الاقتصاد العام
إن تنمية اقتصاد مبني على المعرفة، بات يفرض مجموعة من التغيرات في طبيعة وتنظيم سوق الشغل في إطار محيط اقتصادي متعدد ومتميز أساسا بمنافسة قوية، الشيء الذي دفع كثيرا من المؤسسات إلى إعادة ترتيباتها التنظيمية والاستراتيجية لتصبح أكثر تلائما مع هذا الوضع: العولمة التكنولوجيا والقيم الاقتصادية الجديدة.
فاتباع سياسة إعادة الهيكلة من أجل الدفع بالقوة التنافسية، جعل كثيرا من المؤسسات الاقتصادية تتبع بعض الإجراءات رغم سلبيتها الاجتماعية كالتقليص من حجم ونسبة اليد العاملة.
ودفعت التغيرات في الوسط المهني- خصوصا تنظيم العمل وطلب الكفاءات- الكثير من الشركات إلى الانسياق في مشروع التغيير، ويظهر ذلك فيما يلي
:
اعتماد الاقتصاد على اليد العاملة المؤهلة والمتخصصة
انتقال النشاط الاقتصادي من إنتاج السلع إلى إنتاج الخدمات المبنية على المعرفة
التكوين المستمر وضرورته
تطابق الأجر مع مستوى الكفاءات
عقود الشغل مرنة وغير مضبوطة
وتعتبر هذه النقط المذكورة محور موضوع اقتصاد المعرفة الذي سنتطرق لها بالتفصيل من خلال التحليل التالي
:
اعتماد الاقتصاد على اليد العاملة المؤهلة والمتخصصة
إن ما يميز الوضع الاقتصادي الجديد، هو ارتفاع الطلب على اليد العاملة ذات الكفاءات العالية والمتخصصة في ميدان المعرفة وانخفاض الأنشطة التي تعتمد على اليد العاملة الأقل كفاية.
فبدون شك، فسرعة التطور التكنولوجي وانتشار المعرفة بشكل واسع دفع سوق الشغل إلى الاعتماد على الكفاءات التي تشتغل في هذا الحقل. وإن بعض الدراسات الحديثة التي تابعت هذا التطور تؤكد مستوى المؤهلات المطلوب، يزداد بوثيرة مرتفعة ففي الدول المتقدمة، تعرف بعض القطاعات الصناعية تركيزا قويا على الكفاءات باعتبارها، العامل الحاسم في المنافسة والدواء الذي يطيل البقاء في عالم الاقتصاد: منها على سبل المثال صناعة الطباعة، الآليات والإعلاميات، المبرمجة وصناعة الخدمات.
وتتمظهر كفاءة - Compétence - اليد العاملة في مستواها التكويني الذي ارتفع بكثير عما كان عليه في السنوات السابقة، فالحاصلين على الدبلومات العالية والمتخصصة ازداد كما ونوعا.
انتقال التنظيم الاقتصادي من إنتاج السلع إلى إنتاج الخدمات
إن ما يميز
العهد الصناعي الجديد وما أحدثته المعلوميات والمعرفة هو الانتقال المتصاعد للنشاط الاقتصادي من التركيز على السلع إلى صناعة الخدمات في كل تجلياتها. وإذا ما أخذنا الدول السابقة في هذا النموذج، نلاحظ مثلا في دول شمال أمريكا أن ما يزيد عن 70% من اليد العاملة تشتغل في ميدان الخدمات، وتزداد هذه النسب سنويا بما ينـاهز2.3% بينما تعرف انخفاضا يصل إلى 0.2% سنويا في قطاع السلع.
ومن أهم العوامل التي تفسر هذا التحول :
- ارتفاع الطلب على الخدمات من طرف الوحدات الإنتاجية ومن طرف المستهلك على حد السواء.
ويتجلى طلب واستعمال الوحدات الإنتاجية من خلال اعتمادها على البرامج الإعلامية على طول سلسلة الإنتاج (dans le processus de la chaîne de la valeur) .
التكوين المستمر
ما يميز الاقتصاد المبني على المعرفة هو ضرورة الاكتساب
الدائم للمعلومات وتنمية المؤهلات الضرورية لاستثمارها.
وأصبحت التربية والتكوين المستمر الشرطان الأساسيان في بلورة ونجاح البنية سوسيو ثقافية داخل أي مجتمع بغض النظر عن الضرورة الاقتصادية.
