إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفاسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاد له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [.
] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [ .
] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه و سلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة .
عباد الله:- إن من الفتن التي أخبر عنها النبي - صلى الله عليه و سلم - في آخر الزمان؛ - وهي علامة من علامات صدق نبوته - صلى الله عليه و سلم - وهو الصادق المصدوق - كثرة الهرج.
أخرج مسلم: (175) وغيره.
من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه و سلم - قال: ( لا تقوم الساعـة حتى يكثر الهرج، قالوا: وما الهرج يا رسول الله، قال: القتل القتل ). وحتى يصل الأمر بالمرء بأن لا يدري فيمَ قَتل وفيم قُتل. ففي صحيح مسلم: ( 2908) وغيره من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أيضاً قال: قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم - : ( والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيمَ قَتل ولا المقتول فيم قُتل، قيل كيف يكون ذلك، قال الهرج ) .
إن ما يحدث اليوم من التفجيرات والعمليات الانتحارية كما يسمونها، وينتج من جرائها قتل النفس المسلمة، والنفس البريئة، وتدمير الممتلكات، وترويع الآمنين، واختلال الأمن، والاعتداء على صلاحية ولي الأمر، والاعتداء على العلماء بالتقدم بين أيديهم في الفُتيا، كل هـذا يعتبر من السعي في ال أرض بالفساد ومن إشاعة الفاحشة. قال تعالى ] إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [ [النور:19]
وكل شيء جاوز حده فهو فاحش. فليست الفاحشة هي الزنا واللواط وشرب الخمر فحسب. قال السيوطي في الدر المنثور: ( 5/62) : أخرج ابن أبي حاتم عن خالد بن معدان قولـه : ((من حدّث بما أبصرتْ عيناه وسمعتْ أذناه فهو من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا )). فهذا فيمن يشيع الكلام الذي يضر المسلمين وإن كان صدقاً فهو من الفحش. فكيف بمن يقتل ويدمر ويعتدي، فالفاعل والمشيع في الإثم سواء. فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد: ( 324) وحسنه الألباني عن علي ابن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: ((القائل الفاحشة والذي يشيع الفاحشة في الإثم سواء )). وأورده السيوطي في الدر المنثور( 5/ 62).
فقتل النفس المؤمنة يعتبر من أقبح الفواحش. قال تعالى: ] وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [ [النساء:93] .
وقتل النفس الذمية والمعاهدة والمستأمنة من الفواحش أيضاً. قال - صلى الله عليه و سلم - من حديث عبدالله بن عمرو عند البخاري: ( 6516 ،2995 ) وغيره : ( من قتل معاهـداً لم يرح رائحة الجنـة وإن ريحها يوجـد من مسـيرة أربعين يوماً ) . وعند الحاكم ( 2/ 126-127) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي: ( من قتل قتيلا من أهل الذمة لم يرح ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من كذا وكذا). : وعنده أيضاً من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم -: ( ما من عبد يقتل نفساً معاهدة إلا حرم الله عليه الجنة ورائحتها أن يجدها ). قال أبو بكرة: أصم الله أذني إن لم أكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه و سلم - يقول هذا. ( 2/166) وصححه على شرط البخاري ووافقه الذهبي.
والذمي والمعاهد بينهما عموم وخصوص فالذمي أعم وهو كتابي عقد معه عقد الجزية. والمعاهد أيضاً ذمياً باعتبار أن له ذمة المسلمين وفي عهدهم، سواء كان يعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم. إن هدم الممتلكات وتدميرها، سواء الشخصية أو الممتلكات العامة التي هي حق بيت مال المسلمين؛ تعتبر من الفواحش. لأن الله أمر بحفظ الضروريات الخمس: الدين، النفس ، العقل، العرض، المال.
إن ترويع الآمنين لهو من الفواحش. فقد أخرج الحاكم في المستدرك: ( 4/421) أن ابن عمر قال: أول مشهد شهده زيد بن ثابت مع رسول الله - صلى الله عليه و سلم - في الخندق هو ابن خمس عشرة سنة وكان فيمن ينقل التراب يومئذ مع المسلمين فقال رسول الله - صلى الله عليه و سلم - : ( أما أنه نعم الغلام ) وغلبته عيناه فرقد فجاء عمارة بن حزم فأخذ سلاحه وهو لا يشعر فقال رسول الله - صلى الله عليه و سلم -: (يا أبا رقاد، نمت حتى ذهب سلاحك)، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم -: ( من لـه علم بسلاح هذا الغلام )؟ فقال عمارة بن حزم أنا يا رسول الله أخذته فرده ( فنهى رسول الله - صلى الله عليه و سلم - أن يروع المؤمن وأن يؤخذ متاعه لاعباً وجداً ).
وأخرج أبو داود ( 4005) عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه و سلم -، أن النبي - صلى الله عليه و سلم - قال: ( لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً). في هذه الأحاديث؛ النهي عن ترويع و أخذ شيءٍ من متاع المسلم وإن كان مازحاً أو جاداً، واعتبره الشارع ترويعاً لـه. فكيف بمن يقتل أبا الرجل أو أخاه أو قريبه فالجرم أكبر وأعظم فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
أما الإخلال بالأمن؛ فهو فاحشة وفساد في الأرض ويترتب على ذلك: قلة العبـادة والطاعـة لله تعالى، واضطراب المعيشة، وضعف الدولة، وتفكك المجتمع، وما أكثر الآثار المترتبة على الإخلال با
أما الاعتداء على صلاحيـة وخصوصيـة ( ولي الأمر ) فهي من الفواحش لا شك ولا ريب، وخفر لذمته؛ لمن عقد معهم العقود أو هادنهم لمصلحة رآها وليس هذا بدعاً من القول. فهذه أم هانئ بنت أبي طالب أجـارت وقبل النبي - صلى الله عليه و سلم - جوارها.
أخرج البخاري في صحيحه: (5806،3000،350) ومسلم أيضاً وغيرهما من حديث أبي مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تقول: ((ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه و سلم - عام الفتح فقلت: زعم ابن أمي علي بن أبي طالب، أنه قاتل رجلاً أجرته، فلان بن هبيرة )).
قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم -: ( قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ). وأخرج الحاكم في المستدرك : ( 3/ 237) من حديث عائشـة رضي الله عنها قالت: (( لما خرج رسول الله - صلى الله عليه و سلم - إلى صلاة الصبح فكبر وكبر الناس معه، صرخت زينب رضي الله عنها- بنت النبي - صلى الله عليه و سلم - -: أيها الناس أني قد أجرت أبا العاص ابن الربيع، قالت فلما سلم رسول الله - صلى الله عليه و سلم - من صلاته أقبل على الناس فقـال: ( أيها الناس هل سمعتم ما سمعت) قالوا: نعم، قال: ( إنه يجير على الناس أدناهم ). ( 3/237). وعنده أيضاً: ( 4/45) من حديث أنس - رضي الله عنه - أنه قال: ( قد أجرنا من أجرت زينب، إنه يجير على المسلمين أدناهم).
هذه الأحاديث بينت أن النبي - صلى الله عليه و سلم - قَبِل أمان من استجار بفرد من أفراد المسلمين، فكيف بمن يدخل في أمان وعهد ولي الأمر المسلم ولمصلحة من مصالح المسلمين العامة فهذا أولى دون شك ولا ريب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين،،،،،