ما الذي يجعل شركة ناشئة تفشل وتغلق أبوابها؟ خطأ واحد في الأغلب، عدم تقديم سلعة أو خدمة يريدها الناس (ويكونوا قادرين على شرائها). وعليه فالسؤال الأدق هو: ما الذي يجعل شركة ناشئة لا تقدم خدمة أو سلعة يريدها الناس؟ حصر بول جراهام 18 سببا لذلك (رابط مقالته)، وبدئها بـ:
1 – مؤسس واحد
قلة قليلة جدا من الشركات الناشئة التي نجحت وهي من تأسيس فرد واحد. بل إن الشركات التي تظنها بدأت برجل واحد، حين تتعمق في تفاصيل قصة نشأتها ستجد أن الأمر غير ذلك، وشركة أوراكل خير مثال. ليس هذا الأمر بالصدفة أو غير المهم. ما عيب تأسيس شركة قوامها فرد وحيد؟ إنها شهادة بعدم ثقة أحد في مؤسس الشركة وإلا كان واحد من أصدقائه على الأقل شاركه. هذا نذير خطر شديد!
حتى على فرض عدم صواب أصدقاء المؤسس الوحيد في عدم مشاركته، وكانت فكرته سديدة، فهو لا زال في موقف أضعف، لأن بدء شركة ناشئة عملية صعبة على فرد واحد، وحتى لو فعل كل شيء بنفسه، فالمؤسس بحاجة لأصدقاء يفكر معهم بصوت مرتفع، ويقنعونه بالعدول عن بعض قراراته الغبية، ويرفعون من معنوياته حين تسوء الأمور. مصاعب تثبيت أقدام شركة ناشئة كثيرة وتصيب في مقتل، وقلة من يتحملونها بمفردهم. حين يكون هناك شركاء عدة، فإنهم يشدون من أزر بعضهم، وتزيد قدرتهم على التحمل والصبر، وهذه صفة مهمة لنجاح الشركة الناشئة.
2 – الموقع الخاطئ
تزدهر الشركات الناشئة في بعض المواقع، وتفشل في أماكن أخرى. وادي السيلكون في أمريكا مشهور بأن فرص نجاح شركات انترنت الناشئة فيه هي الأعلى في العالم، ثم يليه بعض المدن القليلة الأخرى. بعض المدن توفر بيئة نمو مساعدة بقوة لبعض أنواع الشركات الناشئة، وغيرها تعمل على العكس تماما. لماذا هذا التفضيل؟ في الأغلب لأن هذه المدن – مثلما في أي صناعة أخرى – توفر خبراء عديدين يقدمون يد المساعدة، ويكون الموظفون أكثر فهما للمطلوب منهم من أدوار في هذه الشركات، ويكون من السهل العثور عليهم، ومن ثم العثور على عملاء ومشترين ومستخدمين.
3 – شريحة نيتش محدودة
“نيتش أو نيش – Niche” كلمة فرنسية، من ضمن معانيها الكثيرة في اللغة الإنجليزية: المكان الأمثل للشيء أن يوضع فيه، وكذلك: الشخص الأمثل في المكان المناسب له، وأصبحت الآن تعني السوق المتخصص، خاصة في مجال التجارة. السوق النيش يعبر عن جزئية صغيرة من سوق كبير، ذات حاجة ماسة وواضحة ومركزة، هذه الحاجة لا تلقى الاهتمام الكاف من اللاعبين الكبار في السوق، ما يسمح لصغار الموردين بتلبية هذه الحاجات، مع تحقيق نسبة ربح كبيرة، لقلة المنافسة.
يعاني الكثيرون ممن يفكرون في تأسيس شركاتهم من اختيارهم نيش صغير غير واضح المعالم، على أمل تجنب المنافسة. حين تراقب الأطفال وهم يلعبون الكرة، ستجد أن فئة معينة منهم، أقل من سن محدد، تخشى الاقتراب من الكرة بشكل غريزي، ويحاولون تفاديها إذا اقتربت منهم، دون وعي أو إدراك منهم. إذا قدمت خدمة أو سلعة جيدة المستوى، فستجد منافسين لك على تقديمها، ولذا من الأفضل لك أن تواجههم لا أن تتجنبهم بشكل غريزي لا واعي.
