الحمد لله رب العالمين ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم .. و بعد :
فقد كثرت الأسئلة حول المساهمة في شركة الاتصالات فأقول و بالله التوفيق :
إن الله تعال قد بيّن الحلال و الحرام في كتابه و على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم ، قال الله تعالى ( و نزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء و هدى و رحمة و بشرة للمسلمين ) و قال تعالى ( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ) و قال النبي صلى الله عليه و سلم ( إن الحلال بيّن و إن الحرام بيّن و بينهما متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه و عرضه ) الحديث متفق عليه و اللفظ لمسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما .
و بالنظر إلى الأعمال المالية التي تمارسها شركة الاتصالات تبين أنها واقعة في معاملات بيّنة التحريم تعد من الكبائر ( أولها ) الربا و ذلك من وجهين :
# الأول : إيداع السيولة المالية في البنوك الربوية و أخذ الفوائد عليها .
# الثاني : الاستثمار في القروض طويلة الأجل بفوائد ربوية .
و من المعلوم أن الربا من أعظم الذنوب و قد عده رسول الله صلى الله عليه و سلم من السبع ا لموبقات ، و آذن الله تعالى المصرّ عليه بالحرب فقال تعالى ( يا أيها اللذين آمنو اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين # فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله و إن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون و لا تُظلمون ) .
و ( ثاني ) الأعمال البيّنة التحريم التي تمارسها الشركة : ( القمار ) من خلال خدمة الرقم ( 700 ) و للعلم فإن نصيب الشركة هو 35% من مجموع العوائد ، و القمار هو الميسر الذي حرمه الله تعالى في كتابه ، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ ) ، و دخول الاتصالات في هذه المعاملة هو من باب ( المشاركة ) لا من باب ( الإجارة ) فهي تقدم الخدمة الهاتفية ، و الطرف الآخر يقدم العمل . فهي شريك أساس في هذا الميسر و القمار .
و ( ثالثها ) : الاستثمار في أعمال تجارية محرمة و من ذلك استثمارها ما يزيد على 600 مليون ريال في القمر الصناعي عربسات و الذي يؤجر على قنوات تبث الفساد الفكري و الخلقي ، و الاستثمار و التجارة في الحرام حرام .
و قد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بلغ عمر أن فلاناً باع خمراً فقال : ( قاتل الله فلاناً ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها ) و اللفظ للبخاري .
و من المعلوم أن سهم المكتتب ( مشاع ) في جميع أجزاء الشركة ، و كل من اشترى من الأسهم صار شريكاً بقدر أسهمه و إدارة الشركة في منزلة الوكيل عن حملة الأسهم و لذلك فالمساهم يكون بالضرورة متعاملاً بهذه الكبائر و مشاركاً فيها عن طريق وكيله و هو إدارة الشركة و قد دخل المساهمة برضاه التام وفق شروط معينة فلا يستطيع تعديل تعاملات الشركة و لا تغيير نظامها .. مع ما في ذلك من الإعانة الظاهرة على الإثم و العدوان و قد قال تعالى ( و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان ) .
و بذلك تبيّن أن شراء أسهم الشركة و ما ماثلها أمر واضح التحريم ليس فيه اشتباه و لله الحمد .
و يحسن أن أنبه إلى أمور :
# الأول : ينبغي ألا يُخلط بين هذه المسألة – أعني شراء أسهم شركة الاتصالات و ما ماثلها – و بين معاملة من اختلط في ماله الحلال و الحرام فهذه مسألة أخرى فمعاملة من أختلط في ماله الحلال و الحرام تعني شراء سلعة منه أو استئجارها أو الاقتراض الحسن منه أو الأكل عنده أو الاستعارة منه أو قبول هديته و نحو ذلك فهذا كله جائز ما لم يعلم أن الشيء المقدم في المعاملة حرام بعينه .
لكن لا يجوز الاشتراك معه في أعمال محرمة و يمكن التمثيل لمن اختلط الحلال و الحرام بماله بشركة الاتصالات نفسها بالنسبة لمريد خدمة الهاتف أو الجوال أو نحوهما من خدمات الشركة التي تقدمها للناس ما لم يعلم أنها محرمة فهذه الخدمات يجوز شراؤها و استئجارها و نحو ذلك .
لكن لا يجوز الدخول مع الشركة في معاملاتها المحرمة و كل من ملك من أسهمها فقد شارك في معاملاتها المحرمة .
