بتـــــاريخ : 10/5/2009 8:01:00 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1493 0


    رسالة إلى أصحاب الأسرة البيضاء

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : محمد حسان | المصدر : www.mohamedhassan.org

    كلمات مفتاحية  :

    رسالة إلى أصحاب الأسرة البيضاء

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
     
     يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ  [آل عمران:102]
     
        يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَ لُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]
     
        يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً  يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً  [الأحزاب:70-71]
     
    أما بعد
     
    فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة فى النار .
     
    فحيَّا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وذكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور.
    طبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا
    ً.
    حياكم الله جميعاً وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنى وإياكم في الدنيا دائما وأبداً على طاعته وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار كرامته.  
    إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شىء قدير..
     
    أحبتي في الله :
    " رسالة إلى أصحاب الأسرة البيضاء "
     
    هذا هو عنوان لقاءنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك وكعادتنا فسوف ينتظم حديثنا مع حضراتكم تحت هذا العنوان في العناصر التالية .
     
    أولاً : صبر أيوب
    ثانياً: قصة مثيرة لامرأةٍ صابرةً بالمنصورة .
    ثالثاً : رسالة إلى أصحاب الأسرة البيضاء .
    وأخيراً : رسالة إلى أهل العافية من البلاء .
    فأعيروني القلوب والأسماع ، والله أسأل أن يرزقنا وإياكم الإخلاص .
     
    أولاً : صبر أيوب
    أحبتي في الله
    إن الله جل وعلا قد جعل الصبر جواداً لا يكبو ..
    وجنداً لا يُهزم .. وحصناً لا يُهدم وبين أن الصابرين في معية الله ويالها من كرامة قال جل وعلا وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ الأنفال :46
    وبَيَنَ فضل الصابرين وكرامتهم فقال سبحانه وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ البقرة 155 - 157
    بل وجعل الله الأمانة في الدين منوطة بالصبر مع اليقين .
    قال جل وعلا  وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ السجدة 24
    بل وبين الله سبحانه كرامة الصابرين في الجنة بدخول الملائكة للسلام عليهم فقال جل وعلا وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ   سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ  الرعد 24
    وبين جل وعلا في الجملة أن ثواب الصبر لا حدود له فقال سبحانه  إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ الزمر 10
    فما هو الصبر ؟
    الصبر لغة : المنع والحبس .
    والصبر شرعاً : حبس النفس عن الجزع ، وحبس اللسان عن التشكي ، وحبس الجوارح عن المعاصي ، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
    صبر على المأمور : أي صبر على الطاعة .
    وصبر على المحظور : أي صبر عن المعصية .
    وصبر على المقدور : أي ما قدره الله عليك من المصائب والمحن والبلايا .
     
    والصبر الجميل : هو الذي يبتغي به العبد وجه الله الجليل لا تحرجا من أجل ألا يقول للناس جزع ، ولا .أملاً في أن يقول الناس صَبر ، وإنما يصبر يبتغي بصبره وجه الله جل وعلا ، يصبر واثقاً في الله ، مطمئناً بقضاء الله وقدر الله ، مستعلياً على الألم ، مترفعاً على الشكوى .
    والتحقيق أن الشكوى نوعان : شكوى إلى الله وشكوى من الله .
    أعاذنا الله وإياكم من الأخيرة .
    الشكوى إلى الله : لا تنافي الصبر فلقد مدح الله نبيه يعقوب وأثبت له الصبر في قرآنه وقد رفع يعقوب شكواه إلى مولاه فقال إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ يوسف 86
    وأثنى الله على عبده أيوب عليه السلام فقال جل وعلا إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ                                                         ص : 44
    ومع ذلك فقد رفع نبي الله أيوب شكواه إلى الله كما قال الله جل في علاه : وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ                  الأنبياء : 83
     
    الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر أما الشكوى من الله : أعاذنا الله وإياكم منها . هى شكوى للمخلوق من الخالق .
    وإذا ذكر الصبر ذُكِرَ تبيُ الله أيوب على نبينا وعليه السلام .
    فلقد ابتلى الله أيوب في ماله وولده وبدنه .
    فقد المال كله !! مات جميع أبنائه جملة واحدة !!
    ابتلاه الله في جسده .. أقعده في الأرض وأصيب بمرضٍ ألزمه الفراش .
    لم يسلم من بدنه البتة إلا قلبه ولسانه !!
    فصبر وامتلأ قلبه بالحب لله والرضا عن الله !!!
    فلقد ابتلى الله جل وعلا أيوبَ عليه السلام في ماله وولده وبدنه !!
    فقد ضاع مالُه كُلُه !!
    ومات جميع ٌ أبنائه !!
    وابتلى بمرض في جسده أقعده في الأرض وألزمه الفراش ولم يسلم له من بدنه كله إلا قلبه ولسانه !!
    أما قلبه فقد امتلأ بالحب لله والرضا عن الله ، وأما لسانه فلم يفتر عن ذكر الله !!!
    أما قلبه فقد امتلأ بالحب لله والرضا عن الله وأما لسانه فلم يفتر عن ذكر الله جل وعلا وهذه والله هى الحياة ففي الصحيحين عن أبي موسى أن النبي قال " مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت " (1)
    فالذاكر لله حي وإن ماتت منه الأعضاء !! والغافل عن ذكر الله ميت وإن تحرك بين الأحياء !!
    وفزعت زوجته الصابرة الوفية حينما قالت له : ادعوا الله ليفرج كربك فقال نبي الله أيوب : لقد عشت سبعين سنة وأنا صحيح ولله عَلَيَ أن أصبر سبعين سنة وأنا سقيم !!
    واختلفت الآراء في المدة التي مكثها نبي الله في البلاء وأًصح ما ورد في هذه الأقوال مارواه الإمام الطبري وابن حبان وابن حاتم والبزار والحاكم في مستدركه وصححه على شرط الشيخين وقال الإمام الهيثمي في المجمع ورجال البزار رجال الصحيح من حيث أنس بن مالك أن نبي الله  قال " إن نبي الله أيوب مكث في بلائه ثلاث عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد ، إلا رجلين من خواص أصحابه ، كانا يغدوان عليه ويروحان فقال أحدهما للآخر : لقد أذنب أيوب ذنباً عظيماً وإلا لكُشف عنه هذا البلاء "
    قال أهل التفسير : فلما سمع أيوب ذلك خشي الفتنة فلجأ إلى الله جل وعلا بهذا الدعاء الحنون الذي سجله الله في قرآنه فقال جل وعلا : وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ                 الأنبياء : 83
    انظر إلى الجواب َاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ           الأنبياء : 84
    ما الذي حدث ؟!!
    أمر الملك القدير جل وعلا نبيه أيوب أن يضرب الأرض من تحت قدميه ، فضرب أيوب المريض المسكين الأرض ضربة هينة بقدمه ففجر الله عيناً من الماء ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ص : 42
     
    أمر الله أيوب أن يشرب فشرب أيوب من الماء فشفاه الله من جميع أمراضه الباطنة ، فأمره أن يغتسل فاغتسل فشفاه من جميع أمراضه الظاهرة وصدق الله إذ يقول وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ الأنعام : 17
    أيها المُبتلى :
    كن عن همومك معرضاً
    وانعم بطول سلامة
    فلربما اتسع المضيق
    الله يفعل ما يشاء..
     
    قل للطبيب تخطفته يد الردى
    قل للمريض نجا وعُوفي بعدما
    قل الصحيح مات لا من علة
    بل سائل الأعمى خطى وسط الزحام
     
    بل سائل البصير كان يحذر حفرةً
    وسل الجنين يعيش معزولاً بلا راع
    وسل الوليد بكى وأجهش بالبكاء
    وإذ ترى الثعبان ينفث سمه
    وأسأله كيف تعيش يا ثعبان
     وأسأل بطون النحل كيف تقاطرت
    بل سائل اللبن المصفى من بين فرث
    ودع الأمور إلى القضا
    تغنيك عما قد مضى
    وربما ضاق الفضا
    فلا تكن متعرضا
     
     يا شافى الأمراض من أرداك ؟!
    عجزت فنون الطب من عفاك ؟!
    من يا صحيح بالمنايا دهاك ؟!
    بلاً أصطدام من يا أعمى يقود خطاك؟!
     
