نسمع ونقرأ بين الحين والآخر لبعض المشايخ المعروفين إنكاراً لصحة بعض الأحاديث الواردة في صحيحي البخاري ومسلم وبعض كتب الصحاح الأخرى، ويكون إنكارهم لصحتها بعد تمحيصها بعقولهم -كما يقولون-!!، أي أن المعول عليه عندهم في صحة الأحاديث هي عقولهم فقط، ومن ذلك ما قرأناه إنكاراً لأحاديث المهدي والدجال، ونزول عيسى بن مريم!!، والسؤال يا سماحة الشيخ: هل يجوز لأحد من علماء المسلمين مهما كان قدره أن ينكر صحة بعض الأحاديث الواردة في الصحاح التي أجمع علماء الأمة على صحتها وتقديم أصحابها، خصوصاً صحيحي البخاري ومسلم بعقله فقط، وهل يمكن يا سماحة الشيخ أن تبحثوا هذا الموضوع في المجمَّع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي لأهميته، حيث أنه مع كثرة العلماء وإنكار كلٍّ منهم ما لا يروق له من الأحاديث قد يتسرب الشك في نفوس عوام المسلمين في صحة أغلب أحاديث السنة المطهرة، ثم إذا رد أحد أصحاب الفضيلة حديثاً في البخاري ومسلم فما الذي يجعلنا نصدق بقية الأحاديث!! خاصة التي جاءت بسند هذا الحديث المردود، أرجو التفصيل يا سماحة الشيخ؟ جزاكم الله خيراً.
الأحاديث التي جاءت في الصحيحين بأسانيده المعروفة كلها عند أهل العلم متلقاة بالقبول ومحكوم بصحتها، ولا يجوز لأحد أن يردها، بل يجب قبولها كما قبلها العلماء قبلنا، والذين ردوا أحاديث الدجال أو أحاديث المسيح ابن مريم، أو أحاديث يأجوج ومأجوج قد غلطوا في هذا غلطاً عظيماً، وقالوا قولاً باطلاً، لا يجوز اتباعهم عليه ولا تقليدهم فيه، بل يجب عليهم التوبة من ذلك، والرجوع إلى ما قاله أهل العلم في إثباتها وصحتها، وهكذا مَن ردَّ غيرها من الأحاديث الثابتة في الصحيحين لا يلتفت إلى قوله، وليست العقول محكمة في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، بل الأحاديث تُتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسانيد الصحيحة التي بيَّنها أهل العلم فإذا جاء الحديث من طريق الثقات في الصحيحين أو غيرهما سليماً من العلل وجب أن يقبل ولا يجوز أن يُحكَّم الرأي في رده من دون حجةٍ شرعية، بل يجب على أهل العلم والإيمان قبول الأحاديث الصحيحة والاحتجاج بها والاعتماد عليها سواء كانت متواترة أو كانت من طريقة الآحاد، ولا يجوز أبداً أن يقال هذا من طريق الآحاد فلا يقبل، كل هذا باطل وخلاف ما أجمع عليه أهل العلم، بل ما صحت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب قبوله والأخذ به حسب ما بينه أهل العلم، ولا يجوز الاعتراض على ذلك فيما رآه المتكلمون من تحكيم العقول وما سلكه بعض المتأخرين في هذا الباب تقليداً لأهل الكلام وسيراً على منهاجهم في تحكيم عقولهم الفاسدة في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسوف يُكتب في ذلك ما يلزم إن شاء الله، وربما يتيسر أيضاً بحث ذلك في المجمع الفقهي لمزيد الفائدة ومزيد البيان للناس حتى لا يُخدع أحد بهؤلاء الذين يخوضون في الأحاديث بآرائهم. والله المستعان. هذا من حيث الرد سماحة الشيخ! لكن ماذا من حيث القبول؟ هناك أحاديث عرف عند السلف بأنها ضعيفة لكن وجد في وقتنا الحاضر من يقول أن تلك الأحاديث صحيحة فماذا عن هذا؟! ج/ هذا بحث آخر في غير الصحيحين، الأحاديث لها ميزان الذي ذكره أهل العلم وبينوا أسباب الصحة وأسباب التضعيف، فلا يجوز لأحد أن يتعرض لأسباب التصحيح والتضعيف إلا عن علم، ولا يدخل في ذلك من ليس عنده علم، بل إنما يتكلم في هذا أهل العلم الذين عرفوا مصطلح أهل الحديث، وعرفوا طريق الأئمة في التصحيح والتضعيف، وصاروا على بينةٍ في ذلك فهذا إذا تكلم عن علم وبصيرة فلا بأس، بالأحاديث التي فيها كلام سواء كان في أبي داود أو الترمذي أو النسائي أو ابن ماجه أو مسند أحمد أو غيرها. أما ما رواه الشيخان وتلقته الأمة بالقبول فليس لأحد أن يعترض عليه من الناس، بل يجب أن يبيَّن ما قاله أهل العلم، وأن يوضَّح ما قاله أهل العلم في ذلك، ويستقيم على ما استقام عليه سلف الأمة في قبول الأحاديث الصحيحة، والاحتجاج بها والرد بها على من خالف السنة. سماحة الشيخ إذا عرف عن أحد السلف بأن هذا الحديث ضعيف ثم جاء أحد المتأخرين وقال بل إن هذا الحديث صحيح! فكيف يكون التصرف حينئذٍ؟ ج/ في الغالب أن هذا يعرف بالأدلة، قد يضعف بعض الأئمة المتقدمين بعض الأحاديث لأنه ما بلغه عنها طرق أخرى، ويأتي غيره بعده بسنوات أو بقرون فيجد الأحاديث لها طرق أخرى جيدة فيصححها من أجل الطرق الأخرى التي لم تبلغ ذلك العالم الذي ضعفه. وقد يكون العالم ضعفه بعلةٍ فزالت العلة، قد يكون العالم ضعفه لأن فيه مدلساً فاتضح من طريقٍ آخر أن المدلس صرح بالسماع، وقد يضعفه من طريقٍ آخر وهو أنه منقطع فيأتي من طريقٍ آخر ليس فيه انقطاع فيصححه عالم آخر لزوال العلة التي أعل بها ذلك العالم. وهكذا ما أشبه ذلك. إذاً القول الصحيح الذي تميلون إليه -فيما يبدو- سماحة الشيخ أنه يجوز تصحيح الأحاديث الضعيفة إذا ثبت أنها صحيحة حسب الموازين العلمية؟ ج/ هذا هو الواقع، هذا هو الواقع بين أهل العلم، هذا هو الواقع بين أهل العلم، قد يضعف بعض العلماء في القرن الثاني أو الثالث لبعض الأحاديث ثم توجد صحيحة بأسانيد أخرى عرفها أهل العلم بعده.