لتتم التعبئة العامة بضرورة إقامة السوق المشتركة، وتوخي السبل الكفيلة بتنمية الوعي من: كلمة طيبة مقروءة ومرئية ومسموعة، وتهيئة العقول لقبول الفكرة وإيجاد قناعة شخصية بأهمية هذا الأمر لدى الأفراد والمجتمعات، وجعلها قضية لا يمكن الاستغناء عنها بحال، وزرع الإيمان في القلوب بقدرات الأمة على إنجاز ذلك، بالإضافة إلى إقامة مؤتمرات وندوات وورش عمل يتم فيها مناقشة أهمية السوق المشتركة، والسبل الكفيلة بإقامتها، ورفع معنويات المسلمين بقدرات أمتهم ومكتسباتها وبناء الثقة بين الدول الإسلامية، وإتاحة تبادل المعلومات في مناخ ملائم للتفكير والإبداع حيث يتحدث كل صاحب فكرة وتجربة عن فكرته وتجربته، والإبداع والتجديد هما قاطرتا النهضة في أي أمة.

    ومن مستلزمات التوعية: معرفة المعوقات التي تعيق إقامة السوق الإسلامية المشتركة للعمل على تذليلها وتلافيها، وقد أشرت في ثنايا البحث إلى بعض هذه المعوقات مع بيان طرق معالجتها، ولمزيد من التنبيه أشير إلى بعض هذه المعوقات:

    ـ  انخفاض الإنتاجية في اقتصاديات العالم العربي والإسلامي نتيجة لسوء الإدارة أحياناً، وأحياناً أخرى لانخفاض كفاءة العاملين، فتكون المقدرة التنافسية ضعيفة أمام الكم الهائل من الإنتاجية الغربية وجودتها، وهذا يستلزم إصلاحاً اقتصادياً من الداخل مع ضرورة التوجه إلى الاستثمار الخارجي.

    ـ  السياسة المتقلبة وعدم استقرار المنطقة، وهذا ما أشار إليه الدكتور أحمد جويلي أمين عام مجلس الوحدة الاقتصادية في المؤتمر الأول لمؤسسة الفكر العربي،

    التي تقدم التنازلات مثلها مثل الأخ الكبير الذي يرعى إخوانه الصغار ولا ينفك يتنازل ليرفع من مستواهم، ويضمن لهم العيش الرغيد، ولا يتم الاندماج إلا بالتضحية من الأفراد والدول، ولم تقم السوق الأوربية المشتركة إلا بتضحيات كبيرة رغم اختلافهم في اللغة والعرق وبعضهم في الديانة، بخلاف المسلمين فإن كل مقومات السوق المشتركة متوفرة لديهم حيث يوحدهم الدين واللغة – غالباً – ويمتلكون الطاقة والقدرة على الاستيعاب.

    2 ـ  الوعي بآثار العولمة:

    إذا كان الهدف من العولمة الانفتاح والتعاون فلا حرج فيها، وإذا كان المقصد منها الأخذ والعطاء، فلا حرج كذلك. أما إذا كان المقصد منها أن تكون الأمة الإسلامية مجرد مستهلكة على المستوى الاقتصادي والثقافي والفكري فهذا يرفضه كل حر أبي، لأن هذا يعني الذوبان في الآخر والتشتت وفقدان الهوية.

    ولتجنب هذا الأمر فإنه يستلزم ارتفاع درجة الوعي بالتحديات الاقتصادية التي تواجه المسلمين خاصة في ظل تبني أمريكا والغرب العولمة الاقتصادية، بالإضافة إلى عدم التعامل مع هذه العولمة باستخفاف أو الدخول فيها دون الأخذ برفع القدرات التنافسية، فأخطر المواقف التعامل مع العولمة بمعيار الرفض المطلق أو القبول المطلق، فلابد من فهمها أولاً، ثم الحد من أخطارها ثانياً، والاستفادة من إيجابياتها والتعامل معها تعاملاً مدروساً ثالثاً، وبهذا نكون فاعلين ومؤثرين، ومسجلين حضوراً فاعلاً في تشكيلة العالم الجديد.

    وسياسة الانتقاء ليست بالأمر السهل بل تحتاج إلى جهد كبير وذكاء وفطنة، وتتم هذه السياسة على مستويين:

    ـ  على المستوى الفردي: بالوعي بما في الإسلام ومنهجه من خلاص للبشري، وانتشال المسلمين من براثن الجهل، والتخلف أولاً، وبالوعي بما في العولمة من مخاطر ثانياً، وذلك بدراستها دراسة متأنية تمكننا من التمييز بين النافع منها والضار بغية التقليل من تأثيرها علينا وعلى الأجيال القادمة. وبقيام نهضة علمية وفكرية موازنة لما يفد علينا ثالثاً، وذلك عبر برنامج علمي دقيق، وبإشراف العلماء والمختصين من خلال تحصين الأمة فكرياً بزيادة الوعي واستحداث مراكز دراسات وأقسام مختصة في الجامعات الإسلامية بغية امتلاك الوسائل التي ترتكز عليها موجات العولمة خاصة على الجانبين الاقتصادي ؟؟؟؟؟؟

    ـ  على المستوى الجماعي: بأن تتصالح الأمة مع ربها، وتتعاون فيما بينها، وتستغل الطاقات والموارد التي منحها إياها ربها، وأن تعمل على إيجاد حماية اقتصادية خاصة بالبلدان الإسلامية وتطرح النظرية الإسلامية في الاقتصاد على المسلمين وعلى غيرهم عن طريق أجهزة الاتصالات العالمية وشبكة الإنترنت، وبث الوعي بتشجيع البضائع الداخلية، وتشجيع المستهلك لها، مع الدعاية الكافية لمثل هذا الأمر، بالإضافة إلى غرس الثقة بقدرات الأمة التي تؤهلها إلى أن تأخذ موقعها الإيجابي في خضم هذا الصراع المتعدد الجوانب.

    والعولمة ليست حتمية قدرية لا خلاص منها، بل هي طرف تاريخي يعكس تطور النظام الرأسمالي، وفهمها فهماً صحيحاً قد يكون سبباً من أسباب استعادة الأمة مجدها واسترداد عزها لأن الأيام علمتنا أن العرب لا يتحركون إلا إذا كان هناك خطر داهم يهدد حياتهم، وأن الحضارة أحياناً لا تصنع إلا بالتحدي، يقول آرنولد توينبي: "إن الجماعة التي تنجح في صنع الحضارة هي تلك الجماعات التي تقابلها صعوبات عظيمة وتحديات فتنهض لكي تذلل تلك الصعوبات ولكي تقضي على تلك التحديات، فتتحول حياتها من حياة الدعة والسكون والراحة إلى حياة الكفاح والنضال والحركة الدائمة والعمل الدؤوب".

