بتـــــاريخ : 2/21/2009 3:42:02 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1042 0


    صفات الداعية المسلم

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : مصطفى محمد الطحان | المصدر : www.qudwa1.com

    كلمات مفتاحية  :
    صفات الداعية المسلم

     

    الفصل الأول
    مخلص في عمله
    عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: \"إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله و رسوله، فهجرته إلى الله و رسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه\".
    يعتبر هذا الحديث من الأمهات، ويتناول إحدى الكليات الهامة في الحياة الإنسان والمجتمع.
    فالعمل مرتبط بالنية: إذا صحت صح العمل، وإذا فسدت ضاع العمل وباء الجهد بالخسران. فالنية قصد الشئ مقترنا بفعله. والإنسان يقوم بالعمل كالآخرين، والنية وحدها تجعله عملا للبناء أو عملا للتخريب. ورسول الله (ص) يقول: \"إنما يبعث الناس على نياتهم\".
    إن النية الصادقة المتجهة إلى الله تحول كل عمل إلى عبادة.. فالكلمة الطيبة صدقة، والتبسم الصالح صدقة، ومداعبة الزوجة من أجل إحصان النفس صدقة، والجهاد في سبيل الله أعظم عبادة، والإنفاق في سبيل الله عبادة، والداعية إلى الله إن اهتدى به إنسان واحد خير له من الدنيا وما فيها.. ورد في الصحيحين عن أنس عن النبي (ص) أنه قال:\"ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو دابة إلا كان له صدقة\".
    وقال (ص):\"من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه\".
    والنية السيئة تحول العبادة إلى عمل باطل لا قيمة له ولا وزن. فرب قائم ليس له من قيامه إلا السهر، ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.. بل ورب مجاهد أو منفق أو داعية أول من تصلى بهم النيران.

    الفصل الثاني
    يتقى الشبهات
    عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: \"إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وان لكل ملك حمى، ألا وان حمى الله محارمه، ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب “.
    يعتبر العلماء هذا الحديث رابع أربعة أحاديث ترجع إليها تعاليم الدين كلها، والثلاثة الأخرى هي حديث \"إنما الأعمال بالنيات\" وحديث \"ازهد في الدنيا يحبك الله\"، وحديث \"من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه\".
    ومعنى الحديث انه يتوجب على المسلم أن يقبل على الحلال وهو ما أحله الله في كتابه ورسوله في تعاليمه.. وأن يتجنب الحرام وهو ما حرمه الله في القرآن ورسوله في السنة.
    يقول رسول الله (ص):\"الحلال ما أحله الله في كتابه، والحرام ما حرمه الله في كتابه\".
    ويبين لنا رسول الله (ص) أن بين الحلال البين والحرام البين أمورا مشتبهات لا يعرفهن كثير من الناس من اتقاها فقد استبرأ لدينه وعرضه.
    والداعية الموفق هو الذي يبتعد عن الشبهات مهما صغرت لسببين:
    الأول: حتى يكون من المتقين لقوله (ص):\"لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس\".
    والثاني: لأنه وضع نفسه موضع القدوة للناس.. وهذا نبينا العظيم محمد (ص) يبين لمن رآه واقفا مع إحدى النساء: \"إنها(زوجتي) صفية بنت حيى\".
    وسيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان إذا أمر المسلمين بأمر ذهب إلى أهله يحذرهم من الوقوع في الخطأ فكل المسلمين ينظرون إلى آل عمر.
    فعلى الدعاة الذين يتصدون لدعوة الآخرين أن يستشعروا هذه المسئولية فيراقبوا أنفسهم جيدا، لأن الكثيرين يرقبونهم.
    من الشبهات التي ينبغي الابتعاد عنها: (التدخين، ارتياد أماكن اللهو أو السينما، الإسراف في لعب الكرة أو غيرها، قراءة المجلات الخليعة، الصحبة الفاسدة، الطعام الذي يشتبه في مصدره وإعداده…الخ).
    يعلمنا ذلك المربي الأول نبينا محمد (ص) فيقول:\"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك\" ويقول أيضا: \"من يخالط الريبة يوشك أن يجسر على الحرام المحض\".
    ومعنى أن من وقع في الشبهات وقع في الحرام.. أي من تهاون بالمندوب ترك الواجب، ومن تساهل بالمكروه فعل الحرام، ومن استمرأ الشبهات وقع في الحرام..

    الفصل الثالث
    يستشعر المسئولية
    عن عبدالله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: \"كلكم راع، و كلكم مسئول عن رعيته: فالإمام راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله، وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه، وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته\".
    المسئولية.. والحرية: لقد انتهت طفولة البشرية.. وانتهى معها الزمان الذي كان يقال فيه للرجل احمل متاعك واتبعني.. لقد نضجت الفطرة وأصبح بإمكان الإنسان أن يتحمل المسئولية، فأعطيت له حريته، فلا معنى للحرية بدون مسئولية، ولا وجود للمسئولية بدون حرية.
    قضيتان متلازمتان في ظلالهما تتأكد إنسانية الإنسان وقدرته على الوجود والمساهمة في بناء الحياة.
    وتفردت الرسالة الإسلامية في طورها الأخير بهذا المعنى.. فلا توجد قضية واحدة يقبلها الإنسان إملاء بغير تفكير.. بل يفكر ويعمل عقله حتى في اهتدائه إلى وجود الله من خلال تفكيره بآياته ومخلوقاته. وهذا الحديث، يوضح هذا الأمر ويؤكده.. إن كل إنسان على وجه هذه الأرض مسئول ويتحمل تبعات مسئوليته.. فما عاد لإنسان الحق في أن يقول: وماذا أصنع بحريتي، دعوني عبدا يطعمني ويسقيني السادة.. ولم يعد بالمقابل لأحد أن يفلت من تبعات مسئوليته.. إن أحسانا بإحسان أو إساءة بإساءة.. لم يعد في ظل الإسلام وجود لطبقة \"لا تسأل عما تفعل\".. ولا وجود أيضا لطبقة هي وحدها المسئولة حتى عن إساءات الآخرين.
    أخي الداعية المسلم: انظر في هذه التعاليم.. وتحمل مسئولياتك في أي موقع كنت.. وعلم الآخرين مسئولياتهم.. فما نهضت أمة تاه روادها.. والرائد من تعرف إلى مسئولياته و أداها.

