دارت رحى أول انتخابات «تمهيدية» نحو اللقب الكبير الذى قال عنه فرعون أحد حكام مصر الذى قال فيه القرآن الكريم «أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى».. لأن اللقب الكبير تسبقه مهرجانات فى شكل انتخابات تعبر عن ظاهر المشهد وليس باطنه أو حقيقته..
فالحاصل الآن أن العامين اللذين نعيشهما وهما الحالى والمقبل سيشهدان عدة انتخابات ستحسم إلى حد كبير من الناحية «الظاهرية» من هو الرجل الذى له ملك مصر وهذه الأنهار التى تجرى من تحته..
انتخابات شورى ثم انتخابات مجلس الشعب ثم انتخابات المجالس المحلية - ولكل من هذه يجب أن يكون لمن ستكون له الأنهار نصيب معين بحيث يجب أن تكون له نسبة برلمانية فى الشورى ونسبة برلمانية فى الشعب ونسبة من أعضاء المجالس المحلية حتى يتسنى له التقدم نحو اللقب الكبير.. ما يحزننى أن العملية تسير فى اتجاه واحد وهو نوعية مرشح بعينه.. إذ كنت أود أن تسير العملية نحو عدد من المرشحين لكى نختار نحن أبناء الشعب لمن ستكون له الأنهار!
وبادئ ذى بدء فإن ملك مصر هو على مر التاريخ ملك عضوض.. لا يعرف الاحتجاج «السياسى» ولا الممانعة ولا حتى «التبرم» وهو ما شجع فرعون على أن يقول كلمته عن مصر وأنهارها.. ولذلك فإن ملك مصر يحتاج إلى شق الأنفس للوصول إليه.. فهو راحة أبدية تستأهل من «الكهنة» تدبيج القوانين وتفصيلها للملك المتوج.. لأن ظنى به أنه لن يترك الأنهار!
لست من معارضى الرئيس مبارك.. بل إننى قد أنصاع لنظرية «وجوده بهذه الحالة أفضل مما لا أعرف»، وفى المقابل مختلف اختلافاً كبيراً مع إدارة حكمه لبعض الملفات.. لكنى هنا أسأل عن الشكل الذى تدور فيه عملية اختيار الرئيس، حيث يشوبها العديد من الملاحظات..
بل إن شئت فقل «عوار شديد».. وإن كنت أرى أن أسباب ذلك كثيرة.. منها ضمان وجود الرئيس مبارك أو تفصيل العملية على مرشح للحزب الوطنى سواء كان جمال مبارك أو غيره - المهم ألا يخرج الرئيس بعيداً عن هذه البوتقة.. ومنها أيضاً إغلاق الباب أمام مرشح التيار الدينى والمقصود به مرشح جماعة الإخوان المسلمين - أكبر جماعة دينية فى مصر تعمل بالسياسة وتجابه نظام الحكم. أدرى شخصياً هذه الدوافع..
وأدرى مآربها.. لكن وإن كنت أؤيد السبب الثانى وهو إغلاق الباب أمام مرشح التيار الدينى بشكل عام وليس مرشح الإخوان المسلمين فقط.. فإننى أرفض تفصيل «اللقب الكبير» على مرشح الحزب الوطنى لأنه ثبت بالتجربة أنه حزب فاشل وليس حزباً بالمعنى المعروف فى الديمقراطيات الغربية وإنما يضم مجموعة مصالح تضم أشخاصاً.. الطالح فيهم أكثر من الصالح.. والصالح فيهم منزوٍ ومنبوذ ولن يرقى إلى سدة الحزب.
اللقب الكبير لا يجب قصر الترشح له على حفنة من مجموعات المصالح التى لا تعرف عن السياسة سوى النهب والسرقة والاحتكار.. ولا تعرف عن الحكم سوى الاستبداد والقهر والعبودية، ولا تعرف عن البشر سوى السجن والاعتقال والكبت.. انتخابات الشورى الدائرة رحاها الآن هى أول طريق نحو اختيار الرئيس القادم لمصر.. وعليه فإن الحاصل الآن هو معركة شكلية سيتفوق فيها أبناء الحزب الوطنى ولن يكون للمعارضة فيها سوى استكمال «الديكور» لكى يكون هناك مرشحون على اللقب الكبير لتشكيل المنظر العام فقط.
كنت أتمنى أن يشهد عمرى الذى كتب الله فيه أن أعيش هذه السنوات من عمر مصر - أن تكون عملية اختيار الرئيس ديمقراطية مبعثها الحرية لا ملك عضوض كما عاش أسلافنا على طول الدهر.. لكن القدر وحده هو صاحب اختيار الوقت والمكان لاختيار صاحب اللقب الكبير بالشكل الذى نريد أن نراه. إذن انتخابات الشورى الجارية الآن هى الطريق المرسوم نحو أنهار مصر وملك مصر!