    فهوىَ بها من ذا الذي أهواك ؟!
    ومرعى من ذا الذي يرعاك ؟!
    لدى الولادة ما الذي أبكاك ؟!
    فسله من يا ثعبان بالسموم حشاك ؟!
    أو تحيا وهذا السم يملأ فاك
     شهداً وقل للشهد من حلاك ؟!
    ودم من ذا الذي صفاك ؟!
     قل إن الأمر كله لله ..
     ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ص : 42
    فاغتسل نبي الله وشرب فشفاه الله عز وجل وعافاه في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال :
    " أمطر الله عز وجل عليه جرادا من ذهب فقام نبي الله أيوب ليأخذ الجراد من ربه العلي ليضعه في ثوبه ، يأخذ الجراد ويضعه في ثوبه فنادى عليه ربه جل وعلا قال يا أيوب أما تشبع ؟ فقال أيوب ومن يشبع من رحمتك يارب ومن يشبع من رحمتك يارب "(3)
    وهكذا نجى الله أيوب ورفع عنه البلاء بعد هذه السنوات الطوال من الصبر الصادق .
    وأود قبل أن أنهي الحديث عن هذا العنصر أن أحذر مَنْ لا يجيدون السباحة في البحور الهائجة ، ومن لا يجيدون النزال من اقتحام الخطوب والأهوال من أمثال الذين انساقوا وراء اسرائيليات خطيرة شُحنت بها الكتب .
    من أمثلة هذا الكذب بأن الله قد ابتلى نبيه بالدود وكانت كلما سقطت دودة من جسده انحنى إليها ورَدَها إلى جسده مرة أخرى وانبعثت منه رائحة كريهة اشمَأَزَ منها الناس وانصرفوا عنه !! كذب عريض.. كذب حقير خطير يمتهن العقول السليمة والطباع الكريمة التي تعلم يقيناً أن الله عز وجل قد نَزَهَ أنبياءه ورسله من مثل هذا .
     
