بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد...
فهذه تراجم مختصرة لأعلام السنة النبوية، نضعها بين يدي طالبيها، لنقف أمام رجالٍ سخَّروا أنفسهم لخدمة هذا الدين العظيم تصنيفًا وتحريرًا وتعليمًا، رجالٍ وقفوا مع الثوابت والأصول في ميادين الواقع، فكانوا القدوة والمنهج.
إن الوقوف على حال هؤلاء الرجال" أعلام السنة النبوية" لم يكن الهدف منه إلا تجسيد المنهج من خلال سيرة هؤلاء العلماء، والذي نفتقده في واقعنا المعاصر. فالتاريخ هو فكر ومنهج، وواقع نعيشه، علّنا في هذه المختصرات لسيرة هؤلاء الأعلام أن نستنهض العزائم للاقتداء والتأسي.
أهل الحديث هم أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
نعرض للعَلَم بذكر اسمه واسم أبيه وجده، ثم الإشارة إلى تاريخ ولادته إن وجدت، ثم ذكر بعض شيوخه وتلاميذه، والإخبار عن بعض مواقفه، ثم الإشارة لبعض مصنفاته إن وجدت. وأختمه بذكر تاريخ وفاته، مرتبةً بحسب سني وفياتهم، مع الإحالة لبعض المراجع المطولة.
عبد الله بن المبارك (118- 181هـ)
هو عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي مولاهم التركي ثم الخوارزمي أبو عبد الرحمن الحافظ، عالم زمانه، وأمير الأتقياء في وقته، قدوة الزاهدين، السخي الجواد. ولد سنة ثماني عشرة ومائة، قضى سني حياته في الأسفار حاجًا ومجاهدًا وتاجرًا. طلب العلم وهو ابن عشرين سنةً، فسمع من سليمان التيمي، وعاصم الأحول، وحميد الطويل، والأعمش وطبقتهم. وحدث عنه معمر، وسفيان الثوري، وأبو إسحاق الفزاري، وطائفة من شيوخه، وحديثه حجة، وهو في الأصول والمسانيد. ارتحل رحمه الله تعالى إلى الحرمين والشام ومصر والعراق وخراسان، وحدث في أماكن عديدة. من أقواله رحمه الله تعالى: " رُبَّ عمل صغير تكثِّره النية، ورُبَّ عمل كثير تصغِّره النية". ويقول أيضًا: " في صحيح الحديث شغل عن سقيمه". وكان رحمه الله شاعرًا أديبًا. فمن شعره هذه الأبيات التي بعث بها إلى القاضي الفضيل بن عياض يقول فيها:
يا عابد الحرمين لو أبصـرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعـب
من كان يخضب خده بدموعه فدموعـنا بدمائنا تتخضـب
أو كان يتعب خيله في بـاطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعـب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنـا رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقـد أتانا من مقـال نبينـا قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستـوي وغبار خيل الله في أنف امرئ ودخـان نار تلهب
هذا كتـاب الله ينـطق بيننـا ليس الشـهيد بميتٍ لا يكذب
له "كتاب الجهاد"، وهو أول من صنّف في بابه، وله أيضًا "كتاب الرقائق".
قال ابن حجر في التقريب: ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد. مات بهيت على الفرات منصرفًا من غزو الروم سنة إحدى وثمانين ومائة،رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً. للإستزادة: "سير أعلام النبلاء"، 8/ 378 – 420. "الأعلام"، 4/ 256. "تقريب التهذيب.