جمعتني جلسة مع أحدهم، حدثته فيها عن مدونتي وعن كتبي، فسألني عن موضوع كل كتاب، ثم سألني السؤال التقليدي: كم كتابا بعت؟ فلم أخبرته وجدت نظرة الشفقة وربما الحزن على وجهه، لكن صاحبنا هذا لم يسأل السؤال الصحيح، وهنا أريدك عزيزي القارئ أن تفكر مليا قبل أن تنتقل لقراءة بقية التدوينة: ما السؤال الصحيح الذي كان يجب طرحه؟
نحن نجتمع هنا في هذه المدونة لنتعلم المزيد عن عالم الأعمال والتجارة. من وجهة نظري فالسؤال الصحيح هو: هل مبيعاتي من الكتب إلى زيادة أم نقصان؟ و ما هو توقعي للمبيعات خلال السنوات المقبلة؟ كما ذكرت لكم في تدوينتي السابقة، ولأني لم أحتفظ بسجلات مبيعات شهرية وسنوية، فحالة مبيعات كتبي أظنها تحقق زيادة سنوية من 15 إلى 25%، مع شرط استمراري في نشر كتاب جديد كل عام، والتسويق لكتبي قدر ما تيسر لي.
دعوني أقف بكم للحظات لأقص عليكم هذا المثال، حكى مؤلف كتاب The Knack عن استشارة قدمها لصاحبة عمل تجاري بدأته بنفسها من الصفر حتى صار حجم التعاملات مليون ونصف من الدولارات، لكن أنيسة صاحبة التجارة عانت من خواء حسابها البنكي، ورغم أنها تبيع كثيرا، لكنها كانت تجاهد لسداد الفواتير. ببساطة طلب مؤلف الكتاب من أنيسة أن تلتزم بتسجيل فواتير المبيعات، وأن تسجل معها تكلفة الشراء والشحن لكل صنف تبيعه، وتسجل هامش الربح، وهل عملية تحصيل مستحقاتها تمت بنجاح أم لا. حين فعلت أنيسة ذلك، اكتشفت أصناف بضاعة تحقق لها ربحا كافيا، وبعضها تخسر فيها. كذلك وجدت أنيسة أن لديها عملاء سيئين لا يدفعون أو يتأخرون طويلا في تسديد ما عليهم.
حين بدأت أنيسة تطرح الأسئلة الصحيحة، حصلت على إجابات صحيحة، ساعدتها على إنقاذ تجارتها وتنميتها، فهي بدأت بعدها تركز على الأصناف المربحة، وزادت من هامش ربحها، وتوقفت عن التعامل مع العملاء السيئين، وحرصت على تحصيل مستحقاتها ودخولها حسابها البنكي.
لنعد مرة أخرى إلى مبيعات كتبي. كم مرة قرأت فيها أن العرب – بشكل عام – تنظر دائما تحت قدميها ولا تفكر في الغد / المستقبل؟ لو سألتني كم كتابا بعت فأنت في اعتقادي تنظر تحت قدميك. إذا سألت ما هي نسبة الزيادة السنوية / الشهرية في مبيعاتك، وما هي توقعاتك للمبيعات المستقبلية، فأنت تنظر للأمام، وتسأل السؤال الصحيح. نعم – الدنيا فانية وقد لا نعيش حتى يأتي هذا الغد. على الجهة الأخرى، لو فكر من زرع النخلة التي تعطي ثمارها بعد سنين من غرسها بهذه الطريقة، كان صاحبنا الفاني صاحب هذه النظرة القصيرة مات جوعا ولارتحنا من فلسفته غير المجدية.
من ضمن الأسئلة الخاطئة، معلق كريم لم تنل مقالتي عن دروس نوكيا التي تلقتها من ابل استحسانه، فسأل عني في صفحة سيرتي الذاتية، وحكم علي أني أهيم في كل واد وأتحدث في مواضيع لا أفهمها، وختم بأني الثرى ونوكيا هي الثريا. لماذا هذا هو السؤال الخاطئ؟ لو حكمنا على الناس -فقط- وفق سيرتهم الذاتية وما يحملونه من شهادات دراسية، فكيف ستحكم- وفق هذه النظرة القاصرة – على ستيف جوبز راعي / مدير شركة ابل؟ فهو لم يكمل دراسته الجامعية، وفي عرفنا العربي هذا رجل فاشل باقتدار. ماذا ستقول في بيل جيتس وغيره الكثيرين ممن لم يكملوا تعليمهم ولا يحملون على ظهورهم شهادات جامعية ثقيلة في ميزان الرأي العربي؟
على الجانب:
سألني سائل ماذا أنت فاعل مع من ينقلون ما كتبته في ترجمة فن الحرب مع تعديلات صغيرة هنا وهناك في كتب جديدة؟ قلت له لا شيء. ما لم يدركه صاحبي أن الأمر هين. هذا الكتاب أوفره للتنزيل المجاني عبر انترنت، والكل قد قرأه أو على وشك فعل ذلك. من يقرأ كتبي الخمسة المتوفرة للتنزيل، سيدرك أن كلها تأتي من مصدر واحد، فوجهة النظر واحدة والأخطاء متكررة! لكن حين تقرأ كتابا وتجده قريبا من كتاب آخر سبقه ويشترك معه في نفس الآراء والأخطاء والاختصارات، فساعتها لن تنظر بعين الاحترام إلى مؤلفه، ومهما كتب ونشر هذا المؤلف في المستقبل، فستظل قلقا من أن يكون قد نسخ أو قلد أو سرق، ولن تقف بقلقك هذا عند الكاتب، بل ستشك في دار النشر وما تنشره، فمن يسرق العقال قد يسرق الجمل دون أن تدري. ولذا فالسؤال الصحيح، ماذا سيفعل الناسوخ ليحصل على نظرة الاحترام في أعين القراء بعد اكتشاف أمره؟ فالانترنت تسهل نقل المعلومات، وجعلتنا كلنا شعبا واحدا، وكذلك سهلت فضح اللصوص!
السؤال الصحيح سيعطيك ردودا صحيحة. السؤال الخاطئ سيعطيك نتائج خاطئة.
لو بنيت قراراتك على نتائج خاطئة، ستكون ذات عواقب مؤلمة.
السؤال الصحيح هو نصف الإجابة.