    ثانياً : قصة مثيرة لأمرأة صابرة بالمنصورة
     
    أحبتي في الله : لولا أنني وقفت على هذه القصة بنفسي ورأيت هذه المرأة المسلمة الصابرة بعيني لظننت أن قصتها ضرب من الخيال .
    امرأة من أمة الحبيب المصطفى تجسد لنا في قرننا العشرين صبر نبي الله أيوب .. الحمد لله أن رأينا من أمة الحبيب من يحاكي صبر الأنبياء
    هذه المرأة تبدأ قصتها بمولدها بقرية جُدَيدة الهالة بمركز المنصورة .
    وفي الثامنة عشرة تتزوج .
    وبعد سنتين تنجب طفلها الوحيد وفي عام سبعة وستين يهاجمها المرض فتحس بالآم شديدة في بطنها فَتُنْقَل على الفور إلى المستشفى الجامعي بالمنصورة ويشخص الأطباء المتخصصون الحالة بأنها انسداد في الأمعاء الدقيقة ويقرر الأطباء للمريضة المسلمة الصابرة جراحة عاجلة لاستئصال جزء من الأمعاء !!
    وبعد ستة أشهر قرر الأطباء مرة أخرى جراحة ثانية لاستئصال جزء أكبر من الأمعاء !!
    وبعد ستة أشهر قرر الأطباء جراحة عاجلة لاستئصال جزء جديد من الأمعاء !!
    وفي هذه المرة اكتشف الأطباء أن المرأة مصابة بمرض خطير شهير ألا وهو مرض " الدرن " المعروف عالمياً بـT.B  وهنا قرر الأطباء عدم التدخل الجراحي واكتفى الأطباء بالعقاقير والحقن وتركوا أمرها لله جل وعلا !!
    صبرت المرأة واستسلمت لقضاء الله وقدره جل وعلا .
    لا يفتر لسانها عن ذكر الله سبحانه ويلهث لسانها بالثناء وبالشكر على الله جل وعلا .
    ثم هاجمها المرض هجوماً عنيفاً بعد ذلك فانتقل هذا المرض الحطير إلى الأمعاء الدقيقة كلها !!
    ثم انتقل المرض بعد ذلك إلى كلِيتها اليمنى فتوقفت الكِلية اليمنى تماماً !!
    ثم انتقل المرض بعد ذلك إلى الرحم فأصيب الرحم بهذا المرض !!
    ثم انتقل المرض بعد ذلك إلى العظام فنخر المرض العظام نخراً !!
    وأصبحت العظام هشة متآكلة ثم فقدت عينها اليسرى فلم تعد ترى بها !!
    انظر إلى هذه المراحل من مراحل الإبتلاء ومع كل مرحلة إذا ما عَلمِت من الطبيب ما ابتلاها الله به تبتسم وتنظر إلى السماء وتقول : الحمد لله .. الحمد لله..
    جَبَلُ من جِبَال الصبر .. منذ عام سبعة وستين لم تفارق سريرها في المستشفى الجامعي !!
    طلقها زوجها بعد ست سنوات من المرض ثم مات ولدها الوحيد وهو في الرايعة من عمره واحتسبته عند الله جل وعلا ..
    وفي عام 85 قبل موسم الحج استمعت في أحد أشرطة الكاسيت محاضرة تتحدث عن الحج فقررت قراراً عجيباً !! ما هو ؟!!
    قررت أن تحج بيت الله الحرام !! ما هذا ؟!!
    وقالت للطبيب المختص أريد أن أحج بيت الله الحرام !! فابتسم
    قالت : لقد عَزمْتُ وتوكلت على الله ، فهددها الأطباء بأنها لو فارقت سريرها ستعرض حياتها للخطر في التو واللحظة ..!! فقالت بكل ثقة ويقين أريد أن ألقى الله وأنا على طاعة له !! الله أكبر
    قررت أن تلقي الله عى طاعة .. فباعت ما تملك من الأرض وقررت حج بيت الله الحرام واقترب منها طبيب تقي نقي وحثها على ذلك وسأل الله عز وجل لها الثواب .
    وجاء يوم السفر وجئ بالسيارة التي ستحملها إلى المطار تقدم الأطباء لنزع الخراطيم من هذا الجسد النحيل الضئيل فهى إمرأة لا تعيش إلا بهذه الخراطيم استغفر الله بل لا تعيش إلا بإرادة الملك لرب العالمين !!
    الخرطوم الأول ينزع .. ما وظيفته ؟ توصيل المحاليل الغذائية لأن المرأة لا تأكل منذ عام سبعة وستين ..!!
    بل تعيش على هذه المحاليل الغذائية عبر هذه الخراطيم !!
    الخرطوم الثاني أعزكم الله لاستخراج الفضلات .
    الخرطوم الثالث لأكياس الدماء يوصلونها للبدن الضئيل .
    الخرطوم الرابع لإخراج الرايل من الأمعاء الدقيقة عن طريق الأنف .
    ومع ذلك وقف الأطباء يتوقعون لها الموت مع نزع أول خرطوم فَنُزِعَت الخراطيم واحداً تلو الآخر والمرأة تتحدث وتبتسم لأنها ذاهبة لحج بيت الله الحرام !!!
    وحُملت في السيارة ثم إلى الطائرة وحمِلت في جميع مناسك الحج وأدت فريضة الله جل وعلا بإعجاز الملك الذي يقول للشئ كن فيكون وهي تحكي هذه القصة وتقول ما أكلت شيئاً إلا عن طريق الفيتامينات وعن طريق الأدوية !!
    قضت هذه الفترة وهى تبكي طوال الرحلة تشكر الله جل وعلا الذي أعانها أن رأت بيته وانطلقت إلى المدينة لزيارة المسجد النبوي والسلام على الحبيب النبي .
    وعادت بعد حج بيت الله الحرام وزيارة مسجد النبي عليه السلام ، إلى السرير مرة ثانية ونامت على فراشها .. في سريرها الأبيض وطلبتني لزيارتها فذهبت لزيارتها مع بعض الأحبة وهم معنا الآن في المسجد ، ذهبت إليها لأذكرها بالله .. ووالله ذهبت لأذكرها فذكرتني هى بالله !! وخرجت من عندها وقد احتقرت نفسي واحتقرت جهدي واحتقرت عملي لله جل وعلا ..
    امرأة عجيبة لا يفتر لسانها عن ذكر الله ولا يفتر لسانها عن الثناء والحمد لله جل وعلا!!
    أنظر إلى غرفتها أيها المسلم قسمت غرفتها إلى قسمين فصلت الغرفة بستارة وجعلت النصف مسجداً لله جل وعلا وجعلت النصف الآخر لسريرها ووضعت إلى جوارها صندوقاً لجمع التبرعات من أراد أن يتبرع لفقراء المرضى ممن يعجزون عن شراء الدواء !!
    وجعلت إلى جوارها مكتبة صغيرة للأشرطة مع جهاز الكاسيت إذا ما دخل عليها طبيب أو ممرضة أعارته شريطاً لمحاضرة من المحاضرات .
    وهى في هذه الحالة .. تدعوا إلى الله .. إنها الحياة.. هذه والله هى الحياة ..
    فكم من أناس يتحدون الله بِنَعمَه عليهم وهذه المرأة في هذه الحالة لا تفتر عن الدعوة إلى الله جلَ وعلاَ .
    تدعو إلى الله بالأشرطة الإسلامية .. تدعو إلى الله بالصدقة .. تدعو إلى الله بالإصلاح بين المرضى .. هيأت حياتها كلها لطاعة الله جل وعلا ولسانها ذاكر .. وقلبها شاكر وجسدها على البلاء صابر .
    فذهبت إليها قبل أن تلقي ربها بأربعة أيام فقلت : كيف حالك ؟!
    قالت الحمد لله ، فأثنيت عليها أنا عليها خيراً .. فقالت والله إني لخائفة !!!
    قلت : لماذا ؟ قالت أخشى ألا يتقبل الله مني صبري طيلة هذه السنوات !! ولكن ادعو الله لي أن يرزقني حسن الخاتمة ..
    قلت أبشري لقد أجري الله الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شئ مات عليه ومن مات على شئ بٌعِثَ عليه وفي يوم الأربعاء العاشر من أبريل لعام ستة وتسعين توفيت ولسانها رطب بذكر الله – رحمها الله تعالى وجمعنا بها في جنات النعيم وصدق الله إذ يقول إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ فصلت 30:32
    ما أرخصها من حياة إن عشت لشهواتك ونزواتك .. ما أرخصها من حياة يا من لا تعيش إلا من أجل متاع الدنيا الحقير ، ما أرخصها من حياة يا من تعيش من أجل كرسيك الزائل ومنصبك الفاني !!
    وما أغلاها من حياة يا من بذلت وقتك كله لطاعة الله ما أغلاها من حياة يا من استخدمت كل نعمة من نعم الله التي أنعم الله بها عليك لمرضاة الله جل وعلا ومن ثم فها أنذا أوجه رسالة إلى أصحاب الأسرة البيضاء وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر هذا اللقاء .
    رسالة إلى أصحاب الأسرة البيضاء
     