# الثاني : قلة المداخيل المحرمة لشركة الاتصالات أو كثرتها لا يغير من الحكم شيئاً فالحرام حرام قلّ أو كثر قال صلى الله عليه و سلم : ( ما أسكر كثيره فقليله حرام ) رواه الإمام أحمد و صححه الدارقطني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، و لكن كلما كثر الحرام كان الإثم أعظم .
علماً أن عوائد الشركة من المعاملات المحرمة ليست قليلة كما يعلم من موقعها على الإنترنت و قد بلغت عوائد الربا في القروض طويلة الأجل للسنتين 2000م و 2001م أكثر من ( 1400 ميلون ريال ) !! فإذا كانت هذه هي العوائد فكم كانت القروض المستثمرة في هذا المجال الخبيث ؟!!
# الثالث : ينبغي إذا أُريد معرفة نسبة ما يقسم على المساهمين من العوائد المحرمة إلى غيرها أن ينظر إليها بالنسبة إلى أرباح الشركة لا إلى أصولها العامة فالأرباح هي التي توزع على المساهمين لا الأصول .
# الرابع : القول بأن المساهم في الشركة إذا أخرج نسبة معينة تبرأ ذمته و يتخلص من الأثم قول فيه نظر من وجوه :
( أولاً ) : أن مجرد الإقدام على إبرام العقد المحرم كالربا أو القمار أمر محرم و لو نوى أن يتركه و قد لعن النبي صلى الله عليه و سلم " آكل الربا " و " موكله " و " كاتبه " و " شاهديه " و قال ( هم سواء ) رواه مسلم .
فانظر كيف لعن النبي صلى الله عليه و سلم الشاهدين و جعلهما مساويين لآكل الربا مع أنهما قد لا يحصلان على درهم واحد و ذلك و الله أعلم بسبب الرضا بهذا العقد الخبيث و الإعانة على وقوعه و إتمامه .
( ثانياً ) : أن أخذ الفوائد الربوية من أصحابها أخذ لها بالباطل ، و لو كان ذلك بموافقتهم ، و الإقدام على أخذ المال بالباطل أمر محرم و لو نوى التخلص منه و قد ذم الله تعالى اليهود على أخذهم الربا و أكلهم أموال الناس بالباطل قال تعالى ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا # وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما ) و أخذهم الربا أعم من أكله .
( ثالثاً ) : لا ينبغي للمسلم أن يقدم على العقود المحرمة ثم يقول سأتخلص منها ولو قيل بهذا لانفتح على المسلمين باب من الشر عظيم و قاعدة سد الذرائع الثابتة في الشريعة توجب سد مثل هذا الباب .
( رابعاً ) : قال الله تعالى في آيات الصيام بعد أن ذكر بعض المنهيات ( تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ) فأمر تعالى عباده المسلمين باجتناب الحرام و عدم الاقتراب منه لأن الإنسان لا يدري إذا وقع في الحرام أيتلخص و يتوب أم لا ، و ربما ينفتح له باب التأويل الذي قال عنه الإمام أحمد : أكثر خطأ الناس من جهة التأويل و القياس .
و ربما مات ، و ورثها من لا يقيم وزناً للحلال و الحرام و قد قال صلى الله عليه و سلم ( ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال ؛ أمن حلال أم من حرام ) رواه البخاري في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
( خامساً ) : أن الذي يوصف له طريق الخلاص بإخراج نسبة معينه هو التائب النادم أو من دخل عليه الحرام دون علمه و من المعلوم أن من شروط التوبة الإقلاع فوراً عن الذنب و العزم على أن لا يعود و هذان مفقودان فيمن يدخل هذه الشركة و أمثالها عالماً عامداً مختاراً و لو مع نية التخلص من الحرام .
# التنبيه الخامس : قد يسأل بعض من اشترى من أسهم هذه الشركة و أمثالها ( ماذا يصنع ؟ )
و الذي يظهر و الله تعالى أعلم أن عليه أن يبيعها على أصحابها من المؤسسين و أعضاء الإدارة برأس ماله الذي اشترى به فقط ، لقوله تعالى ( و إن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون و لا تظلمون ) فإن تعذر البيع فيجب عليه التحري الشديد في إخراج قدر ما يدخل عليه من الحرام بنيه التخلص لا بنية التقرب إلى الله تعالى فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم في حدي أبي هريرة الذي رواه مسلم في صحيحه .
و للجنة الدائمة فتوى في كيفية التخلص من الأسهم المحرمة في الجزء ( 13 ) صـ508 من فتاوى اللجنة .
و الله تعالى أعلم و هو سبحانه ولي التوفيق .
و صلى الله و سلم على عبده و رسوله محمد صلى الله عليه و سلم .
كتبه / بشر بن فهد البشر .
|