ترك لي زائر تعليقا مفاده شكري على تلخيص للكتاب المعين، إذ أني بذلك وفرت عليه شراء هذا الكتاب. لو أن هذا الزائر سبني أو شتمني، لكان أهون علي من تعليقه هذا.
لفهم السبب، دعونا نستعين ببعض الخيال، دعونا نفترض أن العرب اجتمعت على قلب رجل واحد، هذا الرجل رفض شراء أي كتاب، عربي أو غيره، واستعاض عنها بالملخصات. الآن، دعونا نضغط على زر تعجيل سرعة شريط الأحداث، مثلما نفعل في مشغلات الفيديو، لننظر ماذا سيحدث بعدها في المستقبل. أطلق لخيالك العنان، كل العنان.
نعلم جميعا أنه لولا وجود الطلب على سلعة ما، ما توفر المعروض، حتى في ظل النظريات الحديثة التي تقول أنه لو لم يكن هناك طلب فاخلقه، لأنه إذا حاولت خلق هذا الطلب فلم يتحقق، فالنتيجة الحتمية هي انعدام العرض، أي لن نجد كتبا مطبوعة بعدها.
عندما تستعيض العرب بقراءة ملخصات الكتب عن شرائها، فما النتيجة الحتمية بعدها؟ حتما الرجل المؤلف الجاد الذي يقضي عاما بأكمله أو يزيد في تأليف/ترجمة الكتاب وجمعه ونشره، حتما سيجد أنه من العبث الاستمرار في هذا العمل غير المجدي، وسيتحول لشيء آخر عبثي هزلي، مثل الروايات الجنسية وغيرها، فهذه رائجة في كل عصر.
عندما تتوقف العرب عن شراء الكتب، ستختفي الكتب، وباختفاء الكتب تختفي الثقافة، وباختفائها تختفي النهضة، وباختفائها تختفي الحضارة، وباختفائها يختفي ناسها وأهلها.
أحزن كثيرا لإنسان يقف بين صفوف الكتب المعروضة، ثم يحكم على كتاب ما أنه لا يستحق الشراء لأن صفحاته قليلة، أو لأن وزنه خفيف! لكني حزني أكبر على من يسخر من الكتاب الفارغ، ذلك الكتاب الشهير، الذي نشره صاحبه في انجلترا (على ما أذكر) وكانت جميع صفحات الكتاب فارغة، بيضاء.
أحزن لأن الحقيقة غابت عن الساخر المستهزئ، فأنت حين تشتري كتابا، فأنت لا تشتري ورقا مغلفا أنيقا، فهذه تجدها في سوق الورق الخام، وبحفنة نقود تشتري طنا من خام الورق. حين تشتري كتابا، فأنت لا تدفع مقابل الطباعة والتلوين والتغليف. حين تشتري كتابا، فأنت تظهر امتنانك للكاتب، وتطلب منه أن يستمر.
ليس هذا فحسب، بل إنك حين تشتري كتابا فأنت تبعث برسالة واضحة، إلى جميع المترددين في دخول معترك تأليف الكتب، تطمئنهم فيها، إلى أنهم لو انشغلوا سنة من حياتهم أو أطول في تأليف كتاب هادف، فإنك ستكافئهم بالشراء، وبذلك تخلق بيئة صالحة لانتشار العلوم.
من ضمن ما تخلفنا عنه نحن أبناء العربية، أننا تكاسلنا عن نشر المزيد من المفيد من العلوم، العلوم التي تفيد الإنسانية جمعاء، كما أننا لم نأخذ بيد اليسير من الكتب القليلة التي خالفت هذه الحقيقة، عبر نشرها بيننا والإشادة بها. لا أقصد هنا العلوم الدينية وحسب، بل جميع العلوم، فأنا أرى أنه ظلم اللغة العربية من حبسها على علوم الدين فقط.
ربما نكره الكتب لأنها تذكرنا بمرحلة الدراسة، حين فُرض علينا كتبا بعينها لنحفظها عن ظهر قلب. ربما كان ذلك صحيحا، لكن هل ستقضي بقية حياتك أسير مرحلة الطفولة؟ ألن تتخرج في المدرسة أو الجامعة إلى الحياة الواقعية؟ ألن تترك هذا الماضي الأليم ورائك، لتصنع مستقبلا أفضل منه؟
حين ألخص كتابا، فأنا أفعل ذلك لأحببك فيه، وأشجعك على شرائه. حين ألخص كتابا، فأنا أعرضه لك بمنظوري أنا، بفهم عيني أنا، وبانعكاس خبرتي على ما قرأته. هذا التلخيص يعرض لك لونا واحدا من سبعة ألوان يحفل بها الضوء، فلو اقتصرت على تلخيصي، فأنت ترى رؤية أحادية، من منظور واحد.
دائما ما أقولها، لا تأخذ كلامي على أنه فوق المناقشة، لكن ناقشني بالتي هي أحسن، بدون هجوم أو تجريح. أنا مجرد ضوء صغير في بحر مظلم، يرشدك إلى الشاطئ، لكني أبقى مجرد الضوء، وعليك أنت الوصول إلى الشاطئ، أبقى أنا الاتجاه، وعليك أنت أن تأخذ بقية الخطوات.
- إن تكلفتك ليست ثمن الكتاب، إنها ما ستخسره إن أنت لم تقرأ ما فيه. جيم رون.