إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ([1])
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ([2])
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ([3])
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار. ([4])
أما بعد:
أحبتى فى الله:
ها هاى الأيام تمر .. والأشهر تجرى ورائها .. تسحب معها السنين .. وتجر خلفها الأعمار .. وتطوى حياة جيل بعد جيل.
فالحمد لله الذى يجمعنا فى الدنيا على محبته وطاعته ونسأله سبحانه وتعالى أن يجمعنا وإياكم مع حبيبنا المصطفى فى جنته ودار كرامته.
أما بعد .. فحى الله هذه الوجوه التى طال شوقنا إليها.
وزكى الله هذه الأنفس التى انصهرنا معها فى بوتقة الحب فى الله.
وشرح الله هذه الصدور التى جمعنا وإياها كتاب الله.
وبارك الله فيكم جميعاً وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
أحبتى فى الله :
أود أن أحدثكم اليوم حديثاً طويلاً حديث المحب إلى أحبابه وإخوانه .. ولكن إشفاقاً بكم سأركز الحديث فى عدة عناصر أراها من وجهة نظرى فى غاية الأهمية وهى:
أولاً: الدعوة أبقى من الداعية.
ثانياً: إن الله ناصر دينه بنا أو بغيرنا.
ثالثاً: منهج عمل نعاهد الله عليه.
فأعيرونى القلوب والأسماع
أحبتى فى الله:
أولاً: الدعوة أبقى من الداعية
نعم .. إن البشر جميعاً إلى فناء .. والعقيدة والدعوة إلى بقاء .. ومنهج الله للحياة مستقل فى ذاته عن الذين يحملون وبؤدونه إلى الناس، من الرسل والدعاة على مدى التاريخ كله.
فالدعوة أكبر من الداعية .. وأبقى من الداعية .. ودعاتها يجيئون ويذهبون، وتبقى هى على مر الأجيال والقرون، ويبقى اتباعها موصولين بمصدرها الأول وهو الحى الباقى الذى لا يموت.
ولو ماتت دعوة وإنتهت بموت دعاتها .. لماتت وإنتهت دعوة الإسلام بموت سيد الدعاة وأعظم رسول وداعية عرفته الدنيا محمد . ولذلك أراد الله أن يعلمهم هذا الدرس فى حياته ووجوده .
فلما هتف الهاتف فى غزوة أحد قائلاً:
إن محمداً قد قتل .. إن محمداً قد مات.
وما أن وصلت هذه الكلمات إلى آذان المسلمين فى أرض المعركة إلا وانقلب الكثير منهم عائدين إلى المدينة يائسين .. وقد أحسوا أنه لا جدوى إذن من قتال المشركين .. وبموت محمد قد إنتهى أمر هذا الدين وإنتهى أمر الجهاد للمشركين.
فأراد اله جل وعلا أن يربيهم بهذه الحادثة وأن يعدهم لحمل أمانة هذا الدين بعد موت رسول الله فنزل قول الله سبحانه وتعالى:
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ([5])
إن محمداً رسول من عند الله جاء ليبلغ دعوة الله إلى أن يلقى الله والله باق لا يموت .. ودعوته باقية لا تموت .. وما ينبغى أن يرتد المؤمنون على أعقابهم إذا مات أو قتل النبى الذى جاء ليبلغهم دعوة الله عز وجل.
وكأنما أراد الله سبحانه وتعالى بهذه الحادثة أن يجعل ارتباط المسلمين بالإسلام مباشرة وأن يجعل عهدهم مع الله مباشرة حتى لا يتخلو عن هذه المسئولية وهذا العهد بموت رسول الله فهم إنما بايعوا الله وعاهدوه وهم أمام الله مسئولون.
وكأنما أراد الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بأيديهم فيصلها مباشرة بالعروة الوثقى التى لم يعقدها محمد بل جاء ليعقد بها ايدى البشر ثم يجعهم عليها ويمضى إلى ربه وهم بها مستمسكون.
ووعى أصحاب النبى هذا الدر جيداً، فرفعوا الراية خفاقة عالية وحملوا هذا الدين الذى خالط دمائهم ونفوسهم وأرواحهم.
