بتـــــاريخ : 11/1/2009 7:47:18 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1806 0


    تفسير بن كثير - سورة البقرة - الآية 9

    الناقل : elmasry | العمر :42 | المصدر : quran.al-islam.com

    كلمات مفتاحية  :

    يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا

    القول في تأويل قوله تعالى . { يخادعون الله والذين آمنوا } قال أبو جعفر : وخداع المنافق ربه والمؤمنين إظهاره بلسانه من القول والتصديق خلاف الذي في قلبه من الشك والتكذيب ليدرأ عن نفسه بما أظهر بلسانه حكم الله عز وجل - اللازم من كان بمثل حاله من التكذيب لو لم يظهر بلسانه ما أظهر من التصديق والإقرار - من القتل والسباء , فذلك خداعه ربه وأهل الإيمان بالله . فإن قال قائل : وكيف يكون المنافق لله وللمؤمنين مخادعا وهو لا يظهر بلسانه خلاف ما هو له معتقد إلا تقية ؟ قيل : لا تمتنع العرب أن تسمي من أعطى بلسانه غير الذي هو في ضميره تقية لينجو مما هو له خائف , فنجا بذلك مما خافه مخادعا لمن تخلص منه بالذي أظهر له من التقية , فكذلك المنافق سمي مخادعا لله وللمؤمنين بإظهاره ما أظهر بلسانه تقية مما تخلص به من القتل والسباء والعذاب العاجل , وهو لغير ما أظهر مستبطن , وذلك من فعله وإن كان خداعا للمؤمنين في عاجل الدنيا فهو لنفسه بذلك من فعله خادع ; لأنه يظهر لها بفعله ذلك بها أنه يعطيها أمنيتها ويسقيها كأس سرورها , وهو موردها به حياض عطبها , ومجرعها به كأس عذابها , ومذيقها من غضب الله وأليم عقابه ما لا قبل لها به . فذلك خديعته نفسه ظنا منه مع إساءته إليها في أمر معادها أنه إليها محسن , كما قال جل ثناؤه : { وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون } إعلاما منه عباده المؤمنين أن المنافقين بإساءتهم إلى أنفسهم في إسخاطهم ربهم بكفرهم وشكهم وتكذيبهم غير شاعرين ولا دارين , ولكنهم على عمياء من أمرهم مقيمون . وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك كان ابن زيد يقول . 268 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال , أخبرنا ابن وهب قال : سألت عبد الرحمن بن زيد , عن قوله الله جل ذكره : { يخادعون الله والذين آمنوا } إلى آخر الآية , قال : هؤلاء المنافقون يخادعون الله ورسوله والذين آمنوا , أنهم مؤمنون بما أظهروا . وهذه الآية من أوضح الدليل على تكذيب الله جل ثناؤه قول الزاعمين : إن الله لا يعذب من عباده إلا من كفر به عنادا , بعد علمه بوحدانيته , وبعد تقرر صحة ما عاند ربه تبارك وتعالى عليه من توحيده والإقرار بكتبه ورسله عنده ; لأن الله جل ثناؤه قد أخبر عن الذين وصفهم بما وصفهم به من النفاق وخداعهم إياه والمؤمنين أنهم لا يشعرون أنهم مبطلون فيما هم عليه من الباطل مقيمون , وأنهم بخداعهم الذي يحسبون أنهم به يخادعون ربهم وأهل الإيمان به مخدوعون . ثم أخبر تعالى ذكره أن لهم عذابا أليما بتكذيبهم بما كانوا يكذبونه من نبوة نبيه واعتقاد الكفر به , وبما كانوا يكذبون في زعمهم أنهم مؤمنون , وهم على الكفر مصرون . فإن قال لنا قائل : قد علمت أن المفاعلة لا تكون إلا من فاعلين , كقولك : ضاربت أخاك , وجالست أباك ; إذا كان كل واحد مجالس صاحبه ومضاربه . فأما إذا كان الفعل من أحدهما فإنما يقال : ضربت أخاك وجلست إلى أبيك , فمن خادع المنافق فجاز أن يقال فيه : خادع الله والمؤمنين . قيل : قد قال بعض المنسوبين إلى العلم بلغات العرب : إن ذلك حرف جاء بهذه الصورة , أعني " يخادع " بصورة " يفاعل " وهو بمعنى " يفعل " في حروف أمثالها شاذة من منطق العرب , نظير قولهم : قاتلك الله , بمعنى قتلك الله . وليس القول في ذلك عندي كالذي قال , بل ذلك من التفاعل الذي لا يكون إلا من اثنين كسائر ما يعرف من معنى " يفاعل ومفاعل " في كل كلام العرب , وذلك أن المنافق يخادع الله جل ثناؤه بكذبه بلسانه على ما قد تقدم وصفه , والله تبارك اسمه خادعه بخذلانه عن حسن البصيرة بما فيه نجاة نفسه في آجل معاده , كالذي أخبر في قوله : { ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما } 3 178 وبالمعنى الذي أخبر أنه فاعل به في الآخرة بقوله : { يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم } 57 13 الآية , فذلك نظير سائر ما يأتي من معاني الكلام بفاعل ومفاعل . وقد كان بعض أهل النحو من أهل البصرة يقول : لا تكون المفاعلة إلا من شيئين , ولكنه إنما قيل : يخادعون الله عند أنفسهم بظنهم أن لا يعاقبوا , فقد علموا خلاف ذلك في أنفسهم بحجة الله تبارك اسمه الواقعة على خلقه بمعرفته { وما يخدعون إلا أنفسهم } قال : وقد قال بعضهم : { وما يخدعون } يقول : يخدعون أنفسهم بالتخلية بها . وقد تكون المفاعلة من واحد في أشياء كثيرة .

    وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ

    القول في تأويل قوله تعالى : { وما يخدعون إلا أنفسهم } إن قال لنا قائل : أو ليس المنافقون قد خدعوا المؤمنين بما أظهروا بألسنتهم من قيل الحق عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم حتى سلمت لهم دنياهم وإن كانوا قد كانوا مخدوعين في أمر آخرتهم ؟ قيل : خطأ أن يقال إنهم خدعوا المؤمنين ; لأنا إذا قلنا ذلك أوجبنا لهم حقيقة خدعة جازت لهم على المؤمنين , كما أنا لو قلنا : قتل فلان فلانا , أوجبنا له حقيقة قتل كان منه لفلان . ولكنا نقول : خادع المنافقون ربهم والمؤمنين , ولم يخدعوهم بل خدعوا أنفسهم , كما قال جل ثناؤه , دون غيرها , نظير ما تقول في رجل قاتل آخر فقتل نفسه ولم يقتل صاحبه : قاتل فلان فلانا ولم يقتل إلا نفسه , فتوجب له مقاتلة صاحبه , وتنفي عنه قتله صاحبه , وتوجب له قتل نفسه . فكذلك تقول : خادع المنافق ربه والمؤمنين , ولم يخدع إلا نفسه , فتثبت منه مخادعة ربه والمؤمنين , وتنفي عنه أن يكون خدع غير نفسه ; لأن الخادع هو الذي قد صحت له الخديعة ووقع منه فعلها . فالمنافقون لم يخدعوا غير أنفسهم , لأن ما كان لهم من مال وأهل فلم يكن المسلمون ملكوه عليهم في حال خداعهم إياه عنه بنفاقهم ولا قبلها فيستنقذوه بخداعهم منهم , وإنما دافعوا عنه بكذبهم وإظهارهم بألسنتهم غير الذي في ضمائرهم , ويحكم الله لهم في أموالهم وأنفسهم وذراريهم في ظاهر أمورهم بحكم ما انتسبوا إليه من الملة , والله بما يخفون من أمورهم عالم . وإنما الخادع من ختل غيره عن شيئه , والمخدوع غير عالم بموضع خديعة خادعه . فأما والمخادع عارف بخداع صاحبه إياه , وغير لاحقه من خداعه إياه مكروه , بل إنما يتجافى للظان به أنه له مخادع استدراجا ليبلغ غاية يتكامل له عليه الحجة للعقوبة التي هو بها موقع عند بلوغه إياها . والمستدرج غير عالم بحال نفسه عند مستدرجه , ولا عارف باطلاعه على ضميره , وأن إمهال مستدرجيه إياه تركه معاقبته على جرمه ليبلغ المخاتل المخادع من استحقاقه عقوبة مستدرجه بكثرة إساءته وطول عصيانه إياه وكثرة صفح المستدرج وطول عفوه عنه أقصى غاية , فإنما هو خادع نفسه لا شك دون من حدثته نفسه أنه له مخادع . ولذلك نفى الله جل ثناؤه عن المنافق أن يكون خدع غير نفسه , إذ كانت الصفة التي وصفنا صفته . وإذ كان الأمر على ما وصفنا من خداع المنافق ربه وأهل الإيمان به , وأنه غير سائر بخداعه ذلك إلى خديعة صحيحة إلا لنفسه دون غيرها لما يورطها بفعله من الهلاك والعطب , فالواجب إذا أن يكون الصحيح من القراءة : { وما يخدعون إلا أنفسهم } دون : " وما يخادعون " , لأن لفظ المخادع غير موجب تثبيت خديعة على صحة , ولفظ خادع موجب تثبيت خديعة على صحة . ولا شك أن المنافق قد أوجب خديعة الله عز وجل لنفسه بما ركب من خداعه ربه ورسوله والمؤمنين بنفاقه , فلذلك وجبت الصحة لقراءة من قرأ : { وما يخدعون إلا أنفسهم } ومن الدلالة أيضا على أن قراءة من قرأ : { وما يخدعون } أولى بالصحة من قراءة من قرأ : " وما يخادعون " أن الله جل ثناؤه قد أخبر عنهم أنهم يخادعون الله والمؤمنين في أول الآية , فمحال أن ينفي عنهم ما قد أثبت أنهم قد فعلوه , لأن ذلك تضاد في المعنى , وذلك غير جائز من الله جل وعز .

    وَمَا يَشْعُرُونَ

    القول في تأويل قوله تعالى : { وما يشعرون } يعني بقوله جل ثناؤه : { وما يشعرون } : وما يدرون , يقال : ما شعر فلان بهذا الأمر , وهو لا يشعر به إذا لم يدر ولم يعلم شعرا وشعورا , كما قال الشاعر : عقوا بسهم ولم يشعر به أحد ثم استفاءوا وقالوا حبذا الوضح يعني بقوله : " لم يشعر به " : لم يدر به أحد ولم يعلم . فأخبر الله تعالى ذكره عن المنافقين , أنهم لا يشعرون بأن الله خادعهم بإملائه لهم واستدراجه إياهم الذي هو من الله جل ثناؤه إبلاغ إليهم في الحجة والمعذرة , ومنهم لأنفسهم خديعة , ولها في الآجل مضرة . كالذي : 269 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب قال : سألت ابن زيد عن قوله : { وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون } قال : ما يشعرون أنهم ضروا أنفسهم بما أسروا من الكفر والنفاق . وقرأ قول الله : { يوم يبعثهم الله جميعا } قال : هم المنافقون , حتى بلغ { ويحسبون أنهم على شيء } 58 18 قد كان الإيمان ينفعهم عندكم .

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()