    الفصل الرابع
    لا يتدخل فيما لا يعنيه
    قال رسول الله (ص):\"من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه\".
    يعتبر هذا الحديث الصغير في حجمه القليل في كلماته,من أعظم التوجيهات التي أرشدنا إليها رسول الله (ص): المحدث أبو داود (رضي الله عنه) يقول: كتبت عن رسول الله خمسمائة ألف حديث, ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث: احدها \"إنما الأعمال بالنيات\" والثاني قوله \"من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه\" والثالث قوله \"لا يكون المرء مؤمنا حتى لا يرضى لأخيه إلا ما رضي لنفسه\" والرابع قوله \"الحلال بين والحرام بين\".
    ومعنى الحديث: إن المسلم العاقل هو الذي يقدر نعمة اللسان, فلا يطلقه بلا ضابط, بل يمسكه على المفيد الصالح له ولغيره, لنفسه ولمجتمعه, قال معاذ بن جبل (رضي الله عنه): قلت: يا رسول الله أنؤاخذ بما نقول؟ قال:\"ثكلتك أمك يا معاذ, و هل يكب الناس النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم\".
    * ومن عثرات اللسان أن يتدخل الإنسان في شئون الآخرين, وأن يتكلم فيما لا يعنيه, يتدخل في كل شيء..
    * جرب أن تصمت عندما تشتد لديك شهوة الكلام. واحسب ما توفره من جهدك و وقتك و وقت الآخرين.. استبدل ذلك بفكرة تنضجها, أو بذكر تناجى به ربك وترطب به لسانك, وتحسس قلبك بعد ذلك فستجده راضياً مطمئناً ذاكراً شاكراً.
    قال مجاهد سمعت ابن عباس (رضي الله عنهما) يقول: خمس لهن أحب إلي من الدهم الموقوفة:
    * لا تتكلم فيما لا يعنيك فإنه فضل ولا آمن عليك الوزر.
    * ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعاً.
    * ولا تمار حليما ولا سفيها.
    * واذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن يذكرك به.
    * واعمل عمل رجل يعلم أنه مجازى بالإحسان مأخوذ بالإساءة.
    أخي الداعية القدوة.. إن من الوقار المطلوب أن لا تتدخل فيما لا يعنيك, فإنك حتماً ستلقى ما لا يرضيك, واسمع إلى أبى ذر يقول: \"قال لي رسول الله (ص): ألا أعلمك بعمل خفيف على البدن ثقيل في الميزان, قلت: بلى يا رسول الله, قال: هو الصمت, وحسن الخلق, وترك ما لا يعنيك\".

    الفصل الخامس
    عالي الهمة
    أصحاب الهمم العالية هم الذين يغيرون وجه الدنيا. وكل فكرة علمية أو مشروع بنائي, أو إصلاح لأمة وشعب, إنما يكون وراءه رجل عظيم.. مؤمن بفكرته.. عامل عليها.. حتى يصل إلى هدفه أو يموت دونه..
    * قدوتنا في ذلك نبينا محمد (ص) عنما طلب منه عمه أبو طالب, بتحريض من زعامة قريش, بأن لا يحمله مالا يطيق.. قال له رسول الله (ص): \"والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يسار, على أن أترك هذا الأمر ما تركته, حتى يظهره الله أو أهلك دونه\".
    * من يقلب صفحات التاريخ الإسلامي أو غيره.. سيجد أن كل فكرة علمية, أو مشروع بنائي, أو إصلاح لأمة وشعب, إنما كان وراءه رجل عظيم عالي الهمة..
    * والداعية إلى الله, يجب أن تكون همته مرتبطة بدعوته.. فأعلى الهمم من اتصلت همته بالحق سبحانه وتعالى طلباً ومقصداً.. ولنستمع إلى ابن القيم يتحدث عن هذا الموضوع في مدارجه فيقول: \"علو الهمة ألا تقف دون الله, ولا تتعوض عنه بشيء سواه, ولا ترضى بغيره بدلاً منه, ولا تبيع حظها من الله, وقربه والأنس به والفرح والسرور والأبتهاج به بشيء من الحظوظ الفانية, فالهمة العالية على سائر الهمم كالطائر العالي على بقية الظيور\". * وفي تاريخنا المجيد آثار لا تحصى لرجال علت هممهم فضربوا أكباد الإبل الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد.. يقولون أن أعلى الهمم في طلب العلم علوم الكتاب والسنة.. ونقول: بل وعلوم الدنيا التي لا تصلح الحياة إلا بها هي من علوم الكتاب والسنة أيضاً.
    ولولا هذا الفهم لما نبغ عند المسلمين علماء.. ولما كانوا سادة الدنيا في العلوم والفنون, ولما كانت جامعاتهم هي الارقى في العالم.
    * ومن علو الهمة.. أن يقرن الداعية العلم والعمل معاً.. فما قيمة العلم لا يصدقه العمل..؟!
    * ومن علو الهمة: ترك الإنسان ما لا يعنسه فمن حسن الإسلا المرء تركه ما لا يعنيه.. واتقاؤه الشبهات.. فمن اتقاها فقد استبرأ دينه وعرضه.. فالترخص الزائد ينافى الهمم العالية.. والصبر على مشاق الدعوة.. مهما بلغت المشاق.. ومهما كانت النتائج.
    أخي الداعية: إن كنت من أصحاب الهمم العالية فاحمد الله.. وإن كنت من غير ذلك فاجتهد أن تكون.. فالتغير يبدأ منك ولا يغير الله ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم.

    الفصل السادس
    متفائل دائماً
    عن أنس بن مالك (رض يالله عنه): أن رسول الله (ص) قال: \"يسروا ولا تعسروا, وبشروا ولا تنفروا\".
    هذا الحديث النبوي الكريم من اهم الأحاديث وأخطرها في حياة الدعاة العاملين للإسلام, فهو يدعوهم إلى التيسير والتبشير والتفائل.. ويحذرهم من التعسير والتنفير والتشائم.
    الكلمة المتفائلة ترفع معنويات الناس وتدفعهم إلى الأمام وكلهم هكة ورغبة في العمل, وكذلك الكلمة المتشائمة تقتل المعنويات وتقتلع جذور الأمل من حياة الإنسان.
    ولنستمع إلى رسول الله (ص) وهو يوجه النفوس ويربيها على العطاء والخير, يقول رسول الله (ص): \"إذا قال الرجل هلَك الناس فهو أهلكهم\".
    كان رسول الله (ص) ينفر من كل ما يدعو إلى التشاؤو فإذا رأى اسماً من هذا القبيل بدله.. قال ابن عمر \"إن ابنة لعمر كانت تسمى عاصية فسماها رسول الله (ص) جميلة\".
    والإسلام يسر في كل شيء: فقد جاءت الشريعة الإسلامية لتنسخ الأحكام الاستثنائية المتشددة في الشرائع السابقة وترفع الحرج عن الناس, وجعلت السيئة بواحدة والحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة, وليلة القدر بألف شهر, ومن قال كذا أو فعل كذا غفرت له ذنوبه ولو كانت كذبد البحر, والكلمة من الخير تعدل عند الله عملا صالحاً.
    قال (ص): \"ثلاث من كن فيه نشر الله عليه كنفه وأدخله جنته, رفق بالضعيف, وشفقة على الوالدين, وإحسان إلى المملوك\".
    تقول السيدة عائشة رضى الله عنها : \"ما خير رسول الله (ص) بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً..\".
    أخي الداعية المسلم: هذا هو سبيل القويم الذي سنه لنا الإسلام.. وبينه لنا المصطفى عليه الصلاة والسلام.. فالتغيير الذي ننشد يتم بالسلوك القويم وبالرحمة والتيسير.. أما التغيير الأهوج فلا ينتج خيراً ولا يوصل إلى نتيجة مأمونة.. فهل أنت من هؤلاء السالكين؟

