بتـــــاريخ : 11/20/2008 7:53:56 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1022 0


    أخطـــــــاء

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : حســــــب الله يحــيى | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

     

    ما الذي يمكنك فعله، وكلّ الأشياء التي تحيط بك تستسلم.. الواحدة تلو الأخرى؟‏

    في شبابك كنت تفكر تغيير العالم وإصلاح أخطاء الكون كله وفي العقد الثالث من عمرك أخذت تفكر بسعادة وطنك، وفي أربعينك صار مدار اهتمامك إصلاح الحي الذي تسكنه، وعندما بلغت الخمسين انصرفت للعناية بأسرتك.. أما الآن وأنت على مشارف الستين.. فليس هناك من شاغل يعنيك سوى الاحتفاظ بصحتك.‏

    هل صرت ذا أثرة إلى درجة أن تفكر بنفسك وحسب، وليس بأحد سواك... هل تريد أن تصل بسفينتك إلى بر السلام، ولتغرق سفن الدنيا جمعياً...!؟‏

    هل أصبحت تفكر بطريقة وإذا مت ظمآناً فلا نزل القطر... كما تردد أم كلثوم التي كنت تسهر لياليك مع آهاتها؟‏

    لم تعد تشغلك هموم الآخرين كإنما شلت عواطفك، وتعطلت روحك وبت مثل نبات يذبل شيئاً فشيئاً حتى.. حتى...‏

    ولا تريد أن تصرح لنفسك بكلمة الموت... وكأن الموت يستحيل عليك، أو تستحيل عليه.. وأنك الاستثناء الوحيد غير الخاضع لتدابيره.‏

    هل تذكر كيف رفضت تناول الأقراص التي وصفها لك الطبيب لمعالجة صداعك المزمن، لمجرد شعورك بأنها تعطل إحساسك بالأشياء لمجرد أنها تجعل أعصابك هادئة وأن الأمور مهما كانت ساخنة حولك... لاتعنيك!؟‏

    قلت لطبيبك: كل شيء يعنيني.‏

    أنت لست مسؤولاً عن أخطاء العالم. ولست معنياً بإصلاحها، ولم تأت إلى الحياة حتى تجمع قطرات ماء سكبت خطأ.. فكر بصحتك..‏

    يومها رميت الأقراص في سلة المهملات القريبة من الطبيب ثم انصرفت غاضباً، وصار حقدك شاملاً كل الأطباء كونهم يفكرون بمعالجة مرضاهم، ولا يعنينهم أمر الناس الذين تفتك بأجسادهم أمراض شتى.‏

    كنت تمني نفسك بأن تكون طبيباً ومحامياً ومعلماً وفلاحاً حتى تحول دون انتشار الأمراض وحتى تنصف المظلومين ضد الظالمين وحتى تقتل الجهل وتزرع المعرفة.. وتوفر رغيف الخبز.‏

    كنت تفكر بطريقة يحسدك عليها بعض منهم، ويحترمون هذه الصفة فيك.. ويسخر منك بعضهم الآخر... كونك تريد الوصول إلى أمجاد على حسابهم وأنك تريد أن تظهر بينهم حكيماً وزعيماً.. غير أنك تعرف أمرك بشكل واضح.. وهذا الوضوح يتيح الفرصة أمامك كي تحس بالسعادة والرضا عن نفسك وأنت قد أحسنت إلى شخصك أولاً، عندما تحقق شيئاً مفيداً لسواك..‏

    ألا تكفي هذه السعادة وهذه الفرحة التي تتركها في الآخرين لكي تجعلك تمارس فعل الخير أكثر من مرة ولا تتردد أو تتوانى عن الاستجابة لتذليل الصعوبات التي تواجه الآخرين عندما يكون بمقدورك تذليلها؟‏

    الآن عليك أن تفكر بأمرك وألا تناقش المسألة على أنها تعني أحد سواك.. فمن شأن ذلك أن تحوم حولك الأسئلة وتطالب بالإجابات.. ومن شأن الإجابات أن تجعلك في محور الشك، ومن يكون في محور الشك.. تتعقد أموره ويصعب حلها وقد تصل به إلى طريق مسدود.‏

    عليك الآن أن تقدم أوراقك الثبوتية.. ذاك أمر صعب فبعد هذا العمر المديد من الأسى والعذاب والأفراح المقهورة، من هذه الهواجس التي تعتمل فيك، من هذه البصمات التي وضعتها على جدران دارك.. من إلغاء لأدق لحظة في حياتك حين لامست تأوهات أول امرأة في ظل نخلة برحية وتساقطت حلاوة اللذة مع حلاوة التمر، مع حلاوة اللذة التي لا تعوض أبداً.. مع حلاوة هذا الحلا الذي تحلو به الحياة كلها..‏

    وهنا.. أو هناك.‏

    هنا.. في هذه الساحة الترابية، لعبت بكرة صنعت بأصابع مرتجفة ناعمة لأمك جمعت كرويتها من أوصال أنسجة قديمة ونظيفة وقد حرصت أمك على نظافتها... فلا شيء كان يشغلها مثل نظافة كل شيء حولها.... من هنا كان يزعجها أن تتسخ كرة النسيج..‏

