بتـــــاريخ : 3/3/2009 6:54:59 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1838 0


    العناية بالتراث الإسلامي

    الناقل : heba | العمر :43 | الكاتب الأصلى : ابن باز | المصدر : www.binbaz.org.sa

    كلمات مفتاحية  :
    العناية بالتراث الإسلامي
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد:
    فإني أشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء بإخوة في الله وأبناء كرام في جامعة أم القرى في رحاب البيت العتيق، للتناصح والتواصي بالحق والتذكير بما ينفعنا جميعا إن شاء الله، وأسأل الله عز وجل أن يجعله لقاء مباركا، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا، وأن يمنحنا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ويوفق ولاة أمرنا وسائر ولاة المسلمين لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد إنه خير مسؤول. ثم أشكر القائمين على شؤون جامعة أم القرى وعلى رأسهم الأخ الكريم معالي مدير الجامعة الدكتور: راشد الراجح على دعوتهم لهذا اللقاء، وأسأل الله أن يبارك في جهودهم وأن يعينهم على كل خير وأن ينفع بهم العباد والبلاد، وأن يهيئ على أيديهم لهذه الجامعة وأبنائها كل خير وهدى وصلاح.
    أيها الأخوة في الله. أيها الأبناء الكرام. أيها المستمعون:
    إن عنوان الكلمة هو كما سمعتم: (العناية بالتراث الإسلامي) لا شك أن التراث الإسلامي أمره مهم والعناية به واجبة، وعلى رأس هذا التراث كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، فهما أعظم تراث وأفضل تراث وأنفع تراث، وهما أصل دين الإسلام وأساسه، خلفهما لنا رسولنا ونبينا وإمامنا محمد بن عبد الله عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، والله يقول في كتابه العظيم:
    {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}
    [1] وعلى رأس المصطفين رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام ثم صحابته الكرام ثم أتباعهم بإحسان جعلنا الله وإياكم من أتباعهم بإحسان.
    فكتاب الله فيه الهدى والنور، وهو أعظم التراث وأفضل التراث وأصدقه، فيه الهدى والنور، فيه الدلالة على كل خير والتحذير من كل شر، فيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والتحذير من سيئ الأخلاق وسيئ الأعمال، يقول الله عز وجل في وصف نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام في سورة القلم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}
    [2]، وصف نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه على {خُلُقٍ عَظِيمٍ} وهذا الخلق العظيم وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها بقولها: (كان خلقه القرآن) لما سئلت عن ذلك، والأمر كما قال الله عنه، فإن خلقه هو القرآن ممتثلا لأوامره، وينتهي عن نواهيه، ويدعو إليه، ويعمل بالصفات التي أثنى على أهلها القرآن، ويبتعد عن الصفات التي ذم أهلها القرآن، هكذا كان عليه الصلاة والسلام، على هذا الخلق العظيم، من امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه والدعوة إلى سبيله، كان صلى الله عليه وسلم مثلا أعلى في الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة والصفات الحميدة، فهو خير الناس وأفضلهم وأكملهم علما وسيرة وخلقا وأصدقهم قيلا وأحسنهم عملا، عليه الصلاة والسلام، وهو صلى الله عليه وسلم يدعو إلى ما يدعو إليه القرآن العظيم في قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[3]، ويقول سبحانه: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ}[4]، ويقول: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً}[5]، فهو تبيان لكل شيء، أوضح الله فيه كل شيء إجمالا وتفصيلا، وجعله هدى وشفاء، جعله الله سبحانه هدى وشفاء للناس، شفاء لما في الصدور من أمراض الشرك والكفر والحسد والكبر والنفاق، وشفاء للأبدان من أمراض كثيرة تستعصي على الأطباء ويشفيها القرآن، يقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[6]، ويقول جل وعلا: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا}[7]، فالواجب