سواء كنت تستخدم حواسيبها أو لا، وسواء كنت تحب مديرها أم لا، فشركة أبل الأمريكية نموذج رائد مثير لكثير الجدل، وتمثل في ذاتها مجموعة من الدروس في الإبداع والتسويق والابتكار. لا يمكنك الحكم بسهولة على شركة أبل، فهي في ناحية مبدعة، وفي أخرى مستبدة، ومرة مغرورة، ومرة ذات رؤية بعيدة.
لا، لم أنتقل إلى معسكر أبل، ليس بعد، ولكني جئت اليوم لكم بمقالة نشرتها جريدة نيويورك تايمز عن نجاح شركة أبل في إنشاء سلسلة محلات خاصة بها لبيع منتجاتها، في الأسواق الأمريكية، وأوضحت أسباب نجاح محلات أبل، في حين فشل آخرون مثل سوني.
افتتحت أبل أول محل خاص بها في عام 2001 وأثارت بذلك مجموعة من التحليلات المتشائمة، دارت حول تساؤل مفاده كيف أن هذه الخطوة ستجلب نفقات كثيرة، وعوائد قليلة، لما لا ومحلات مصنعي الكمبيوترات الآخرين تكافح وتجاهد لتستمر في العمل، ناهيك عن تحقيق شيء اسمه أرباح. لقد توقع الكثيرون أن أبل ستغلق محلها هذا في مدة أقصاها سنتين!
كان ذلك ليتحقق، لولا ستيف جوبز مدير أبل، الرجل صاحب الرؤية المستقبلية الصائبة في بعض الأحيان. أثناء تصميم المحل الأول، حرص جوبز على أن يستعمل حيله السحرية كلها، ليحول زوار محل أبل – والذي جاء عبارة عن متحف يصم أروع ما صنعته أبل – إلى مشترين فعليين. ليس هذا وحسب، بل كان حرص جوبز أكبر على أن ينال كل من اشترى منتجا من أبل على قدر كبير من المعاملة الخاصة والترفيه والشعور بالتميز والتفرد، حتى بعد فترة طويلة من إتمام عملية البيع.
كانت النظرة السائدة في سوق الكمبيوتر الأمريكية وقتها أن تطلب طلبك، ثم تستلمه بعدها بفترة، مثلما كان الحال مع شركة دل، ومرة أخرى جاء ستيف جوبز بحكمة تسويقية مهمة يجب تعلمها، قال جوبز أنه عندما يشتري شيئا ويعود به إلى أولاده في البيت، فإنه يريد أن يحصل هو على نظرة الفرحة على وجوههم، لا عامل التسليم!
رغم أن محل أبل بدا تقليدي الشكل، لكنه تميز بالعبقرية، يوفر كل شيء معروض للشراء في ذات المحل، ليأخذه المشتري معه، كما وجاء نصف العاملين في المحل من خبراء ومستشارين الإنتاجية، الذين عرضوا استشاراتهم لحل مشاكل العملاء – بالمجان.
جاء رد فعل العملاء مدعوما بالأرقام، فاليوم لدى أبل 180 محلا، زارها من مطلع العام الحالي وحتى نهاية شهر مارس الماضي أكثر من 21 مليون ونصف زائر. حققت هذه المحلات 855 مليون دولار من المبيعات، بزيادة قدرها 34% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
إذا أخذنا مثالا آخر، سوني، والتي بدأت في عام 2004 في اتخاذ محلات بيع لمنتجاتها هي – ذات العام الذي شهد شركة جيتواي الأمريكية وهي تغلق أبواب سلسلة محلاتها كلها (188 متجرا). لدى سوني اليوم 39 محلا، تعاني في معظمها من هجران المشترين لها. تزعم سوني أن محلاتها مثل محلات الموضة، موجهة للنساء والأطفال، ولا تهتم بكثرة الزوار، بل بما تحققه من مكاسب من هؤلاء الزوار. لا تشارك سوني أرقام مبيعاتها على العلن، ولذا لن نتمكن من الحكم بدقة كبيرة.
تعرض سوني بضاعتها وتقف ساكنة، في حين أبل تعرضها وتخلق هالة حولها من الطاقة والحيوية، والبهجة والسعادة، فهل سمعت عن مشتري أبل غاضب – حتى ولو خرب جهازه؟ ليس لدى سوني كمبيوتر رائعا مذهلا يحمل الناس على الذهاب فقط لرؤيته يعمل، وقد نلوم نظام التشغيل ويندوز الأقرع على بعض هذا الفتور في البيع.
من جهة أخرى، حققت أبل أرباحا استثنائية في الربع الأول من هذا العام، لم تحقق له مثيلا، بلغت فيه الأرباح الصافية 770 مليون، في حين الربع المماثل من العام الماضي حقق 410 مليون دولار بالمقارنة، ما جعل ستيف جوبز يصف هذه الأرباح بأنها الضربة القوية الموفقة، حيث باعت شركته مليون ونصف كمبيوتر ماك، في فترة الربع الأول من 2007.
هذه الزيادة الكبيرة في المبيعات، لم تأت نتيجة أي جهود استثنائية – سواء في التصنيع أو التسويق أو الدعاية، كما أكد ستيف، الذي قال: “من الواضح أن حصة كمبيوترات ماك من السوق إلى ازدياد، وبلغت زيادة مبيعات ماك 36% -أكثر من ثلاثة أضعاف المعدل السائد في الصناعة. هذه الزيادة مستغربة، حدثت بالتزامن مع إطلاق مايكروسوفت لأحدث نظام تشغيل لها: ويندوز فيستا، الذي يشهد طفرات على مستوى الشكل العام والنواحي الجمالية، بالإضافة لأشياء أخرى تدعيها مايكروسوفت.
أكثر من ذلك، إذ أن الربع الأول من السنة عادة ما يشهد هبوط في المبيعات بشكل عام، لأنه ربع يأتي بعد موسم الأعياد والإجازات والذي يشهد عادة الكثير من المبيعات والهدايا.
كلمات مأثورة:
عندما أشتري شيئا وأعود به إلى أولادي في البيت، فإني أريد أن أحصل أنا بنفسي على نظرة الفرحة على وجوه أولادي، لا عامل التسليم!
- ستيف جوبز