    إلى كل مسلم ومسلمة من أصحاب الأمراض والبلاء قد حبسهم المرض على الأسرة البيضاء ، فصبروا على قدر الله واطمأنت قلوبهم بالقضاء .
    أيها المسلمون المبتلون على فراش المرض أو في أي مكان اصبروا وأبشروا .
    أيها المبتلون الصابرون اعلموا أن الحياة الحقيقية هى حياة القلوب حينما تمتلئ بالإيمان بعلام الغيوب اعلموا أن الحياة الحقيقة في انطلاق اللسان بذكر الرحمن وإن حُبست عن الحركة الرجلانُ واليدان !!
    أيها المبتلون الصابرون أبشروا بحديث رسول الله  : ففي الحديث الذي رواه مسلم من حديث صهيب الرومي أن النبي قال عجباً لأمر المُؤمن إن إمرهُ كُلهُ خير وليس ذلك لأحد إلا للمُؤمن إن أصابتهُسراء شكر فكان خيراً لهُ وإن أصابتهُ ضراء صبر فكان خيراً له " (3)
    أيها المبتلون الصابرون أبشروا بحديث الرسول  الذي رواه البخاري وغيره من حديث الرسول : "ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم وحزن ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفرالله من خطاياه "(4)
    وقد ابتلى المصطفى بالحٌمَى وانتفض جسده الشريف من شدة حرارتها  ودخل عليه ابن مسعود والجديث في الصحيحين فقال ابن مسعود : إنك لتوعك وعكاً شديداً يا رسول الله ، فقال المصطفى "
    " أجل يا عبد الله إني أٌوعَك كما يُوعَكُ الرجلان منكم " .
    فقال ابن مسعود : ذلك بأن لك أجرين يا رسول الله ؟
    قال : أجل ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فيما سواه – حتى الشوكة يشاكها – إلا حطَ الله بها من سيئاته كما تحط الشجرة ورقها "(5)
    المرض يحط عنك الخطايا أيها المبتلى الصابر .
    قال الله تعالى أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ    العنكبوت 2 - 3
    وقال تعالى أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ                                                      البقرة 214
    أيها المبتلى الصابر أبشر بحديث الذي رواه أحمد والترمذي وهو حديث حسن صحيح من حديث مصعب بن سعد بن مالك عن أبيه قال :
    "سألت النبي أي الناس أشد الناس بلاءً ؟ قال  الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على قدر دينه فإن كان فيدينه صلابة اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يبرح البلاءبالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة"(6)
    فالبلاء رحمة إن صبرت عليه يُكَفَر الله به عنك الخطايا أيها المبتلى المسلم الصابر .
    واذكركم يا أصحاب الأسرة البيضاء بهذا الحديث الصحيح عن رسول الله  قال :" لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لابد متمنيا للموت فليقل اللهم أحيني ماكانت الحياة خيرا لي ، وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي "(7)
     
