بتـــــاريخ : 11/29/2010 3:52:22 PM
الفــــــــئة
  • الاقتصـــــــــاد
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1085 0


    تقليم أظافر العملاق الصيني

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : sherief | المصدر : uaesm.maktoob.com

    كلمات مفتاحية  :
    تقليم اظافر العملاق الصيني

    في معرض دفاعه عن سياسة «التيسير الكمي»، التي مازالت مثاراً للجدل على المستويين الأمريكي والعالمي منذ الإعلان عن اعتمادها في الثالث من نوفمبر الجاري، قال نيرفانا كوشرلاكوتا، رئيس «الاحتياط الفيدرالي» في مينابوليس-مينيسوتا، «إذا سمح الاتحاد الفيدرالي للبنوك بخلق مزيد من النقود في الظروف العادية، ربما يتسبب ذلك في إشعال جذوة التضخم. ولكن هذا المنطق البسيط لا يمكن التسليم بصحته في الظروف الحالية، لأن البنوك الأمريكية تحتفظ حالياً لدى (الاحتياط الفيدرالي) بما يصل إلى تريليون دولار من الاحتياطات النقدية غير المستخدمة»، وأضاف «إن هذا يعني أن البنوك لا تستخدم كثيراً من التراخيص التي تملكها فعلاً لخلق مزيد من النقود، ولذلك أرى أن البنوك ليست مضطرة للقفز، والاستفادة من رخصة الـ600 مليار دولار الإضافية الجديدة طالما أنها لم تستفد من الرخص القديمة المتاحة».

    والحقيقة أن مثل هذه التبريرات لا تصب في مصلحة القرار، ولا تخفف من وطأة الانتقادات الموجهة للمسؤولين عن اتخاذه، بل إن مثل هذه التصريحات تثير مزيداً من الشكوك حول القرار، وتزيد من الغموض الذي يلف المسألة برمتها. فطالما كانت لدى البنوك فوائض تصل إلى المبلغ الذي ذكره السيد نيرفانا، فلماذا إذاً تتخذ السلطات النقدية قراراً بضخ المزيد من الأموال؟

    ولكن بالربط في ما بين هذه التصريحات الدفاعية وأحدث تصريحات لرئيس الاتحاد الفيدرالي بن شالوم برنانكي، الذي اختار مؤتمراً نظمه البنك «الأوروبي المركزي» في فرانكفورت يوم الجمعة الماضي وحضره عشرات محافظي البنوك المركزية الأوروبية، والدول التي تدور في فلك الدولار، نجد أن برنانكي لم يتراجع عن جزء كبير من الدوافع المعلنة التي ساقها لتبرير الخطوة التي أقدم عليها، والتي أوردناها في المقال السابق، فبجانب العزف على نغمة الاستقرار الاقتصادي، وتخفيض مستويات البطالة داخل الحدود الأمريكية، والتأكيد على أن في انتعاش الاقتصاد الأمريكي مصلحة للعالم أجمع، أضاف هذه المرة وبوضوح تام لا يقبل اللبس، أن الخطوة موجهة أساساً للصين وللاقتصادات الناشئة الأخرى التي تسببت باعتمادها لسياسة إضعاف عملاتها أمام الدولار بزرع جذور «الاختلالات الهيكلية» في التجارة الدولية، والتي أصبحت تشكل مصدراً «لمخاطر مالية واقتصادية متنامية».

    وفي سبيل استعداء القوى الأوروبية ضد الصين، وحشد التأييد للخطوة الأمريكية، أرسل برنانكي بعض الإشارات لإقناع الحاضرين بأن أوروبا والدول الناشئة التي تعتمد أسعار صرف متغيرة مقابل الدولار يجب أن تكون في خندق واحد مع الولايات المتحدة. تلك الإشارات كانت واضحة بتحذيره من أن «انتعاشاً اقتصادياً ذا سرعتين تتخلف فيه الاقتصادات الغنية عن الركب وتتقدمه اقتصادات ناشئة مثل الصين والهند، يعيق في حركته التعاون والانتعاش في جميع أنحاء العالم»، وبتحذيره من أن دول الاقتصادات الناشئة ذات أسعار الصرف المتغيرة كالبرازيل وتركيا وجنوب إفريقيا تحمل «عبئاً مزدوجاً» يتمثل في تعطيل صادراتها، وتفاقم العجز في موازينها التجارية الجارية، من مثل هذا الخلل الهيكلي الذي تتسبب فيه دول مثل الصين والهند.

    ويبقى أن نعرف أن برنانكي الذي ورثه أوباما من إدارة بوش لم يعلق على التساؤلات التي أثيرت عن الحسومات الضريبية التي منحها بوش للأثرياء، ويرغب أوباما في إلغائها، والتي يعني استمرارها ضخ مزيد من الأموال في الاقتصاد، إلا أنه أجاب بوضوح على سؤال لمحافظ البنك المركزي المكسيكي عما يجب على الولايات المتحدة اتباعه لتخفيض حجم العجز التجاري، بالتأكيد على أن «على الولايات المتحدة أن ترفع معدل الادخار، وأن تخفض حجم الاقتراض الحكومي»، وأضاف «إن دولاراً أرخص لن يكون كافياً».

