مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
بقلم الأستاذ الدكتور خليل إبراهيم ملّا خاطر العزّامي
أستاذ الحديث وعلومه بجامعة طيبة بالمدينة المنورة
ومن علامات الساعة التي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: مقتل سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لكن بعد توليه إمراة المؤمنين، وقد تحقق ذلك، فلم يقتل، ولم يمت حتى ولي إمرة المؤمنين، ثم قتل، على حسب الوصف الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أن تخضب لحيته من جبهته رضي الله تعالى عنه.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر عنه رضي الله تعالى عنه أنه شهيد، عند وجوده معه صلى الله عليه وسلم على جبل حراء وكذا على جبل ثبير.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير [زاد في رواية : وسعد بن أبي وقاص].
فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اهدأ، فما عليك إلا نبيٌ، أو صِديقٌ، أو شهيدٌ) رواه مسلم[1].
وقد ورد نحو هذا الحديث عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم، وقد ذكرت رواياتهم في فضائل المدينة المنورة، ومختصره، وفي فضائل مكة المكرمة، ومختصره أيضاً. فانظرها.
وأما بخصوص إخباره رضي الله تعالى عنه بمقتله، وصفة قتله:
فعن أبي الأسود الدؤلي رحمه الله تعالى، عن علي رضي الله تعالى عنه قال : قال لي عبد الله بن سلام ـ وقد وضعت رجلي في الغرز، وأنا أريد العراق ـ [أين تريد ؟ قلت : العراق] قال : لا تأت أهل العراق، فإنك إن أتيتهم، أصابك ذباب السيف.
قال عليٌ: وأيم الله، لقد قالها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو الأسود: فقلت في نفسي: ما رأيت كاليوم، رجلاً محارباً يحدث الناس بمثل هذا. رواه الحميدي وأبو يعلى والبزار وأبو نعيم وصححه ابن حبان والحاكم، وقال الهيثمي: رجال أبي يعلى رجال الصحيح، غير إسحاق بن أبي إسرائيل وهو ثقة مأمون[2].
ولما مرض رضي الله عنه وهو في ينبع عاده بعض الصحابة والتابعين، وطلبوا منه أن ينتقل إلى المدينة، حتى إذا حضر أجله وليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم وصلّوا عليه، أما إذا مات في مكانه فلا يحضره إلا أعراب جهينة. فأجابهم رضي الله تعالى عنه بهذا الحديث.
فعن أبي سنان الدؤلي رحمه الله تعالى، أنه عاد علياً رضي الله عنه في شكوى له شكاها، قال: فقلت له : لقد تخوّفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه، فقال: لكني ـ والله ـ ما تخوّفت على نفسي منه، لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق يقول: (إنك ستُضرب ضربةً ههنا، ويكون صاحبها أشقاها، كما كان عاقرُ الناقة أشقى ثمود) رواه عبد بن حُميد والبخاري في تاريخه وابن أبي عاصم والطبراني وأبو يعلى، والحاكم وصححه، وحسنه الهيثمي[3].
ورواه أحمد وابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن سعد والخطيب البغدادي، عن عبد الله بن سبع، عن عليٍّ رضي الله تعالى عنه[4].
ورواه أحمد والبزار وابن أبي عاصم وأبو نعيم والحاكم وابن أبي شيبة والحارث، عن فضالة بن أبي فضالة، عن عليٍّ رضي الله عنه[5].
وزادوا في أوله: قال: عليٌ رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليَّ أني لا أموت حتى أؤمّر، تخضب هذه ـ يعني : لحيته ـ من هذه ـ يعني : هامته.
ورواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن سعد بإسناد صحيح، عن عبيد السَّلمانيُّ، عن عليٍّ رضي الله تعالى عنه موقوفاً. ومثله له حكم الرفع.
ورواه البزار وأبو يعلى ـ بإسناد حسن ـ عن ثعلبة بن يزيد، عن عليٍّ رضي الله تعالى عنه[6].
وقد ورد من طرق أخرى غيرها عن عليٍّ رضي الله تعالى عنه.
كما ورد عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم، كأنس وصهيب وجابر بن سمرة[7] وعمار، وأقتصر على رواية عمار رضي الله عنه.