    الفصل السابع
    عالم.. ومثقف
    وعلى الداعية أن يكون عالماً.. ومثقفاً. وهل يمكن ان يكون الداعية جاهلاً. وكيف يدعو إذن؟ وماذا يقول.. وكيف يتصرف..؟ هل يستطيع القاضي أن يبت بما يعرض عليه من أمور إذا كان جاهلاً بأحكام القانون..؟ وهل يستطسع المدرس أن يقنع تلاميذه بمسألة ما.. إذا كان جاهلاً بها..؟ وكذلك الداعية.. وهو إنسان يدعو إلى الإسلام بعلم وحكمة وتجربة وفطنة.. كيف يمكن ان يؤدى هذا الدور وهو محروم من هذه البضاعة.. إن العلم مقدم على العمل.. بل إن العلم شرط في صحة القول والعمل, فلا يعتبران إلا به فهو متقدم عليها.
    وإن العلم الذي أراده الإسلام هو علم الدنيا والآخرة وعلوم الحياة وعلوم التجريبية وكل ما يصلح الحياة.
    والأمة العالمة يبنيها الفرد العالم.. والداعية الذي هو رائد الركب وقائد المسيرة ينبغي ان يكونت إنسانا عالما ومثقفا.
    فما هو العمل المطلوب للداعية المسلم؟
    لايفترض بكل داعية أن يكون عالما في كل جانب من جوانب المعرفة,فهذا مطلب صعب بل مستحيل. ولكنه مطالب بأن يتعرف على كتاب الله تعالى: تلاوة وتجويدا وتفسيرا, ثم يلم بعلوم الحديث, ويفهم السيرة النبوية وأخبار الصحابة واعلام الإسلام. والداعية مطالب ان يفهم الإسلام من مصادره, وان يتمثل هذه المعرة أولاً.. وينقلها للآخرين الذين يدعوهم ثانياً.
    ثقافة الداعية
    وأقصد في ذلك.. أن الداعية إنسان متميز.. متميز في مظهره, متميز في سلوكه, متميز في معارفه, متميز في أسلوب عرضه.
    الأستاذ يوسف القرضاوي في كتابه القيم \"ثقافة الداعية\" يقول: \"إن الداعية يحتاج إلى مجموعة من الثقافات هي: الثقافة الإسلامية, والتاريخية, والأدبية واللغوية, والإنسانية, والعلمية, والواقعية\".
    والمطلوب من الداعية الناجح أن يتمثل هذه الثقافات, ويهضمها, ويمون منها مزيجاً جديداًطيباً نافعاً اشبه شيء بالنحلة التي تأكل من كل الثمرات, سالكة سبل ربها ذللاً, ليخرج منها بعد ذلك شراباً مختلفاً ألوانه, فيه شفاء للناس.

