بتـــــاريخ : 8/2/2010 6:17:18 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1194 0


    (خطبة الزهراء عليها السلام في مسجد النبي (ص))

    الناقل : SunSet | العمر :37 | المصدر : www.holykarbala.net

    كلمات مفتاحية  :


     

    (خطبة الزهراء عليها السلام في مسجد النبي (ص))


    روى خطبة الزهراء عليها السلام في المسجد النبوي جمع من أعلام الشيعة والعامّة بطرق متعدّدة تنتهي بالاسناد عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام ، وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبيه الباقر عليه السلام ، وعن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام ، وعن عبدالله بن الحسن ، عن أبيه ، وعن زيد بن علي ، عن زينب بنت الحسين عليه السلام ، وعن رجالٍ من بني هاشم ، عن زينب بنت علي عليها السلام ، وعن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، قالوا : لمّا بلغ فاطمة عليها السلام اجماع أبي بكر على منعها فَدَكَ ، وانصرف عاملها منها ، لاثت خمارها على رأسها ، واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في لُمّةٍ من حفدتها (1)، ونساء قومها ، تطأ ذيولها ، ما تخرم (2)مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فدخلت عليه وهو في حشدٍ من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، نيطت دونها ملاءة (3)، فجلست ثمّ أنّت أنّةً أجهش القوم لها بالبكاء ، فارتجّ المجلس ، ثمّ أمهلت هنيهة ، حتى إذا سكن نشيج القوم ، وهدأت فورتهم ، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله أبيها صلى الله عليه وآله وسلم فعاد القوم في بكائهم ، فلمّا أمسكوا عادت في كلامها ، فقالت كلاماً طويلاً في الحمد والثناء والتمجيد ، والصلاة على الرسول المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلم .
    ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت : أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه ، وحماة دينه ووحيه ، وأُمناء الله على أنفسكم ، وبلغاؤه إلى الاُمم ، وزعيم حقّ له فيكم ، وعهد قدّمه إليكم ، وبقية استخلفها عليكم ، كتاب الله الناطق ، والقرآن الصادق ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، بيّنة بصائره ، منكشفة سرائره ، متجلّية ظواهره ، مغتبطة به أشياعه ، قائد إلى الرضوان أتباعه ، مؤدٍّ إلى النجاة استماعه ، به تنال حجج الله المنوّرة ، وعزائمه المفسّرة ، ومحارمه المحذّرة ، وبيّناته الجالية ، وبراهينه الكافية ، وفضائله المندوبة ، ورخصه الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة .
    فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك ، والصلاة تنزيهاً لكم من الكبر ، والزكاة تزكية للنفس ، ونماءً في الرزق ، والصيام تثبيتاً للاخلاص ، والحج تشييداً للدين ، والعدل تنسيقاً للقلوب ، وطاعتنا نظاماً للملّة ، وإمامتنا أماناً من الفرقة ، والجهاد عزّاً للاِسلام ، وذلاً لاَهل الكفر والنفاق ، والصبر معونةً على استيجاب الأجر ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مصلحةً للعامّة ، وبرّ الوالدين وقايةً من السخط ، وصلة الأرحام منسأةً في العمر ، والقصاص حقناً للدماء ، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة ، وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس ، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس ، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة (4)، وترك السرقة إيجاباً للعفّة ، وحرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية «فاتقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون» (5)وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه «إنما يخشى الله من عباده العلماء»(6) .
    ثم قالت : أيُّها الناس أعلموا أني فاطمة وأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، أقولها عوداً على بدءٍ ، ولا أقول ما أقول غلطاً ، ولا أفعل ما أفعل شططاً «لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم»(7)فإن تَعزُوه (8) تجدوه أبي دون نسائكم ، وأخا ابن عمي دون رجالكم ، ولنعم المَعزيّ إليه صلى الله عليه وآله وسلم .
    فبلّغ الرسالة ، صادعاً بالنذارة ، مائلاً عن مدرجة المشركين ، ضارباً ثَبَجَهم (9)، آخذاً بكظمهم ، داعياً إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، يجذّ (10)الأصنام ، وينكت الهام ، حتى انهزم الجمع وولّوا الدبر ، وحتّى تفرّى الليل عن صُبحه ، وأسفر الحقّ عن محضه ، ونطق زعيم الدين ، وخرست شقاشق الشياطين ، وطاح وشيظ النفاق ، وانحلّت عقدة الكفر والشقاق ، وفهتم بكلمة الاخلاص ، في نفرٍ من البيض الخماص .
