من شبهات المبشّرين
أخطاء لغوية مزعومة
بقلم: بسام جرار
تُكثر المواقع التبشيرية من عرض الشبهات. والمطلع على هذه المواقع يجد أنّ شغلهم الشاغل هو التشكيك في الإسلام، في محاولة لصرف الناس عن الدين الحق. وهم لا يفعلون ذلك مع الأديان الأخرى كاليهودية والبوذية والهندوسية....الخ وكأنهم يشعرون بأنّ الخطر الفكري الحقيقي يأتي من مبادئ الإسلام، دون غيره من الديانات التي تعد بالآلاف. ونستطيع أن نفهم دوافعهم التي تدفعهم لاستهداف الإسلام. ولكن الغريب أنهم يقبلون لأنفسهم الكذب والافتراء والتضليل على الرغم من كونهم كثيراً ما يتشدقون بالمبادئ والقيم، ويزعمون أنهم يهدون الناس إلى طريق الله الحق.ومن الشبهات التي يكثرون من ترديدها قولهم: إنّ القرآن الكريم يحتوي على عدد من الأخطاء اللغوية. وسبق لمركز نون أن تلقى العديد من الأسئلة حول هذه المسألة. وكان الأستاذ بسام جرار يقوم بالرد عليها. ونقدم هنا مثالاً على بعض هذه الردود، مع حذف جزء من الرد والاقتصار على ما يصلح إجابة مختصرة تفي بالغرض. يقول الشيخ بسام:
1. واضح أنّ هذا هو أسلوب من يريد أن يشكك وليس أسلوب من يريد الحوار. وهم يعرفون الحقيقة في مثل هذه المسائل ولكنهم يعلمون أنّ هذا الأسلوب قد يُجدي في تشكيك البعض. والتجارب تقول إنهم لا يتورّعون عن الكذب من أجل نصرة وثنيّتهم، وهذا المسلك يجب أن يتنزًه عنه المسلم.
2. قواعد اللغة العربية هي قواعد تم وضعها بعد استقراء اللغة العربيّة. ومعلوم أنّ هذه القواعد قاصرة عن الإحاطة باللغة كلها. ومن هنا يصدق قولهم: " لكل قاعدة شواذ"، أي أنّ القاعدة قاصرة عن صفة الشمول. فالأصل إذن ما يلفظه العربي وليس ما تقوله القواعد المستنبطة التي قُصد بوضعها تقريب العربية وتسهيل تعلمها.
3. أي كلام نطق به عربي كان يعيش في الجزيرة العربيّة قبل العام (150هـ) هو حُجة عند علماء اللغة. وبما أنّ الرسول، عليه السلام، هو عربي عاش في الجزيرة العربية قبل هذا التاريخ، فكل ما نطق به يُعتبر حجّة في اللغة العربية. وعليه لا معنى للقول بأنّ هناك ألفاظاً تخالف اللغة العربيّة، لأنّ العربية هي ما ينطق به العربي.
4. على الرغم من ذلك فإليك هذه المناقشة السريعة لبعض الأمثلة التي تُطرح للتدليل على صدق زعمهم، لتعلم مدى جهلهم باللغة العربية أو لعلهم يتجاهلون، لأنهم - كما يظهر- لا يطلبون الحقيقة:
· الآية 69 من سورة المائدة: " إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى..."، فقد زعموا أنّ رفع كلمة (الصابئون) في الآية الكريمة هو خطأ لغوي. والصحيح أنها مرفوعة على الابتداء والتقدير: والصابئون كذلك. وذلك لأنّ الناس تستبعد أن تكون الصابئة داخلة في الحكم. ولا ننسى أنّ الآية 62 من سورة البقرة هي:" إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والنصرى والصابئين..." فقد جاءت كلمة (الصابئين) منصوبة. فليس هذا إذن كلام من يخطئ لغوياً، ولكنه الكلام البليغ الذي يجعل الإعراب تابعاً للمعنى. وهناك وجوه إعرابية أخرى آثرنا عدم الخوض فيها اختصاراً على القارئ.
