أعلن القس الأمريكي تيري جونز أمس تراجعه نهائيا عن خطة حرق نسخ من القرآن الكريم, حتي لو أقيم المسجد المتنازع عليه بالقرب من جراوندزيرو في نيويورك, وهو موقع برجي مركز التجارة العالمي اللذين استهدفتهما هجمات11 سبتمبر2004.
وذلك في الوقت الذي أحيت فيه الولايات المتحدة أمس الذكري التاسعة لهجمات سبتمبر, وسط أجواء مشحونة ومتوترة وإجراءات أمنية غير عادية بسبب قضية بناء المسجد المثيرة للجدل, بينما سعي السياسيون إلي تهدئة الأجواء المتربصة بالمسلمين, في الوقت الذي خرج فيه الأمريكيون في مظاهرات بعضها مؤيد وآخر رافض لإقامة مسجد بالقرب من جراوندزيرو.
ونقلت شبكة سي إن إن الاخبارية الامريكية عن جونز, مسئول كنيسة جينسفيل الصغيرة في ولاية فلوريدا الأمريكية, قوله لن نحرق القرآن بلا ريب, ليس اليوم ولا في أي وقت. وقال جونز في مقابلة مع برنامج توداي في محطة إن بي سي الأمريكية في نيويورك إن هدف كنيسته كان إظهار أن هناك عنصرا خطيرا للغاية ومتطرفا في الإسلام, وأنه تم تحقيق هذه المهمة.
وأشار إلي أنه ليس هناك اجتماع مقرر مع الإمام فيصل عبدالرءوف رئيس مؤسسة قرطبة وصاحب مشروع المركز الإسلامي والمسجد المثير للجدل, لكنه أعرب عن أمله في أن يعقد مثل هذا الاجتماع.
ومن جانبه, قال الامام عبد الرؤوف: أنا علي استعداد للنظر في اجتماع مع أي شخص والنظر في الامر علي محمل الجد لو أن هذا الشخص ملتزما بالسعي لتحقيق السلام, وأضاف: ليس لدينا ترتيبات لمثل هذا الاجتماع, وخطة بناء المركز لم تتغير.
وفي كلمته في وزارة الدفاع الأمريكية( البنتاجون) بمناسبة ذكري هجمات سبتمبر, أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمس أن الإسلام لم يعتد علي الولايات المتحدة, وأنه ليس العدو وأن بلاده لن تكون أبدا في حرب ضده.
وحث أوباما الأمريكيين علي التسامح وعدم الاستسلام للكراهية والتحامل. وقال إنها ليست ديانة التي هاجمتنا في هذا اليوم من سبتمبر, ولكن تنظيم القاعدة, مجموعة رجال مأسوف عليهم من الذين شوهوا الدين. وأضاف أن القوات الأمريكية في افغانستان وجهت ضربات قاصمة للقاعدة وحلفائها, متعهددا ببذل كل ما هو ضروري لحماية بلاده.
وفي إشارة واضحة إلي القس تيري جونز الذي كان يعتزم حرق نسخ من المصحف الشريف, قال أوباما ربما يسعون لاستغلال حريتنا, ولكننا لن نضحي بالحريات التي نتعلق بها, وأن نقبع وراء جدران من الشك وعدم الثقة ولن نذعن لكراهيتهم وتحاملهم.
وحول مشروع بناء مركز ثقافي إسلامي بالقرب من مقر برجي التجارة, قال نثمن حقوق كل أمريكي, بما في ذلك الحق في العبادة التي يختارها الفرد. ووضع الرئيس الأمريكي إكليلا من الزهور بمبني البنتاجون ووقف دقيقة صمت علي أرواح ضحايا الهجمات.كما ألقي وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس كلمة أعلن فيها أنه تمت اعادة تسمية جزء من شارع واشنطن إلي الطريق التذكاري لأبطال9/11 ليتذكر المارة ما حدث في ذلك اليوم.
ونقلت شبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية لقطات متفرقة من مراسم إحياء ذكري الهجمات في موقع انهيار برجي مركز التجارة المعروف باسم جراوند زيرو, حيث قام أقارب الضحايا ومعهم لأول مرة العاملون في بناء النصب التذكاري بالموقع, بتلاوة أسماء الذين راحوا في الهجمات والبالغ عددهم2975 شخصا.
وقرعت الأجراس في مدينة نيويورك ليقف الجميع دقيقة صمتا تزامنا مع الوقت الذي ارتطمت فيه أول طائرة مختطفة بالبرج الشمالي من برجي مبني التجارة العالمي قبل تسع سنوات. وألقي نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن كلمة خلال المراسم, بينما أكد عمدة نيويورك مايكل بلومبرج في كلمته أن موقع جراوند زيرو أصبح مكانا مقدسا مليئا بالتضامن والحب والتآخي بين الأمريكيين.
أما ميشيل اوياما زوجة الرئيس الامريكي ولورا بوش زوجة الرئيس السابق جورج بوش, فقد حضرتا مراسم تكريمية لضحايا الرحلة رقم39 الذين قضوا في تحطم الطائرة في بنسلفينيا.
وبرغم دعوات التهدئة التي وجهها العديد من كبار السياسيين الأمريكيين وتأكيدهم علي أن إقامة مركز قرطبة الإسلامي بالقرب من موقع هجمات11 سبتمبر يعد دليلا علي حرية العقيدة وحرية التعبير التي دأبت الولايات المتحدة علي الحديث عن أنها تتسم بها, فإن هذه الدعوات لم تؤثر كثيرا في أذهان العديد من الأمريكيين, حيث أعلن المعارضون لمركز قرطبة عزمهم القيام بمسيرة احتجاج ضده خلال ساعات في نيويورك, وسيشارك فيها الزعيم اليميني المتطرف الهولاندي خيرت فيلدرز في هذه المظاهرة.
يذكر في هذا الصدد أن عائلات الضحايا تقود حملة منذ فترة ضد مشروع المركز.
وعلي النقيض من هذا التحرك, تجمع المئات من المؤيدين للمركز الثقافي الإسلامي مساء أمس الأول ـ الجمعة ـ حيث أشعلوا الشموع وأقاموا الصلوات عشية الذكري السنوية للهجمات.
وقال المشاركون إنهم قد جاءوا لإظهار التضامن مع خطة بناء المركز الإسلامي الذي يقع علي بعد بنايتين من موقع مركز التجارة العالمي.
وأسفرت هذه الأجواء عن رفع حالة التأهب الأمني في كل من نيويورك وفلوريدا إلي مستويات غير مسبوقة, حيث انتشرت الشرطة الأمريكية حول المناطق التي ستشهد احياء الذكري, كما انتشرت بكثافة حول المساجد ومناطق تركز المسلمين خوفا من تعرضهم لأي من أعمال الكراهية.