    وكنتم على شفا حفرةٍ من النار ، مَذقة الشارب ، ونُهزة (11) الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطىء الأقدام ، تشربون الطَّرق (12) ، وتقتاتون القِدّ (13)، أذلّةً خاسئين ، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد اللُّتيا والتي(14) ، وبعد أن مُني ببُهم (15)الرجال ، وذؤبان (16) العرب ، ومردة أهل الكتاب «كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله» (17)أو نجم قرن للشيطان ، أو فغرت فاغرةٌ من المشركين ، قذف أخاه عليّاً في لهواتها ، فلا ينكفىء حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويخمد لهبها بسيفه ، مكدوداً في ذات الله ، مجتهداً في أمر الله ، قريباً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، سيّداً في أولياء الله ، مشمّراً ناصحاً ، مجّداً كادحاً ، وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون ، تتربصون بنا الدوائر ، وتتوكفّون(18) الأخبار ، وتنكصون عند النزال ، وتفرّون من القتال .
    فلمّا اختار الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ، ظهرت فيكم حسيكة (19)النفاق ، وسمل جلباب الدين ، ونطق كاظم الغاوين ، ونبغ خامل الأقلين ، وهدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم ، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم ، فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللغرّة فيه ملاحظين ، ثمّ استنهضكم فوجدكم خفافاً ، وأحمشكم (20)فألفاكم غضاباً ، فوسمتم غير إبلكم ، وأوردتم غير شربكم ، هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لمّا يندمل ، والرسول لمّا يُقبَر ، بداراً زعمتم خوف الفتنة «ألا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين» (21) .
    فهيهات منكم ، وكيف بكم ، وأنّى تؤفكون ، وهذا كتاب الله بين أظهركم ، أموره ظاهرة ، وأحكامه زاهرة ، وأعلامه باهرة ، وزواجره لائحة ، وأوامره واضحة ، قد خلّفتموه وراء ظهوركم ، أرغبة عنه تدبرون ، أم بغيره تحكمون؟ «بئس للظالمين بدلا»(22) ، «ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين» (23) .
    ثمّ لم تلبثوا إلاّ ريثما تسكن نفرتها ، ويسلس قيادها ، ثمّ أخذتم توردون وقدتها ، وتهيجون جمرتها ، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي ، وإطفاء نور الدين الجلي ، وإهماد سنن النبي الصفي ، تسرّون حَسواً في ارتغاء (24)، ونصبر منكم على مثل حَزّ المُدى ، ووخز السنان في الحشا .
    وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي من أبي «أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون»(25) أفلا تعلمون؟ بلى قد تجلّى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته .
    أيهاً(26) أيُّها المسلمون ، أأُغلب على إرثي ؟! يا ابن أبي قحافة ، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ، لقد جئت شيئاً فرياً ، أفعلى عمدٍ تركتم كتاب الله ، ونبذتموه وراء ظهوركم؟! إذ يقول : «وورث سليمان داود» (27) وقال فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريا عليه السلام إذ يقول : «ربّ هب لي من لدنك وليّاً * يرثني ويرث من آل يعقوب» (28) ، وقال : «وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله»(29) ، وقال : «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الانثيين»(30) ، وقال : «إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين» (31) .
    وزعمتم أن لاحظوة لي ولا إرث من أبي ، ولا رحم بيننا ، أفخصّكم الله بآية أخرج منها أبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟! أم تقولون أهل ملّتين لا يتوارثان؟! أولست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟!
    فدونكها مخطومة مرحولة ، تكون معك في قبرك ، وتلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، ونعم الزعيم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم إذ تندمون «ولكل نبأ مستقر»(32) ، «فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم» (33) .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) أعوانها وخدمها .
    (2) ما تترك ولا تنقص .
    (3) إزار .
    (4) إشارة إلى قوله تعالى في حقّ من يرمون المحصنات : «لعنوا في الدنيا والآخرة» .
    (5) سورة آل عمران : 3 / 102 .
    (6) سورة فاطر : 35 / 28 .
    (7) سورة التوبة : 9 / 128 .
    (8) تنسبوه .
    (9) الثَبَج : وسط الشيء ومعظمه ، وما بين الكاهل إلى الظهر من الإنسان .
    (10) يكسر .
    (11) فرصة .
    (12) الماء تخوض فيه الإبل وتبول وتبعر .
    (13) السير من الجلد .
    (14) أي الدواهي الصغيرة والكبيرة .
    (15) شجعان .
    (16) لصوص وصعاليك .
    (17) سورة المائدة : 5 / 64 .
    (18) تتوقعون أخبار السوء .
    (19) عداوة وضغينة .
    (20) أغضبكم .
    (21) سورة التوبة : 7 / 49 .
    (22) سورة الكهف : 18 / 50 .
    (23) سورة آل عمران : 3 / 85 .
    (24) مثل يضرب لمن يظهر أمراً ويريد غيره .
    (25) سورة المائدة : 5 / 50 .
    (26) اسم فعل يراد به الحثّ والتحريض ، وبكسر أوله الكفّ والاسكات .
    (27) سورة النمل : 27 / 16 .
    (28) سورة مريم : 19 / 4 ـ 6 .
    (29) سورة الأنفال : 8 / 75 .
    (30) سورة النساء : 4 / 11 .
    (31) سورة البقرة : 2 / 180 .
    (32) سورة الأنعام : 6 / 67 .
    (33) سورة هود : 11 / 39 . وسورة الزمر : 39 / 39 ـ 40 .


    المصدر : كتاب / سيدة النساء / مركز الرسالة


    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()