* فهذا أنس بن النضر رضى الله عنه يمر بقوم من المسلمين قد ألقوا ما بأيديهم فى غزوة أحد فيقول لهم: ما تنتظرون فقالوا : قتل رسول الله .
فقال أنس رضى الله عنه فما تصنعون فى الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله.
ثم استقبل الناس ولقى سعد بن معاذ فقال يا سعد إنى لأجد ريح الجنة من دون أحد. فقاتل رضى الله عنه حتى قتل فما عرف حتى عرفته أخته ببنانه، وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم. ([6])
* وهذا أبو دجانه رضى الله عنه يترس على رسول الله بظهره والنيل يسقط على ظهره ويقع فيه كالأمطار وهو لا يتحرك حتى لايصاب رسول الله بمكروه وسوء.
* وهذا سعد بن الربيع الأنصارى رضى الله عنه: يقول زيد بن ثابت رضى الله عنه: بعثنى رسول الله يوم أحد أطلب سعد بن الربيع فقال لى رسول الله : "إن رأيته فأقرئه منى السلام وقل له: يقول لك رسول الله: كيف تجدك؟ قال زيد فجعلت أطوف بين القتلى فأتيته وهو بآخر رمق وفيه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم فقلت يا سعد إن رسول الله يقرأ عليك السلام ويقول لك أخبرنى كيف تجدك؟ فقا سعد: وعلى رسول الله السلام قل له: يا رسول الله أجد ريح الجنة، وقل له إن سعداً يقول لك جزاك الله عنا خيراً يا رسول الله، وأبلغ القوم عنى السلام وقل لهم يقول لكم سعد: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف، وفاضت نفسه من وقته رضى الله عنه".([7])
* وهذا بطل وعملاق آخر يعلمنا درساً فى الفداء للإسلام ولرسول الله *** درساً ليس له نظير، إنه "خبيب بن عدى" رضى الله عنه الذى صلبه المشركون فى مكة بمكان يقال له التنعيبم واحتشد المشركون حوله فى شماته ظاهرة ووقف الرماة يشحذون رماحهم لتمزيق هذا الجسد الطاهر فى جنون ووحشيه.
ويستأذن خبيب فى أن يصلى الله لله ركعتين، فأذنوا فصلى ركعتين فى خشوع وإخبات، فلما سلم التفت إليهم وقال: والله لولا أن تروا أن مابى جزع لزدت (أى من الصلاة) ثم توجه إلى الله جل وعلا قائلاً: "اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بددا([8]) ولا تبق منهم أحداً".([9])
ثم أنشد قائلاً:
لقد أجمع الأحزاب حولى وألبوا
وقد قربوا أبناءهم ونساءهم
إلى الله أشكوا غربتى بعد كربتى
وقد خيرونى الكفر والموت دونه
ومابى حذار الموت إنى لميت
ولست أبالى حين أقتل مسلماً
وذلك فى ذات الله وإن يشأ
فلست بمبد للعدو تخشعاً
|
|
قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
وقربت من جذع طويل ممنع
وما أرصد الأحزاب لى عند مصرعى
فقد ذرفت عيناى من غير مجزع
وإن إلى ربى إيابى ومرجعى
على أى جنب كان فى الله مصرعى
يبارك فى أوصال شلو ممزع
ولا جزعاً أنى إلى الله مرجعى
|
فقا له أبو سفيان: أيسرك أن محمداً عندنا تضرب عنقه وإنك فى أهلك فقال: لا والله ما يسرنى أنى فى أهلى وأن رسول الله فى مكانه الذى هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه.
(أخرجه البخارى فى كتاب المغازى فى باب غزوة الرجيع وأخرجه أحمد فى المسند وابن سعد وابن هشام وابن كثير والطبرى).
وهكذا وعى أصحاب النبى الدرس جيداً.
فيجب علينا أيها الأحباب أن نعى هذا الدرس جيداً فنجعل ولائنا لله جل وعلا وحده وأن نخلص عبادتنا وأعمالنا لله جل وعلا وحده.
