بتـــــاريخ : 8/2/2010 6:19:35 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1173 0


    (من بوادر المأساة ـ تقييم الموقف)

    الناقل : SunSet | العمر :36 | المصدر : www.holykarbala.net

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام بوادر المأساة تقييم الموقف


     

    (من بوادر المأساة ـ تقييم الموقف)


    وقد ساد الإعتقاد لدى البعض من المؤرّخين من أنّ أبا بكر إنّما أصرّ على منع الزهراء ( عليها السلام ) حقّها في فدك لأنّه خشي أن يستعمل لأغراض سياسيّة ، حيث أنّ عليّاً وفاطمة يستغلاّنه في تقوية حزبهما المعارض لإسقاط حكومة الخليفة أبي بكر ، ولذا استعمل الخليفة معهما الحرب الإقتصادية لإضعاف الحركة المعارضة.
    وهذا الرأي ـ في عقيدتي ـ قد أخطأ الحقيقة ، وهو لعمري رأي أُريد به تبرير موقف الخليفة والتخفيف من شدّة النّقد التي وجهت سياسته بها ، ولإيقاف سيل المؤاخذات الّتي شُنّت على موقفه الصُّلب من الصّدّيقة فاطمة على ما حملته من حجج ناصعة وأدلّة صائبة ، وأنا حين أشكّ في صحّة هذا الرأي لا أقف ـ فقط عند حدود الشّك وحده ـ وإنّما أُؤكد رأيي بالنقطتين الآتيتين :
    1ـ انّ ممّا لا شكّ فيه أنّ عليّ بن أبي طالب لا يمكن أن يطلب غاية نبيلة بسبُل معوجّة وأساليب ملتوية ، وهو الذي يحمل شعار : « لا يُطاع الله من حيث يعصى ».
    فهو لا يمكن أن يطلب الوصول إلى قيادة الأُمّة عن طريق ابتياع ضمائر أو دجل ، أو ضم أصوات إلى جانبه حتى يستفيد من فدك اقتصاديّاً في تنشيط حركته ، بغية عزل الحكومة يومذاك.
    لكنّه أراد من فدك حين تطلبها فاطمة قوةً لهما ولأولادهما ليس غير ، وليس أدلّ على ذلك من سياسة عليًّ ( عليه السلام ) أيّام حربه مع معاوية ، فقد كان بوسعه أن يشتري الضمائر ويجمع المرتزقة لتعزيز موقفه في المعترك ، ولكنّه لم يفكر بذلك ـ إطلاقاً ـ لأنّه يرى فيه ارتكاباً لعمل يتنافى وشرع الله سبحانه في وقت كان بيت المال تحت تصرُّفه ، فكيف يتّخذ من فدك أُسلوبه لإعزاز حركته ؟
    2ـ أكّدت الأدلّة التأريخية أنّ الصّدّيقة الزّهراء ( عليها السلام ) حين رجعت من مناظراتها للخليفة أبي بكر وجدت عليّاً ، وهو يتوقّع عودتها بفارغ الصّبر ، وحينئذٍ ألقت كلمتها أمام عليًّ لتوضح له نتيجة جولتها مع الخليفة ( رض ) حيث أكدت له : أنّ أبا بكر قد ردّها ولم يعبأ بحججها ، وقد كانت تتحدّث لعليًّ بحرقة أظهرت فيها غضبها وسخطها على الحكم القائم.
    ولما اختتمت كلمتها بقولها : (1) ويلاي في كلّ شارق ، ويلاي في كلّ غارب. مات العمد ووهن العضد ، شكواي إلى أبي ، وعدواي إلى ربي اللهم إنّك أشدُّ منهم قوةً وحولاً وأشدُّ تنكيلاً ».
    وتألّم عليٌ لحديثها فراح يستعمل كلّ ما في وسعه للتخفيف من غضبها وألمها فخاطبها بقوله : « لا ويل لك بل الويل لشانئك ، ثم نهنهي عن وجدك يا أبنة الصّفوة ، وبقيّة النبوة ، فما ونيت عن ديني ولا أخطأت مقدوري ، فإن كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون وكفيلك مأمون ، وما أُعدّ لك أفضل ممّا قطع عنك فاحتسبي الله ... ».
    ومخاطبة عليًّ لفاطمة بقوله : « فإن كنت تريدين البلغة ، فرزقك مضمون ، وكفيلك مأمون ».
    دليل على أنّ عليّاً وفاطمة ما ابتغيا وراء فدك إلا قوتاً لهما ولأولادهما ، وهذا ما يتّضح من قوله عليًّ ( عليه السلام ) لها حيث يؤكّد أنّ رزقها مضمون ، وإن حاول الحاكمون منعه وأنّه سيضمن عيشها وعيش أولادها ما دام حيّاً وتصريح عليًّ ـ هذا ـ يكشف لنا الغاية التي تنشدها فاطمة من المطالبة بفدك ، فإنّها لو كانت تبتغي هدفاً سياسيّاً وراء الحصول على فدك لخاطبها عليّ ـ بعد عودتها من مناقشة الخليفة ـ بأُسلوب غير هذا ولجرى بينهما حديث يخالف هذا.