    الفصل الثامن
    يتعهد نفسه بالتربية الربانية
    المسلم الداعية يتعهد نفسه بالتربية بشكل مستمر, وفق مناهج تربوي متكامل, يرعى مافة جوانب النفس الإنسانية, فلا ينسيه طول الأمد, ولا يغلب جانبا على جانب, فتستقيم بذلك شخصيته.. ويفيض مما لديه على الآخرين.
    ميزات التربية الإسلامية
    في هذا المجال نستطيع أن نقول إن للتربية الإسلامية ميزات متفردة منها:
    (1) التربية الإسلامية تعنى بإعداد الإنسان الصالح:
    جميع المدارس التربيوية تعنى بإعداد المواطن الصالح الذي يخدم بلده ولو على حساب الآخرين, وتتلون أخلاقياته مع مصالح قومه.
    فإذا اكتشفت بريطانيا مثلا أن بعض القيم الأخلاقية مثل الوفاء بالموعد, والصدق في التعامل وعدم الغش في انتاج السلعة من الأمور التي تخدم مصالحها.. فإن مواطنيها يلتزمون بهذه الأخلاقيات خدمة لمصالح بلدهم.. وإذا كانت مصلحة بريطانيا تقوم على أساس أن تكذب شعوبها وتتعدى على مصالح الشعوب الأخرى في المستعمرات أو أن يغشوا السلع فيصدروا لهم الأغذية والأدوية الفاسدة أو أن يمتصوا دماء الشعوب الأخرى.. 0فهم يفعلون ذلك أيضاً.. وهم في نظر بريطانيا أخلاقيون هنا وهناك فهم يعملون لمصلحة بلدهم.. فهدف التربية أساساً إيجاد مواطنين صالحين..!
    والإسلام بريء من هذه الازدواجية.. وبريء من هذه الأخلاق المصلحية. فالأخلاق قيمة إيمانية حضارية يتمسك بها المسلم في كل الظروف ومهما تكن النتائج.. فالمسلم لا يغش المسلم ولا يغش الكافر.. والمسلم صادق في بلده وخارج بلده.. وإذا رأيت مسلما لم يتقيد بذلك فاعلم أنه لم يفهم إسلامه.. وإن مؤسسات التربوية لم تحسن تربيته.
    (2) الربانية في التربية الإسلامية:
    (الجانب الرباني أو الإيماني في التربية الإسلامية, هو أهم جوانب التربية وأشدها خطراً وأعمقها أثراً, وذلك لأن أول هدف للتربية الإسلامية هو تكوين الإنسان المؤمن).
    والإيمان في الإسلام ليس قولا يقال ولا دعوى تدعى, إنما هو حقيقة يمتد شعاعها إلى العقل فيقتنع, وإلى العاطفة فتجيش وإلى الإدارة فتتحرك وتُحرّك, إنه كما جاء في الأثر ما وقر في القلب وصدّقه العمل وصدق الله العظيم إذ يقول: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثمّ لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله..} [الحجرات: 15].
    ليس الإيمان في الإسلام مجرد معرفة ذهنية محضة كمعرفة المتكلمين والفلاسفة, ولا مجرد تذوق روحي مجنح كتدوق المتصوفة, ولا مجرد سلوك تعبدي كسلوك النساك والمتزهدين. إنه مجموع هذا كله سالما من الشطط والإفراط والتفريط, مضافا إليه إيجابية تعمر الأرض بالحق, وتملأ الحياة بالخير وتقود الإنسان إلى الرشد.
    وعماد التربية الربانية هو القلب الحي الموصول بالله تبارك وتعالى, الموقن بلقائه وحسابه, الراجي لرحمته, الخائف من عقابه.. ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله.. ألا وهي القلب.
    وقلب الإنسلن كجسمه يحتاج إلى ثلاثة أشياء:
    * إلى وقاية ليسلم.
    * إلى غذاء ليحيا.
    * إلى علاج ليشفى.
    ومن عناصر الأساسية التي تحرص عليها التربية الإسلامية في العبادة:
    1- التزام السنة واجتناب البدعة.
    2- الاهتمام بالفرائض, وفي حديث القدسي الذي رواه البخارى\"ما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى من أداء ما افترضته عليه\".
    3- الترغيب في صلاة الجماعة.
    4- الترغيب في التطوع, وفي الحديث القدسي.. \"وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه\".
    5- الترغيب في ذكر الله.. قال تعالى: \"يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا, وسبحوه بكرة وأصيلا\" [الأحزاب: 42,41].
    والمسلم الداعية .. الذي أخذ على نفسه مهمة التغير, سيبدأبنفسه قبل غيره.. وفق مناهج تربوي رباني متكامل.
    الفصل التاسع
    يداوم على الذكر
    ويتجنب فضول الكلام
    قال بلال بن الحارث, قال رسول الله (ص): \"إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ به ما بلغت فيكتب الله بها رضوانه إلى يوم القيامة, وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ به ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطة إلى يوم القيامة\".
    في بعض مجالس الدعوة, تجد البعض ممن يزعمون الغيرة على دين الله, يحفظون قضايا يملأون بها المجالس مراء و جدالا.. وهي لا قيمة لها إن صحت أو لم تصح, يشغلون بها أوقاتهم و أوقات الآخرين. والمراء يقسى القلوب ويورث الضغائن. قال مالك بن أنس (رضي الله عنه):\"ليس هذا الجدال من الدين في شيء\". وقال رسول الله (ص): \"إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم\". وقال بعضهم: \"لإياك والخصومة فإنها تمحق الدين, وما خاصم ورع قط في الدين\".

    الفصل العاشر
    بعيد عن النفاق
    قال النبي (ص): \"ثلاث من كن فيه فهو منافق, وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا ائتمن خان\".
    وفي رواية أخرى عن عبدالله بن عمر عن النبي أنه قال: \"أربع من كن فيه كان منافقاً, ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا عاهد غدر, ولإذا خاصم فجر\". و هذا حديث آخر, خطير في واقع الدعوة والدعاة. فالداعية الذي يعمل على تغيير مجتمعه على أساس الإسلام.. ينبغي ان يكون قد انتهى من تغيير نفسه فب الاتجاه ذاته, فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. والمنافق هو الذي يظهر غير ما يبطنه ويخفيه, فإن كان الذي يخفيه التكذيب بأصول الإيمان فهو منافق الخالص وحكمه في الآخرة حكم الكافر وقد يزيد عليه في العذاب, قال تعالى: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار..).
    وإن كان الذي يخفيه غير الكفر بالله تعالى زكتابه, فهو الذي فيه شعبة أو أكثر من شعب المنافق, وهذا النفاق العملى وهو من أكبر الذنوب.
    ومن علامات المنافق وصفاته انه (مريض القلب, ويفسد في الأرض, ويرمي المؤمنين بالسفه, وهو ألد اللخصام,ويوالى الكافرين ويتربص بالمؤمنين, يخادع الناس ويتكاسل عن أداء العبادات, يتحاكم إلى الطاغوت, يكذب, ويفسد بين المؤمنين, يعيب أهل الحق, يغدر, يعيب المؤمنين ويسخر منهم, يتواصى بترك الجهاد, يضر بالمؤمنين).

    الفصل الحادي عشر
    يلتزم آداب السلوك
    * لكل أمة آداب وسلوك يميزها عن غيرها من الأمم.. والامة التي تحترم نفسها تربي أفرادها على مبادئها.. فيكون المواطن صورة عملية لافكار ومثل هذه الأمة. والامة التي تنسا مبادئها, وتختلط الأمور في شخصية أبنائها, تذوب مع الزمن فقد غلبتها أمة أقوى منها و اميز.
    * الأمريكان فرع من الامة الانكلوسكسون.. ومع ذلك فقد بدأت رحلة تميزها عن أبناء جلدتها الآخرين.. في مناهج ثقافتها, وفي مظاهر حياتها, وفي سلوك أبنائها.. وحتى في اللغة الانكليزية التي يتكلمون جميعاً بها.. فصارت لهم مع الزمن لغة انكليزية مختلفة.. حتى أن ملكة بريطانيا عندما زارت أمريكا مؤخراً, قالت في معرض النقد الخفي إنها لا تفهم لغتهم.
    * علم السلوك.. مادة تدرس في الجامعات.. ودورات يتدرب فيها موظفوا السلك الدبلوماسي.. يتعلمون آداب الكلام والطعام واللباس والحوار.. فالدبلوماسي سفير يمثل أمته.. فلا بد من أن يتمثل عاداتها وسلوكياتها وآدابها أمام الآخرين.
    * آداب السلوك يطلق اليوم عليها (البروتوكول).. ولكل أمة بروتوكولها .. وللبروتوكول موظفون متخصصون في تطبيقه.. فأنت تأكل بأسلوب معين, وتلبس بأسلوب آخر, وتسلم بطرقة.. وتجلس بطريقة أخرى.. ويتغير الأسلوب من مكان ألى آخر فلكل أمة شخصيتها وآدابها ولا يظنن أحد ان هذه الأمور ثانوية.. أو قليلة الأهمية, بل هي من أهم القضايا التي تولى أعلى الاعتبارات.. ولنا أن نعرف أن لوائح البروتوكول يصدرها الملك ولا يغيرها سواه. راعتباره الضابط لشخصية الأمة ومستواها..
    * من هذا المنطق فقد لاحظت الشريعة الغراء وهي تبنى أمة الإسلام هذا التميز قال رسول الله (ص): \"إن اليهود والنصارى لا يصبغون, فخالفوهم\". وقال أيضاً: \"لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا\". وقال أيضاً: \"لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله\".
    نهى عن التشبه في المظهر أو اللباس.. ونهى في التشبه في حركة أو سلوك. ونهى عن التشبه في قول أو أدب.. لأن وراء ذلك كله الشعور الذي يميز تصورا عن تصور, ومنهجا عن منهج, وسمة للجماعة عن سمة.. نهى عن الهزيمة الداخلية أمام أي قوم أخرين في الأرض. فالهزيمة الداخلية تجاه مجتمع معين هي التي تتدسس في النفس لتقليد هذا المجتمع المعين. والجماعة المسلمة قامت لتكون في مكان القيادة للبشرية, فينبغي لها أن تستمد تقاليدها من المصدر الذي اختارها للقيادة.
    * والأحاديث كثيرة في هذا المعنى. مثل \"من تشبه بقوم فهو منهم\". أو \"ليس منا من تشبه بغيرنا\". وليس المقصود هنا الامتناع عن استخدام الوسائل التي يستخدمها غيرنا.. بل المقصود أن لا نقلد الآخرين في آدابنا وسلوكنا.. وأن نحافظ على التميز في شخصيتنا.