· الآية 124 من سورة البقرة: "وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُهُ بكلماتٍ فأتمهنّ، قال إنّي جاعلك للناس إماماً، قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين"، فقد زعموا أنّ الصواب لغة أن يقول:" لا ينال عهدي الظالمون". وكلامهم مقبول لو كان يريد أن يقول لنا: إنّ الظالم لا ينالُ العهد. ولكنه يريد أن يقول لنا: إنّ الظالم لا يناله عهدي، أي: لا يصيبُ عهدي الظالمين. على اعتبار أنّ العهد هنا هو وعد الله لإبراهيم، عليه السلام، وهذا الوعد هو من كمال الرحمة:" نُصيبُ برحمتنا من نشاء". فالوعد رحمة وفضل يتنزل على من يستحقه ولا يتنزل على الظالمين. فالإعراب كما تلاحظ تابع للمعنى.
· الآية 56 من سورة الأعراف: " ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، وادعوه خوفاً وطمعاً، إنّ رحمة الله قريب من المحسنين"، فقد زعموا أنّه كان يجب أن يقول: قريبة وليس قريب!! نقول: قوله تعالى: "إنّ رحمة الله قريب.."، إذا كان المقصود القرب الزماني فيكون المعنى: زمان نزولها قريب، وهذا بعيد هنا. وإذا كان المقصود القرب المكاني فيكون المعنى: مكانها قريب من المحسنين. وهذا – كما قالوا- من لطائف البلاغة القرآنية، لأنّ التأنيث يجعل المعنى يلتبس بالقرب المتعلق بالنسب. فالمشكلة إذن في حقدهم الذي يُعمي، ويبدو أنّ الرحمة مكانها بعيد منهم.
· الآية 160 من سورة الأعراف:"وقطّعناهم اثنتيْ عشْرة أسباطاً أمماً": فقدوا زعموا أنّ الصواب أن يقال:" اثني عشر سبطاً". والصحيح أنّ المعنى: أي قطعناهم اثنتي عشرة قطعة، وكل قطعة هي فرقة، وهي أيضاً قبيلة، وكل قبيلة تتكون من أسباط وليس من سبط واحد. ومن هنا لا يصح أن نقول سبطاً. ويبدو أنهم قد تصوروا أنّ كل فرقة هي سبط، وهذا ما عليه كتبهم. فالقضيّة إذن تاريخيّة وليست لغويّة، والعبرة بالمعنى المراد.
· الآية 19 من سورة الحج: قوله تعالى: "هذان خصمان اختصموا في ربهم...": فقد زعموا أنّ الصواب أن يقال:" هذان خصمان اختصما"، وما أدركوا أنّ هذا يشير إلى أنّ الخصمين هم أكثر من اثنين. وسياق الآيات يدل على أنّ الخصم الأول هم الكفار والخصم الثاني هم أهل الإيمان. وهذا مثل قوله تعالى في سورة الحجرات: " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا"، لأنّ كل طائفة هي جماعة، وهذا أبلغ في اللغة. وعندما تكون مآخذهم بمثل هذه التفاهة يدلك ذلك على أنهم قد أفلسوا فلم يجدوا ما يعترضون عليه اعتراضاً جاداً.
· الآية 69 من سورة التوبة: قوله تعالى:".. وخضتم كالذي خاضوا.."، فقد زعموا أنّ الصواب أن يقال:" وخضتم كالذين خاضوا". والصحيح أنّ المعنى: وخضتم كالخوض الذي خاضوه. ولو قال كالذين خاضوا، لكان المقصود تشبيههم بغيرهم، لكن المقصود تشبيه خوضهم بخوض أولئك.
هذا بعض من كل، يجعلك توقن بأنّهم لا يريدون الحق ولا يبحثون عن الحقيقة. وإنما هو الحسد الذي يملأ قلوبهم؛ فقد ورثوا عن آبائهم كتباً محرفة مليئة بالأخطاء والتناقضات، وخَرقُها يتسع على الراتق. وكأنّهم يظنون أنّ إلصاق مثل هذه الأخطاء والتناقضات بالقرآن الكريم يريح ضمائرهم، ويحفظ لهم رعيتهم التي يتسلطون عليها ويتعيشون من كدها. ثم هم بعد ذلك لعلهم يزحزحون المسلمين عن دينهم فتسهل سيطرتهم وتسود وثنياتهم... فذرهم وما يفترون!!