فيا من جعلتم ولاءكم لأشخاص الدعاة اجعلوا ولاءكم لله. فكم توقفت دعوات بسبب ارتباط أفرادها ارتباطاً مباشراً بشخص الداعية لا بدعوته، فإذا مات هذا الداعية أو ترك مجال دعوته لسبب أو لأخر، أصيبت الدعوة بالتوقف أو بالإعياء على أقل حال.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولكن اعلموا جميعاً أحبتى فى الله أننا لن نضر إلا أنفسنا.
إن الله جل وعلا غنى عن العالمين لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية.
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ([10])
ثانياً: إن الله جل وعلا سينصر دينه بنا أو بغيرنا، وإن المستقبل لهذا الدين رغم كيد الكائدين.
ولقد توالت البشائر من القرآن والسنة بنصرة هذا الدين. لأنه دين الله عز وجل.
وانتبهوا معى إلى هذا العنصر الخطير لأننى أرى موجة عاتية عارمة من القنوط واليأس تجتاح قلوب كثير من المسلمين لما وصلت إليه الأمة المسلمة من ذلة وضعف وهوان!!.
ولكن الذى يفصل فى الأمر ليس هو ضخامة الباطل وإنما الذى يفصل فى الأمر هو قوة الحق. ولاشك على الإطلاق أن معنا الحق الذى لأجله قامت السموات والأرض وإليكم بعض هذه البشائر.
أولاً: بشائر القرآن
البشارة الولى: وعد الله جل وعلا بظهور دينه وغلبته.
يقول الحق جل وعلا : {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ([11]) إن نور الله لا يمكن
أن تطفئه جميع الأفواه ولو اجتمعت.
وأما من ناحية الواقع فقد صدق وعد الله وأتم الله نورة فى حياة نبيه ، فأكمل الله به الدين، وأتم الله به النعمة، وأنطلق الصحابة بهذا الدين وهم يحرصوا على الموت كحرصنا على الحياة فأعزهم الله ودانت لهم معظم المعمورة على مدى قرن من الزمان.
* البشارة الثانية: وهى قول الله جل وعلا فى سورة الأنفال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ([12])
يا لها من بشارة حق من الحق جل وعلا تريح القلب وتشرح الصدر. إن أعداء الله لا يدخرون شيئاً فى وسعهم لحرب الإسلام فلقد بذلوا الأموال بسخاء رهيب للصد عن سبيل الله ولتنحية الإسلام.
ولكنهم سينفقون هذه الأموال لتضيع عليهم فى النهاية وينتصر دين الله بإذن الله عز وجل، ويحشرون فى الآخرة إلى جهنم لتتم حسرتهم الكبرى.
* فكم أنفق من أموال لتنصير المسلمين؟!
* وكم انفق من أموال لإشاعة الرذيلة عن طريق الأفلام الداعرة والمسلسلات الفاجرة؟!
* وكم أنفق من أموال لتدعيم الإقتصاد الربوى الفاجر حتى لا تقوم للإقتصاد الإسلامى قائمة؟!
* وكم أنفق من أموال على أندية الماسونية؟!
* وكم أنفق من أموال للقضاء على كتائب الصحوة الإسلامية فى كل مكان؟!
* ولكن ما هى النتيجة بالرغم من كل ذلك؟
النتيجة بفضل الله أيها الأحباب "وثيقة خطيرة كشفت عنها صحيفة "نيويورك تايمز انترناشونال" فى عددها الصادر فى الثالث والعشرين من شهر يناير لعام (1991).
وهى "وثيقة التنصير الكنسى" التى كتبت فى أكثر من مائة وخمسين صفحة وتم إعدادها عبر دراسات دقيقة إجريت خلال خمس سنوات.
وفيها يصرخ بابا الفاتيكان "جون بول الثانى" ويوجه النداء إلى جميع النصارى فى مختلف أنحاء العالم. للتحرك بسرعة من أجل نشر المسيحيه (على حد قوله) لمواجهة المد الإسلامى الذى أخذ يمتد ويتصاعد فى مختلف أنحاء العالم. ثم انتقد بشدة القساوسة والمنصرين العاملين فى مجال الكنيسه.
واعترف مساعدو البابا اعترافاً صريحاً فى هذه الوثيقة بأن الإسلام هو التحدى والمنافس الأول لهم وأنهم يحسون بهلع شديد من انتشار المد الإسلامى فى مختلف أنحاء العالم.
