بتـــــاريخ : 12/28/2010 6:11:27 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1018 0


    قصة بالسامك – ج1

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : شبابيك | المصدر : www.shabayek.com

    كلمات مفتاحية  :


    لا أخفيكم دهشتي من المقاومة التي لاقتها فكرتي في تدوينتي السابقة بخصوص عرض إعلانات مجانية في مدونتي وطلبي من الزوار النقر عليها والتعليق على تجربتهم مع كل إعلان، لكن لعل السبب هو أني لم ألقي المزيد من الضوء على أهمية جزئية هامة، ألا وهي ضرورة التكاتف معا لكي ينجح كل عضو في الفريق. من واقع خبرتي القليلة، وجدت الكلمات الكثيرة لا تجدي، بينما القصص الواقعية تعطي أفضل الآثار، واليوم أحببت الحديث عن المبرمج الإيطالي بيلدي جويليزوني Peldi Guilizzoni، ورحلته من الوظيفة وحتى إدارة شركته الخاصة، وكيف سانده أعضاء الفريق حتى نجح. من هذه القصة أهدف إلى توضيح حقيقة بسيطة: ما لم نساعد بعضنا ونساند بعضنا، لن ننجح كلنا!
    بعدما أنهي دراسته الجامعية في إيطاليا، انتقل بيلدي إلى أمريكا لصقل معلوماته ومهاراته، عبر العمل هناك، حتى إذا كان يعمل يوما ضمن فريق شركة أدوبي، قرر هذا الفريق استعمال تقنية ويكي بشكل داخلي بين مراسلات فريق العمل في الشركة والذي كان يبلغ قوامه أكثر من 6 آلاف موظف. بدأ بيلدي بالبحث عن أفضل السكريبتات التي توفر هذه الخدمة، ولم يجد من البرامج والتطبيقات ما يجعله يتفاءل بأن هذا هو الحل الأمثل، حتى عثر عضو معه في فريق العمل على برنامج كونفلونس Atlassian Confluence والذي قدم بيئة عمل رسومية، بسيطة وسهلة، وسرعان ما وقع بيلدي في عشق هذا التطبيق وبدأ يستعمله بكثرة ونشر عن طريقه الآلاف من الوثائق والمستندات المعرفية.
    كان مبدأ فريق العمل في أدوبي هو: لا تجب أبدا على رسالة بريد إلكتروني، بل ضع الحل في موسوعة ويكي وأرسل رابط الحل في ردك على رسالة البريد. في خلال أسابيع بعدها، بدأ أعضاء الفريق والعاملون والمدراء يتقبلون فكرة استعمال التطبيق الجديد، وبمرور عام على بدء العمل كانت الشركة كلها تقريبا تستعمل كونفلونس في البريد الداخلي للشركة. هذا النجاح الشديد والانتشار السريع جعل بيلدي يفكر كيف يمكن له استغلال هذه الظاهرة بشكل تجاري. في هذا الوقت، كان مالك العقار الذي كان يقيم فيه بيلدي مع عائلته الصغيرة أرادهم أن يرحلوا عن عقاره ليبيعه، وبدأ والدا بيلدي يطالبونه بالعودة ليراقبا عن قرب مراحل نمو حفيدهما، كما أن النفقات الباهظة لتعليم هذا الحفيد في أمريكا كانت كفيلة بتدمير أي أحلام تراودهم في الادخار، كما أن مسكن بيلدي في إيطاليا كان بدون مقابل في ظل دعم والديه.
