موجبات تغيير أسعار الفائدة
أ.د. إميل قسطندي خوري
عندما تقوم البنوك المركزية بتخفيض أسعار الفائدة (Rates Interest) فإن المراد من هذه السياسة النقدية (Monetary Policy) هو تحفيز الاقتراض بشكليه المعروفين. فالنوع الأول هو الاقتراض لأغراض الاستهلاك الخاص (Personal Consumption) وذلك للإنفاق الفردي أو الأسري أو الإثنين معًا. أما النوع الثاني من الاقتراض فهو الذي يتم استخدامه لأغراض استثمار الأعمال (Business Demand) كي يتسنى للشركات أو المستثمرين الإنفاق على المشاريع التوسعية أو الاستثمارية. فإذا ما تم الاقتراض بالقدر اللازم وتوفرت السيولة المالية المطلوبة لتحريك عجلة الاقتصاد بفعل الطلب على السلع والخدمات وتفعيل البرامج الاستثمارية، فلا شك أن ذلك سيؤدي بالنتيجة إلى حزمة من الايجابيات الاقتصادية كزيادة نسبة النمو الاقتصادي ورفع معدل الناتج المحلي الاجمالي (Gross Domestic Product) وخلق فرص عمل جديدة للمواطنين، وبالتالي تحسين مستوى معيشتهم والتخفيف من حدة معدلات البطالة والفقر.
ولكن إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن خفض هامش الفائدة سيسهم كثيراً في تغذية التضخم (Inflation)، وبالتالي رفع المستوى العام للأسعار، كأسعارالمواد والسلع الأولية (كالأرز والذرة والفحم والأسمنت والبوتاس والبترول والزيوت والذهب والحديد والنحاس والفضة) والسلع الغذائية والاستهلاكية والدواء والخدمات بكافة أشكالها، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو؛ هل يؤدي تخفيض أسعار الفائدة بالضرورة إلى تحفيز استثمار الأعمال بالشكل الكافي الذي يضمن تشغيل العمالة بالكامل، أي الوصول بحالة تشغيل الطاقة إلى أقصى حد؟
وبحسب مبادئ الاقتصادي المعروف چون ماينارد كينز (John Maynard Keynes) فإن الجواب طبعًا لا، إذ أنه لا توجد هناك علاقة عكسية إيجابية مباشرة ووشيكة بين خفض معدلات الفائدة وبين زيادة نسبة استثمارات الأعمال، وخصوصًا في الحالات التي يعاني فيها الاقتصاد من تباطؤ في النمو أو ركود أو كساد. وفي واقع الأمر أنه في مثل هذه الحالات الاقتصادية الرديئة. فإن كينز يعتقد بأن الخطط الاستثمارية للشركات عادة ما تتأثر بالتوقعات المستقبلية لمجمل النشاط الاقتصادي العام، وأن معظم قياديّي عالم الأعمال يميلون إلى التعامل مع أي وضع اقتصادي سيئ بنظرة متشائمة، إلى الحد الذي يجعلهم لا يقدمون على الاقتراض من البنوك أو الاقدام على أي مغامرة في حقل الأعمال حتى وإن كانت أسعار الفائدة في أدنى مستوياتها.
أما إذا كان الاقتصاد في حالة جيدة بحيث لا يمكن القول معه إنه يعاني من ركود أو كساد أو تباطؤ أو انكماش، فإن السياسة النقدية المتمثلة في عدم تخفيض أسعار الفائدة هي سياسة سليمة وحصيفة بكل المقاييس والمعايير، إذ أنها تعمل على إبقاء العملة المحلية قوية، وبالتالي الحفاظ على الاستقرار النقدي للدولة، وخلق حالة من التوازن في سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الرئيسية الأخرى، وتعمل أيضًا على توفير السيولة المالية بشكل أكثر توازناً من شأنه أن يكبح عجلة الاقتصاد من الانزلاق في منعطفات نقدية / مالية خطيرة كإضعاف العملة المحلية أو انهيار في وضع السيولة المالية، كما أنها تعمل على الحد من تفاقم الضغوط التضخمية التي قد تنتج عن سهولة الاقتراض والتوسع في الانفاق الاستهلاكي أو الاستثماري أو كليهما معًا.
أما إذا كان لابد من تخفيض أسعار الفائدة، فإنه يمكن للبنوك المركزية أن تتخذ حزمة من الاجراءات الوقائية المضادة، وذلك لتشديد القيود المفروضة على الإقراض المصرفي أو على حجم السيولة المالية المتاحة، كأن تقوم مثلاً بزيادة معدلات الاحتياطيات الإلزامية للبنوك التجارية أو إصدار سندات أو أذونات خزينة لهذه البنوك إما لإرغامها على إبقاء قدر أكبر من أموالها في خزائنها أو لتقليص كمية هذه الأموال، وذلك بهدف التقليل من حجم السيولة المالية الممكن تدفقها إلى الأسواق من خلال منح قروض أو أية تسهيلات بنكية أخرى للمستهلكين أو الشركات. ويمكن للبنوك المركزية أيضًا أن تقوم بشراء كميات معينة من العملات الصعبة التي ترتبط بها عملاتها المحلية وذلك بغية الحفاظ على قيمها من الانخفاض أو الانهيار، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى منع المزيد من التراكمات التضخمية أو تصاعدات أكبر في المؤشرات الاقتصادية المهمة والحساسة كمؤشر أسعار المستهلكين (Consumer Price Index) ومؤشر أسعار الصناعيين (Producer Price Index).
خبير اقتصادي - عمَّان - المملكة الأردنية الهاشمية. بريد إلكتروني dekh@myway.com.