وصدق الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ([13])
* البشارة الثالثة: وهى قول الله تعالى فى سورة النور:
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ([14])
ولقد تحقق وعد الله فى حياة رسوله ، وفى حياة الجيل الأول، حتى وصلت حدود الدولة الإسلامية إلى أقصى المشرق والمغرب، وكُسر كسرى ، وأهين قيصر، وأعز الله دينه وأظهره، ووعد الله مذخور لكل من يقوم على منهج الله من هذه الأمة إلى يوم القيامة.
وأكتفى بهذا القدر من بشائر القرآن وإلا فهى كثيرة بفضل الله جل وعلا.
ثانياً: البشائر النبوية بنصرة الإسلام وظهوره
البشارة الأولى: فى الحديث الذى رواه أحمد والطبرانى وقال رجاله رجال الصحيح ورواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم.
من حديث تميم الدارى رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر".([15])
البشارة الثانية: فى الحديث الذى رواه الأمام أحمد وصححه العراقى وقال ابن حجر الهيثمى فى مجمع الزوائد رجاله ثقاب.
من حديث حذيفة بن اليمان رضى الله عنه أن النبى قال: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم شكت".([16])
البشارة الثالى: فى الحديث الذى رواه أحمد وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبى وأقره الحافظ المنذرى.
أن النبى قال:"بشر هذه الأمة بالسناء، والدين، والرفعة، والنصر، والتمكين، ومن عمل منهم عمل الأخرة للدنيا لم يكن له فى الآخرة من نصيب".([17])
البشارة الرابعة: وهى من أعظم البشائر التى بشرنا بها الصادق المصدوق .
فى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى r قال:
"لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، فيقتلهم المسلمون ، حتى يختبئ اليهودى من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم! يا عبد الله: هذا يهودى خلفى، فتعال فأقتله إلا الغر قد، فإنه من شجر اليهود. ([18])
ولذلك فإنهم يقومون بحملة واسعة لزراعة هذا النوع من الأشجار لأنهم على يقين بصدق محمد وبمجئ هذا اليوم.
ويزداد أملنا بنصرة هذا الدين فى الوقت الذى نرى فيه إفلاس الأنظمة البشرية وفى الوقت الذى نسمع فيه هذه التصريحات المرعبة التى تنذر بسوء مصير البشرية بكاملها فى لحظات معدودات!!
وفى نفس الوقت الذى نرى فيه صحوة إسلامية مباركة تزداد يوماً بعد يوم فى جميع أنحاء العالم.
* فهيا أيها المسلمون .. هيا أيها الشباب.. هيا أيها الأخيار الأطهار .. هيا أيها المتوضئون .. هيا .. إلى وعد الله القائم الذى ينتظر العصبة المؤمنة التى تحمل الراية وتبدأ من نقطة البدأ التى بدأ بها محمداً وهو يحمل دين الله ويتحرك بنور الله.
وهنا يتساءل المخلصون الذين يريدون أن يبذلوا أرواحهم، ونفوسهم، وأموالهم لهذا الدين. فما العمل؟
وما هو واجبنا ودورنا الذى ينبغى أن نقوم به؟
وبهذا نصل إلى العنصر الثالث والأخير من عناصر هذا الموضوع ألا وهو.
ثالثاً: منهج عمل نعاهد الله عليه ورسوله
أولاً: لابد لكم قبل كل شئ من معرفة دقيقة بحقيقة الإسلام، لتكونوا مسلمين علماً، وتفكيراً أنكم مسلمون قلباً، وعاطفة، ولتكونوا على قسط كبير من القدرة، والكفاءة اللازمة، لتسيير شئون الحياة وفقاً لأحكام الإسلام وقواعدة وتحويلها إلى واقع عملى.
عليكم أن تبادروا إلى تقويم ما اعوج. وإصلاح ما فسد من الأخلاق والعادات حتى تشهدوا بذلك شهادة عملية للإسلام الذى شهدتم له من قبل شهادة قولية. لأن التناقض بين القول، والعمل، يزرع بذور النفاق فى القلوب.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ([19])
عليكم أن تهتموا كذلك بقدر ما تستطيعون بنشر الدعوة بين صفوف العوام حتى تبددوا ظلام جهلهم على بينة من أمر دينهم، وحتى يتبين لهم الخبيث من الطيب.
