الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فللصدر أسباب ينشرح لها، فيستبشر القلب بأمر الله، ويتفاعل مع قدر الله –سبحانه وتعالى– بما يتناسب مع حال الإيمان الصادق، ومن هذه الأسباب:
التوحيد: وعلى كماله وقوته وزيادته يكون انشراح الصدر، قال –سبحانه وتعالى-: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ (سورة الزمر: الآية ٢٢).
وقال –سبحانه وتعالى-: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ﴾ (سورة الأنعام: الآية ١٢٥)، فالهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر، والشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر.
ومنها: النور الذي يقذفه الله في قلب العبد: وهو نور الإيمان، لأنه يشرح الصدر ويوسعه ويفرح القلب، فإذا فقد هذا النور من قلب العبد ضاق وحرج ولقد روى الترمذي عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ) إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح"، قالوا: وما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: "الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله (، فيصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور، وكذلك النور الحسي والظلمة الحسية، هذه تشرح الصدر، وهذه تضيق الصدر.
ومنها: العلم: فإنه يشرح الصدر ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا والجهل يورثه الضيق والْحَصَر والحبس، فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل علم، بل للعلم الموروث عن النبي – صلى الله عليه وسلم - وهو العلم النافع، فأهله أشرح الناس صدورًا، وأوسعهم قلوبًا، وأحسنهم أخلاقا، وأطيبهم عيشًا، فالعلم نور، والجهل ظلام.
ومنها: الإنابة إلى الله -سبحانه وتعالى- ومحبته بكل القلب والإقبال عليه والتنعم بعبادته: فلا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك، حتى إنه ليقول: أحيانًا إن كنت في الجنة مثل هذه الحياة، إني إذًا لفي عيش طيب من التلذذ بالعبادة، وللمحبة تأثير عجيب في انشراح الصدر وطيب النفس ونعيم القلب لا يعرفه إلا من له حس به، وكل ما كانت المحبة أقوى وأشد كان الصدر أفسح وأشرح، ولا يضيق إلا عند رؤية البطالين ويفرح برؤية الصالحين.
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، والصلاة والسلام على النبي، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.