    وهكذا يمكن أن نرى أن الإدارة الأمريكية ممثلة في رئيس الاتحاد الفيدرالي، تعرف الطريق جيداً لتخفيض العجز التجاري، ولكنها تحاول أن تضفي على المسألة أبعاداً سياسية جديدة تتخطى الأبجديات الاقتصادية إلى تشكيل المحاور وفرض الإرادات، وتحديد مستويات النمو لدول الاقتصادات الناشئة الكبرى مثل الصين والهند. والوصفة عند برنانكي واضحة، وتتمثل في ضرورة أن تسمح الاقتصادات الناشئة لأسعار الصرف فيها بالتغير، لترتفع أسعار الفائدة، وترتفع قيمة العملات المحلية لمستويات أعلى، وأن تسعى تلك الدول لتحقيق هدف التنمية الأسمى المتمثل في رفع مستوى المعيشة للمواطنين، بأن تسعى لتلبية «الطلب المحلي»، وتعزيز الاستهلاك بدلاً من التركيز على «الصناعات التصديرية».

    إذاً الهدف الأسمى الذي تسعى الولايات المتحدة لتحقيقه حالياً هو ضرب الاقتصاد الصيني والهندي بدرجة أقل في مقتل بتجريدهما من مكمن القوة الرئيس للنمو، وهو مدخل «النمو من خلال الصادرات».

    ما تريد الولايات المتحدة الأمريكية تأكيده بوضوح هو ما أوضحه الرئيس أوباما في قمة العشرين من ضرورة تحمل دول الاقتصادات الناشئة نصيباً من أعباء العودة للانتعاش، بإجراء إصلاحات هيكلية تخفف من وطأة عدم التوازن في تعاملاتها الدولية مع الاقتصادات الرئيسة الأخرى. بمعنى أن عصر التنمية الرخيصة بالنسبة للاقتصادات الناشئة قد انتهى. وبالنسبة للصين، فإن المدخل الإصلاحي الذي بدأ الزعيم الصيني دينج زياو بينج تطبيقه ابتداء من العام 1978 بتشجيع من الولايات المتحدة والغرب والمرتكز على الانفتاح في وجه الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وفتح الأسواق العالمية في وجه منتجاتها، قد استنفد أهدافه، وأصبح يشكل عبئاً لم يعد الاقتصاد العالمي قادراً على حمله، خصوصاً في ضوء الغموض الذي يلف مستقبل الانتعاش.

    ولكن لو لجأت الصين إلى زيادة سعر الفائدة، وسمحت بتعديل أسعار الصرف لصالح الدولار فهل يكفي ذلك لاستعادة التوازن المفقود؟!

    يعتقد بعض الخبراء أن الظروف العالمية الحالية تجاوزت مثل هذه الدعوات والإجراءات الأمريكية بمراحل، وأنها جاءت متأخرة لأن الانتعاش الاقتصادي تجاوزها الآن. ويرون أن مثل هذه الإجراءات لو طبقت وقت وقوع الأزمة العام 2008 لكان وقعها أشد، ولوجدت آذاناً صينية صاغية. ولكن الصين الآن في موقع من المواقع القائدة في ارتدادة الانتعاش الاقتصادي العالمي، ونموها ينعكس بالإيجاب على اقتصادات أخرى كثيرة، إضافة إلى أن نواحي التفوق والتنافسية في الاقتصاد الصيني لا تقتصر على أسعار الصرف أو الفوائد، وباقي الأدوات النقدية بل تتعداها إلى نواحٍ أخرى كثيرة، من أهمها أن المدخل الإصلاحي في الصين استند على التحكم في سوق المدخلات الصناعية، وفي مقدمتها العمالة الرخيصة التي تعطي للصين ميزة نسبية في الصناعات التي تكثف العمالة، ولا يمكن أن تنافسها بها أي دولة أخرى، خصوصاً أن مزايا ومكافآت وتعويضات القوى العاملة في الصين لا ترقى لمستوى الدول المنافسة.

    وهذا ينطبق على رأس المال والأرض والطاقة والمدخلات كافة الصناعية والخدماتية الأخرى التي لا تتركها الدولة لقوى السوق داخل الصين، كما الحال في الدول الأخرى، ما مكن الصناعات المتوطنة في الصين من الحصول على إعانات غير مباشرة لا يمكن لدول تعتمد اقتصاد السوق بكل آلياته توفيرها للصناعات المتوطنة فيها.

    إن ما تسعى الولايات المتحدة والدول الغربية المتضامنة معها لتحقيقه هو باختصار، «الإبطاء من سرعة استرداد الاقتصادات الناشئة، وفي مقدمتها الصين لعافيتها بوتيرة أسرع من الاقتصادات الغربية»، وهذا الهدف لا يمكن تحقيقه من خلال حرب العملات بل من خلال إقناع تلك الاقتصادات بضرورة المشاركة في تعافي الاقتصادات العالمية، ومن خلال نبذ التركيز الأناني لكل طرف من الأطراف على مصالحه الخاصة، والدوران حول فكرة القائد والتابع. إن دول الاقتصادات الناشئة الكبيرة وفي مقدمتها الهند والصين لا تستطيع الاستجابة للمتطلبات الغربية بصيغتها المطروحة حالياً، لأن الدولتين تضمان معاً ما لا يقل عن «ثلث» سكان العالم، والحد من النمو بشكل كبير يعني تباطؤاً اقتصادياً أو نمواً ضئيلاً سينعكس بالتأكيد على زيادة عدد الأفواه الجائعة في البلدين، وفي بلاد نامية أخرى غيرها. وفي حال حدوث شيء من هذا القبيل –لا سمح الله- لا أظن أن أموال العالم أجمع ستعالج التوابع الاجتماعية والسياسية الناجمة عن الجوع.

    كلمات مفتاحية  :
    تقليم اظافر العملاق الصيني

    تعليقات الزوار ()