على كل مسلم ومسلمة أن يعمل جاهداً لتحكيم شريعة الله وأن يعلن تمسكه بكتاب الله وسنة رسول الله وأن يساهم فى ذلك من موقع مسئوليته ومكان عمله ولا يجبن عن هذا الشرف بقدر استطاعته، فلو اجتمعت القلوب على قلب رجل واحد والأصوات على صوت رجل واحد أن حكموا فينا شرع الله واحكمونا بدين الله لحكم فينا كتاب الله وسنة رسول الله .
إعداد الكوادر المسلمة فى جميع التخصصات والمجالات.
فعلى كل مسلم أن يبدأ من الآن مهما كان مجال عمله وتخصصه أن يفكر بصدق كيف يكون جندياً للاسلام وكيف يخدم الاسلام من موقعه.
الأقتصادى مثلاً يفكر ويدرس ويخطط من الآن ما هو السبيل لرفعة الإقتصاد الإسلامى والقضاء على النظام الربوى وأن نتحول من موقع التبعية إلى موقع القيادة والريادة.
نريد الاقتصادي المسلم، ونريد الدبلوماسى المسلم، ونريد المهندس المسلم، ونريد الطبيب المسلم والمدرس المسلم ونريد المرأة المسلمة التى تهز المهد بيمينها وتزلزل عروش الكفر بشمالها.
* على جميع المسلمين من أصحاب الأموال، وهم كثرة والحمد لله، أن يتقوا الله فى إسلامهم، وأن يعلموا أن هذا المال الذى وهبهم الله عز وجل إنما هو محط الابتلاء فليجتمعوا ويخططوا كيف يستغل هذا المال لصالح الإسلام والمسلمين، فى مجال الزراعة .. فى مجال الصناعة .. فى مجال الاقتصاد .. فى مجال التعليم .. فى مجال الإعلام .. لتكون القيادة والريادة للمسلمين .. لأن أموال المسلمين فى غير بلاد المسلمين هى التى تحرك العالم كله فلماذا لا يكون هذا للمسلمين ..؟ لماذا لا يكون لهم القرار، وتكون لهم القيادة والسيادة؟!.
* وهذا من أهم بنود هذا المنهج العملى.
وهو نداء إلى كل الإسلامين فى كل مكان ومن كل إتجاه ألا يحاولوا إقامة نظام إسلامى على أسس غير سليمة وعلى دعائم ضعيفة، وقواعد متزلزلة، لأن الأهداف التى نريد تحقيقها إنما هى أهداف ضخمة كبيرة تهدف إلى إعادة الناس إلى حظيرة الإسلام بعد الإنحراف الذى هم عليه منذ زمن طويل وذلك بعمل علنى واضح وضوح الشمس فى رابعة النهار.. فعليكم أن تنشروا دعوتكم علناً وتقوموا بإصلاح قلوب الناس وعقولهم بأوسع نطاق، بسلاح من الخلق العذب ..، والشمائل الكريمة، والسلوك الحسن ..، والموعظة الحسنة..، والحكمة البالغة، وأن تواجهوا كل ما يقابلكم من المحن والشدائد مواجهة الأبطال المخلصين.
لأن الذى يملك الأرواح والأرزاق هو الله ومحال أن يموت المظلومون ويبقى الظالمون.
أين الظالمون وأين التابعون لهم
أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم
هل أبقى الموت ذا عز لعزته
لا والذى خلق الأكوان من
|
|
فى الغى بل أين فرعون وهامان
وذكرهم فى الورى ظلم وطغيان
أو هل نجا منه بالسلطان إنسان
عدم الكل يفنى فلا إنس ولا جان
|
وأخيراً أيها الأحباب:
اعلموا أنه إذا وجد المؤمنون كان النصر بإذن لله.
وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ([20])
وما عليك أيها المسلم ..، وما عليك أيتها المسلمة ..، إلا العمل والاجتهاد.
