لموائد الإيمانية والموائد الإخوانية نعمتان من الله وللبشر نصيب فيهما، فالأول الرحمانية ذات فيوضات إلاهية تتناثر في كل مكان والمؤمن هو من يعرض نفسه لهذه الفيوضات، أما الإخوانية وإن كان مصدرها هذه الوشيجة الإيمانية الصادقة بين الإخوة فإنه يتميز بأنه بشري محض.
الموائد الإخوانية مفتوحة على طول السنة، وقد عايشت هذه المائدة طيلة عشرة أيام مضت، فقد أفحموني الأخوة بمودتهم وإثارهم (... وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ...[الحشر : 9])، وهذه الموائد كانت تحفه الحب والود وتجسدت فيها معاني الأخوة الصادقة وهذه من المبشرات فمن لم يتذوقها لم يعرف كنهها ولذتها (لو علم الملوك ما في قلوبنا لجادلونا عليه بالسيوف).
وضع الله للمؤمنين محطات يومية \"الصلوات الخمس\" واسبوعية \"الجمعة\" وسنوية \"رمضان\"، وقد دخلنا الآن الى الدائرة الكبيرة التي تضم الدوائر الأخرى (المحطة السنوية \"رمضان\")، فهو عبارة عن دورة شهرية مفتوحة مجاناً \" بدون دفع مقدم ولا مؤخر\" والأجر بدون حساب (الصوم لي وأنا أجزي به)، وهو عبارة عن مائدة رحمانية لعباده لتغذية المكونات الأربع للإنسان (الروح والعقل والنفس والجسم)، وهو مصحة ربانية (صوموا تصحوا)، و فوائد رمضان لا تعد ولاتحصى، فمن شهد منا الشهر فليصمه، ولنحاول أن لا نكون من الذين قال عنهم الرسول  رغم أنف امرئ... أدرك رمضان وخرج منه ولم يغفرله.
ورغم فوائده الكثيرة نذكر كلاماً نشره موقع النبأ المعلوماتية، يقول الدكتور الإمريكي ماك فادون في حوار له كانت قد أجرته معه إحدى المجلات العلمية الأمريكية: لقد عالجت كثيرا من الأمراض عن طريق الصوم .. إن كل إنسان يحتاج إلى الصيام وإن لم يكن مريضاً، لأن سموم الأغذية والأدوية تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض، فتثقله وتقلل نشاطه.. فإذا صام خف وزنه وتحللت هذه السموم من جسمه بعد أن كانت مجتمعة فتذهب عنه، حيث يصفو صفاءً تاماً، ويستطيع بعدئذ أن يسترد وزنه ويجدد حيويته في مدة لا تزيد على العشرين يوماً بعد الإفطار، ولكنه يحس بنشاط وقوة لا عهد له بهما من قبل.
وأضاف هذا الدكتور قائلاً: إن أكثر الأمراض تأثرا بالصيام أمراض المعدة، فالصوم بالنسبة لها كالعصا السحرية، فهو يسارع تماماً في شفائها، ويرى المعالج به العجب العجاب.. وتلي أمراض المعدة، أمراض الدم ثم أمراض العروق كالروماتيزم وغيره.
ولكن لاننسى أننا لا نصوم من أجل هذا بل من أجل مرضاة الله (...وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة : 72]).
طلب الحواريون من عيسى عليه السلام أن يطلب من ربه كي ينزل عليهم مائدة طعام من السماء، فقال تعالى: (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [المائدة : 114] ، فغدت هذه المائدة \"العشاء الأخير\" يوم عيد لهم، ولكن نحن اعطينا موائد بطول شهر رمضان.
لكم هو جميل أن تتحد المائدتان \"الربانية\" و\"الإخوانية\" في هذا الشهر الفضيل، ونقول عن أخواتها (أيها الأحد عشر شهراً!! ظلت تجرى بسرعة عجيبة في دهشة وذهول من العاقلين، وغفلة ومجون من اللاهين، \"قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم فسأل العادين\" (المؤمنين 112-113) هكذا تطوى الليالي والأيام؛ وتنقض الشهور والأعوام؛ والعاقل اللبيب من يفكر ويعتبر بتلك الأيام التي عاشها والليالي التي قضاها، نعم هي ماض تركه خلفه لن يعود؛ لن يعود لك مرة أخرى، لكنه يسجل عليك فالله تعالى يقول: \"هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون\"(الإنترنيت).
فلنوحد المائدتان في هذا الشهر الفضيل، وكلي امل أن يوفقنا الله لصيام رمضان وقيامه وأن نحظى بثلاثيته (الرحمة) و(المغفرة) و(العتق من النيران).