د. أيمن غريب قطب .
لقد لاحظت من خلال ممارساتي الإرشادية العلاجية ومطالعاتي المختلفة أن من أكثر حالات المعاناة لدى الأفراد الآن هي حالات الاكتئاب والقلق بأنواعها وحالات الوساوس .
ومما لاشك فيه أن القلق والاكتئاب عنصران في كافة الحالات المرضية أوفي غالبها على الأقل . ولكن هل يمكن التعامل أو التعايش مع حالات الوساوس هذه؟! هذا ما يمكن طرحه في هذه المقالة . إن حالات الوساوس تميل إلى أن تكون لدى الشخصيات ذات التوجه أو النزعة نحو الكمال أو السعي لذلك . وهي شديدة التدقيق خاصة في التفاصيل والجزئيات الصغيرة وذلك مقارنة مع غيرهم من الأشخاص .
• والأفكار الوسواسية : هي التي تراود الإنسان عنوة وضد إرادته .
• أما الطقوس القهرية ( الوسواس القهري ) : فهي أفعال متكررة نظرا لأننا نضطر إلى تكرار القيام بها رغم ما قد تبدو عليه من سخافة .
وكثيرا ما تحدث هذه المشكلات لدى الأفراد الذين يدققون دائما في الأشياء ويسعون إلى الكمال ولكن هذا الأمر ليس بالضرورة .
كما أن كثيرا من المحيطين بهؤلاء الأفراد الموسوسين قد يتورطون في مساعدتهم في طقوسهم حتى ولو بشكل غير واعي . مما يؤدي إلى زيادة هذه الطقوس وإلى إحداث جانب كبير من الاضطراب في أسلوب حياة الأسرة وتربية النشء أو الأطفال .
وهناك العديد من الحالات الوسواسية التي هي في الأساس ناشئة عن أشكال من القلق أو الخوف ومن ثم نجد التشابه بينها . هذه الحالات تثيرها أحداث معينة يحاول الشخص الذي يعاني منها جاهدا أن يتجنبها لأنه يكره كثيرا ما تحدثه من آثار ومشاعر سلبية متكررة . وقد تمتزج هذه المشاعر بالعديد من المشاعر الأخرى كالغضب مثلا .
وهناك طقوس شائعة في الحالات التكرارية تشمل الغسيل والوضوء . أو الخوف من التلوث أو الإصابات المرضية أو العدوى. أو حدوث أضرار معينة أو الإصابات أو العد المتكرر للأشياء بلا معنى أو هدف . وهذا المرض جزء من مرض عام يسمى الخواف أو الرهاب . وهو الخوف من أشياء غير طبيعية أو أمور غير متوقعة .
وتوجد قائمة لانهاية لها من أنواع الخواف التي يمكن ذكرها ومنها :
الخواف من الظواهر الطبيعية . الخواف من الطبيعة . أو النظافة أو التلوث أومن ارتداء ملابس بيضاء نظيفة . أو سماع ماء يترقرق .أومن أن يمسك المرء من الخلف . أومن قراءة الكتب أو الخطابات . أومن الدمى أو الأوراق والنباتات أومن بعض أنواعها . ونجد كذلك الخواف من المرتفعات وهو أمر شائع . أومن السقوط أو الظلام . أومن العواصف أو الرعد أو البرق . وأيضا الخواف من الضوضاء أو الأماكن المغلقة . أومن الطيران في الجو أو ركوب الطائرات أومن البواخر . ومنها الخواف من البلع خاصة بلع الطعام الصلب . وهناك الخواف من التقيؤ . أومن الإجراءات الطبية . أومن الدم والجروح أو الحقن . وهناك بعض حالات الخواف من قضاء الحاجة البشرية أو ممارسة العلاقة الزوجية . أومن الربو أو العرق أو الغثيان .
وهناك حالة لامرأة في سن الخامسة والعشرين شبيهة بالخواف هذا . حيث تذكر هذه المرأة أنها حين كانت في سن التاسعة سبب لها والدها إزعاجا شديدا واشمئزازا من طريقة تناوله للطعام ،حيث كان يأكل بطريقة مقززة ويحدث إزعاجا وصوتا مقرفا عند الأكل وأثناء تناوله أو الانتهاء منه . وقد وصل الأمر إلى أنها أصبحت تخشى من إصابة أبنائها بذلك . حيث تزوجت في سن مبكرة ثم تركها زوجها ليتزوج من أخرى مما أدى إلى إصابتها بالاكتئاب وازدادت حالتها سوء وتدهورا .
وهناك حالة أخرى لامرأة في سن السابعة والعشرين . كانت تشكو من اشمئزاز من النساء الحوامل والأطفال الصغار . حيث توفي جنينها وظلت تحمله في داخلها لمدة شهرين قبل أن تجهضه . وقد احتكت بنساء حوامل أثناء زيارتها للمستشفى لمتابعة الحمل والعلاج . وكانت النساء يسألنها عن حالتها وهن يجهلن مشكلتها وما تعاني منه . وقد نشأ عن ذلك اشمئزازها من النساء الحوامل . وازداد هذا الأمر بعد الإجهاض وارتبط أيضا بالأجنة والمواليد الجدد .