إذا أردت تجنب المنافسة ربما كان عليك تجنب الأفكار الجيدة أيضا! المشكلة تكمن في العقل اللاواعي والذي قد يمنعك من التفكير في أفكار كبيرة وجيدة خوفا من أشياء كثيرة، ولذا قد يكون الحل هو التفكير بصيغة المجهول، بمعنى أن تسأل، ماذا كان غيري ليفعل ويقدم في حال أسس شركة ناشئة تقدم فكرة مثل كذا وكذا.
4 – فكرة تقليدية
يفكر الكثيرون في مجرد تقليد شركات قائمة بالفعل، وهذا مصدر لأفكار تأسيس شركات ناشئة، لكنه ليس الأفضل. إذا نظرت لكثير من الشركات الناشئة والناجحة، فستجد قلة منها قامت على تقليد الموجود وحسب. في العادة تحصل هذه الشركات على أفكار تأسيسها من مشكلة بلا حل والتي تعرف عليها المؤسسون وتمكنوا من تقديم حل لها يريد الناس شراؤه.
حين بدأ بول جراهام وشركاؤه تأسيس شركتهم، في ذاك الوقت كانت المتاجر الإلكترونية تبرمج باليد، وليس اعتمادا على قاعدة بيانات مركزية، ولأنهم أدركوا أن المتاجر الإلكترونية ستزدهر في المستقبل، ولن يمكن تطويرها وزيادة انتشارها اعتمادا على التطوير والتحديث اليدوي، بل عن طريق برامج خاصة، ولذا صمم هو وشركاؤه أولى هذه البرامج.
ويبدو أن أفضل المشاكل التي تحلها هي التي تواجهك أنت شخصيا، فشركة ابل خرجت إلى الدنيا لأن ستيف وزنياك أراد لنفسه حاسوبا شخصيا، بينما موقع البحث جوجل أبصر النور لأن لاري و سيرجي لم يعثرا على بغيتهما على انترنت، في حين جاء موقع هوتميل بعد أن لم يتمكن صابر وزميله جاك من تبادل البريد الإلكتروني بينهما.
لذا، وبدلا من أن تقلد فيسبوك، وتأتي بأشياء تجاهلها موقع فيسبوك لأسباب سديدة وذكية، ابحث عن أفكار في أماكن أخرى. بدلا من أن تقلد شركات جاءت لتعالج مشاكل، ابحث أنت عن مشاكل أخرى وتخيل كيف كانت الشركة التي تحل هذه المشاكل لتبدو أو لتفعل. ما الذي يشكو منه الناس؟ ما الذي يتمنون لو كان متوفرا ليحل مشاكلهم؟
5 – العناد والتمسك بالرأي
في بعض الأعمال، يكون السبيل الوحيد للنجاح هو أن يكون لديك رؤية واضحة لما تريد تحقيقه، وأن تتمسك به مهما كانت العواقب. تأسيس شركة ناشئة ليس من ضمن هذه الحالات! مبدأ التمسك برؤيتك مهما حدث يجدي مع من يريد الفوز بميدالية أوليمبية، حيث تكون المشكلة واضحة ومحددة. الشركات الناشئة تختلف في أن عليك تتبع الأثر إلى حيث يقودك.
لا تتمسك بشدة بخطتك الأساسية التي اعتمدت عليها حين أسست شركتك، فهي في الأغلب خاطئة وبنيت على أساس غير صحيح، وأغلب الشركات الناشئة ينتهي بها الأمر بتقديم أشياء أخرى غير التي قامت عليها. عليك أن تكون مستعدا وجاهزا حين ترى الفكرة الأفضل، وسيكون الجزء الأشق هو التخلي عن فكرتك الأصلية مقابل هذه الأفضل.
على أن التفتح لتقبل أفكار جديدة لا يعني أن تغير فكرتك في كل أسبوع، فهذا تغيير قاتل ومهلك. هل لديك أي وسيلة اختبار يمكنها الاعتماد عليها لقياس مدى جودة هذه الفكرة الجديدة؟ هل تمثل الجديدة أي تقدم وتطور للأمام؟ إذا كانت الفكرة الجديدة تعيد استخدام أجزاء متعددة من الفكرة السابقة، فهذا يعني أنك في عملية تطوير وتحسين، وهذا مؤشر إيجابي. إذا كنت ستعود لنقطة البداية فهذا أمر غير مبشر. لكنك كذلك تستطيع أخذ رأي الفئة الأفضل: العملاء والمستخدمين. إذا وجدت حماسا منهم لفكرتك الجديدة وتشجيعا، فهذه دلالة على أنك تسير في الطريق الصحيح.