    الفصل الثاني عشر
    نظيف ألوف
    قال رسول الله (ص) يوصى أصحابه: \"إنكم قادمون على إخوانكم, فأصلحوا رحالكم, وأحسنوا لباسكم, حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس, فأن الله لا يحب الفحش ولا التفحش\".
    آداب السلوك:
    فالمسلم إنسان متميز في فهمه ووعيه, وفي سلوكه وعمله, وفي مظهره وملبسه, وفي كل جانب من جوانب شخصيته. وإذا رأيت هذه الأيام بعض المسلمين, الذين يتشددون في جانب ويستهترون في جانب آخر من جوانب شخصيتهم, فاعلم أن الإسلام بعيد عن التزمت بعده عن الأستهتار, وأن الخلل في التطبيق وليس في تعاليم الإسلام. وإذا كانت \"النظم الغربية أو الشرقية\" قد ألزمت شعوبها قواعد وأصولاً أطلقت عليها البروتوكول.. وإذا كانت أمة تحاول أن تميز نفسها عن غيرها بهذه القواعد والأصول, فإن الإسلام سبق الجميع في هذا الاتجاه, وألزم المسلمين أداباً وسلوكاً معيناً يميزهم عن غيرهم, ويجعلهم شامة جميلة متأنقة في نظر الناس.
    من هذه القواعد والأصول: أن يكون الملم حسن المظهر, متأنق الملبس, نظيفاً, يراه الآخرون فيحسون بالراحة من مظهره قبل مخبره. هل تستيطع _على سبيل المثال_ أن تفهم أو تقبل محاضرة عن الإسلام يلقيها عليك داعية مسلم.. إذا كان أشعث الشعر, أغبر الوجه, قذر الثياب, تصدر عنه رائحة كريهة مستقذرة؟
    زعموا أن ابراهيم بن الأدهم الزاهد العابد, قد بلغ من زهده أنه كان يلبس فروة لا يميز من راها لون صوفها من كثرة القمل.. وهل يستقيم في حس المسلم وعقله أن يكون الزاهد العابد العالم من أمثال ابراهيم بن الأدهم قذراً ينفر الإنسان من رؤيته ورائحته؟!
    الداعية القدوة:
    في ضوء هذه التعاليم الواضحة, ينبغي على الداعية المسلم القدوة, أن يكون نظيفاً في جسمه, متأنقاً في ملبسه.. وحتى الأماكن التي يظنها الناس أنها من حقهم.. وأنه ليس لأحد حق زائد فيها مثل المساجد, فقد نهى الشارع أن يرتادها من تصدر عنهم رائحة كريهة بسبب ما أكلوا او شربوا أو لبسوا أو أهملوا.. يقول رسول الله (ص): \"من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا, فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم\".
    هذا هو الداعية القدوة..
    إنسان نظيف متأنق متميز في فهمه ووعيه,وفي سلوكه وعمله, وفي مظهره ومخبره, وفي كل جانب من جوانب شخصيته.. لا يطغى لديه جانب على آخر.

    الفصل الثالث عشر
    يتعرف على من يلقاه
    قال الله تعالى: \"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم\".
    فإذا كان مدلول الآية أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق: ذكراناً وإناثاً, شعوباً وقبائل, لهجات مختلفة, وألوانا متباينة, لتعارفوا.. ويحولوا هذا التعارف من اتصال عابر مؤقت إلى تعاون وثيق محكم.. في ظل التقوى والحب في الله.. إذا مانت الآية تنطق بذلك, نفهم عندها لماذا ركز كثير من الدعاة والمصلحين على التعارف.. فقالوا \"تعرف على من تلقاه وإن لم يطلب إليك ذلك فإن أساس دعوتنا الحب والتعارف\".
    التفاهم
    أما التفاهم +فهو الدرجة التالية بعد عملية التعارف.. وإذا استطاع كثير من الناس أن يتعارفوا على أعداد كبيرة من الناس في المسجد أو في مكان العمل أو في البيت.. من الأقارب أو الأصدقاء.. فإن القلة القليلة هم الذين يستطيعون الاحتفاظ بهؤلاء وإحسان معاملتهم والصبر على أذاهم, \"فمن يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم\".. ليس ذلك زحسب بل ومطلوب من الداعية المسلم أن يشعر من التعارف معهم بالأمن والأمان والحب والاطمئنان وهذا ما نطلق عليه التفاهم.