وهناك العديد من الحالات مشابهة للحالات السابقة . وهناك أسلوب متبع يتوخاه المعالج مستخدما نفس مبادئ علاج الخواف . لكن قد يستغرق بعض الوقت لأن هذه الحالات قد تتشعب وتمتد عبر مجالات أكثر اتساعا في حياة الشخص المصاب أو المبتلى بها .
والعلاج هنا يركز على الشخص المريض والمتعاملين معه أيضا . وذلك من خلال وضع برنامج يهدف إلى تعويد المريض على التعامل مع الأمور التي يخشاها أو يشمئز أو يتقزز منها . وتخليصه بطريقة منظمة من طقوس التحقق من هذه العملية واحدة تلو الأخرى .
قد يتطلب الأمر مثلا البداية لمن يخشى التلوث أو يكرر الوضوء أو الصلاة التعود على القيام بها بأي طريقة كانت أو بالصورة المفضلة لديه . ولكن بالنسبة لحالات الغسل عليه أن يتجنب الغسيل بماء جار من الحنفية أو الصنبور . بل عليه بدلا من ذلك استخدام حوض بعد سد بالوعته بسدادة . ثم التقليل من عدد المرات أو تكرار الغسيل . ومن ثم الزمن المستغرق في هذه الطقوس .
القيام بعد ذلك بتلويث بعض الثياب أو الأماكن . أو تكرار هذه الأفعال أمام الشخص أو الأشياء التي يتعامل معها . والتعود على رؤيتها أو ملامستها واقعيا والتعايش معها بشكل تدريجي .
وهذه الأشياء مثل الملابس الداخلية أو غرفة النوم أو الثياب أو التلفون أو الأطباق وغير ذلك . مع التقليل من الطقوس التي يقوم بها الشخص إزاء ذلك .
ثم القيام بتلويث الأيدي أو بعض الأشياء وتركها للتعايش معها . أو مباشرة هذه الوقائع وتركه يتعامل معها دون تغيير أو تطهير لفترات زمنية تزداد تدريجيا .
وبعد تحسن الشخص يمكن أن يطلب منه التقليل من التصرفات التي كانت تشكل عبء نفسيا عليه . أو يريد أن يتخلص منها الواحدة تلو الأخرى .ومن ثم عليه أن يقصر التحقق من كل شيء مرة واحدة .
وللأسرة والمحيطين بالشخص دور هام هنا في مساعدة الفرد على تحقيق هذه الأهداف . وذلك من خلال مساعدته على لمس أو التعايش مع الأشياء أو الوقائع التي يخشى التعامل معها . مثل الملابس والطعام أو الأشياء الأخرى . وأيضا مساعدة الشخص على استخدام أدوات النظافة مثل الصابون في غسل اليد مع غسلها فقط قبل تناول الطعام أو بعد الذهاب إلى الحمام . مع مراعاة شد السدادة عندما يقوم بغسل اليدين . وكذلك تعويد الشخص على أكل أطعمة مثل الزبادي أو الكبسة أو الجيلي أو الحلوى باستخدام الأصابع .
وينبغي عدم طمأنة المريض على مسائل الطهارة أو النظافة عند سؤاله عنها . أثناء مدة العلاج يجب أن يتوقف المحيطون به ويتعلمون عدم طمأنته حتى لا يكون تكرار أثر خفض القلق المؤقت الذي تحدثه الطمأنة سببا في استمرار طلبه لها .
وقد تم علاج بعض الحالات مثل التي سبق الإشارة إليها من خلال بعض الجلسات القليلة يطلب فيها من المصاب تخيل نفسه في تفاعل قوي مع الظاهرة موضع الخواف أو التكرار . مثل التفاعل مع النساء الحوامل أو الأطفال خاصة حديثي الولادة في المثال السابق . ويطلب من الشخص تدريجيا التغلب على مشاعره نحوها . وبتكرار الجلسات عدة مرات يزول الخوف أو المشاعر الخاصة وتتحسن الحالة .
وهناك أسلوب آخر يختلف قليلا . كان أيضا ناجحا اتبع مع حالة تعاني من انفجار المشاعر السلبية لديها مع بعض الأشخاص المقربين مثل الزوج . وقد طلب من الحالة أن تتخيل مناظر لهذه الحالات أو الأشخاص . ثم اقتراح بعض التطورات المضحكة في هذه التصورات أو الأشياء مما يجعل الشخص يضحك وتدريجيا تتحسن الحالة .
وهكذا يمكن ممارسة ذلك مع الحالات الأخرى . شفانا الله وعافانا جميعا من
الوساوس بأشكالها المختلفة . ووهبنا الأمن والسلامة والطمأنينة .
|