ففي بداية الخمسينيات، أكثر من نصف اليد العاملة الأمريكية كانت لا تتوفر على تكوين مختص أو تأهيل مهني بل كان دور التربية منحصرا في التعليم الغير المجد أو المنفصل على البنية الإنتاجية بشكل عام، واليوم فقط 20% هي نسبة اليد العاملة التي لا تتوفر على نظام تعليمي ملائم.
إن إعادة التكوين أصبح عاملا حاسما في ميدان العمل، وعدم استمراريته أو تركيزه فقط على الجانب المعرفي أو التجربة قد يجعله متجاوزا نظرا للتغيرات التكنولوجية السريعة.
فسرعة التطور التكنولوجي وانتشاره الواسع يحتم ضرورة تحسين الكفاءات على اعتبار أن العمل في مؤسسة واحدة طول الحياة المهنية أصبح ناذرا من جهة، ومن جهة لأن الاحتياجات المهنية أصبحت جد محددة مما يستلزم بمرونة أكبر وكفاءة سهلة التنقل والاستعمال.
فرض إدخال التكنولوجيا الجديدة في كثير من القطاعات تغيير في بعض الوظائف والمهام. فأصبحت الوظيفة الإدارية للكاتبة مثلا لا تنحصر فقط في بعض الأعمال الكلاسيكية، بل تجاوزت إلى دور جديد يتمثل في التوجيه وبلورة أفكار جديدة تساهم في تحسين أداء المؤسسة بصفة إجمالية : ويقول المثل "دوام الحال من المحال".
وخلاصة القول، فإن المرونة والقدرة على التكيف أصبحا عنصرين حاسمين في المشروع المهني أو الوظائفي والوسيلة إلى ذلك هو الاستثمار في العنصر البشري سواء من طرف المقاولة أو العامل.
الدخل واقتصاد المعرفة
الملاحظ في سوق العرض والطلب، أن طلب اليد العاملة الأكثر كفاءة في ارتفاع مستمر مما انع** على الدخل حيث ازدادت الفوارق بين ذوي المداخيل المرتفعة (العاملين أساسا في حقل المعرفة) وأولئك الأقل كفاءة.
وتشير بعض الدراسات التي قام بعض الباحثين في بعض الدول المتقدمة (G7) حول تطور الدخل وتوزيعه حسب الكفاءات* إلى ازدياد الهوة اتساعا بين الفئات ذات المستوى التكويني العالي مع تلك الفئة ذات تكوين بسيط. خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا.
عقد الشغل
مع الإكراهات الجديدة التي أصبحت تواجهها الشركات في محيطها الاقتصادي والتنظيمي، أصبح العمل القار كما أثير سابقا من المستحيلات، فاتجهت الشركات إلى التركيز على العمل المؤقت للعمال أو المستخدمين : كآلية من آليات المرونة.
وفي المغرب، حيث لم تخرج شركاته عن هذا السياق، أدرج المفهوم العمل المؤقت في ديباجة مشروع قانون الشغل، دون مراعاة مع الاختلاف البنيوي بين المحيط الاقتصادي المغربي الهش والخارجي المتميز بقدرته على امتصاص اليد العاملة المتنقلة بين القطاعات.
والعمل المؤقت أصبح في كثير من الدول هو المهيمن في سوق الشغل، وخرج عن بعض الضوابط المتفق عليها، خاصة في دول العالم الثالث المحتاجة أكثر إلى الاستثمارات. ففي دول مجموعة السبعة ازدادت نسبة العمل المؤقت ضعفي نسبة العمل القار كما ازدادت مع نسبة العمل الحر الذي أصبح يخلق سنويا وظائف جديدة وصلت إلى ما يزيد عن 4%.
وعلى الرغم من هذا التوجه الجديد والعام إلى اقتصاد المعرفة وقدرة تحديده على المستوى الماكرو اقتصادي، تبقى إشكالية حساب أثره على المستوى الميكرو اقتصادي. فهناك غياب دراسة وافية لهذا التوجه الجديد سواء على المستوى الاقتصادي أو الإنتاجي أو سوق الشغل، حيث أنه تحديد درجة مساهمة المعرفة في القيمة الاقتصادية المحلية من أصعب المهام حاليا رغم الوعي بدورها الفعال والسنوي في الوحدة الإنتاجية، ورغم السعي الحاد لبعض الخبراء للجواب على هذه الإشكالية وتبعاتها يبقى جمع المعطيات حول الكفاءات المطلوبة للقيام ببعض الوظائف هو الموجود والممكن