    والتفاهم ضروري لنجاح كل عمل:
    • ضروري لبناء الأسرة المتماسكة.
    • وضروري لقيام الشركة التجارية الناجحة.
    • وضروري لإدارة دولة متقدمة.
    • وكذلك ضروري لبناء صف متماسك متراص من المؤمنين العاملين.
    يقول رسول الله (ص): \"المؤمن بين خمس شدائد: مؤمن يحسده, ومنافق يبغضه, وكافر يقاتله, وشيطان يضله, ونفس تنازعه\".
    التكافل
    يقوم مجتمع الإسلامي على أساس: أن أفراده وحدة تتضامن في مواجهة الحياة, وتتعاون في حمل أعبائها, ويساند بعضهم بعضا أمام الأزمات والخطوب. كيانا واحدا يخطو في الحياة خطوات متعاونة تحمى الأفراد من الضياع والهوان. ونتبين في التكافل الاجتماعي جانبين واضحين يتميز بهما عن كل نظام: فهناك تكافل روحي وتكافل مادي.
    والإسلام يهتم ببث دعائم التكافل المعنوي في مجتمعه, فهو الأساس الأول الذي يقوم عليه التكافل المادي ويوم, وأول ما نلمحه أن الإسلام يجعل أفراد مجتمعه جسما واحدا يشعر بشعور واحد في الحياة موقفا واحدا.
    التكافل المعنوي:
    وويعني التكافل المعنوي في الإسلام أن يصبح كل فرد معبرا عن أخيه, وأن تقوى الرابطة بين الجاعة حتى تصير متماثلة من كل جانب متشابهة في كلاتجاه, تتعاون على سواء في حمل المسئولية وتنهض بأعباء الحياة. ويصور ذلك قول الرسول (ص): \"المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم, وهم يد على من سواهم\".
    التكافل المادي:
    أما التكافل المادي في المجتمع الإسلامي فهو فريضة لها أبعادها القريبة والبعيدة وحدودها التي تحيط بالمجتمع من أطرافه, ولا تترك منه جانبا يفترسه الشقاء أو يضيع فيه الفرد ولا يأسى عليه أحد, أو يعيش غريبا مأساته وحده ولا تمتد إليه أيدي القادرين.
    فهناك رباط عام يضمن تحقيق التكافل المادي على السواء, وهو فريضة الزكاة التي تختلف أنواعها ومصادرها, ولكنها تعود في نهاية الأمر لتمسح آلام البؤس والعوز وتظل المجتمع بظل الرحمة والحنان. والإسلام يرى في الزكاة فريضة للتكافل الاجتماعي وحلا ناجحا وكريما لمشكلة الحاجة والضعف والتخلف في مواجهة الحياة. إنها فريضة مادية, ومع ذلك يربطها الإسلام بأصل الإيمان, ويقرر اها قداسة العبادة وجلال الشعيرة ويجعلها انعكاسا لما يملأ القلب من اعتقاد.
    أخي المسلم الداعية..
    فإذا كان المسلم قد حرم ظلال الدولة الراشدة التي تعينه وتساعده وتكلفه.. فلا أقل من أن يتولى هو مع إخوانه في العقيدة الذين تعارفت أرواحهم فتآلفت وتفاهمت, عملية التكافل المادي والمعنوي فيكونون نواة صالحة للمجتمع الصالح الذي يدعون لإنشائه, ويعملون على إعادة بنائه.

    الفصل الرابع عشر
    يحسن اختيار الأصدقاء
    قال رسول الله (ص): \"إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء, كحامل المسك ونافخ الكير, فحامل المسك إما أن يحذيك, وإما أن تبتاع منه, وإما أن تجد منه ريحاً طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك, وإما أن تجد منه ريحاً منتنة\".
    وقال رسول الله (ص): \"المرء على دين خليله, فلينظر أحدكم من يخالل\".
    * الإنسان كائن اجتماعي بطبعه, يحب الإلف ويأنس للرفيق, وكما تقع الطيور على أشكالها, فالإنسان كذلك يقع على أشباهه وأقرانه ممن يشعر معهم بالحب والاطمئنان.
    والحب قضية هامة في حياة الإنسان, فهو يحب ربه الذي خلقه في أحسن تقويم, ويحب أمه وأباه سببي وجوده لرعايتهما له مولوداًوغذوهما له يافعاًوعهدهما إياه شاباً, ويحب إخوانه وأقاربه وجيرانه, وقد يكون ذا قلب كبير فيحب الناس ويتمنى لهم الخير والعافية. وهناك حب آخر يصفيه الإنسان لواحد أو أكثر من الناس يتخيرهم من بين الجميع, يرتاخ للقائهم, ويطمئن لمحادثتهم, وإذا حزبه أمر هرع إليهم وإن مسه ضر هرعوا إليه, وهؤلاء هم الأصدقاء.
    * إن الأمر بغاية الأهمية.. وإن المرء على دين خليله, يؤثر فيه سلباً وإيجاباً.. فقد أهتم به الإسلام, وأوصى أتباعه: من يخاللون وكيف (فأثر الصديق في صديقه عميق. ومن ثم كان لزاماً على المرء أن ينتقى إخوانه وأن يبلو حقائقهم حتى يطمئن إلى معدنها. إن الطبع يسرق من الطبع. وما أسرع ما يسير الإنسان في الاتجاه الذي يهواه صاحبه, وللعدوى قانونها الذي يسرى في الأخلاق كما يسرى في الأجسام).
    ولقد بين رسول الله (ص) أن الجليس الصالح كصاحب المسك ينشر عرفه وطيبه.. والجليس السيء كصاحب الكير ينشر دخانه وسواه.
    * والداعية المسلم الذي آمن بدعوة الإسلام, واعتقد انها الحل الأمثل والصحيح لكل مشكلات الإنسان والمجتمع, وتحرك في كل الاتجاهات: يطبق الإسلام على نفسه, ويدعو غيره إلى ركب الدعوة, هذا الداعية الذي ينشر عرفه الطيب بين الجميع, يحبهم في الله, سمح معهم, يلقاهم بوجه طليق, ينصح لهم, رفيق بهم, لا يغتابهم ولا يسمح لغيره بغيبتهم, يتجنب معهم الجدل والمزاح المؤذى, يؤثرهم على نفسه, صادق لا يغش ولا يخدع ولا يغدر, ناصح لهم, حسن الخلق, حيي رفيق رحيم غفور, هذا الداعية يحتاج إلى صديق يستكمل به عدته.. فإذا أحسن الأختيار.. كان صديقاً معيناً له على أداء الواجب وحفظ الحقوق, إذا زال قوّمه, وإذا اقترب من الحرام حذره, وإذا ضعف أمام جبروت الباطل قوى عزيمته, وإذا ضاقت به سبل الحياة وقف معه ومع أهله وأولاده في حضوره وفي أثناء غيابه.
    أما إذا أساء التقدير, واختار لصداقته رجل سوء أو قرين شؤم, يزين له الطريق الغواية, ويحسن له سبيل المنكر, ويسهل له فنون المعصية.. عندها يكون كمن وضع نفسه على \"شفا جرف هار\".
    * وعليه, فينبغي أن تتوفر فيمن نختار لصحبتنا (كما ذكر الإمام أبو حامد الغزالي في الأحياء) خمس خصال:
    (أن يكون عاقلاً (فلا خير في صحبة الأحمق), وأن يكون حسن الخلق, وأن يكون صالحاً غير فاسق, وأن لا يكون مبتدعاً, وأن لا تكون الدنيا أكبر همه).
    أيها الداعية القدوة..
    هذه هي مواصفات التي ينبغي فيمن نحرص على صداقتهم وأخوتهم.. وتلك هي حقوق المترتبة على تلك الصداقة.. فالنحرص على الالتزام بهذه التعاليم بلا إفراط ولا تفريط.