على أهل الإسلام العناية بهذا الكتاب العظيم وحفظه والمذاكرة فيه وتدبر معانيه ونقل ألفاظه ومعانيه للناس كما أنزل؛ لأن فيه الهدى والنور، فيه الدلالة على كل خير، فيه الدعوة لكل ما ينفع العباد والبلاد، وفيه الترهيب من كل سوء. ولهذا أوصى عليه الصلاة والسلام في خطبة حجة الوداع بهذا الكتاب العظيم فيما رواه مسلم في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم عرفة وقال في خطبته: ((وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله))، وفي رواية الحاكم وغيره كتاب الله وسنتي، فالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو السبيل الوحيد للنجاة، وهو الصراط المستقيم، فالواجب على أهل الإسلام بل على جميع المكلفين أن يدخلوا في دين الله، وأن يلتزموا بدين الله، وأن يعتصموا بهذا الكتاب العظيم والسنة المطهرة، وذلك فرض على جميع المكلفين من الجن والإنس، من العرب والعجم، من الذكور والإناث، والأغنياء والفقراء والحكام والمحكومين، فرض عليهم جميعا أن يدخلوا في دين الله، وهو الإسلام، كما قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}[8] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ}[9] فرض عليهم أن يدخلوا في دين الله، وأن يعتصموا بكتابه وهو القرآن، وبسنة الرسول الصحيحة الثابتة عنه عليه الصلاة والسلام، وليس لهم أن يحيدوا عن ذلك.
    فالواجب على اليهود والنصارى وعلى جميع المشركين وعلى جميع أصناف الكفرة - الواجب على الجميع أن يدخلوا في دين الله، وأن يلتزموا به، وهذا هو التراث الذي فيه سعادتهم إذا عقلوا. وعلى أهل الإسلام الذين من الله عليهم بالإسلام أن يحمدوا الله على ذلك ويشكروه وأن يستقيموا على دينهم، وأن يحفظوا تراثهم العظيم، ويتواصوا به كثيرا ويتدبروه ويتعقلوه ويعملوا به كما قال عز وجل: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}
    [10]، وقال سبحانه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[11]، وقال عز وجل: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[12]، فالواجب على جميع المكلفين أن يدخلوا في دين الله (الإسلام) وأن يلتزموا به، وأن يخضعوا لأوامر الله وينتهوا عن نواهيه، ويلتزموا بهذا الكتاب العظيم فيدينوا به، ويؤمنوا به، ويعملوا به مع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنها الوحي الثاني. وهذا التراث هو أعظم تراث، ولا نجاة للعالم ولا سعادة للعالم إلا بحفظ هذا التراث والتفقه فيه، والاستقامة عليه، والدعوة إليه علما وعملا وعقيدة، خلقا وسيرة.
    فكتاب الله فيه الهدى والنور وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بيان ما قد يخفى، مع بيان أحكام جاءت بها السنة لم تذكر في كتاب الله، وأحكام فصلتها السنة لم تفصل في كتاب الله، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}
    [13]، وقال جل وعلا: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[14]، فالله أنزل الكتاب عليه تبيانا لكل شيء، وأمره سبحانه أن يبين للناس وأن يشرح لهم ما قد يخفى عليهم، وأن يوضح لهم ما قد يختلفون فيه، حتى يرجعوا إلى الصواب، وحتى يستقيموا على الهدى، وقد بلغ البلاغ المبين عليه الصلاة والسلام، وأدى الأمانة ونصح الأمة، حتى قال لهم يوم عرفة بعد ما خطبهم وبين لهم ما يجب عليهم في حجهم، وبين لهم أمورا أخرى تهمهم وتهم المسلمين جميعا فيما يتعلق بالربا، وأمور الجاهلية وبتحريم الدماء والأموال والأعراض، وما يتعلق بالنساء، والوصية بهن خيرا، وبيان حقوقهن على أزواجهن وحق أزواجهن عليهن- قال بعد ذلك وبعد ما أوصاهم بالقرآن: ((وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون)) قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فرفع أصبعه إلى السماء فقال: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد)) يستشهد ربه وهو فوق العرش وفوق جميع المخلوقات، سبحانه وتعالى، يستشهده عليهم، وكل عالم يشهد، وكل مسلم يشهد بأنه بلغ الرسالة، وكل مسلم عرف دين الله يشهد لهذا النبي الكريم أنه أدى الرسالة وأدى الأمانة وبلغ البلاغ المبين عليه