    ويتمثل فهم العولمة بمعرفة آثارها السلبية المعيقة لتقدم الأمة حتى تتجنبها، وآثارها الإيجابية حتى تستفيد منها، إذ الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.

    أولاً: الآثار السلبية للعولمة الاقتصادية:

    تتمثل هذه الآثار في التحيز والظلم وعدم العدل، ويبدو هذا جلياً في المظاهر الآتية:

    إضعاف الدولة، وتدمير الصناعة المحلية، وعدم الاستثمار فيما ينفع، والتحيز والكيل بمكيالين، وتخفيض الأجور، والبطالة، والتدهور البيئي.

    1/ إضعاف الدولة: تؤدي العولمة إلى إضعاف سيطرة الدولة القطرية بكسر الحدود وانخفاض التوظيف والوظائف للعمالة الماهرة وتخفيض الأجور، وقد أصبح لشركات العولمة العملاقة نفوذ كبير في إسقاط الحكومات، وافتعال الانقلابات وتحريك الأزمات، وضرب الاقتصاديات المستقلة، وهي تتجه تدريجياً إلى تحويل المجتمع البشري إلى مجتمع مستعبد مدجن بواسطة وسائل الإعلام والدعاية الإعلانية الاستهلاكية، فالعولمة تعمل على الاستعباد فتحول دون حصول الأفراد والشعوب على العزة والكرامة [شؤون الشرق الأوسط/15، العدد 71/ إبريل/ 1998].

    وتعمد العولمة لتحقيق إضعاف الدولة إلى إغراقها بالديون، فعلى سبيل المثال الدول العربية – وهي المستهدف الأول في العولمة – بلغت ديونها الخارجية وفقاً لأحدث الإحصائيات 629 مليار دولار تستنزف من ثرواتها ما قيمته سنوياً مليار دولار خدمة للديون الخارجية فقط، وليس غريباً أن تؤكد تقارير اقتصادية أن الديون العربية تزيد نحو 500 ألف دولار كل دقيقة [الاقتصاد الإسلامي/ 56، العدد 259، شوال 1423/ ديسمبر 2002]، وقد بلغ إجمالي ديون الدول العربية حتى نهاية عام 2000: 325 مليار دولار بعد أن كان عام 1908: 49 مليار دولار، ولم يصاحب هذا الارتفاع زيادة مماثلة في الناتج المحلي الإجمالي، ففي عام 1980 كانت الديون الخارجية تشكل 12% من الناتج المحلي الإجمالي العربي، أما الآن فتمثل 46% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد أصبحت المديونية تمثل مشكلة يشار إليها في التقارير الدولية، ولا شك أن كلما ارتفعت وتيرة الديون ترسخت التبعية، ووجدت الذريعة للقوى "الاستعمارية" في التحكم في اقتصاديات الدول المستهدفة.

    2/ تدمير الصناعية المحلية: تساهم العولمة إلى حد كبير في تدهور الصناعة المحلية وتدميرها، وقد حذرت منظمة الخليج للاستثمارات الصناعية من الجوانب السلبية التي قد تؤثر في الصناعات الصغيرة والمتوسطة في دول مجلس التعاون الخليجي نتيجة تطبيق اتفاقية التجارة العالمية. ومن أجل هذا عملت دول مجلس التعاون الخليجي  منذ تأسيس المجلس عام 1981 على إرساء الأسس اللازمة لقيام تكتل اقتصادي يجمع دول المجلس تحت اتفاقية اقتصادية موحدة.

    ومن أبرز مظاهر تدمير الصناعة المحلية:

    ـ  ما تعمد إليه الشركات العملاقة من سياسة الاحتكار والإغراق، فهي تغرق أسواقنا بمنتجاتها وتحول دون وصول صادراتنا إلى أسواقها. كما أنها تسعى إلى: - تملك خطوط الإنتاج والصناعات في الدول المراد تدميرها اقتصادياً، ولا أدل على ذلك من علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بأوروبا من خلال تجارة "الصويا" حيث تمتلك الولايات المتحدة الاحتكار العالمي لتجارة الصويا وتصدر منها كل عام عشرة ملايين طن، وقد نجحت أمريكا في إغلاق مصنع لافير (Lavera) في فرنسا، ومنشأة سراداين (Sardaigne) في إيطاليا، وذلك لمنع المنتجين الصناعيين من استخدام ابتكار جديد لعالم فرنسي يؤدي إلى إنتاج بديل أفضل.

    وكذلك ما كشفه النزاع الأوروبي الأمريكي حول تجارة الموز حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية على بعض شركائه بسبب تفضيل الاتحاد الأوروبي استيراد الموز من المستعمرات الفرنسية والإنجليزية السابقة في إفريقيا عن استيراده من دول أمريكا اللاتينية رغم رخص ثمنه، وهو ما جعل الاتحاد الأوروبي يثير ثائرة دول العالم ضد الولايات المتحدة الأمريكية لأنها لم تحترم قواعد تحرير التجارة الدولية. وأساس الصراع بين الطرفين الخلاف حول اقتسام كعكة النظام الاقتصادي الدولي الجديد القائم على التحرير الاقتصادي وإعمال آليات السوق والمنافسة.

    ـ  كسب المزيد من العملاء من خلال خفض أسعارها، والبيع بسعر يقل عن التكلفة الحقيقية بهدف إخراج المنافسين الآخرين من السوق للانفراد بالمستهلك فيما بعد، وفرض أسعار احتكارية عليه، ولا أدل على ذلك من شركة "سنسبري" فإنها لما دخلت السوق المصري بلغت خسائرها بسبب سياستها العمدية الإغراقية في أربعة أشهر 50 مليون جنيه منها 22 مليون في الشهر الأول... وهي على استعداد لتحمل مثل هذه الخسائر، بل هي مستعدة لخسارة في أول عام تصل إلى 500 مليون جنيه مصري، وهي طبعاً تخطط لتعويض تلك الخسارة بعد سيطرتها على خطوط الإنتاج، وسحق المؤسسات المنافسة سواء الصغيرة أو المتوسطة. وقد جاء في تقرير الأهرام الاقتصادي، وصحيفة الأهالي الناقلة عنها أن أغلقت 25 من المتاجر أبوابها فعلاً تمهيداً للبيع أو لتغيير النشاط بعد إشعار الإفلاس. ومن المتوقع أن يغلق 1500 متجراً أبوابه... ومن المتوقع كذلك خلال السنوات الثلاث القادمة إغلاق 10 آلاف متجر [وسام فؤاد: سينسبري مصر: غزو تجاري في ثوب العولمة!! إسلام أون  لاين. نت/ اقتصاد وأعمال].