    وأختم هذه الرسالة إليكم أيها المسلمون الصابرون بهذه الكلمات الدقيقة لشداد بن أوس رضي الله عنه إذ يقول :
    " لا يتمنين أحدكم الموت لضر وقع به فإن كان لا بد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانتالحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الحياة خيرا لي " (8)
    وأختم هذه الرسالة إليكم أيهاالمسلمون الصابرون بهذه الكلمات الدقيقة لشداد بن أوس رضي الله عنه إذ يقول (أيهاالناس لا تتهموا الله في قضائه فإن الله لا يظلم أحدا فإذا أنزل بك شيئا تحبه فاحمدالله على العافية وإذا أنزل بك شيئا تكرهه فاصبر واحتسب واعلم بأن الله جل وعلاعنده حسن الثواب) أسأل الله جل وعلا لهذه المرأة المسلمة أن يغفر لها وأن يتقبلهاعنده في الشهداء فإن النبي قد أخبر أن من مات من المسلمين ببطنه فهو شهيد عند اللهجل وعلا والحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال النبي (ما تعدون الشهيد فيكم) قالوا من قتل في سبيل الله فهو شهيد قال المصطفى (إن شهداء أمتي إذا لقليل) قالوافمن هم يا رسول الله قال (من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في الطاعون فهوشهيد ومن مات في البطن فهو شهيد) (9)
    وفي رواية الموطأ والترمذي أن رسول الله قال"الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله"والمبطون هو الذي يشكو بطنه هذا فضل الله جل وعلا أسأل الله جل وعلا أن يتقبلهاعنده في الشهداء وأسأل الله لجميع إخواننا وأخواتنا من أصحاب الأسرة البيضاء ممنابتلاهم الله عز وجل بالأمراض والبلاء أن يجعل شفاءهم سهلا ميسورا اللهم اشفيمرضانا ومرضى المسلمين اللهم اجعل شفاءهم سهلا ميسورا يا أرحم الراحمين، اللهم أبدلهم لحماً خيراً من لحمهم ، ودماًخيراً من دمهم وأنزل عليهم رحمةً عاجلةً عليهم يارب العالمين .
    وأخيراً أخنم هذا اللقاء برسالة إلى أهل العافية من البلاء أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأرجئ الحديث عن هذا العنصر إلى ما بعد جلسة الإستراحة وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
     
    الخطبة الثانية :
    الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله .
    اللهم صلي وسلم وزذ وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه
    وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين .
    أما بعد
    أيها الأحبة : أذكر نفسيوإياكم جميعاً وأقول : اسجدوا لله شكراً على العافية بعد الإسلام فإن الصحة تاجُ على رؤوس الأصحاء يتلألأ لا يراه إلا المرضى !!
    يا مًنْ مَنَ الله عليك بالعافية اسجد لربك شكراً على هذه النعمةَ واعلم بأن نعمة الله عليك بالعافية بعد الإيمان هى أعظم نِعَمِهِ عليك .
    هناك من الناس من يظن أن الرزق هو المال ونسى نعمة العافية ونعمة الصحة ونعمة الإسلام قبل ذلك .
    واعلم بأن الشكر يدور على ثلاثة أركان :
    الاعتراف بالنعمة باطناً ، والتحدث بالنعمة ظاهراً ، واستغلال النعمة في طاعة الله جل وعلا .
    فالحمد يدور على القلب واللسان .
    أما الشكر فأنه يدور على القلب واللسان والجوارح والأركان .
    قال الرحيم الرحمن " اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا " سبأ : 13
    وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قام النبي حتى تفطرت قدماه فقيل له ألم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟
    فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم " أفلا أكون عبداً شكوراً "(10)
     
    النفس تجزع أن تكون فقيرة
    والفقر خير من غنى يطغيها
    وغنى الفوس هو الكفاف فإن
    أبت فجميع ما في الأرض لا يكفيها
    هى القناعة فالزمها تكن ملكا
    لو لم تكن لك راحة البدن
    وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها
    هل راح منها بغير الطيب والكفن
     
