أسأل سماحتكم عن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن لله تسعةً وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة). هل كلمة (أحصاها) الواردة في الحديث معناها: حفظها، أم قراءتها فقط؟ وجهوني،
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: هذا الحديث مخرج في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -وله لفظان أحدهما : (من أحصاها). واللفظ الثاني: (من حفظها دخل الجنة). معنى: (أحصاها) إذا حفظها وأتقنها دخل الجنة. وإحصاؤها يكون بحفظها ويكون بالعمل بمقتضاها. أما لو أحصاها ولا يعمل بمقتضاها ولا يؤمن بها فإنها لا تنفعه فالإحصاء يدخل فيه حفظها، ويدخل فيه العمل بمعناها. فالواجب على من وفقه الله في إحصائها وحفظها أن يعمل بمقتضاها فيكون رحيماً، ويكون أيضاً عاملاً بمقتضى بقية الأسماء، مؤمنا بأن الله عزيز حكيم رؤوف رحيم، قدير عليم بكل شيء، ويؤمن بذلك، ثم يراقب الله، ويخاف الله، فلا يصر على المعاصي التي يعلمها ربه، فليحذر المعاصي ويبتعد عنها وأن يكون بذلك كلا بأنواعه إلى غير ذلك، فهو يجتهد في حفظها مع العمل بمقتضاها من الإيمان بالله ورسوله، وإثبات الأسماء والصفات لله على الوجه اللائق بالله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل يعلم أنها حق، وأنها صفات لله وأسماء لله، وأنه سبحانه الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله لا شبيه له ولا مثل له؛ كما قال - عز وجل - في كتابه العظيم :قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ*[سورة الإخلاص]. يؤمن بهذا وأنه صمد، لا شبيه له تصمد إليه الخلائق وتحتاج إليه - سبحانه وتعالى -، وهو الكامل في كل شيء، وأنه لم يلد ولم يولد وأنه لا كفؤ له لا في صفاته ولا في أفعاله، ليس له كفء ولا شبيه ولا سمي؛ قال تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: من الآية11). هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً [مريم: من الآية65]. فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ [النحل:74]. فهو لا سمي له ولا شبيه له ولا كفء له ولا ند له هو الكامل في كل شيء بعلمه وبذاته وبحكمته وفي رحمته وفي عزته وفي قدرته وفي جميع صفاته - سبحانه وتعالى -، فمن أحصاها علماً وعملاً، حفظها علماً وعملاً أدخله الله الجنة أما إذا أحصاها وحفظها ولكن قد أقام على المعاصي والسيئات فلم يعمل بصفات الله، إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه بمعاصيه، ثم بعد تطهيره من المعاصي يخرجه الله من النار إلى الجنة إذا كان مات على التوحيد والإسلام؛ كما قال الله - سبحانه وتعالى - :إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]. هذا خطاب لأهل الإسلام، بل لجميع الناس: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ والكبائر تشمل الشرك وأنواع الكفر، وتشمل المعاصي التي حرم الله، وجاء فيها اللعن والغضب والوعيد فهي كبائر، فهذا العباد من الرجال والنساء أن يجتنبوها، ولهذا قال - سبحانه وتعالى - إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ يعني الصغائر: وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً. ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر). وفي لفظ : (ما لم تغش الكبائر). كالزنا والسرقة والعقوق للوالدين أو أحدهما، وقطيعة الرحم ، وأكل الربا ، والغيبة والنميمة والتولي يوم الزحف والسحر إلى غير ذلك مما حرمه الله من الكبائر. والمقصود أن إحصاء الأسماء الحسنى وحفظها من أسباب السعادة ومن أسباب دخول الجنة لمن أدى حقه واستقام على طاعة الله ورسوله، ولم يصر على الكبائر.