    ـ  امتلاك رأس المال حيث أصحب تداوله في أيدي قلة قليلة من عمالقة الاقتصاد والشركات العابرة للقارات، ولمعرفة مدى قوة هذه الشركات المالية فإن شركة (جنرال موتورز) يفوق رقم معاملاتها المالية الدخل القول لدولة مثل الدانمارك. وشركة (فورد) تفوق معاملاتها الدخل القومي لجنوب إفريقيا. وشركة (تويوتا) تفوق معاملاتها الدخل القومي للنرويج. ويبلغ حجم نشاط شركة (ميتسوبيشي) الاقتصادية أكثر من حجم النشاط الاقتصادي لإندونيسيا التي تعتبر رابع أكبر دولة من حيث تعداد السكان، فلا غرابة من أن يكون 358 شخصاً في العالم فقط من أصحاب المليارات يملكون ثروة تضاهي ما يملكه ملياران ونصف من سكان العالم.

    3/ عدم الاستثمار فيما ينفع: تساهم العولمة في عدم استثمار الأموال في أنشطة اقتصادية حقيقية من شأنها تعزيز القدرة الإنتاجية للدول الإسلامية لتصبح الدولة دولة مستهلكة بدل أن تكون منتجة، وذلك بنشر النمط الاستهلاكي الترفي بين الناس، واختزال الإنسان في بعده المادي الاستهلاكي، وأحياناً الشهواني دفعاً للناس للإسراف والتبذير مما يؤدي إلى استنزاف الموارد المالية للدولة والأفراد على حد سواء.

    4/ التحيز والكيل بمكيالين: لا يخفى على عاقل تحرك العولمة اليوم في المجتمعات بأسلوب متحيز إذ إنها في الغالب تعمد إلى تغليب الحسابات والمقاييس العالمية على الحسابات والمقاييس المحلية في الحقول التي تقوم عليها العولمة، فالولايات المتحدة تحاول أن تعطي المحلي لديها طابعاً عالمياً تحقيقاً لمصالحها الذاتية ويتيسر لها هذا بما لديها من قوة إعلامية على نطاق محلي وعالمي.

    5/ تخفيض الأجور: تنتهج العولمة سياسة تخفيض الأجور لتتمكن من تحقيق أقصى ربح ممكن عبر تشغيل أيد رخيصة في مشروعاتها الموطنة في البلدان النامية، ومنها البلدان العربية، وهذا يؤدي إلى زيادة في عدد الفقراء والمهمشين اجتماعياً، وزيادة الجريمة المنظمة [عصام المجالي: تأثير العولمة وتحرير التجارة على المنطقة العربية الاجتماعياً واقتصادياً، مجلة الإمارات اليوم/ 60-62 العدد 123. 1-8 يوليو 2000].

    6/ البطالة: تسببت العولمة في كثرة البطالة وزيادتها، إذ يقدر معدل البطالة في الدول العربية في أحدث إحصائية بنحو 20% من إجمالي القوى العربية العاملة أي ما يعادل 19 مليون فرداً. ومن الجدير بالذكر أن البطالة آخذة بالتزايد بشكل مطرد بين الشباب المؤهلين الداخلين الجدد لسوق العمل كما أن معدلات البطالة لهذه الفئة في الارتفاع في السنوات الأخيرة في بعض الدول الخليجية وغيرها حيث تمثل نسبة العاطلين من الشباب على سبيل المثال نحو 75% من إجمالي العاطلين في البحرين، وتبلغ نحو 40% في الجزائر وتونس [التقرير الاقتصادي العربي الموحد/ سبتمبر 2001 صفحة 29 و30].

    7/ التدهور البيئي: لا يقتصر أثر العولمة الاقتصادية على الجانب الاقتصادي أو السياسي فحسب بل يتعداه إلى البيئة، وذلك بما يؤدي إليه هذا التطور الهائل للتجارة العالمية من تدهور المحيط البيئي إما: - باستنزاف وإتلاف الأراضي الزراعية، وقطع الأشجار، مما أدى إلى ظاهرة التصحر التي تعود قبل كل شيء إلى استغلال الإنسان المفرط للأراضي.

    -            أو بتشجيع الاستثمارات غير المنتجة لكونها تدر أرباحاً بسرعة.

    -            أو بتصدير الصناعات الأكثر تلويثاً للبيئة للبلدان العربية والإسلامية.

    -      أو بالمتاجرة ببعض المواد الخطيرة، أو ببعض الكائنات الحية المهددة بالانقراض.

    -      أو تدهور نوعية المياه وزيادة تلوثها نتيجة ضعف أجهزة إدارة المياه وحمايتها من آثار التلوث الصناعي والملوثات الكيماوية والبيولوجية نتيجة الاستخدام غير الرشيد لبعض الأفراد والمؤسسات دون محاسبة من الأجهزة المعنية ما يؤدي إلى خسائر كبيرة في الموارد المائية الجوفية والسطحية.

    وما تجنيد الرأي العام ورجال السياسة سواء على المستوى العربي والإسلامي أو العالمي، والركوض وراء البحث عن الحلول للمشاكل البيئية إلا دليل على تفاقم حدة هذه المشاكل.

    ثانياً: الآثار الإيجابية للعولمة:

    من الآثار الإيجابية للعولمة ما يأتي:

    1/ إنها تعمل على جذب الاستثمارات إلى القطاعات الإنتاجة وزيادة النشاط التجاري الدولي.

    2/ السماح بتحريك الكفاءات البشرية وذلك بإزالة الحواجز.

    3/ فتح المجال للصادرات العربية والإسلامية لدول الأسواق العالمية.

    4/ الإفادة من مزايا الاتحادات والتكتلات.

    5/ تخفيض التعريفة الجمركية أو إزالتها وذلك يؤدي إلى انخفاض في الأسعار الذي يصب في مصلحة المستهلك مما يخفف العبء عنه.

    6/ زيادة التنافس – لو كان نزيها – في مجال السلع والأسعار وزيادة حجم النشاط التجاري، مما يؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي على المستوى المحلي والعالمي، وإن إنشاء سوق إسلامية مشتركة تمكننا من الوقوف في وجه التحديات الاقتصادية المعاصرة في العالم اليوم، وفي طليعتها تحدي مخاطر السوق الشرق أوسطية التي تدعو إليه إسرائيل، وتعمل على تنفيذه عبر عملية التطبيع التي رفضتها الشعوب العربية والإسلامية.

    السبيل الثاني: الاستشارة

    من سبل تفعيل إقامة سوق إسلامية مشتركة ما تقدمه الدول الإسلامية من خدمات استشارية، بما توفره من معلومات كافية حول شتى الموضوعات، ذلك بأن من يملك المعلومات الصحيحة يملك القرار، ولا تتأتى هذه الخدمات إلا بإنشاء لجان استشارية أو مراكز للأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية لكافة الدول الإسلامية، وقد أنشأ مركز لهذا الأمر عام ؟؟؟؟؟؟؟؟

     

    *  التعاون مع غيرها من المراكز واللجان ذات العلاقة في الدول الإسلامية.

