من المعلوم أن الهدف الأساس للتربية في الإسلام هو تأهيل الإنسان لكي يتمسّك بالقيم الدينية ، ويتحلى بالأخلاق الفاضلة ، وبالتالي يكون مسيطراً على نزواته وأهوائه النفسية من خلال أساليب تربوية عديدة، كالتوجيه ، والموعظة النافعة ، واُسلوب القدوة ، والاُسوة الحسنة ، وأسلوب القصّة ، وما إلى ذلك من أساليب تصل في نهاية المطاف إلى اُسلوب العقوبة . والملاحظ أنّ المنهج الإسلامي لم يكتفِ بالعقوبة المجرّدة لتقويم الانحراف ، بل يبحث عن الحلول العملية الناجعة لتطويق الجريمة ، يروي الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ أمير المؤمنين عليه السلام أُتي برجل عبث بذكره ، فضرب يده حتى احمرَّت ثمّ زوّجه من بيت المال » (1) . فلم يكتف الإمام عليه السلام هنا بالعقوبة المجرّدة كاسلوب تربوي نهائي ، بل أردفها بحلّ جذري ، وضع نهاية لهذه المشكلة الجنسية . وفي نظرة مقارنة نجد أنّ الحضارة المادية تطلق العنان للانحرافات الجنسية إلى درجة الاسفاف والابتذال وبدلاً من إيجاد الحلول العملية لإعادة الاُمور إلى نصابها الصحيح والمحافظة على كيان الاُسرة ، نلاحظ أن الدوائر الغربية قد اتخذت حلولاً تكرّس هذا الانحراف وتضفي عليه الصفة القانونية وترضخ للإمر الواقع . على أنّ الأكثر إثارة في هذا الصدد أنّ بعض جهات الكنيسة الكاثولوكية وتمشياً مع موجة الفساد التي عصفت بالعلاقات الاُسرية ، طلبت من المدرسين أن يسقطوا كلمتي ( أب و أُمّ ) من حديث الصفّ في المدارس أثناء مناداة الطلبة ، اعترافاً بالعدد المتزايد للعائلات المتألفة من أحد الأبوين فقط بحسب صحيفة « الاندبندت » . وبدل ذلك يجب أن يستخدم المدرسون كلمات مثل « الراشدون الذين يعيشون في منزلك أو الناس الذين يعتنون بك » وهذه اللغة جزء من المصطلحات الجديدة التي تستخدمها الكنيسة في أحدث برامجها التربوية للأطفال الذين هم بعمر خمس سنوات . ونتيجة لحرمان الصبية والفتيان من أجواء العائلة الدافئة ، وبغية الهروب من الواقع أقبلوا على تناول المخدرات والمشروبات الكحولية ، ففي أمريكا بلد الحرية غير المحدودة ( أقبل الصبية الفتيان على احتساء الخمر ، وقال قضاة الأمريكيون : لم يعهد في تاريخ بلادنا هذه الكثرة الكاثرة من الصبيان المقبوض عليهم في حالة سكر ) (2) . وقد ثبت بالتجربة أن قاعدة « القدوة والاُسوة » التي تتمّ داخل الاُسرة هي أساس التربية : ( فالأطفال يأخذون بالتقليد والمحاكاة أكثر ممّا يأخذون بالنصح والارشاد ) (3) . يقول الكسيس كاريل في كتابه : « الإنسان ذلك المجهول » : ( لقد ارتكب المجتمع العصري غلطة جسيمة باستبدال تدريب الاُسرة بالمدرسة استبدالاً تاماً ، وكذا ترك الاُمهات أطفالهن لدور الحضانة حتى يستطعن الانصراف إلى أعمالهن ومطامعهن ، إنهن مسؤولات عن اختفاء وحدة الاُسرة واجتماعاتها التي يتصل فيها الطفل بالكبار ، فيتعلم منهم أموراً كثيرة ؛ لأنّ الطفل يشكّل نشاطه الفسيولوجي والعقلي والعاطفي طبق القوالب الموجودة في محيطه ) (4) . فالمدارس التي تسير وفق المنهج الغربي لم تقدّم للناشئة الغذاء الفكري السليم ولم تطبعهم على السلوك القويم ، ولم توفّر لهم المناعة النفسية ضدّ الانحراف . وبعد المدرسة تعمل وسائل الاعلام في الغرب على تشكيل وعي وثقافة الشباب فتشجّعهم على العنف والاجرام والجنس ، فهي تعلّم الحدث ـ ضمناً ـ كيف يسرق مصرفاً أو بيتاً أو كيف يقتل رجلاً ويخفي جريمته ، وكيف يتجسّس على عورات الناس ، وتعلّم الزوج ـ عملياً ـ كيف يخون زوجته وأولاده واُسرته ! . ونتيجة لذلك برزت ظاهرة « عصابات الأحداث » التي أخذت تقلق الباحثين والمربين في الغرب ؛ لأن النسبة إجرامها في تصاعد مستمر ، وأسبابها كثيرة ، فإضافة لدور وسائل الاعلام ، لوحظ أن ضعف رقابة الآباء وتفكّك عرى الاُسرة نتيجة الافراط في الطلاق أو الهجر ، وكذلك رفقاء السوء ، إذ يظلّ الحدث دون موجّه ، فيتلقفه الشارع بشروره ، وفي غير هذه الحالات يلعب إدمان الآباء على الخمور والمخدّرات أقبح دور في دفع الأولاد نحو الجريمة . وهكذا نصل إلى نتيجة يقينية هي أنّ المنهج المادي قد أفرز ظواهر سلبية انعكست على التربية ، ولم تقصر ثمارها المُرّة على الفرد ، بل امتدّت إلى المجتمع ، فهددت أمنه ومستقبل أجياله ، ومزّقت النسيج الاجتماعي الذي يربط أفراده . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) وسائل الشيعة 18 : 574 / كتاب الحدود والتعزيرات . (2) خصائص الشريعة الإسلامية / د. عمر سليمان : 43 . (3) التربية وبناء الاجيال / أنور الجندي : 168 . (4) التربية وبناء الأجيال : 171 . المصدر : كتاب / الاسرة في المجتمع الاسلامي / مركز الرسالة