مبارك لم يحسم بعد أمر ترشيحه للانتخابات المقبلة
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- أثارت التطورات التي تشهدها الساحة الإعلامية في مصر قلق كثير من المراقبين والمعنيين، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية، خوفاً من أن تلجأ الحكومة إلى إغلاق المزيد من الصحف أو وقف البرامج التلفزيونية، التي قد تتضمن ما يخالف أهواءها، في الوقت الذي يرى فيه البعض أن تلك التطورات تأتي للرد على "التجاوزات" التي يعانيها المشهد الإعلامي المصري.
فبعد ساعات على صدور قرار بإقالة الصحفي إبراهيم عيسى، رئيس تحرير صحيفة "الدستور"، التي كانت تُعد واحدة من أبرز المنابر المناوئة للحكومة المصرية، جاء قرار بإيقاف برنامج "ظلال وأضواء"، الذي كان يقدمه الصحفي والناقد الرياضي علاء صادق، على قناة "النيل للرياضة" بالتلفزيون الرسمي، لينضما إلى الإعلامي عمرو أديب، الذي صدر قرار سابق بحجب برنامجه "القاهرة اليوم" على قناة "أوربت."
وقد اختلفت تفسيرات تلك الأحداث، وذلك بالطبع لاختلاف أصحابها، وكذلك طبيعة مضمونها.
وحسب روايات غير رسمية، فقد جاء منع برنامج "ظلال وأضواء"، بعد الانتقادات التي وجهها صادق إلى الأجهزة الأمنية، على خلفية الأحداث التي وقعت بإستاد القاهرة مساء الأحد الماضي، خلال مباراة "الأهلي" و"الترجي"، حيث قام عدد من مشجعي الفريق التونسي، بمهاجمة أفراد الشرطة، مما تسبب في إصابة بعضهم بجروح بالغة.
أما سبب قرار إقالة عيسى فتعود، بحسب الصحفي نفسه، إلى موافقته على نشر مقال للمدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، الذي يعتزم ترشيح نفسه لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، منافساً للرئيس حسني مبارك، رغم أن الأخير لم يعلن ترشيح نفسه رسمياً، فيما قالت مصادر بالحزب الوطني الحاكم، إن مبارك حسم أمر ترشيحه لفترة رئاسية جديدة.
إلا أن مالك صحيفة "الدستور"، السيد البدوي، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس حزب "الوفد"، فقد أكد أن سبب إقالة عيسى ليس له علاقة بمقال البرادعي، وعنوانه "حرب أكتوبر.. ما هو أكبر من الانتصار"، مشيراً إلى أنه قرأ المقال بنفسه، ولم يجد فيه ما قد يسيء إلى القوات المسلحة ووافق على نشره، ولكنه ألمح إلى وجود مشكلات مالية وإدارية مع بعض العاملين بالصحيفة.
أما فيما يتعلق بقرار وقف برنامج "القاهرة اليوم"، فقد تضاربت أيضاً الروايات بشأنه، فبينما أكد عمرو أديب لـCNN بالعربية أن هناك "أسباب سياسية" وراء وقف برنامجه، في حين ذكرت إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي، أن السبب يعود إلى عدم سداد المستحقات المالية للمدينة، ووجود مديونيات على الشركة المالكة للمحطة.
البرلماني والكاتب الصحفي مصطفى بكري، عبر عن قلقه من هذه التطورات، وقال، في تصريحات لـCNN بالعربية عبر الهاتف، إن "أكثر ما يخيف في هذه الأيام، أن تتصاعد الإجراءات لتصل إلى حد قمع الآراء والتضييق على القنوات الفضائية"، محذراً من أن هذا الأمر "ستكون له عواقب سلبية، خاصة وأننا مقبلون على انتخابات تشريعية ورئاسية."
واعتبر بكري، رئيس تحرير صحيفة "الأسبوع"، أن "الإجراءات الأخيرة تضع كافة الصحفيين والإعلاميين أمام سؤال صعب عن طبيعة المرحلة المقبلة"، مشيراً إلى أن الحكومة تبدو وكأنها أصبحت أكثر انزعاجاً مما تسميه "تجاوزات تعدت الحدود" من جانب بعض المؤسسات الإعلامية، ولكنه شدد على أن الحل، بمواجهة تلك التجاوزات، "لا يجب أن يكون بإغلاق النوافذ التي طالما كانت متنفساً للناس."
وتابع بكري قائلاً: "كان يتوجب، في حال وجود أي تجاوز، أن يتم تطبيق ميثاق الشرف الإعلامي، بدلاً من هذا الموقف الذي أحدث ردود أفعال غاضبة في الشارعين المصري والعربي."
كما دعا إلى أن يُعهد إلى كل من نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة محاسبة المتجاوزين، "دون اتخاذ إجراءات يمكن أن تفضي إلى القضاء على واحدة من أهم إنجازات الرئيس مبارك، وهي حرية الإعلام."
وأقر بكري، الذي عمل رئيساً للتحرير لعدد من صحف المعارضة قبل أن يؤسس صحيفته المستقلة، بأن "مصر شهدت حرية غير مسبوقة"، مشيراً إلى أنه "رغم الكثير من التجاوزات، فقد كان الرئيس واسع الصدر، ورفض كل محاولات التحريض ضد الصحفيين."
من جهته، اعتبر نقيب الصحفيين، مكرم محمد أحمد، أنه "لا توجد بواعث قلق" من أن تكون هذه الأحداث مقدمة من جانب الحكومة، لفرض قيود على وسائل الإعلام، خاصة صحيفة "الدستور"، التي اتخذت دائماً خطاً معارضاً لها، مشيراً إلى أن النقابة شكلت لجنة رباعية لدراسة قضية تلك الصحيفة.
وشدد مكرم محمد أحمد، في تصريحات لـCNN بالعربية، على أن النقابة تضع في اعتبارها ثلاثة أولويات هامة، أولها الحفاظ على صحيفة الدستور، بحيث لا يتم إغلاقها بسبب الخلاف بين مالكيها الجدد والمحررين، بالإضافة إلى استمرار هيئة التحرير في عملها، مشيراً إلى أن الصحيفة يعمل بها ما يزيد على 120 صحفياً.
كما أكد أن نقابة الصحفيين سوف تأخذ ما تراه "صحيحاً"، في ضوء النتائج التي قد تتوصل إليها اللجنة، فيما يتعلق بدعم موقف إبراهيم عيسى، في حالة إذا تم التأكد من أن مبدأ "شرط الضمير" لم يتحقق في عملية بيع الصحيفة إلى مالكيها الجدد، فإن النقابة ستدعم موقفه بشكل كامل.
من جانبها، رأت الناشطة بمنظمة "هيومان رايتس ووتش" بمصر، المعنية بمراقبة انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم، هبة مرايف، أن التطورات التي تشهدها الساحة الإعلامية في مصر "كانت متوقعة إلى حد ما"، مشيرة إلى أنها (التطورات) تأتي قبل قليل من موعد الانتخابات القادمة، وبسبب "حساسية الأوضاع السياسية بشكل عام."
وأشارت، في تصريحات لـCNN بالعربية من القاهرة، إلى أن هذه التطورات "تصب في أن الأمور وصلت في مصر إلى وضع تنغلق فيه الحكومة أكثر على الساحة السياسية."
وقالت إن "الحكومة تريد من خلال هذه الأحداث إرسال رسالة واضحة لمعارضيها، بأنه لا توجد مساحة سياسية حقيقية حالياً."