    *  جمع المعلومات الإحصائية والفرص الاستثمارية والوظيفية وتقويمها وتقديمها لمن يحتاجها من رجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية داخل الدول الإسلامية، ودراسة أحوال الدول الأعضاء دراسة دقيقة وشاملة لما يتوافر فيها من موارد طبيعية وبشرية، وما تحتاجه أسواقها المحلية من صناعات وسلع مواد أولية. ولعله في إطار التأكيد على تبادل المعلومات عقد في مبنى غرفة تجارة وصناعة دبي المؤتمر الأول للمعلومات الصناعية والشبكات حيث دعا في توصياته الحكومات العربية للعمل على توفير البيئة الاقتصادية للابتكار...

    *  إعداد دراسة جدوى اقتصادية تفصيلية والقيام بأبحاث تطبيقية حول سبل التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية، والتفكير في المجالات الهامة التي تخدم السوق الإسلامية المشتركة، وقد أوضحت الباحثتان الدكتورة أمينة محمود حسن والدكتورة إيمان عبد الوهاب حجاج أهمية دور الخدمات البحثية في دعم القدرات التنافسية للمنظمات الاقتصادية حيث لا يمكن تطوير الأسواق والمنتجات وأدوات الإنتاج إلا من خلال البحوث الميدانية التي تقف على أحدث ما وصل إليه العالم في الميادين الاقتصادية والعلمية.

    *  العمل على تنسيق التعاون بين الدول الأعضاء في المجالات الاقتصادية لا سيما وأن الدول الإسلامية تنقسم إلى مجموعتين: مجموعة لديها موارد طبيعية، وأخرى تعاني من عجز في تلك الموارد ولكنها تنعم بموارد بشرية.

    *  وضع الأسس الكفيلة بتحقيق التعاون بين الدول الأعضاء وذلك بتنسيق النشاط الاقتصادي تفادياً للازدواجية في إقامة مشروعات صناعية في هذه الدول.

    *  سعي الدول الإسلامية لإيجاد موقف موحد إزاء كل التطورات الجارية والمستجدات المرتقبة تحت مظلة العولمة ومتطلبات منظمات التجارة العالمية.

    *  الحرص على أصحاب العقول المفكرة وأصحاب القدرات والكفاءات العلمية والفنية والمهنية، والعمل على استقطابهم والاستقادة من إمكاناتهم فيما يعود بالنفع على المجتمع. ومن الواضح أن عدم الاهتمام بهذه الفئة يؤدي إلى هجرتها حيث تجد ذاتها، وتحقق مصالحها.

    *  ضرورة التأكد من الخطوات التي تخطوها الأمة نحو السوق الإسلامية المشتركة، ومن ثم التكامل الاقتصادي، ودراستها دراسة معمقة من كافة الجوانب حتى لا تضل الأفهام وتزل الأقدام.

    *  دراسة ما يواجه السوق الإسلامية المشتركة من عراقيل وعقبات، واقتراح الحلول المناسبة لها، وتذليل الصعوبات، والكينونة في مستوى التحديات، ولا يخفى أن هذا العمل يحتاج إلى:

    1.       تحديد مجموعة من الباحثين الخبراء في مثل هذه الأمور.

    2.       تمويل هذه البحوث.

    3.       إيجاد آلية جديدة لتقديم نتائج البحوث لصانعي القرار.

    4.    زيادة فرص تبادل الآراء والأفكار حول الآراء المثلى لإقامة السوق الإسلامية المشتركة.

    5.    إعادة هندسة السياسات الإدارية وتطوير القطاع العام بتحريره من القيود التنظيمية والإدارية والمالية وإطلاق قدراته التنافسية.

    6.    تعزيز فرص تبادل الخبرات والمعلومات والتخفيف من العراقيل الإدارية؛ وتشجيعاً لهذا فقد أحدث البنك الإسلامي للتنمية برنامجاً لتشجيع الموارد البشرية للدول الأعضاء، وذلك بتوفير التدريب، وتعيين الخبراء مركزاً على مجالات الزراعة والصناعة والإصلاح المالي، وقد اعتمد البرنامج في عام 1422هـ 91 عملية بمبلغ 1.887 مليون دولار أمريكي.

    وتظل المشكلة دائماً في مدى إيماننا – حكومة وشعباً – بضرورة إقامة سوق إسلامية مشتركة، وإعداد البحوث الجادة المتعلقة بهذا الموضوع، والخروج بها من حيز الأفكار ؟؟؟؟؟؟؟؟؟

     

    السبيل الثالث: الاستثمار

    الاستثمارات الإسلامية المشتركة تعتبر الخطوة الأولى والبداية الحقيقية للسوق الإسلامية المشتركة والتكامل الاقتصادي، ويتم تفعيل ذلك بما يأتي:

    1.  تشجيع الاستثمارات بين الدول الإسلامية بدلاً من الاستثمارات في البلدان الغربية، وذلك بتشجيع انتقال رؤوس الأموال والعمالة المدربة والخبرات والتكنولوجيا بين الدول الإسلامية. وفي إطار جذب الاستثمارات في الدول الخليجية تم استحداث العديد من التشريعات والقوانين، وقدمت في هذا الصدد العديد من الحوافز التشجيعية أمام المستثمرين... وقد استطاعت دول مجلس الخليج اجتذاب أكثر من 40 مليار دولار من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة وذلك خلال السنوات 1975-2000، وهو ما يقل عن (0.6%) من مجموع تدفقات الاستثمار العالمية، ويقل عما تجتذبه دولة مثل الصين في عام واحد وتتراوح الاستثمارات الخلجية المهاجرة في الخارج بين 1.4 تريليون دولار وفقاً لتقديرات ميريل لينش العالمية و2.8 تريليون دولار وفقاً لتقديرات الجامعة العربية [الاقتصادي/ 32 العدد 188 فبراير 2003، وقد بلغت عدد مشاريع الاستثمار الأجنبية في الصين 360 ألف ؟؟؟].

    2.  إيجاد الفرص الملائمة، وخلق الآيات والأدوات التي تلبي احتياجات المستثمرين من الأفراد والشركات والمؤسسات.

    3.  زيادة حجم المساهمات لتمويل المشروعات الإنتاجية في الدول الإسلامية لتحقيق الأمن الغذائي فلا تحتاج إلى استيراد الأغذية من الخارج، وذلك بتشجيع الإنتاج الزراعي العربي والإسلامي، إذ إن الإنتاج الزراعي العربي يتراوح بين 20.5% من إجمالي الإنتاج المحلي لدول المنطقة، ولا يغطي إلا حوالي 20% من احتياجات الوطن العربي من الغذاء، والباقي يستورد من الخارج إذ تصل قيمة الفجوة الغذائية العربية إلى 13 مليار دولار سنوياً.