    وهناك.. شجرة تين، زرعتها عند رأس تعزه وتقدس فيه صدقه ونبله.. رأس لأخيك الشهيد.. وقد جعلت من قطرات دمه.. قوة لنمو شجرة تثمر التين الذي يحبه من سائر الفواكه كلها.. وعلى القرب منك.. أنفاس أخيرة للعم صالح الذي أصغيت إلى حكاياته صغيراً وإلى حكمه وعبره كبيراً.‏

    هنا لمسة وهنا ارتجافة، هنا صخب، هنا دمعة، هنا سقطت وجرحت.. هنا رقصت وغنيت، هناك احتفلوا بقطع جزء من لحمك فبكيت.. وكان كل من حولك يضحك.. قالوا لك إنهم طهروك من دنس وجعلوك في صف الرجال.. هنا وهناك.. أشياء وأشياء منك ومنهم...‏

    هنا اختنقت أنفاسك بتراب العاصفة... وهنا أيضاً تنشقت عبير التراب نفسه بعد أن بللته قطرات المطر...‏

    تراب... تعرفه ويعرفك.. تقبله ويقبل بك.. تبوسه كونه قطعة منك.. ويبوسك ميتاً، وفاء منه لك.. لك أنت.‏

    هنا.. لا حدود لودك وعشقك والتحامك وافتدائك... فكيف.. كيف تتخلى عن عمر بكامله، لتبدأ (عمراً) جديداً في مكان آخر.. لا تختاره بنفسك، ولا يختاره أحد لك، ولكن.. لكن المكان نفسه يفرض عليك أن تختاره غصباً عنك، أو غصباً منه عليك...!‏

    ماذنب النخلة البرحية إذا كانت تساقط رطباً في هذا المكان دون سواه، وكان أجدادها العظام في جزر أو صحارى.. معلومة أو مجهولة؟‏

    وما جريرة العصافير إن كانت قد بنت أعشاشها داخل جدران عتيقة بينما أعلن عن وجودها آباء في أعشاش فوق أشجار أو أعماق صخور..؟‏

    وماذا في الأمر إن كنت قد شربت من ماء دجلة وارتوت أمك من ماء الفرات.. وقتل والدك ظمأه عندما شرب من عين مائية، واختار جدك أن يشرب ماء البحر الميت حتى يتحدى الموت، وأراد عمك أن تتحول بشرته إلى لون وردي.. فشرب من ماء البحر الأحمر.‏

    أنت لاتختار سلالتك.‏

    أنت لا تختار نشأتك.‏

    أنت لاتختار اسمك.‏

    أنت ما أنت عليه.. ما صنعته يداك، وما تولد عن قناعاتك.. أنت مسؤول عن نفسك وأسرتك ووطنك وهذا العالم المحيط بك... غير أنك.. وأنت تعبر الأعوام بدأت تتخلى عن طموحاتك.‏

    بات تغيير العالم... فكرة خيالية تولد الضحك عندك.‏

    وصار الوطن يعني وجود محلتك، ثم بيتك، ثم أسرتك.. ثم...‏

    وجودك أنت.. وأنت قطعة منسية، لا أهمية لها دون الآخرين.‏

    زوجتك.. شربت من ماء غير الماء الذي شربته أنت.. فصار الدم الذي يجري فيها غريباً عن دمك.. والهواء ليس الهواء الذي تتنفسه.. غير لغتك غير يقينك...‏

    ولكن... جسور المحبة بيننا... أزهرت حياتنا... أبناء وبنات. وصرنا نتقاسم رغيف الخبز سوية، صار الوجود من حولنا واحداً.. وبات حبنا يلغي كل الفوارق.. تقول هذا وتؤكده، لكن أحداً لا يصغي إليك...‏

    -عليك أن تتخلى عنها...‏

    -هكذا... بهذه السهولة.‏

    -القانون.. يلزمك أن تنفذ.‏

    -.... وإذا لم أنفذ؟!‏

    -ذاك ذنبك... وعليك القبول بالعواقب...‏

    -وما العواقب؟‏

    -أن تترك هذه الأرض.‏

    -أ... أ.... أترك هذه الأرض؟!‏

    -تتركها.. وخلال ساعات.‏

    -.. هذه أوراقي كلها.. أنا من تنفس من هذه الأرض...‏

    -ليكن.. الوثائق تقول.. أن زوجتك شربت من ماء غير الذي شربته.. تخل عنها أو ارحل معها.‏

    -إنها لاتعرف لها أهلاً سواي، ولا سماء غير سماء هذا البلد، ولا تفكر أن تسكن إلا فوق هذا التراب.‏

    -ما تريده أنت.. وماتريده هي.. لا يعنينا...‏

    القوانين واضحة، ومهمتنا تنفيذها... لا تناقش.‏

    واعددت نفسك للرحيل... إلى... أي مكان يقبل بمحبتك.. يضمك وأسرتك.. وكان الوقت يمر.. ويعمل بك تقطيعاً. الآن من حظك أن تفكر لنفسك ولمن تحب.. فمن العدل أن تقبل على الأشياء إقبال من يريد أن يكون... أن يبقى فذاك كل ما باستطاعتك فعله.‏

    .. ماالذي يمكنك فعله، وكل الأشياء التي تحيط بك تستسلم الواحد تلو الآخر؟‏

    ... ومع ذلك كله.. فكر... فكر جيداً في سبيل خلاصك.. فكر أن تكون.. وأن يكون هذا العالم.. عادلاً... فكر... فبإمكانك أن تفعل شيئاً

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()