    في هذا الوقت، بدأت فكرة تصميم النماذج Mockups تتبلور في ذهن بيلدي، بعدما عبرت له عضوة في فريق العمل عن معاناتها في إخراج ما لديها من أفكار على هيئة نموذج مبدئي يمكن تعديل مكوناته بسهولة. مرة أخرى، حاول بيلدي مساعدة هذه العضوة بأن بحث عن الحلول المتوفرة وتقييم ما تقدمه من خدمات مقابل أسعارها، ومرة أخرى وجد بيلدي نقصا في هذا المجال. أراد بيلدي سد هذا الفراغ والنقص، بأن يصمم ملحقا برمجيا / إضافة (Plugin) تعمل مع تطبيق كونفلونس، وبدأ التخيل العام لمشروعه بالسامك يزيد وضوحا في أغسطس 2007، وكانت الفكرة العامة أن ينتهي بيلدي من نسخة أولية عاملة من تطبيقه في الربيع ليبيعه ويكون مصدرا للدخل يعتمد عليه عوضا عن وظيفته. كانت مدخرات بيلدي قليلة، وكان لديه عائلة ليعيلها، ولذا لم يملك رفاهية ترك وظيفته ثم البدء في مشروعه الخاص، بل كان عليه أن يجعل الاثنين يمضيان معا في الوقت ذاته حتى لا ينقطع دخله.
    ولذا، وفي كل ليلة، كان بيلدي يهدهد ابنه الصغير  لينام، ثم يجلس في مطبخ مسكنه ليبرمج بلا انقطاع، قرابة أربع ساعات يوميا، وهو التزام ليس بالسهل، وكانت البرمجة تمضي على فترات ما بين التقدم السريع و البطيء، وما أن خرج الإصدار التجريبي إلى النور، أعلن بيلدي عن عزمه ترك وظيفته في أول أبريل، وعاد إلى موطنه إيطاليا في الثاني من شهر مايو التالي، وأنهى المعلق من عمل أدوبي في 15 يونيو، وأطلق الإصدارة الأولى في 19 يونيو.
    أقطع تسلسل القصة هنا، لأعود إلى عالمنا اليوم، ولننظر إلى الأمر من المنظور العربي، خاصة في ضوء التفاعل مع تدوينتي السابقة. لو كان بيلدي عربيا وعرض فكرته على زوار مدونته العرب، لوجد حتما تعليقات سلبية على شاكلة: هذه الفكرة لن تنجح، أو ما هذا التطبيق الغبي الذي تفكر فيه، أو كما قال معلق محذوف تعليقه: ويش هالخربطة من كاتب بريال.
    أو لعل بيلدي كان ناله الويل والثبور وعظائم الأمور لأنه فكر في تغيير نظام قديم سائد في شركته، ولا داعي لخطب عنترية من أن البيئة والمجتمع في بلادنا لا تساعد، فلقد بلغت من العمر ما جعلني أراقب شبابا يبذل الوعود بأنه إذا بلغ يوما منصب كذا سيفعل ويطور ويجدد، حتى إذا كان له ذلك فعل مثل سابقيه وأسوأ. كلنا جهابذة في إلقاء اللوم على مجتمعاتنا، والحقيقة هي أنه لا عيب في مجتمعاتنا سوانا (إلا من رحم ربي)، كلنا نقول الحكومة هي السبب في مشاكلنا، حتى إذا عملنا في الحكومة كنا أكثر فرعنة من الفراعين.
    لقد طلبت في المقالة السابقة أن نجرب شيئا جديدا لم نجربه من قبل وأن يؤازر أعضاء الفريق بعضهم البعض، و حكمت الآراء بفشل الفكرة، وسؤالي هو: كيف ستفشل ولم نجد من جربها فعليا من قبل؟ لقد عرضت وضع إعلانات مجانية، ولليوم لم أجد من يستغل هذا العرض سوى شركتين فقط!!
     
    للقصة بقية، نستكملها معا بعد فاصل، أرجو استغلاله في التفكير في عوائد مقاومة الأفكار الجديدة، وفوائد معارضة التجديد ورفض تجربته، وكيف سيكون المستقبل لو قتلنا أي فكرة جديدة تقابلنا.
    للتوضيح: لا تفهم كلامي على أنه رفض لتعبير كل معلق عما يدور بداخله، بل هو رفض لطريقة تفكير انتهى وقتها ووجب تغييرها بما هو أفضل، وأنا هنا أرحب بالنقاش الهادف الذي يحترم جميع أطراف النقاش، نقاش شجاع يعترف بالمسؤولية ولا يلقيها على الغير.

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()