    4.  التحول من الاستثمارات القصيرة الأجل إلى الاستثمارات متوسطة وطويلة الأجل، وإن كان النوعان مطلوبين.

    5.  ومما يلحق بالاستثمار: تعزيز القدرة التنافسية؛ ذلك بأن المنافسة أمر جيد ومحرك أساسي للتقدم، ولكن لابد لها من ضوابط حتى لا نخسر ذاتنا، أو نفقد قيمنا، فينبغي أن تقوم هذه المنافسة لا على أساس الأشعار فسحب، بل تتعداه إلى الجودة الشاملة، والارتقاء بالمواصفات المعيارية للسلع والخدمات العربية والإسلامية، بالإضافة إلى تطوير القرارات الإدارية، والتأكيد على الابتكار، والتميز الصناعي، وعلى دولنا الاستفادة من فترات السماح التي تتيحها مبادئ تحرير التجارة العالمية.

    ولا شك أن المنافسة – اليوم – غير متكافئة، لأنها بين قوي مؤهل وضعيف أعزل في صراع حسمت نتيجته من قبل اللقاء، فالشركات العابرة للقارات جادة في منافستها، ذلك بأن هدفها الربح، والربح وحده ولو على حساب القيم وسحق الضعيف، ولا تألو جهداً في البحث عن كل عمل يحقق هدفها، ولا أدل على ذلك مما تقوم به بعض الشركات العملاقة من تجسس على الشركات المنافسة لها من أجل معرفة نقاط الضعف فيها، ومن ثم القضاء عليها. ومع كل ذلك يظل الواجب على الدول الإسلامية دخول هذه المنافسة الواسعة الأبواب التي طرحت كشعار سوقي للعولمة، ولا يتم ذلك إلا بالتكتل والتعاون الذي من مظاهره إقامة سوق إسلامية مشتركة.

    بالإضافة إلى تشجيع قطاع الخدمات بين الدول الإسلامية بما يساعد على تدوير الأموال الإسلامية داخل الوطن الإسلامي، واتباع أسلوب: "البرامج المتوازية" لتنشيط القطاعات الاقتصادية من خلال خطة زمنية محددة ضماناً للالتزام بالتطبيق، وتحقيق مستويات أفضل ومتقاربة إذ "التفاوت في اقتصاديات الدول قد يعوق الاندماج".

    السبيل الرابع: التمويل

    من سبل تفعيل إقامة سوق إسلامية مشتركة مساهمة الدول الإسلامية في تمويل المشروعات التي تخدم الهدف العام الذي تسعى إلى تحقيقه فتعمد إلى الآتي:

    1.  تحفيز القطاع الخاص للمساهمة في المشروعات الإسلامية المشتركة والحد من تسرب الأموال الإسلامية نحو الدول الأجنبية. وقد ركزت الدول الخليجية خلال السنوات الماضية على الالتزام بسياسات التحرر الاقتصادي والعمل على تنشيط القطاع الخاص وإعطائه دوراً أكبر في إدارة النشاط الاقتصادي [الاقتصادي/ 31] وعلى سبيل المثال ارتفعت استثمارات القطاع الخاص في دولة الإمارات العربية المتحدة من 8.2 مليار درهم عام 1975 إلى 20 مليار درهم عام 2000، وخاصة في ظل المناخ الاقتصادي التجاري الحر الذي تنتهجه الدولة إضافة إلى تشجيعها القطاع الخاص من خلال التوسع في بناء المناطق الحرة، وتهيئة البنية الأساسية الاستثمارية [شؤون خليجية/206].

    2.  الدخول في التمويل المشترك لمشروعات التنمية الكبرى التي قد تفوق قدرات الدولة الواحدة كاستصلاح الأراضي وزراعتها والصناعات الثقيلة والمعلوماتية والاتصالات.

    3.  تشجيع التكتلات الصغيرة القائمة كدول الخليج العربي، أو دول المغرب العربي ذلك بأن المشروعات الاقتصادية المشتركة بين الدول الإسلامية حجر الأساس في بناء صرح التكامل الاقتصادي، فهي تشكل مقدمة مهمة لانفتاح هذه الأسواق وانخراطها في سوق عربية مشتركة لتنتهي إلى سوق إسلامية مشتركة.

    وفي هذا الإطار: وقّع البنك الإسلامي للتنمية مذكرة تفاهم مع منظمة التعاون الاقتصادي وقدم مساعدات مالية وفنية للمنظمة لتنفيذ مشروعات في مختلف المجالات؛ فعلى الصعيد الإفريقي يتعاون البنك مع كل من اتحاد المغرب العربي، والاتحاد الاقتصادي لدول غرب إفريقيا مع السوق المشتركة لدول إفريقيا الشرقية والجنوبية (الكوميسا) في تحقيق أهداف الاتحاد الاقتصادي الإفريقي، وخاصة فيما يتصل بتبادل التجارب والخبرات ويتعاون البنك كذلك مع منظمة المؤتمر الإسلامي والمؤسسات التابعة لها والأجهزة المتخصصة المنبثقة لها، ومع الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة التي مقرها كراتشي بباكستان. كما شرع البنك الإسلامي للتنمية في تنفيذ برنامج المساعدة الفنية – واسع النطاق – لمساعدة الدول الأعضاء على تقوية مواردها المؤسسية والبشرية [شؤون خليجية/125].

    4. إقامة معارض دولية تشترك فيها الدول الإسلامية على غرار المعرض التجاري الإسلامي التاسع المنعقد في 21-28/12/2002 بالشارقة، تحت شعار: "العالم الإسلامي تجارة حرة وتنمية مستديمة" [جريدة الخليج الاقتصادي/1 العدد 8615، الجمعة 20/12/2002]، والمعارض عبارة عن أسواق ومنظمة تكشف عن مدى تقدم وازدهار الدولة التي تقيمها في الميدان الاقتصادي وهي في نفس الوقت تعرف الآخرين على إنتاج الدول المشاركة، وقد يستفيد أصحاب الاختصاص من زيارتهم لهذه المعارض للتعرف على ما يمثل إنتاجهم لدى الآخرين ليكونوا على بينة من مستواهم الفعلي وليعملوا على تحسين إنتاجهم وتطويره. ولا يخفى ما تثمره هذه المعارض كذلك من تنافس بين أصحاب الفعاليات الاقتصادية وتبادل للمعلومات بالإضافة إلى ما توفره من أنشطة على هامش هذه المعارض مثل الندوات للتخطيط لإقامة السوق المشتركة.

