فعل الفواحش وسوء الخاتمة
قال ابن القيم - رحمه الله - في بيان أسباب سوء الخاتمة ولمن تكون :
" واعلم أن سوء الخاتمة أعاذنا الله منها لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه ، وإنما تكون لمن له فساد في العقد ( أي العقيدة ) أو إصرار على الكبائر وإقدام على العظائم ، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت قبل التوبة فيأخذه قبل إصلاح الطوية ويصطلم قبل الإنابة فيظفر به الشيطان عند تلك الصدمة ويختطفه عند تلك الدهشة والعياذ بالله " . . اهـ .
ويقول : " واعلم أن لسوء الخاتمة - أعاذنا الله منها - أسبابا وطرقا وأبوابا ؛ أعظمها الانكباب على الدنيا والإعراض عن الأخرى ، والإقدام والجرأة على معاصي الله - عز وجل - ، وربما غلب على الإنسان ضرب من الخطيئة ونوع من المعصية ، وجانب من الإعراض ، ونصيب من الجرأة والإقدام فملك قلبه وسبى عقله ، وأطفأ نوره وأرسل عليه حجبه فلم تنفع فيه تذكرة ولا نجحت فيه موعظة فربما جاء الموت على ذلك فسمع النداء من مكان بعيد فلم يتبين المراد ولا علم ما أراد وإن كرر عليه الداعي وأعاد " .
وساق قصصا في سوء الخاتمة نتخير بعضها مما له صلة بالموضوع .
( القصة الأولى ) :
قيل لرجل قل لا إله إلا الله - عند موته - فجعل يقول أين الطريق إلى حمام منجاب ، وقصة ذلك : " أن رجلا كان واقفا بإزاء داره وكان بابها يشبه باب ذلك الحمام فمرت جارية لها منظر ، فقالت : أين الطريق إلى حمام منجاب ؟ فقال لها هذا حمام منجاب - مشيرا إلى بيته - فدخلت الدار ودخل وراءها ، فلما رأت نفسها في داره وعلمت أنه قد خدعها أظهرت له البشرى والفرح باجتماعها معه ، وقالت له : يصلح أن يكون معنا ما يطيب به عيشنا وتقر به عيوننا ، قال لها : الساعة آتيك بكل ما تريدين وتشتهين وخرج وتركها في الدار ولم يغلقها فأخذ ما يصلح ورجع فوجدها قد خرجت وذهبت ولم تخنه في شيء فهام الرجل وأكثر الذكر لها وجعل يمشي في الطرق والأزقة ويقول :
يَــا رُبَّ قَائِلَــةٍ يَوْمًـا وَقَـدْ تَعِبَـتْ
أَيْنَ الطَّرِيقُ إِلَى حَمَّامِ منجَابِ
فبينما يقول ذلك وإذا بجارية أجابته من طاق :
هَلا جَــعَلْتَ سَــرِيعًا إِذْ ظَفَـرْتَ بِهَـا
حِرْزًا عَلَى الدَّارِ أَوْ قُفْلا عَلَى البَابِ
فازداد هيمانه واشتد ولم يزل على ذلك حتى كان هذا البيت آخر كلامه من الدنيا . . اهـ .
( القصة الثانية ) :
وهي قصة الرجل الذي عشق شابا اسمه أسلم وامتنع الشاب عنه فأخذ يناديه ويقول :
أســلم يــا راحــةَ العليـلِ
رِضَاك أشْهَى إلى فؤادي
ويا شفاء المُدْنِفِ النحيلِ
من رحمةِ الخالقِ الجليلِ
ومات على ذلك،
( القصة الثالثة ) :
وملخصها أن رجلا كان مؤذنا يؤذن على المنارة فأبصر ابنة صاحب الدار المجاورة للمسجد وكانت نصرانية ، فتعلق بها قلبه تعلقا جعله لا يصبر عليها حتى ترك الأذان ونزل إليها فطلبها إلى نفسه فامتنعت فطلب الزواج منها فأبت لأنها نصرانية وهو مسلم فقال أتنصر فوافقت فتنصر ليتزوجها وأقام معها في الدار فلما كان أثناء ذلك اليوم رقى إلى سطح كان في الدار ، فسقط منه فمات فلم يظفر بها وفاته دينه " .
فانظر - عافانا الله وإياك - إلى العقوبة العاجلة بسوء الخاتمة ، والجزاء من جنس العمل ، فكما ألقى بنفسه من على المنارة ، ألقاه الله تعالى من على سطح الدار ميتا خسر الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين .