النمروطي: القرار يحتاج إلى إجراءات وضوابط لمنع أي أثار قد تضر المنتج الوطني
أبو الرب: يجب تمكين المنتج الوطني من اختراق الأسواق العالمية
أبو عكر: القرار يشجع على الاستيراد من السوق الإسرائيلي
إغراق الأسواق الفلسطينية بالمنتجات الصينية لا يضر بالمنتج المحلي فقط، وإنما يتعداه إلى المستهلك أيضاً، ورغم الاجراءات التي اتخذتها الحكومية الفلسطينية في رام الله برفع الجمارك على الواردات الصينية بنسبة 35% إلى أن كثير من الخبراء يرون هذا القرار فاقداً للحكمة و يضر بالاقتصاد الوطني أيضاً.
لمجابهة مخاطر الاغراق كانت قد اتخذت الحكومة الفلسطينية في رام الله مطلع مارس الحالي قراراً يقضي برفع الجمارك على الواردات الصينية بنسبة 35%، حمايةً منها للمنتج الوطني كما ذكرت.
حيث تأتي الصين في المرتبة الثانية من حيث الواردات فلسطين، بعد (إسرائيل) التي تحتل المرتبة الأولى، و تليهما على الترتيب: اليابان،تركيا،ألمانيا،الأردن،سويسرا،ايطاليا،أسبانيا،مصر حسب آخر احصائية لجهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني.
و تبلغ اجمالي الوارد الصينية الى الأراضي الفلسطينية حسب جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني ما نسبته 4.6% من أجمالي الواردات.
أما (اسرائيل) فتأتي في المرتبة الاولى من حيث الواردات الى الضفة الغربية و قطاع غزة بنسبة تزيد عن 75%، وتأتي الصين و تركيا و عدد من الدول العربية في مراتب تليها من حيث حجم التبادل التجاري الخارجي.
و بحسب الجهاز المركزي للإحصاء تبلغ قيمة الواردات من اسرائيل2442851 ألف دولار، و من الصين حوالي 143834 ألف دولار أميركي.
بيد ان ذلك القرار لقي معارضةً شديدةً من عدد من المحللين الاقتصاديين و ممثلي التجار الفلسطينيين.
من جهته أوضح خليل النمروطي أستاذ التجارة الدولية بالجامعة الإسلامية بغزة بأن هذه الخطوة يجب ان تستند الى خطوات مساندة مثل وضع الإجراءات و الضوابط من قبل وزارة الاقتصاد الوطنية لمنع الآثار السلبية التي قد تضر بالمنتج المحلي و المستهلك على حد سواء.
و تحدد تلك الضوابط كما ذكر النمروطي الكميات و المواصفات التي يجب استيرادها،حيث ذكر بان هناك كثير من السلع الردئية التي يجب منع دخولها الى المستهلك.
و قال النمروطي بأن التجارة الخارجية هي حاجة ملحة لأي دولة، خاصةً لتلك الدول التي لا تستطيع انتاج بعض السلع بأسعار منافسة أو جودة عالية. وبالتالي تعمل الصين على إغراق الأسواق العالمية بمنتجاتها التي تمتلك ميزتها السعرية العالية.
وعبر النمروطي عن استياءه من القرار الذي اتخذته الحكومة الفلسطينية في رام الله برفع الضريبة الجمركية بقيمة 35% على الواردات الصينية فقط،لأن هذا القرار فرض على كافة الواردات من السلع و البضائع الصينية دون تحديد انواع او مواصفات محددة يشملها القرار،حيث لا يجوز ان تفرض الجمارك على السلع الضرورية او البديلة على حد سواء.
و كحلول مقترحه أوضح بأنه بدلاً من استيراد السلع النهائية بسيطة الصنع يمكن استيراد السلع نصف المصنعة أو المواد الخام وتصنيعها محلياً من ثم اعادة تصديرها الى الخارج أو استهلاكها محلياً كبديل عن الاستيراد المفرط.
في حين تحدث النمروطي عن وسائل أخرى يمكن أن تكون بديلةً و تساهم في محاربة الإغراق، فذكر -على سبيل المثال- أنه في الولايات المتحدة الأميركية يقوم المنتج المحلي المتضرر من منافسة منتجات الاغراق الخارجية بتقديم شكوى الى محكمة اقتصادية متخصصة و مرتبطة بوزارة الاقتصاد هناك، فتقوم بدورها باجراء تحقيقات لبحث مدى تأثير الاستيراد على هذا المنتج و غيره من المنتجين، وغالباً ما يفضي التحقيق الى قرار حكومي بفرض تعرفة جمركية على تلك السلعة المستوردةأو البديلة بمنطق الاغراق، و تعويض المنتج المحلي .
و بموجب الانتماء الى منظمة التجارة العالمية، لا يحق لكثير من الدول فرض رسوم جمركية بسهولة على السلع الواردة لأن ذلك يتنافى مع مبدأ حرية التجارة الذي تستند اليه المنظمة كأساس مهم لعملها . لذلك تجد كثير من الدول حول صعوبةً في محاربة الإغراق عن طريق فرض الرسوم الجمركية.