    5.  التشجيع على إقامة مناطق حرة بما تمثله هذه المناطق من تدرج إيجابي قد ينتهي بسوق إسلامية مشتركة عبر جدولة زمنية محددة إذ صح القصد وصدق العزم. ولا يقتصر الأمر على تشجيع الدول في المساهمة في هذه المناطق، بل يتعداه إلى أمرين آخرين:

    ـ  أحدهما: العمل على إزالة العقبات والمعوقات التي تواجه هذه الخطوات المباركة التي من أبرزها القيود الجمركية وأحياناً غير الجمركية والحرص على الشفافية.

    ـ  وثانيهما: إبراز المنافع والمصالح العامة والخاصة التي تحققها هذه المناطق فهي تعود بالفائدة على الجميع تجارياً واقتصادياً بالإضافة إلى زيادة حجم الاستثمارات المشتركة بما تثمره هذه الاستثمارات من خير على العمالة الإسلامية وعلى التنمية بشكل عام. وبموجب هذه المناطق الحرة يمكن أن يتحرر انتقال الأشخاص ورأس المال بين الدول الإسلامية وآنذاك تبدأ الخطوات نحو السوق المشتركة والتكامل الاقتصادي.

    6.  الحرص على توجيه الدول الإسلامية نحو تعميق مبدأ التخصص أي بأن تتخصص كل دولة في المجال الذي تتمتع فيه بالمزايا النسبية المتمثلة فيما توفر لديها من عناصر الإنتاج. والتخصص هو توجيه الموارد والإمكانات الاقتصادية في مجال واحد أو مجالات محصورة، "وإيلاء الأفضلية لمشروع تكون الدولة متمكنة منه حتى يتم لها التفوق بهذا الحقل وتحقيق الغاية المنشودة منه، وتكون أقدر من غيرها على تطوير برامجها وتحسين إنتاجها بشكل تكون فيه أفضل من غيرها".

    والتخصص يحقق للدولة التقوي في الحقل الذي هي أقدر فيه من غيرها، ويجمع لها جهودها فلا تتوزع في سبل متعددة قد لا تصل في مجموعها إلى الذروة بخلاف ما لو حصرت جهدها في سبيل واحد أو سبل محددة فإن المردود يكون أوسع وأكثر فائدة، ولا يتأتى هذا إلا بالتنسيق والتعاون التجاري بين الدول الإسلامية.

    7.  تمويل المشروعات الصناعية: يعتبر تمويل المشروعات الصناعية من أهم الطرق الموصلة لإقامة سوق إسلامية مشتركة إن لم يكن على المدى القريب فعلى المدى البعيد. وذلك بوضع سياسة جريئة واستراتيجية واضحة للتنمية الصناعية، وكلما ساهمت الدول الإسلامية في التنمية الصناعية فيما بينها تقارب النمو الاقتصادي بينها واقتربت من السوق الإسلامية المشتركة أكثر فأكثر، وكان التكامل الاقتصادي بينها أقرب إذ من الصعوبة بمكان قيام سوق مشتركة بين دول ذات اقتصاد متطور وأخرى ذات اقتصاد متخلف، وفي إطار الصناعات: "أشادت دراسة حديثة صادرة عن منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول أوبك بسياسة الإمارات فهي وحدها تنتج ثلث الإنتاج العربي من المشتقات البترولية مثل غاز البترول المسال وزيوت التزييت والإسفلت والشمع... وأكدت الدراسة حاجة العالم إلى استثمارات تقدر بنحو 101 مليار دولار لكي تتمكن المصافي البترولية من تلبية الاحتياجات العالمية من المشتقات النفطية بالمواصفات البيئية عام 2015، وتوقعت الدراسة أن يتركز حوالي 9% في الدول العربية.

    8.  تشجيع التجارة البينية: تعكس التجارة بين الدول حجم الروابط القائمة بينها، فعلى قدر حجم هذه التجارة على قدر العلاقة القائمة فيما بينها: فإذا كانت التجارة قوية كانت العلاقة قوية ومتينة، وإذا كانت التجارة ضعيفة كانت العلاقة ضعيفة، ومن المسلم به أن التبادل التجاري بين الدول الإسلامية ضروري وحيوي، "ويؤدي حتماً إلى تخفيف الارتباطات مع الدول الأجنبية، إذ إن التكتلات الدولية في العصر الحاضر تعمل على تبادل المنافع فيما بينها وقصرها على أعضائها دون غيرهم" [د. بابللي: السوق الإسلامية المشتركة/ 114]، ويعد كذلك محوراً من أهم محاور التكامل الاقتصادي، وخطوة من أسرع الخطوات المتبعة لإقامة سوق إسلامية مشتركة.

    حجم التجارية البينية:[لمزيد من التوسع يراجع ملحق 5/1و5/2 و5/3 و5/4]

    تتراوح نسبة التجارة البينية بين الدول العربية إلى إجمالي التجارة الخارجية  (8.5%) [التقرير الاقتصادي العربي الموحد/د] وهو ما لا يتناسب مع آمال وطموحات الشعوب العربية والإسلامية، ولا مع إمكاناتها وقدراتها، وقد وصل حجم الأموال العربية المستخدمة خارج الدول العربية إلى ما بين 700 إلى 800 مليار دولار، أي ما يعادل 91% [الاقتصاد الإسلامي/ 48 بتاريخ 6/1998م 2/1419هـ، www.aatworld.Com/articles] وقد دعا مؤتمر القمة الإسلامية الثامن في طهران وكذلك البنك الإسلامي للتنمية إلى رفع هذه النسبة لتصل إلى 30% على الأقل تمهيداً للوصول إلى السوق الإسلامية المشتركة.

    وقد عقد مؤتمر اقتصادي عربي يضم رجال الأعمال ووزراء التجارة العرب في القاهرة بين 16 و18/5/2002م والهدف منه زيادة حجم المبادلات بين الدول العربية خصوصاً وأنها تشكل حالياً 8% من الحجم الإجمالي لمبادلاتها مع الخارج. وقررت 15 دولة عربية تسريع موعد إ4قامة السوق العربية المشتركة، وتعهدت بإلغاء التعريفات الجمركية سنة 2005 بدلاً من سنة 2007 كما كان مقرراً في السابق.

    أما التجارة البينية للدول الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية فتشكل 10% عام 2001م من تجارتها الإجمالية في مقابل 11.3% في عام 1999م [التقرير السنوي للبنك الإسلامي للتنمية/ 94 لسنة 1422/ 2001-2002م]. وقد بلغت الصادرات البينية لهذه الدول 49.9 بليون دولار أمريكي في عام 2000 بزيادة نسبة 24.4% على مبلغ 40.1 بليون دولار أمريكي تحققت في عام 1999. وتعد هذه النسبة ممتازة مقارنة بنسبة نمو الصادرات البينية 6.1% المسجلة عام 1999، وهي أعلى قيمة من التجارة البينية لعام 1998 إلى 38.2 في عام 1999، فقد قفزت إلى 53.1 بليون دولار أمريكي في عام 2000 أي بمعدل نمو نسبته 39%... وعلى الرغم من هذا الأداء المثير للإعجاب، فإن الحصة النسبية من إجمالي تجارة الصادرات البينية بلغت 20%، بينما كانت حصة إجمالي الواردات 13.1% في عام 200م.