    الفصل الخامس عشر
    مع إخوانه في ظلال المساجد
    عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (ص) قال: \"سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل, وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق بالمساجد, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسه, فقال إني اخاف الله رب العالمين, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما انفقت يمينه, ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه\".
    أولاً:الإمام العادل.
    قال رسول الله (ص):\"حق عل الإمام أن يحكم بما أنزل الله, وأن يؤدي الأمانة, فإن فعل ذلك, فحق على الناس أن يسمعوا له, وأن يطيعوا, وأن يجيبوا إذا دعوا\".
    فالإمام العادل الذي يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله هو الإمام الذي يوفر الحرية للناس, ويعاملهم بالمساوات بغض النظر عن أشخاصهم. والعدل هنا ببعده العقائدي والأخلاقي والسياسي يشيع الفضيلة والفلاح في الدنيا والآخرة.
    ثانياً: وشاب نشأ في عبادة الله.
    إن اعمل المسلم كله عبادة إذا ربطه بالله سبحانه وتعالى.. يأكل الطعام بنية أن يتقوى على أداء أوامر الله, فالطعام عبادة. ويميط الأذى عن طريق لمساعدة الناس والإحسان إليهم, فهو عبادة. ويتزوج النساء ليعف نفسه, فتلك عبادة. ويترك المسجد ليسعى في حاجات المسلمين, خير له أن يعتكف في مسجد رسول الله (ص) شهراً..
    هذا إذن هو الطريق.. وهكذا يكون الشباب في عبادة الله.
    أن يفرد الله في عبودية, فلا يعبد سواه. ويؤدي له الشعائر التعبدية خالصة لوجهه. ويسعى أن يقيم شرع الله في الأرض, لوجه الحق والعدل. ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
    يغير المنكر بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه. ينكر المنكر ويدعو الآخرين لإنكاره فيتشكل تيار يتقوى يوما بعد يوم حتى يهزم الباطل ويقيم شرع الله. هذه بعض مواصفات الشاب الذي ينشأ في عبادة الله.. الذي يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
    ثالثاً: ورجل قلبه معلق بالمساجد.
    والمسجد في الإسلام هو كيان مصغر لمجتمع الإسلامي, منه يبدأ المسلمون وإليه ينتهون. ورسولنا الكريم (ص) عندما هاجر إلى المدينة المنورة وأقام الدولة الإسلامية فيها أسس _ومنذ يوم الأول_ المسجد. والمسجد ليس مجرد مكان لأداء الصلاة.. فقد جعلت للمسلم الأرض مسجداً وطهوراً, فأيما رجل من المسلمين أدركته الصلاة فليصل.
    إنما للمسجد شأن آخر..
    ففي المسجد نمارس الإيمان, نمارس الخشوع في الصلاة,والتوجه إلى الله بصدق.. وفي المسجد نتعلرف مع الناس ونتفاهم ونتكافل, فإذا غاب واحد من الرواد تفقدناه, نتفقد في رحاب المسجد قلوبنا هل تنظر للمسلمين جميعاًكأخوة في الله لا فرق بينهم في لون أو جنس أو وضع اقتصادي أو اجتماعي.. أو نتأفف أن نقف إلى جانب فقير أو وضيع.
    في المسجد نقرأ القرآن.. أو ننظم إلى حلقة علم.. أو نمارس واجبنا في التكافل الاجتماعي. وفي المسجد نتعلم شورى.. وتبادل رأي.. والنصيحة.. ولا ننقض بيعة الإمام ما أقام فينا الصلاة في المسجد..
    رابعاً: ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه.
    لنستمع إلى النبي الكريم (ص) يصف لنا هذا الحب.. يقول عليه الصلاة والسلام: \"إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء, ويغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى. قالوا: يا رسول الله تخبرنا من هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم, ولا اموال يتعاطونها, فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى نور, لا يخافون إذا خاف الناس, ولا يحزنون إذا حزن الناس, ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون\".
    ويعلمنا رسول الله (ص) الطرق العملية لزرع هذا الحب في القلوب فيقول: \"لن تدخلو الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا, هل أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم..\".
    خامساً: ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسه, فقال إني أخاف الله رب العالمين.
    وهذا صنف آخر يظله الله في ظله.. يوم لا ظل إلا ظله.. ذلك الرجل الذي تعرض لفتنة المرأة.. وأي مرأة؟ ذات المنصب الرفيع والقوام الجميل والوجه الحسن.. دعته إلى نفسها فقد هامت به حباً.. ماذا يفعل الرجل وقد اشتعل شوقه والتهبت شهوته وتجمعت بيده أسباب الوصال والجمال..؟ وقبل أن ينغمس في الشهوة الحمراء التي لا يخرج من إثمها, تذكر ربه وقال: إني أخاف الله رب العالمين.
    إنه من أصعب الأمور التي يتعرض لها الإنسان شهوة الفرج.. ورسول الله (ص) يقول: \"من يضمن لي ما بين لحييه وفخذيه أضمن له الجنة\".
    سادساً: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه.
    المال عصب الحياة.. ولا تدور عجلة الحياة بغير مال. ولقد جعل الله في أموال الاغنياء نصيباً للفقراء, قال تعالى: {وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب..} [البقرة:177].
    والصدقة والبذل هي التي تكشف معدن الرجل.. فإذا استعصت ولم يستطع إخراجها فهو عبد للمال والدنيا, وإن انتصر على نفسه وعلى حبه للمال.. فهو رجل يؤثر ما عند الله , والصداقة برهان على ذلك كله.. قال تعالى:
    {إن تُبدوا الصَّدَقات فَنعمَّا هي وإن تُخفوها وتُؤتُوها الفقراء فَهوَ خيرٌ لَكم} [البقرة:271].
    والصدقة خير على كل الأحوال.. وإخفاؤها أخير وأنفع, ففي إخفائها مصلحتان:
    * المصلحة الأولى للمتصدق.. فقد أمن غرور والعجب والتباهي, وعلم أنه لا يفعل ذلك إلا لله.
    * والمصلحة الثانية للفقير.. فقد سترنا عليه عجزه, وحفظنا له ماء وجهه وكرامته, لا يفعل ذلك إلا لله فاستحق من الله أن يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