الصلاة والسلام. فعلينا جميعا معشر المسلمين، ومعشر طلاب العلم، ومعشر العلماء، على الجميع إن يعظموا هذا التراث العظيم، وأن يحببوه إلى الناس ويذكروهم بهذا التراث ويتمسكوا به ويعضوا عليه بالنواجذ، ويعملوا به مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنها الوحي الثاني الموضح لكتاب الله والدال على أحكام أخرى أوحاها الله لنبيه عليه الصلاة والسلام، وهذا التراث العظيم، كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام هما أعظم التراث، وهما أهم التراث، والواجب العناية بهما، والوصية بهما والتمسك بهما قولا وعملا وعقيدة، في السر والجهر، في الشدة والرخاء، في الصحة والمرض، في السفر والإقامة، من الذكور والإناث، من العرب والعجم، من الجن والإنس، من الحكام والمحكومين، من الأغنياء والفقراء، على هؤلاء جميعا أن يعملوا بهذا القرآن وسنة رسول الله المطهرة، وأن يحفظوا هذا التراث حفظا يتضمن العمل والنصيحة، والدعوة إلى هذا التراث والاستقامة على معناه، والحرص على تبليغه لجميع العالم وبكل الطرق وبجميع الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة، يقول سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[15]، ويقول عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[16]، ويقول جلا وعلا: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}[17]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله))، ويقول صلى الله عليه وسلم ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا))، ويقول صلى الله عليه وسلم لما بعث عليا إلى خيبر وأمره أن يدعو أهلها وهم اليهود إلى الإسلام قال عليه الصلاة والسلام: ((فوالله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)) متفق على صحته.
    فسيرته صلى الله عليه وسلم وأقواله وأعماله وتقريراته كلها من التراث وكلها من السنة، فالواجب العناية بذلك والحرص على كتب السنة، فكتب السنة من أعظم التراث.
    وإن السنة التي جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله وعمله وتقريراته وغزواته وغير ذلك- يجب على أهل الإسلام والعلماء على الوجه الأخص والحكام وطلبة العلم العناية بها تفسيرا، ومن ذلك الكتب الإسلامية المشتملة على تفسير كتاب الله وبيان معناه، والمشتملة على أحاديث الرسول وسيرته ومغازيه وغير ذلك كالصحيحين والسنن الأربع وموطأ مالك ومسند أحمد وكتب الحديث، فإنها أعظم التراث وأفضل التراث وأهم التراث بعد كتاب الله، وإنها الحافظة للسنة والمبلغة لها، وهي الوحي الثاني، فالواجب على أهل الإسلام العناية بها وبأصولها ومخطوطاتها الصحيحة؛ لأنها مرجع يرجع إليها عند الحاجة، عند الاختلاف. ومن أعظم العناية بالتراث العناية بالمخطوطات الحديثية والمخطوطات التفسيرية والمخطوطات الفقهية لأئمة الإسلام المعروفين المحتج بهم والمعمول بأقوالهم، فالعناية بها من أهم العناية، وهكذا كتب اللغة العربية والقواعد العربية وكتب التاريخ الإسلامي، والسيرة النبوية، كلها تجب العناية بها حتى تنقل سليمة صافية، سليمة من عبث العابثين وكذب الكذابين، وقد عني علماء الإسلام بذلك، وبينوا ما أدخله الكذابون في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وما وضعه الواضعون من الكتب الباطلة، فقد عني أهل العلم بذلك. فعلينا أيضا أن نسير على نهجهم، وعلينا أن نعنى بهذا التراث العظيم ونبين الحق من الباطل ونبين الصالح من الزائف، ونحرص على العناية بالكتب السليمة المفيدة من كتب الحديث والتفسير والفقه الإسلامي والقواعد العربية وغيرها من الكتب النافعة، حتى الكتب الأخرى التي تنفع المسلمين في أمور دنياهم والمتلقاة عن أهل الثقة والبصيرة في شؤونهم؛ لأن الناس في حاجة إلى أن يعرفوا شؤون دنياهم ويستعينوا بها على طاعة الله، وكل شيء ينفع المسلمين ويعينهم على حفظ دينهم وحفظ كتاب ربهم وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام، ويعينهم على الإعداد للأعداء فهو مهم، ومن التراث الذي يجب أن يحفظ ويعتنى به، والله يقول سبحانه: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}
     