    وكذلك الشأن بالنسبة للتجارة البينية الخليجية فما زالت دون الطموحات حيث يتراوح حجمها بين 11 إلى 14 مليار دولار سنوياً أي ما يعادل 5 إلى 7% من حجم التجارة الخارجية الخليجية، وهو يعد قدراً ضئيلاً قياساً إلى نسبة التجارة البينية البالغة 80% بين دول الاتحاد الأوربي.

    وختاماً فإن من مؤشرات التفاؤل بمستقبل اقتصادي أفضل لعالمنا الإسلامي أن كل الدول الإسلامية تحاول جاهدة الخروج من أزماتها الاقتصادية وتحاول التغلب على المشكلات التي تعاني منها، وذلك بما تتبعه من خطوات مثل:

    1/ فتح المجال أمام التبادل التجاري، وتشجيع المناطق الحرة، والمعارض التجارية، والتجمعات الاقتصادية الصغيرة القائمة بين الدول الإسلامية، سواء أكانت في شكل ثنائيات اقتصادية أو تجمعات إقليمية مثل دول المغرب العربي، أو دول الخليج العربي.

    2/  تدريب الأيدي العاملة المحلية بحيث تكون قادرة على النهوض بالتكنولوجيا وسوق العمل.

    3/  تخفيض قيمة الرسوم الجمركية والضرائب ذات الأثر المماثل، بالإضافة إلى إخراج التعريفة الجمركية الموحدة تجاه العالم الخارجي إلى حيز الوجود، وهذا يعد الخطوة الأولى إلى السوق الإسلامية المشتركة، والعمود الفقري للتكامل الاقتصادي، والسبيل الأمثل لتقوية دور الدول العربية والإسلامية عند التفاوض مع الدول الغربية، والتكتلات الاقتصادية العالمية، وإن كان في مثل هذا الأمر صعوبة ويحتاج إلى جرأة، فعلى الدول الإسلامية التعاون فيما بينها، وأن تنظر نظرة مستقبلية في إطار المصلحة العامة لشعوبها.

    وفي هذا الإطار أحرزت القمة الخليجية الـ23 التي عقدت في الدوحة يومي 21 و22/12/2002 نتائج مهمة على صعيد التكامل الاقتصادي والتنمية [التقرير السنوي للبنك الإسلامي للتنمية/ 33]، وذلك بالإعلان عن بدء تنفيذ الاتحاد الجمركي الخليجي اعتباراً من الأول من يناير 2003. وقد تم إعفاء أكثر من 400 سلعة على مستوى دول التعاون مجتمعة ضمن الاتحاد الجمركي. وهذا يشكل نقلة نوعية من مسيرة العمل الخليجي المشترك باعتبارها خطوة مهمة نحو إنشاء سوق خليجية مشتركة بحلول عام 2007، وهي الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط، مع الحرص على الوصول إلى إصدار عملة خليجية موحدة وإقامة اتحاد نقدي في عام 2010. وبعد مرور شهرين على انطلاق العمل الفعلي بالاتحاد الجمركي بين دول مجلس التعاون الخليجي قد يكون من المبكر جداً الحكم على مدى نجاح هذه الخطوة أو فشلها.

    4/ تشجيع الاستثمار المحلي في سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتي في جميع الاتجاهات.

    5/ تأسيس قاعدة اقتصادية بين الدول الإسلامية والعربية تقوم على تبادل المعلومات والخبرات في هذا المجال.

    6/ استحداث آليات جديدة ومتطورة لترجمة الآمال والتطلعات الاقتصادية إلى واقع عملي في حياة المسلمين من تعاون وتكامل بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية وتشجيع الاستثمار، ودعم المؤسسات المالية والاقتصادية، ولابد أن تتحول الأسواق الإقليمية: الخليجية، والمغاربية إلى سوق عربية، وتتحول السوق العربية إلى سوق إسلامية مشتركة، وهذه الطموحات لا تتحقق بالتمني ولكن بالتخطيط والجدية، وإيجاد البدائل التي نصنعها نحن التي تكون نابعة من هويتنا الدينية، ومتفقة ومبادئنا وقيمنا الإسلامية، فإن ذلك لا محال ينتج نظرية اقتصادية صحيحة مثمرة، وهذا هو مفتاح النصر في كل شيء والمقدمة الحقيقية لقوتنا السياسية والعسكرية ولنهضتنا الحضارية.

    هذه هي بعض السبل لتفعيل إقامة السوق الإسلامية المشتركة، مع ذكر بعض الخطوات للتعامل مع العولمة الاقتصادية، وعلى الأمة أن تسعى لاستلام دورها الريادي فتعمل لصناعة المستقبل وتفعل مراكز البحث ومعاهد الدراسات، لتحقيق الكفاءة الفنية وصناعة الكوادر العاملة والمتخصصة، وصناعة الأفكار والمبتكرات وفق التصورات الإسلامية لخدمة المصلحة العربية والإسلامية والبشرية جمعاء، فالموقف من العولمة موقف مواجهة، الهزيمة فيه ممنوعة لأن القضية قضية وجود أو لا وجود. وتبدأ المواجهة بالتعامل الصحيح مع مبادئ ديننا الحنيف، ثم باستيعاب هذه العولمة وتفهمها ونقدها، وأن قدر هذه الأمة أن تصد كل فساد، وبهذا نالت الخيرية: { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } [آل عمران/110]، وأن الوقوف بعيداً عن مجريات الأحداث، أو البقاء في ذيل قافلة من يضعون المستقبل على أهوائهم، والانقياد لهم ليس من طبع أمتنا التي ارتضى الله لها الخيرية، ومع كل هذا يظل تحقيق إقامة السوق الإسلامية المشتركة رهين العزيمة الصادقة والإرادة الفولاذية من القائمين على الدول الإسلامية، ومن كل مسلم حريص على نهضة أمته وتقدمها.

    خاتمة في النتائج والتوصيات

    بعد هذه الجولة فإن ما ذكرته من أفكار أحسبها هادفة إلى رفع الأداء الاقتصادي العربي الإسلامي وتعجيل الخطوات إلى إيجاد سوق إسلامية مشتركة لمواجهة تحديات العولمة، ومع ذلك لا أزعم أنها تصور شامل واستراتيجي لِمَا ينبغي تحقيقه، ولكنها قريبة منه، وتحوم حوله حتى نجعل من العالم { قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ } [النحل/112].

    1/ وهذه بعض النتائج التي توصلت إليها، مع بعض التوصيات.