وما عليك إلا أن تجتهد وأن تعمل للإسلام من خندقك ..، وفى موقعك على قدر استطاعتك ..، وهذا هو دورك لأن الله تعالى لن يسألنا لماذا لم تنتصروا؟!.
ولكن السؤال لماذ لم تعلموا ؟!
وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ([21])
وصدق الله جل وعلا إذ يقول:
وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ([22])
اللهم أنت غياثنا فبك نغوث وأنت ملاذنا فبك نلوذ، وأنت عياذنا فبك نعوذ .. يا من خضعت له رقاب الجبابرة ..، وذلت له أعناق القياصرة ..، يا ذا المن، ولا يمن عليه ويا من يجير ولا يجار عليه.
ويا من يجيب المضطر إذا دعاه ولجأ إليه.
يا من لا تشتبه عليه الأصوات ..، ولا تختلف عليه اللغات.
يا عالم الخفيات ..، ويا سامع الأصوات ..، ويا قاضى الحاجات ..، ويا باعث الأموات.
ويا عالماً بما هو آت ..، يا منقذ الغرقى ..، ويا منجى الهلكى ويا سامع كل نجوى ..، يا عظيم الإحسان ..، ويا دائم المعروف.
لا إله لنا سواك فندعوه ..، ولا رب لنا غيرك فنرجوه.
يا من يلجأ إليه الخائفون ..، ويا من يتوكل عليه المتوكلون ..، ويا من بفضله يتعلق الراجون.
إنك لا ترد سائلاً ولا تمنع راجياً.
اللهم إنا نسألك باسمائك الحسنى وصفاتك العلى وباسمك ال‘ظم الذى إن سألت به أعطيت ..، وإن دعيت به أجبت ..، أن تقيض لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ..، ويذل فيه أهل معصيك ..، ويأمر فيه بالمرعوف ..، وينهى فيه عن المنكر ..، أنت ولى ذلك ومولاه.
اللهم أصلح أحوال المسلمين ..، اللهم أغنى فقرهم، وارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، وأعز ذلهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أنصر دينك وكتابك وعبادك المؤمنين.
اللهم أحسن عاقبتنا فى الأمور كلها وأجرنا من خزى الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم اجعل قولنا وعملنا خالصاً لوجهك الكريم واجعلنا بفضلك وكرمك من عبادك المقبولين.
وصلى اللهم وسلم وزد وبارك على محمداً وعلى آله وصحبه وسلم.
(*)ألقيت هذه الخطبة بمسجد مصعب بن عمير – بروكلن – نيويورك.
(3) سورة الأحزاب: 70 ، 71.
(4) هذه خطبة الحاجة التى كان النبى يستفتح بها خطبة ودروسه ومواعظه، وللعلامة الألبانى رسالة نافعة فيها فراجعها.
(1) متفق عليه: أخرجه البخارى (7/274) فى المغازى، ومسلم فى الإمارة، والترمذى (3198)، (3199)، وأحمد (3/201 ، 253) منحديث أنس رضى الله عنه.
(1) أخرجه ابن هشام فى (السيرة) 2/94 ، 95م فصلاً وأخرجه مالك فى الموطأ (2/465، 466) مرسلاً وقا ابن عبد البر: هذا الحديث لا أعرفه مسنداً، وهو محفوظ عند أهل السير.
(2) بددا: متفرقين فى القتل واحداً بعد واحد من التبديد.
(3) صحيح: أخرجه البخارى (4086) فى المغازى.
(3) صحيح: {الصحيحة (3)}، رواه أحمد (4/103) والطبرانى فى المعجم الكبير (1/126 /1) ورواه ابن حبان فى صحيحه رقم (1631 ، 1332) والحاكم (4/430 – 431) وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبى، قال الألبانى: إنما هو على شرط مسلم فقط.
(1) صحيح: {الصحيحة: (5)} رواه أحمد (4/273).
(2) صحيح: {ص.ج.: 2825} رواه أحمد فى المسند (5/134)، وابن حبان فى صحيحه والحاكم (4/311).
(3) متفق عليه: {ص.ج.: 7427) رواه البخارى (6/75) فى الجهاد، ومسلم رقم (2922) فى الفتن.