    فالكتب التي ألفها الأقدمون من المسلمين، أو ألفها غير المسلمين وتنفع المسلمين وتعينهم على الإعداد للعدو، وهم في شتى العلوم الدنيوية يعتنى بها أيضا، إن كانت تنفع المسلمين وتعينهم على إعداد القوة والاجتهاد فيما ينفعهم في دينهم ويقوي جندهم وجهادهم ضد عدوهم، ومن أعظم ذلك العناية أيضا بأخلاق النبي وسيرة أصحابه وسيرة أهل العلم حتى يقتدى بهم في الخير؛ لأن العلم المقصود منه العمل، علينا أن نعنى بالسلف الأخيار وعلى رأسهم نبينا عليه الصلاة والسلام، في أخلاقه وسيرته وقيامه وصلاته وغير ذلك، وسيرة أصحابه وأعمالهم الطيبة وغزواتهم وجهادهم وتعليمهم وإرشادهم وما كانوا عليه من بث العلم ونشره، وحلقات العلم في المساجد، وما كان عليه أهل العلم من النشاط في ذلك، والعناية بذلك، حتى يتأسى الآخر بالأول، وحتى يلحق الآخر بالأول بالعمل الصالح والعلم النافع والسيرة الحميدة والبلاغ للحق وإيثاره على ما سواه، وكل أمر سلكه الأخيار والقدامى مما ينفع المسلمين ويعينهم على تنفيذ أمر الله والوقوف عند حدوده يعتنى به، أما ما ألصقه الجهلة أو الأعداء بالإسلام فيجب التنبيه عليه، حتى يتبين براءة الإسلام منه وحتى لا يلصق بالتراث الإسلامي ما ليس منه، كما فعل الجهلة والمشركون من إحداث الأبنية على القبور واتخاذ المساجد على القبور، فهذا ليس من شأن الإسلام، والإسلام يحارب هذا، يحارب البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها؛ لأنها من وسائل الشرك كما فعلت اليهود والنصارى وتابعهم كثير من هذه الأمة، من الجهلة والمبتدعة حتى بنوا على القبور، واتخذوا عليها المساجد والقباب، وحصل الشرك بسبب ذلك، فيجب أن ينبه على أنها ليست من الإسلام وليست من التراث الإسلامي، ويجب إنكار ذلك والقضاء عليه، وهكذا الصلاة عند القبور والدعاء عندها وتحري القراءة عندها من وسائل الشرك، يجب أن ينبه على هذا ويبين أنها ليست من التراث الإسلامي، بل هي مما أحدثه الجهلة وأنكره الإسلام، وهكذا ما أحدثه بعض الناس من الاحتفال بالموالد ويزعمون أنه من التراث، وهذا غلط، ليس من التراث الإسلامي، وإن فعله كثير من المسلمين في أمصار كثيرة، جهلا وتقليدا، فالاحتفال بالموالد من البدع المحدثة في الدين بعد القرون المفضلة، وليس من التراث الإسلامي، وهو من التراث المبتدع.
    وهكذا الاحتفال بجميع الآثار التي يدعو إليها دعاة الشرك، سواء كانت صخرة أو شجرة، أو غير ذلك مما يعظمه الجهال أو يتبركون به، كل هذا مما ينافي الإسلام وهو ضد الإسلام، ولما بلغ عمر رضي الله عنه أن أناسا يقصدون الشجرة التي بويع تحتها الرسول عليه الصلاة والسلام ويصلون عندها خاف عليهم وأمر بقطعها سدا لذرائع الشرك، ولما بلغه أن جثة في فارس تنسب إلى دانيال نبي الله، وأن هناك من يغلو فيها من الأعاجم، وبلغه جيشه ذلك، أمر بأن يحفر بالليل بضعة عشر قبرا ثم يدفن في أحدهما ثم تسوى ليلا، حتى لا يعرف، وحتى لا يغلى فيه ولا يعبد.
    والمقصود أن الغلو في القبور بالبناء عليها والصلاة عندها والعكوف عليها واتخاذ المساجد عليها ليس من التراث الإسلامي، بل هو من التراث الذي نهى عنه الإسلام وأنكره وحذر منه، وهو من وسائل الشرك، وهكذا فقد توجد أصنام في بعض البلدان أو بعض الدول تنسب إلى الأنبياء أو تنسب إلى الإسلام يجب أن يعلم أنها خطأ وضلال، وأن جميع الأنبياء وجميع الرسل كلهم عليهم الصلاة والسلام دعوا إلى توحيد الله، وإلى الإسلام، الذي هو إخلاص العبادة لله وحده، وكلهم يحاربون الأصنام، وأولهم نوح عليه الصلاة والسلام حارب ما يعبد من غير الله ونهى قومه عن ذلك وحذر من عبادة: ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، لما وقع الشرك بهم بسبب الغلو، فيجب التنبه لهذا الأمر، ويجب على طلاب العلم وأهله النهي عن ذلك حتى لا يدخل في الإسلام ما ليس منه، ويجب أن يعرف التراث الإسلامي، وأنه ما ثبت بكتاب الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبما شرعه الله لعباده، أو أجمع عليه المسلمون، هذا هو التراث الإسلامي، أما ما ابتدعه المبتدعون وأحدثه المحدثون من عبادات أو أماكن تعظم، أو أشجار وغير ذلك- فهذه لا يجوز أن تنسب إلى الإسلام ويقال إنها تراث إسلامي، بل يبين أنها بدع وأنه من الواجب الحذر منها كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) أخرجه مسلم في صحيحه.