    أولاً: النتائج:

    1/ إن المجتمع البشري لا يصل إلى السعادة والرخاء إلا بالرجوع إلى العوامل الواقعية التي تجمع بين البشر، ولا شك أن العامل المادي ليس هو العامل الحقيقي الذي يجمع بينهم بقدر ما هو عنصر للاختلاف والتنازع والاستغلال، قال رسول الله r: ”واللهِ مَا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تُبسطَ عليكم الدنيا كما بُسِطَتْ على مَنْ كان قبلكم فَتَنَافَسُوها كما تنافسوها وتُهلِكَكُم كما أهلكتهم“.

    2/ إذا كان الهدف من العولمة الانفتاح والتعاون فلا حرج فيها، وإذا كان المقصد منها الأخذ والعطاء، فلا حرج كذلك. أما إذا كان المقصد منها أن تكون الأمة الإسلامية والعربية مجرد مستهلك على المستوى الاقتصادي، والثقافي والفكري فهذا يرفضه كل حر أبي، لأن هذا يعني الذوبان في الآخر وفقدان الهوية.

    3/ لو التزمت العولمة بضوابط إنسانية، واتخذت ميزان العدل أسلوباً متبعاً في جميع معاملاتها، فإنها بذلك لا تشكل خطراً على البشرية.

    4/ أخطر المواقف التعامل مع العولمة بمعيار الرفض المطلق أو القبول المطلق، بل الأمر يحتاج إلى دراسة متأنية ومناقشة هادئة متزنة حتى نكون فاعلين مؤثرين.

    5/ العولمة ليست قدراً محتوماً – كما يتصور البعض – يحدد مصير الدول الإسلامية، بل هي ظرف تاريخي يتطور فيه النظام الرأسمالي، وأن المسلمين هم قدر الله، ومصير الأمة مرتبط إلى حد كبير بتعامل المسلمين وتفاعلهم مع التحديات الراهنة.

    6/ الدعوة إلى إقامة سوق إسلامية مشتركة لا يتعارض إطلاقاً مع الدعوة إلى إقامة سوق عربية مشتركة إذ لا مانع من التعاون والتكامل الاقتصادي العربي – خاصة في هذه المرحلة – ثم التعاون بين المسلمين جميعاً.

    ثانياً: التوصيات:

    1/ مزيد من فهم العولمة والتعامل معها بحذر، وحري بالدول الإسلامية قبل الانخراط في العولمة مناقشة الأمر مناقشة هادئة. وعدم التسرع في اتخاذ القرار...

    2/ عقد اجتماعات وندوات تضم الاقتصاديين والتجار لدراسة ظاهرة العولمة بشكل عميق، ووضع الخطط والبرامج الاقتصادية التي تدعم إقامة السوق الإسلامية المشتركة والأسواق المحلية والعربية بما يضمن لها التقدم والنجاح.

    3/ التعرف المبكر على نقاط الاختلال والضعف في الأداء الاقتصادي لتجاوزها، وتعزيز نقاط القوة والتميز.

    4/ إعادة النظر في البيئة الإنتاجية وعوامل إنجاح الجودة، وتخفيض التكاليف، وتحديث التقانات، ووضع معايير عالمية لا تعتمد فقط على فاعلية أو قدرة الاقتصادي بل تعتمد أيضاً على المسؤولية الاجتماعية.

    5/ تشجيع الاستثمار الحكومي والخاص في البنية التحتية والخدمية لامتصاص البطالة، وتوسيع السوق الداخلية والمشتركة.

    6/ الحد من قوى منظمة التجارة العالمية والتأكد من أن اللوائح عادلة ومناسبة لكل الدول الأعضاء، ووضع توجيهات لكبح جموح الشركات العابرة للقارات والحد من سيطرتها.

     

    8/ العمل على تعزيز التكامل الاقتصادي من وسط سريع التطور، وتجاوز مرحلة التنظير والأمنيات لمرحلة التخطيط الجاد والتطبيق العاجل لكل مشروعات التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية، والدخول في التمويل المشترك لمشروعات التنمية الكبرى التي قد تفوق قدرات الدولة الواحدة، كاستصلاح الأراض وزراعتها والصناعات الثقيلة والمعلوماتية والاتصالات.

    9/ تشجيع انتقال رؤوس الأموال والعمالة المدربة والخبرات والتكنولوجيا بين الدول الإسلامية.

    10/ محاولة تناسي جراحات الماضي، وتجاوز الخلافات، وتغليب المصالح الاقتصادية على الخلافات السياسية وهذا ما أخذت به الدول الغربية فنجحت في إقامة سوق أوربية مشتركة.

    11/ التريث والتأكد من جميع الخطوات التنفيذية حتى لا تتعرض هذه التجربة للفشل، فإذا قامت وفشلت فمن الصعب أن تقوم مرة أخرى.

    12/ إزالة كافة المعوقات لإقامة السوق الإسلامية المشتركة والصبر على طول الطريق، فإن السوق المشتركة لا تقام في يوم وليلة بل تحتاج إلى وقت وصبر.

    13/ توسيع دائرة الصناعة في الدول الإسلامية والحرص على تطويرها، وإنشاء العديد من الشركات الإسلامية التي تتولى تنفيذ مشروعات إسلامية مشتركة، وتنسيق مجالات الإنتاج، وتقديم المشورة في النواحي التقنية والإدارة الصناعية والتنفيذ الصناعي.

    14/ العمل على زيادة التجارة بين الدول الإسلامية وتنميتها في كل المجالات وخاصة في المحاصيل الاستراتيجية، فإن ذلك يخدم الصالح العالم ويقارب الخطى إلى إقامة سوق إسلامية مشتركة.

     

    وأختم حديثي بالتأكيد على أهمية إقامة السوق الإسلامية المشتركة خاصة في ظل إصرار الغرب على العولمة الاقتصادية فإنها تصبح فرض عين، وليس من باب التتمات والتحسينيات، إذ إنها تعد خطاً دفاعياً مهماً عن هوية الأمة، وحصناً حصيناً لرعاية مصالحها ومع ذلك تظل السوق الإسلامية المشتركة مرحلة للتكامل الاقتصادي.

    والحمد لله في البدء والختام والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للأنام.

     

    للاطلاع على هوامش البحث وملحقاته انظر: مجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية، العدد السادس والعشرون شوال 1424هـ- ديسمبر 2003م، دبي، العولمة الاقتصادية وسبل تفعيل إقامة سوق إسلامية مشتركة، د. عمر صالح بن عمر.

     

    الدكتور / عمر صالح بن عمر

    أستاذ الفقه وأصوله المساعد في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الشارقة

     

    كلمات مفتاحية  :
    تحليل العولمة الاقتصادية السوق الاسلامية

    تعليقات الزوار ()