فعنه رضي الله تعالى عنه قال: كنت أنا وعليٌّ رفيقين في غزوة ذي العُشيرة، فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام بها، رأينا ناساً من بني مدلج، يعملون في عين لهم في نخل، فقال لي عليٌّ : يا أبا اليقظان، هل لك أن نأتي هؤلاء، فننظر كيف يعملون؟ فجئناهم، فنظرنا إلى عملهم ساعة، ثم غشينا النوم، فانطلقت أنا وعليٌّ فاضطجعنا في صورٍ من النخل، في دقعاء من التراب، فنمنا، فوالله ما أهبَّنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرِّكنا برجله، وقد تترّبنا من تلك الدَّقعاء، فيومئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليٍّ : (يا أبا تراب) لما يرى عليه من التراب، قال : (ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين؟ ) قلنا: بلى يا رسول الله، قال : " أحيمرُ ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذه " يعني: قرنه " حتى تُبلَّ منه هذه " يعني : لحيته. رواه أحمد والنسائي في فضائل علي والبخاري في تاريخه والبزار والطحاوي وابن أبي عاصم وأبو نعيم والدولابي، وصححه الحاكم وأقره الذهبي، وقال الهيثمي : رجاله موثقون[8]. فالحديث بمجموع طرقه صحيح، والله تعالى أعلم.
وجه الإعجاز : إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن أمور غيبية تحدث بعد وفاته.
المرجع: كتاب مختصر أشراط الساعة بقلم الأستاذ الدكتور خليل إبراهيم ملّا خاطر العّزامي أستاذ الحديث وعلومه بجامعة طيبة بالمدينة المنورة.
[1] صحيح مسلم : كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما، رقم ( 50).
[2] مسند الحميدي(1: 30) ومسند أبي يعلى ( 1: 381) والبحر الزخار ( 2: 295ـ 296) وكشف الأستار ( 3: 203ـ 204) وصحيح ابن حبان ( 15: 127) والمستدرك ( 3: 140) والآحاد والمثاني ( 1: 144) ومعرفة الصحابة (1: 84) ومجمع الزوائد ( 9: 138).
[3] مسند عبد بن حُميد ( 60 رقم 92) والتاريخ الكبير ( 8:320) والآحاد والمثاني ( 8:146) والطبقات الكبرى ( 1: 63، 64) ومسند أبي يعلى ( 1: 430ـ 431) والمستدرك (3: 113) ومجمع الزوائد ( 9:137) وإتحاف الخيرة المهرة ( 9: 284).
[4] مسند أحمد ( 1: 130، 156) ومصنف أبن أبي شيبة ( 14: 596) (15: 118) والطبقات الكبرى (3: 34) ومسند أبي يعلى ( 3: 443) وتاريخ بغداد ( 12: 75) ومجمع الزوائد ( 9: 137) وتهذيب الكمال ( 15:6).
[5] مسند أحمد ( 1:102) وبشرح الشيخ أحمد شاكر ( 2: 133ـ 134ـ 242) وفضائل الصحابة له ( 2: 694) والبحر الذاخر (3: 137) وكشف الأستار ( 3: 202ـ 203) ومعرفة الصحابة ( 1: 84) والمستدرك ( 3: 113) والآحاد والمثاني ( 1: 145) ودلائل النبوة (6: 438) ومجمع الزوائد ( 5: 185) = ( 9: 136ـ 137) وبغية الباحث ( 2: 905ـ 906) والمطالب العالية ( 4: 325) وإتحاف الخيرة المهرة ( 9: 285ـ 286).
[6] البحر الزخار ( 3: 92ـ 93) ومسند أبي يعلى ( 1: 442) وكشف الأستار ( 3: 203ـ 204ـ 205) ومجمع الزوائد ( 9: 137) .
[7] انظر : المستدرك (3: 139) ومجمع الزوائد (139ـ 137) ومسند أبي يعلى (1: 377ـ 378) وانظر الاستيعاب لابن عبد البر.
[8] مسند أحمد ( 4: 263ـ 264) وفضائل الصحابة له ( 2: 686ـ 688) والتاريخ الكبير ( 1: 71) وفضائل علي رضي الله عنه للنسائي ( 162ـ 163ـ رقم 153) والبحر الزخار ( 4: 254) وكشف الأستار (3: 202) وشرح مشكل الآثار ( 2: 281، 282) والآحاد والمثاني ( 1: 147) والكنى للدولابي (2: 163) والمستدرك (3: 140ـ 141) وحلية ( 1: 141) ودلائل النبوة له ( 2: 708 رقم 490) ودلائل النبوة للبيهقي ( 3: 12ـ 13) ومجمع الزوائد ( 9ك 136) وتاريخ الخلفاء ( 173) .