    ونستطيع أن نقرّر هذه الحقيقة إذا استعرضنا حديثاً للإمام عليًّ بشأن فدك وفي أيام خلافته وبعد وفاة الصّدّيقة الزهراء ( عليها السلام ) حيث يوضح فيه أنّ فدكاً كانت في حيازته وأهل بيته تدرُّ عليهم الرّزق :
    « بلى كانت في أيدينا فدك من جميع ما أظلّته السّماء ، فشحّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس قوم آخرين ، ونعم الحكم الله وما أصنع بفدك وغير فدك والنّفس مضانُّها في غدٍ جدث ».
    ألا تراه ـ أخي القارىء ـ لا يقيم وزناً لفدك ولا لغير فدك ، وهمُّه أن يصلح الدُّنيا بعدله وأن يتهيّأ لحياته الأُخرى بخير زاد لكي يلقى ربّه بنفس راضية مرضيّة ، فهل تنتظر من شخص هذا مقياسه في الحياة ـ الفوز برضوان الله ـ : أن يشتري الضّمائر ويجمع الأصوات حوله لكي يصل إلى الحكم ، وهو القائل ( عليه السلام ) : « ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز » .
    وهو القائل أيضاً : « والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ولا في الولاية أربة .
    وهذه التّصريحات من عليًّ ( عليه السلام ) تؤكد لنا : أنّه لا يعبأ بالخلافة ، بل بالدُّنيا ـ برمّتها ـ فكيف يهتم بالوسائل التي توصل إليها بل كيف يمكن أن يسخّر ما تدرُّه فدك من أرباح لأغراض سياسية ؟
    وبعد كلّ هذا ربما يعترض البعض على موقف فاطمة فيقول : لماذا ـ إذن ـ تقف فاطمة هذا الموقف الصُّلب في مطالبتها بفدك ، فلو لم يكن هناك هدف آخر تبتغيه من ورائه ، لما طالبت هذه المطالبة الحقيقية به ؟
    ولأجل أن نبرز الحقائق التي دفعت الصّدّيقة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) للمطالبة بفدك ، نضع أمامنا النقاط الآتية :
    1ـ إنّها رأت أنّ تأميم ( فدك ) قد هيّأ لها فرصة ذهبيّة في الإدلاء برأيها حول الحكومة القائمة وكان لا بدّ لها أن تُدلي بتصريحاتها أمام الجماهير ، وقد هيّأت لها قضيّة فدك هذه الملابسات المناسبة ، فحضرت ( دار الحكومة ) في المسجد النبوي وألقت بتصريحاتها التي لا تنطوي على أي لبس أو غموض.
    2ـ تبيان أحقيّة عليًّ في قيادة الأُمّة بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وقد تجلّى ذلك في خطبتها التي ألقتها في مسجد أبيها ( صلى الله عليه وآله ) على مسمع ومرأىً من المسلمين وبضمنهم الحكومة الجديدة ، فكان من بعض أقوالها :
    « أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ ».
    وقولها : « وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض ». حيث أوضحت أنّ عليّاً ( عليه السلام ) أعلم الناس بعد محمد بمعرفة الرّسالة وأحكامها وقوانينها ، وهو لذلك أحق برعاية شؤون الأُمّة التي صنعها الوحي المقدّس.
    3ـ كشف ألاعيب الحكومة الجديدة على الشّرع المقدّس واجتهاداتهم التي لا علاقة لها بأهداف الرسالة وتزمُّتهم وإصرارهم على آرائهم بعد بطلانها ، وقد اتّضح ذلك كله في حججها التي واجهت أبا بكر بها بشأن فدك كما رسمناه سابقاً.
    وهذه النقاط الثلاث هي التي استهدفتها فاطمة ( عليها السلام ) في مطالبتها الحثيثة بفدك ليس غير ، وليس لها وراء ذلك هدف ماديٌّ رخيص كما يعتقد البعض من مؤرّخي حياتها ، فهي ـ لعمر الحق ـ قد تصرّفت ما من شأنه أن يحفظ الرّسالة من شبح الإنحراف الّذي تنبأت بوقوعه بعد انتخاب الحكومة الجديدة فاتخذت من فدك خير فرصة لخدمة المبدأ وإلقاء الحجّة على الأُمّة تأدية للمسؤوليّة ونصراً للرّسالة وحفظاً لبيضة الإسلام.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) كشف الغمة.


    المصدر : كتاب / الزهراء / عبد الزهراء عثمان محمد


    كلمات مفتاحية  :
    إسلام بوادر المأساة تقييم الموقف

    تعليقات الزوار ()