    وقد قيل لرجل كبف أصبحت ؟ قال : أصبحت بين نعمتين لا أدرى أيتهما أفضل ذنوب سترها الله علىَ لا يستطيع أحدُ أن يعيرني بها .
    ومودة قذفها الله لي في قلوب عباده لا يبلغها عملي !!
    فإن مَنَ الله عليك بالعافية فاشكر الله عليها .
    فالشكر لا يكون إلا باستغلالها في كل ما يرضيه .
    إن مَنَ الله عليك بالأولاد فأشكر الله على هذه النعمة فيكون الشكر بتربية الأولاد على كتاب الله وسنة الحبيب رسول الله .
    إنَ مَنَ اللعه عليك بالزوجة فاشكر الله على هذه النعمة واتقي الله فيها وربها على كتاب الله وعلى سنة رسول الله .
    إن مَنَ الله عليك بمنصب أو كرسي فاشكر الله على هذه النعمة وسَخَر الكرسي والمنصب لتفرَج هموم الناس وكربات الناس .
    إن مَنَ الله عليك بالأموال فاشكر الله على هذه النعمة واعلم بأن الشكر لا يكون إلا بالبذل والعطاء والإنفاق .
    إن مَنَ الله عليك بالعلم فاعلم بأن الشكر لا يكون إلا بالتعليم والتحرك هنا وهناك والدعوة لله جل وعلا .
    ثانياً " من رسالتي لأهل العافية :
     وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ النحل : 18
    أما تستحى يا من تستعمل نعمة العافية في معصية الله !!
    أما تستحي بعد سماع هذا الموضوع في الجمعة الآن أو عبر الشريط في أي مكان !!
    أما تستحي يا من تتجرأ على معصية الله بنعمة الله ألا وهى العافية !!
    يا من استعملت بصرك لتتبع العورات والحرام أما تستحي !!
    تَذَكَر من فَقَدَ بصره .
    يا من استعملت سمعك في سماع الحرام أما تستحي !!
    تَذَكَر من فَقَدَ سمعه !!
    يا من يدك التي تبطش وتظلم بها أما تستحي !!
    تذكر من فقد يده !!
    يا من استعملت رجليك في السعي لمعصية الله أما تستحي !!
    تذكر من ألزمه المرضُ الفراش !!
    يا من استعملت منصبك وكُرسِيَك الذي جلست عليه لظلم العباد والتحقبر لخلق الله أما تستحي !!
    تذكر ضعفك وفقرك وعجزك فأنت مسكين وضعيف ولولا أن الله عز وجل قد أطلق البدن للزمت الأرض وللزمت الفراش .
    فإياك أن يغرك مركزك !! إياك أن يغرك منصبك !! إياك أن يغرك جاهك ووجاهتك !! فأنت ضعيف أيها المسكين !!
    تحمل البصاق في فمك !! وتحمل المخاط في أنفك!! وتحمل العرق تحت إبطيك !! وتحمل البول في مثانتك !!
    وتحمل النجاسة في بطنك !! وتمسح عن نفسك الجناسة بيدك كل يوم مرة أو مرتين !!
    يا أيها الإنسان ما غَرَكَ بربك الكريم .. يا من غَرَكَ جاهك .. اعلم بأن الله جل وعلا قادر على أن يسلبه منك .. واعلم بأن كرسيك إلى زوال وأن منصبك إلى فناء إّ لو دام الكرسي الذي جلست عليه لأحد ما وصل إليك .
    اعلم بأن الدنيا كلها إلى زوال وبأن المناصب كلها إلى فناء .
     
    أين الظالمون ؟! وأين التابعون لهم
    في الغي ؟ بل أين فرعون وهامان ؟!
    أين من دَوَخوا الدنيا بسطوتهم
    وذكرهم في الورى ظلم وطغيان ؟!
    هل أبقى الموت ذا عز لعزته
    أو هل نجا منه بالسلطان إنسان
    لا والذي خلق الأكوان من عدم
    الكل يفني فلا إنس ولا جان
     
    وصدق الله إذ يقول : كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ الرحمن 26 -27
    تذكروا هذا يا أهل العافية لا تبخلوا على إخوانكم المرضى بالزيارة والدعاء فحق المريض علينا الزيارة ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي قال (( حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس)) (12)
    واسمع إلى هذا الحديث الجميل الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي  قال " يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال: يا رب كيف أعودك وأنت ربالعالمين؟قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتنيعنده، يا ابن آدم إستطعمتك فلم تطعمني قال: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي،يا ابن آدم استقيتك فلم تسقني قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاكعبدي فلان فلم تسقه أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي".(11)
    فمن حق المريض علينا نحن أهل العافية أن نزورهم وأن نُدخِل عليهم السعادة والبسمة والسرور وأن نكثِر لهم من الدعاء .
    وأخيراً أقول أيها الأحبة الكرام جدَدوا التوبة والأوبة ، وتذكروا أن الحياة الدنيا دار ممر وأن الآخرة هى دار المقر ، فخذوا من ممركم لمقركم ولا تفضحوا أستاركم عند من يعلم أسراركم وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون .
    اقبلوا على الله وعودوا إلى الله أيها الشباب .. يا من استغللتم نعمة الله العافية في معصية الله .
    أيها الرجال .. أيها الشباب.. أيتها المسلمات فلنعد جميعاً إلى الله سبحاته ونحن على ثقة في رحمة الله ونحن على يقين بكرم الله وعفو الله قال جل وعلا (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) الزمر 53
    اللهم اشفي مرضانا ومرضى المسلمين ، اللهم اجعل شفاءهم سهلا ميسورا يارب العالمين .
    اللهم أنزل عليهم رحمة من عندك ، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبداً ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا .
    اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين وأعلي بفضلك كلمة الحق والدين .
    اللهم لا تدع لأحد منا ذنبا إلا غفرته ولا مريضاً إلا شفيته ، ولا دينا إلا قضيته ، ولا ميتا إلا رحمته ، ولا عاصياً إلا هديته ولا طائعاً إلا ثبته ولا حاجة هى لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا أرحم الراحمين .
    اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما ، وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما ، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروما .
    اللهم اهدنا واهدي بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى .
    اللهم استرنا ولا تفضحنا ، وأكرمنا ولا تهنا وكن لنا ولا تكن علينا ..
    اللهم عليك باليهود واتباعهم يارب العالمين ، اللهم كما أفزع اليهود إخواننا في فلسطين فاملأ قلوبهم وبيوتهم رعباً وفزعاً يا أرحم الراحمين .
    اللهم إنا نشكو إليك خيانة الخائنين وإجرام المجرمين وتكاسل الزعماء والقادة يا أرحم الراحمين .
    اللهم عليك باليهود وأتباع اليهود ، اللهم شتت شملهم اللهم فرق صفهم ، اللهم املأ قلوبهم وبيوتهم رعبا وفزعاً يارب العالمين .
    اللهم ثبت اخواننا المجاهدين في كل مكان يارب العالمين .
    اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين ، اللهم اشفي صدور قوم مؤمنين .
     
    هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده وما كان من خطأ أو ذلل أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون به إلى الجنة ويلقى به في الناروأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم وأقم الصلاة
    (1)   رواه البخاري 11/175 ، 176 في الدعوات ، باب فضل ذكر الله عز وجل ، ومسلم رقم (779) في صلاة المسافرين باب استحباب صلاة النافلة في بيته .
    (2)   رواه البخاري رقم (3391) في الأنبياء ، باب قوله تعالى ( وأيوب إذ نادى ربه ....الآية )
    (3)   أخرجه مسلم رقم (2999) في الزهد ، باب المؤمن أمره كله خير .
    (4)   رواه البخاري رقم (5641 ، 5642 ) في المرضى ، باب ما جاء في كفارة المرض ، ومسلم رقم (2573) في البر باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض ، والترمذي في الجنائز ، باب ما جاء في ثواب المريض .
    (5)   رواه البخاري رقم (5647) فى المرضى ، باب شدة المرض ، ومسلم رقم (2572) في البر والصلة ، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن ، والموطأ (2/941) في العين ، باب ما جاء في أجر المريض ، والترمذي رقم (965) في الجنائز ، باب ما جاء في ثواب المريض
    (6)   أخرجه الترمذي رقم ( 2400) في الزهد ، باب ما جاء في الصبر على البلاء ، وقال الترمذي هذا حديث صحيح وهو كما قال ورواه أيضاً أحمد والدارمي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وغيرهم ، وهو في صحيح الجامع رقم (992) والصحيحة(143) 
    (7)   رواه البخاري رقم (5671) في المرضى ، باب تمني المريض الموت ، وفي الدعوات ، باب الدعاء بالموت والحياة ومسلم رقم (2680) في الذكر والدعاء ، باب كراهية تمني الموت ، وأبو داود رقم (3108) ، (3109) في الجنائز باب كراهية تمني الموت ، والنسائي (4/3) في الجنائز ، باب تمني الموت .
    (8)   رواه مسلم رقم (1915) في الإمارة ، باب بيان الشهداء ، والموطأ (1/131) في صلاة الجماعة ، باب ما جاء في العتمة والصبح والترمذي رقم (1063) في الجنائز ، باب ما جاء في الشهداء من هم .
    (9)   رواه البخاري(3/12) في التهجد ، باب قيام النبي  الليل ، وفي تفسير سورة الفتح ، وفي الرقائق باب الصبر عن محارم الله ، ومسلم رقم (2819) في صفات المنافقين ، باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة ، والترمذي رقم (412) في الصلاة ، باب ما جاء في الاجتهاد في الصلاة ، والنسائي (3/319) في قيام الليل ، باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليل .
    (10)    رواه البخاري (3/90) في الجنائز ، باب الأمر باتباع الجنائز ، ومسلم رقم (2162) في السلام ، باب من حق المسلم على المسلم رد السلام ، وأبو داود رقم (5030) في الأدب ، باب في العطاس ، والترمذي رقم 2738 في الأدب ، باب ما جاء في تشميث العاطس ، والنسائي(4/53) في الجنائز ، باب النهي عن سب الأموات .
     
     
    (11)      رواه مسلم رقم (2569) في البر والصلة ، باب فضل عيادة المريض .

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()