صناديق الاستثمار هل تشكل خطراً على السوق
حققت سوق الأسهم السعودية ارتفاعات كبيرة مبالغاً فيها خلال الأشهر الماضية، هذه الارتفاعات لا يمكن تبريرها وفق معطيات الأداء المالي للشركات المدرجة في السوق المالية في ضوء الارتفاع الحاد لمكرر ربحية معظم الشركات المتداولة، ما يجعل من الطبيعي توقع حدوث تراجع حاد في أسعار أسهم. والسؤال هو: هل يمكن أن يكون لصناديق الاستثمار في الأسهم المحلية والمداراة عن طريق البنوك دور في مفاقمة حدة هذا التراجع؟
فموجودات الصناديق التي لم تكن تتجاوز 2.9 مليار ريال في تشرين الأول (أكتوبر) 2003 نمت بسرعة هائلة، بحيث زادت الآن على 50 مليار ريال، أي أنها تضاعفت خلال أقل من عامين بما يزيد على 17 مرة. القيمة السوقية للأسهم المحلية خلال الفترة نفسها لم ترتفع إلا إلى 1.600 مليار ريال أو أقل من ضعفي قيمتها في تشرين الأول (أكتوبر) 2003 البالغة 530 مليار ريال، ما يعني حدوث نمو كبير في موجودات تلك الصناديق نسبة إلى إجمالي القيمة السوقية للأسهم، تزايد معه دورها وأهميتها في سوق الأسهم المحلية. وإذا أخذنا في الحسبان ارتفاع نسبة ملكية الدولة في كبرى الشركات المدرجة في السوق المالية كشركة سابك، الاتصالات، والكهرباء، إضافة إلى ما تملكه أجهزة حكومية عديدة كالتأمينات الاجتماعية، المؤسسة العامة للتقاعد، وأسهم المؤسسين في الشركات الجديدة التي لا يمكن تداولها، فإن موجودات الصناديق تشكل في الواقع نسبة مهمة من قيمة الأسهم القابلة للتداول، التي لا تتجاوز 20 في المائة من إجمالي الأسهم المصدرة أو نحو 300 مليار ريال، ما يسهم في مضاعفة أهمية تأثير صناديق الاستثمار على سوق الأسهم المحلية.
وصناديق الاستثمار تقوم بدور إيجابي ومهم في توفير وعاء استثماري مناسب لمن ليس لديه القدرة أو الوقت للتعامل المباشر في سوق الأسهم المحلية. وتمتاز بامتلاكها الموارد التي تجعلها قادرة على تكوين فريق فني متخصص يدير محفظتها الاستثمارية، ما يحقق أفضل النتائج للمستثمرين، وخير دليل على ذلك أداء الصناديق المتميز خلال العامين الماضيين مقارنة بأداء السوق بشكل عام. إلا أن ارتفاع عوائد المضاربة والاستثمار في الأسهم المحلية خلال العامين الماضيين أسهم في اجتذاب أعداد كبيرة من مضاربي الأجل القصير بحثاً عن تحقيق ربح سريع مرتفع، وبالتالي توجهت معظم المدخرات الشخصية لسوق الأسهم المحلية، ما أسهم في حدوث نمو هائل في موجودات صناديق الاستثمار تضاعفت معه مرات عديدة خلال فترة قصيرة.
وكون معظم حملة وحدات الصناديق من مضاربي الأجل القصير فإن ذلك يعني تدافعهم للخروج من السوق عند بدء ظهور أي تراجع حاد في السوق، تضطر معه الصناديق في حال عدم توافر السيولة الكافية التي تسمح بتخفيض حجم موجوداتها بحدة تسييل وحداتها نفسها إلى بيع جزء من موجوداتها من الأسهم، ما يضغط السوق لمزيد من التراجع، فتجاوز قيمة الوحدات المصفاة حجم سيولة الصندوق يعني تحمل البنك للفرق من خلال اضطراره إلى تملك تلك الوحدات ما يعرضه لتحمل خسائر جسيمة في حال استمرار تراجع السوق، ما يجعل لدى الصناديق وبضغط من البنوك كل دافع لتسييل موجوداتها بشكل سريع في حال تلقيها طلبات غير متوقعة لتصفية وحداتها، دون أدنى اكتراث لما يترتب على ذلك من تسارع عملية تراجع السوق، ما يجعل صناديق الاستثمار تشكل خطورة على سوق الأسهم في الفترة المقبلة في حال تكون تصور عام لدى حملة وحدات الصناديق أن السوق ستتراجع، يزيد من حدة ذلك ارتباط هذه الصناديق بالبنوك، فحرص البنوك على عدم تحمل أي مخاطر يدفعها إلى الضغط على الصناديق لتسييل موجوداتها، وهو ما قد يفسر التراجعات الحادة التي شهدتها السوق أخيراً، وينذر بمخاطر كبيرة مستقبلاً في حالة تزايد حدة وتيرة تسييل وحدات الصناديق من مضاربي الأجل القصير المتصفين بعقلية القطيع المتمثلة في الاندفاع إلى الشراء في حالة الصعود وإلى البيع عند التراجع، ما يستدعي ضرورة إلزام الصناديق بزيادة نسبة سيولتها، وسرعة إنهاء هذا التضارب الحاد في المصالح الناتج من ارتباط صناديق الاستثمار بالبنوك من خلال الإسراع في التصريح للوسطاء الماليين، وتتولى عملية الوساطة المالية بنوك استثمارية متخصصة ووسطاء مستقلون تماماً عن المصارف، وهو ما سيحقق علاوة على الحد من هذا التضارب في المصالح، تحجيماً كبيراً للتسهيلات البنكية المبالغ فيها المقدمة لمضاربي سوق الأسهم، فكون عملية التداول تتم من خلال البنوك منحها القدرة على سرعة بيع وحدات الصناديق وأسهم المقترض المرهونة، وبالتالي تماديها في منح التسهيلات للمضاربين، بينما ستكون أكثر تحفظاً وإحساساً بالمسؤولية عندما لا تملك القدرة على تسييل ممتلكات المقترض دون قيود.
|