    والخلاصة أن المقصود من التراث الإسلامي هو ما بعث به نبينا عليه الصلاة والسلام من الهدى ودين الحق، والكتب التي ألفت في ذلك مما ينفعنا والمخطوطات الموجودة في ذلك، وهكذا كل ما نريده ونأخذ به ونستعين به على طاعة الله وعلى الإعداد لأعداء الله.
    أما ما يخالف ديننا فهو ليس من الإسلام في شيء، بل يجب أن يحارب ويبتعد عنه ويحذر منه على حسب ما تقتضيه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ومن إجماع أهل العلم.

    وأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يمنحنا وإياكم الفقه في الدين والثبات عليه، وأن يصلح أحوالنا جميعا، وأن يوفق جميع المسلمين في كل مكان للفقه في الدين والثبات عليه، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم، وأن يوفق جميع ولاة الأمر من المسلمين إلى الأخذ بشريعته والتحاكم إليها وإنكار ما خالفها، إنه جل وعلا جواد كريم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان.
     
    [1] سورة فاطر الآية 32.
    [2] سورة القلم الآية 4.
    [3] سورة الإسراء الآية 9.
    [4] سورة فصلت الآية 44.
    [5] سورة النحل الآية 89.
    [6] سورة يونس الآية 57.
    [7] سورة الإسراء الآية 82.
    [8] سورة البقرة الآية 21.
    [9] سورة النساء الآية 1.
    [10] سورة ص الآية 29.
    [11] سورة محمد الآية 24.
    [12] سورة الأنعام الآية 155.
    [13] سورة النحل الآية 44.
    [14] سورة النحل الآية 64.
    [15] سورة فصلت الآية 33.
    [16] سورة النحل الآية 125.
    [17] سورة يوسف الآية 108.
    [18] سورة الأنفال الآية 60

     

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()