يأتي تعامل المسلم مع الكلاب كجزء من منظومة تعامله مع الأكوان في إطار المحافظة على المقاصد التي دعانا الشرع إلى الحفاظ عليها، ومن ثَمَّ فإننا نستطيع أن نفهم ما ورد في السُّنَّة بشأن التعامل مع الكلاب في ظِلِّ هذه القواعد التالية:
المسلم لا يحتقر شيئا من خلق الله:
دعانا الشَّرْع الشَّريف إلى الإحسان لِخَلْقِ الله جميعًا، وألاَّ نحتقر من خلقه شيئًا، وفي الوقت التي وردت فيه أحاديث قتل الكلاب ورد من الحديث ما يأمر بالإحسان إليها، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي بطريق اشتدَّ عليه العطش، فوجد بئرًا، فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ منِّي، فنزل البئر فملأ خُفَّه ماء، ثم أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له، قالوا: يا رسول الله، إن لنا في البهائم أجرًا؟ فقال: في كل كبد رطبة أجر. ([1])
ولذا ورد أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لولا أن الكلاب أمَّة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها الأسود البهيم [2]))، أي "لكنها أُمَّة كاملة فلا آمر بقتلها ولا أرتضيه؛ لدلالتها على الصانع، وقدرته، وحكمته، وتسبيحها بلسان الحال والقال، وما من خَلْقٍ إلاَّ وفيه نوع حكمة أو مصلحة". ([3])
ولذا فقد أرشد بعض المؤلفين المسلمين إلى أن في الكلاب من المنافع ما يجعلهم أولى بالرعاية من كثير ممن فقد أخلاقه من بني البشر، فألَّف ابن المرزبان كتابًا سماه "فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب".
الضرر يزال:
لا يزال يستقر في وجدان المسلم أن ما يجلب الضرر لا بد من إزالته، وأن الضرر الأكبر يُدْرَأ بالضرر الأقل، والضرر الحادث من وجود الكلاب، هو ما أوجب إزالة هذا الضرر بالتوجيه إلى قتل الكلاب أحيانًا.
وأما الضرر الذي يحدث من جرَّاء وجود الكلاب بالمنازل – من غير حاجة - فعدم تَنَـزُّل الملائكة إلى البيت الذي فيه كلب، والمؤمن يرجو وجود الملائكة في بيته، وهو من أحبِّ ما يرجوه من المنافع، وإذا كان الطبع الملائكي يأنف من التواجد في مكان مع الكلاب، فلا شك أن المؤمن يختار أن يُدْخِل الملائكة بيته؛ إذ بيوت المؤمنين منازل الملائكة، ويكفي المؤمن لكي يُصَدِّق بهذا الأمر إخبار النبي صلى الله عليه وسلم به؛ فهو الصادق المؤتمن على وحي السماء، كما أن هناك أمرًا آخر: هو أن الشياطين أكثر ما تظهر تَظْهر في صور الكلاب؛ ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب التي تُحَقِّق ضررها على النحو السابق.
فإذا جمعنا إلى هذا أنَّ الكلاب لم تكن وقتئذ تلقى من العناية الطبيَّة ما يحمي الناس من أضرارها، فهذا ما جعل الأمر بإزالة وبائها أشد، ولذا سُوِّغ قتلها.
وقد أرشدت السنة الشريفة إلى أنَّ ما فيه نفع من الكلاب ككلب الصيد أو كلب الحراسة أو ما يرعى به الماشية فإنه لا حرج في اقتنائه، فهذا فيه حفظ للمصلحة والمقصد.
لا تعارض بين الأحاديث و القرآن:
كما أن هذه الأحاديث التي تحدَّثت عن عدم دخول الملائكة بيتًا فيه كلب لا تُعَارِض قوله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً} فإنه ليس في الآية ذِكْر لتنزل الملائكة وأنها اجتمعت مع الكلب في مكان، بل إن مثل هذا الذِّكْر للكلب في القرآن الكريم يرينا كيف أن القرآن يدعونا إلى احترام الخلق؟ ويرشدنا القرآن بذلك إلى أن هؤلاء الفتية المؤمنين قد صاحبهم كلبهم بوفاء دعا إلى تشريفه بذكره في القرآن الكريم.
ثم إن الكتاب المقدس قد أرشد إلى أنَّ ثمن الكلب مساوٍ في قذارته لأُجْرَة الزَّانية، فقد ورد فيه: "لا تدخل أجرة زانية ولا ثَمَن كلب إلى بيت الرب إلهك عن نذر؛ لأنهما كليهما رِجْسٌ لدى الرب إلهك" [تثنية 18]
الهوامش:
--------------------
( [1]) صحيح البخارى (9/141)
( [2]) صحيح ابن حبان (23/338) من حديث عبد الله بن مغفل .
|