فتح الاسواق
وبدوره أكد نور الدين أبو الرب أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية العربية في الضفة على الاستياء الذي تحدث عنه النمروطي حول قرار السلطة،مبيناً انه لا يحمي السوق المحلي الفلسطيني.
ويرى أبو الرب أن من الأفضل فتح الاسواق امام المنتج الفلسطيني و اعطاءه الحرية لينافس من خلال جودته العالية، و هذا من شأنه حل مشكلة العجز في الميزان التجاري التي تنتج عن الاعتماد على الاستيراد الخارجي بشكل كبير.
و أوضح أبو الرب أن اقبال كل المنتج و المستهلك الفلسطيني على المنتجات الصينية يأتي مبرراً لأن كل منهما يبحث إما عن الربح العالي، أو الأسعار الاستهلاكية الأقل في ظل تدني متوسط دخل الفرد الفلسطيني الذي يتراوح بين 1000-1500$ حسبما ذكر.
و تحدث أبو الرب عن العبء الكبير الذي تشكله تلك المنتجات الصينية على المستهلك الذي يقوم بشراء السلع “الرديئة” لانخفاض سعرها مرات عدة دون أن يدرك أنه لو قام بشراء السلعة الجيدة التي ستعمر معه ستكلفه أقل من ذلك.
ويرى بأن البديل عن الوضع الحالي للاقتصاد الفلسطيني الذي وصفه بالاقتصاد المحاصر و “المغلق” هو تعزيز القدرة التنافسية للمنتج المحلي الفلسطيني، من خلال فتح الأسواق الخارجية و منحه الفرص التصديرية ما يمكنه من اختراق الأسواق العالمية ،ناهيك عن اصدار التشريعات و القوانين الملائمة لذلك.ما سيؤدي الى تخفيض نسب االبطالة و دفع حركة الانتاج و السير نحو التنمية الحقيقية و المستدامة.
قرار غير مدروس
من جهته ذكر فايز أبو عكر عضو مجلس ادارة الغرفة التجارية في غزة أن :”حمية الانتاج الوطني هو شماعة لبعض القرارات الخاطئة”، ووصف قرار رفع الجمارك على المنتجات الصينية بالـ”غير المدروس”، و “أحادي” الجانب، و لم يتم دراسته بشكل موسع. مضيفاً أن ها القرار قد يعزز التهرب الضريبي.
وذكر أبو عكر بان :”هذا القرار لا يأتي لحماية المنتج الوطني بقدر تشجيعه على الاستيراد من السوق الاسرائيلي”، موضحاً بأن رفع الضريبة الجمركية على السلع الضرورية سيؤدي الى البحث عن سلع أرخص وبذلك تأتي السلع الاسرائيلية البديل الأول .
و أشاد أبو عكر بالقدرة الإنتاحية و التنافسية التي تتمتع بها الصين، و التي تعتبر حسب وصفه من أهم السلع في قائمة الطلب العالمية، فهي تنافس عالمياً في أسعارها و جودتتها .
و أوضح بأنه:” عندما تفرض ضريبة جمركية و ضريبة القيمة المضافة و غيرها و تصل النسبة الضريبة الى مايزيد عن 50% فان هذا لا يشجع المستهلك الفلسطيني ذو الدخل المحدود الذي يحتاج أسعاراً أقل، و لا المنتج الفلسطيني الذي يعتمد على أدوات الانتاج المستوردة من الخارج”.
و قال أبو عكر بأن هذا القرار هو قرار سياسي محض، بني على موقف السلطة من الأحداث السياسية و لا سيما موقف الصين من سوريا.
و أضاف :”بدلاً من تدمير ما تبقى من الاقتصاد من أجل السياسة، الأجدر أن تقطع العلاقات الدبلوماسية سياسياً بمعزل عن الاقتصاد، فنحن فشلنا في السياسة نعم!، لكن لماذا نريد أن ندمر ما تبقى من اقتصاد”.
حيث قد يلجأ بعض التجار الفلسطينيين الى تغيير بلد المنشأ و التحايل على السلطات،أو بالتعاون مع المستورد الاسرائيلي على استيراد تلك المنتجات مقابل ربح يقارب 5%،و 3% الى المقاصة الاسرائيلية بدلاً من دفع الضريبة الى السلطة الوطنية الفلسطينية.
وتستطيع السلطة الفسلطينية الاستفادة-حسب الخبراء- من الهوامش الرمادية التي يقيدها بها بروتوكول باريس الاقتصادي، الذي يمكن وصفه بـ”قانون الاتحاد الجمركي أحادي الجانب”،فما تفرضه اسرائيل من الناحية الجمركية يطبق على الأراضي الفلسطينية، أما ما تفرضه السلطة الفلسطينية من ضرائب جمركية لا تفرض على الجانب الاسرائيلي.