    سابعاً: ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه.
    والبكاء من خشية الله دليل حضور القلب, وانفتاح البصيرة, فإذا تذكر العبد ربه, وما أسبغ عليه من نعمة ظاهرة وباطنة, وتذكر تقصيره, وأدرك أنه لن ينجو إلا بعفو مولاه, ففاضت عيناه تأثرا ورغبة ورهبة, كان من هؤلاء الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
    ولقد بشر الرسول (ص) البكائين فقال: \"لا يلج النار من بكى من خشية الله, ولا يدخل الجنة مصر على معية\". قال أيضاً: \"عينان لا تمسهما النار, عين بكت من خشية الله, وعين باتت تحرس في سبيل الله\".
    اللهم إنا نسألك إيمانا صادقا.. ودمعة خاشعة.. ورحمة واسعة.. اللهم إنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين.


    الفصل السادس عشر
    الداعية يقيم البيت المسلم
    عن أبي أمامة رضي الله عنه, عن النبي (ص) أنه قال: \"ما استفاد المؤمن _بعد تقوى الله عز وجل.. خيراً له من زوجة صالحة: إن أمرها أطاعته, وإن نظر إليها سرته, وإن أقسم عليها أبرَّته, وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله\".
    المقدمة:
    الزواج من سنن المرسلين, ومن حقائق الفطرة, فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه, عن النبي (ص) أنه قال: \"أربع من سنن المرسلين: الحناء, والتعطر, والسواك, والنكاح\".
    ومن حكمة الله عز وجل أن خلقنا من نفس واحدة, وخلق منها زوجها, وجعل الزواج الوسيلة الوحيدة لاتصال الرجل بالمرأة, بما يضبط الغزيرة, ويحفظ النوع, ويصون المرأة من الضياع, ويحمي الرجل من تبديد طاقته فيما لا طائل وراءه. قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً} [النساء:1].
    (ولقد عبى الإسلام_وهو يقيم هذه العلاقة_ بتصحيح النظرة إلى المرأة, وبإقامة العلاقة بين الجنسين على اساس من حقائق الفطرة, وبتوضيح هذه العلاقة في كل من فروعها النفسية والعملية, بحيث لا تضطرب ولا تتأرجح, ولا يكتنفها الغموض في زاوية من زواياها...).
    والرجل يميل بطبعه للمرأة.. والمرأة تميل بطبعها للرجل. وحتى يصبح هذا الميل عاملا إيجابياً في بناء الحياة, فقد ناشد النبي (ص) معاشر الشباب أن يتزوجوا, فقال: \"يا معشر الشباب, من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغض للبصر, وأحصن للفرج, ومن لم يستطع فعليه بالصوم, فإنه له وجاء\".
    وإذا استجاب الشاب لهذا النداء, كان الله في عونه, فقد روى الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: \"ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله, والمكاتب الذي يريد الأداء, والناكح الذي يريد العفاف\".
    والنفي تميل إلى الجمال.. وتشتهي المرأة الجميلة.زحتى لا يترك الرجل لضعفه فيسقط في متاهات الجمال أو المال بين له الإسلام الطريق السليم في اختيار شريكة حياته. قالرسول الله (ص): \" من تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقراً, ومن تزوج امرأة لحسبها لم يزده الله إلا دناءة, ومن تزوج امرأة ليغض بها بصره, ويحصن فرجه أو يصل رحمه, بارك الله فيها, وباركك لها فيه\".
    فليس الزواج صفقة تجارية تراجع فيها الأرصدة..! وليس الزواج مجرد متعة حسية,تستعرض فيها المرأة فتنتها وجمالها في أسواق العرض..!
    بل الزواج توازن بين كل هذه العوامل مع تركيز شديد على جانب الأخلاق والدين, قال رسول الله (ص): \"تنكح المرأة لأربعة: لمالها, ولحسبها, ولجمالها, ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك\".
    ومع ذلك يحض الإسلام كلا من الرجل والمرأة على السواء أن يحسنا الاختيار.. وأن يدققا فيه.. فليست القضية أياما تنقضى ويعود كل فريق إلى حاله.. بل بقية العمر يقضياه معا في سعادة غامرة تملأ قلوبهم وترفرف بأجنحتها على بيتهم أو شقاء مستعر يدمر قلوبهم ويعصف بسلامهم وأمنهم. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي (ص) قال: \"أربع من أصابهن فقد أعطى خير الدنيا والآخرة: قلباً شاكراً, ولساناً ذاكراً, وبدناً على البلاء صابراً, وزوجة لا تبغيه حوباً في نفسعا وماله\".
    ومعظم النكسات التي تصيب قلوب المتزوجين, وتنكد عليهم, وقد تعصف بهم مرحعها إلى سوء الاختيار والانهبار ببعض الجوانب على حساب الجوانب الأخرى.
    فعندما خطب المغيرة بن شعبة امرأة, وأخبر رسول الله (ص), فقال له: \"اذهب فانظر إليها, فإنه أحرى أن يؤدم بينكما\".
    ونصح رسول الله رجلا خطب امرأة من الأنصار, فقال له: \"انظر إليها, فإن في أعين الأنصار شيئاً\".
    شرح الحديث:
    بعد هذه المقدمة نعود إلى الحديث يخبرنا فيه رسول الله (ص) أن من أعظم النعم التي تصيب الإنسان بعد تقوى الله عز وجل, المرأة الصالحة. وهذا المعنى الكريم يحتاج إلى بعض الوقفات:
    1- فالرجل, والمرأة التي يختارها شركة له, يكونان الأسرة المسلمة التي هي أساس المجتمع الإسلامي, وعليها يقوم بناء العمران كما يقوم عليها بنا الأخلاق الإنسانية في مجالات واسعة متشابكة.
    2- والبيت المسلم, مجتمع مصغر يقوم على: المودة والرحمة, والسكن النفسي والحسي, والمساواة من الناحية الإنسانية, قال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة} [البقرة:228].
    وهذه الدرجة مفسرة بقوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء} [النساء:34].
    وهذا هو معنى: إن أمرها أطاعته. قال رسول الله (ص): \"إذا صلت المرأة خمسها, وحفظت فرجها, وأطاعت بعلها دخلت الجنة\".
    3- وإذا نظر إليها سرته: سرته بجمالها, وحسن منظرها, وتأنق ملبسها, وظيب رائحتها.
    وسرته بترتيب منزلها, وتحويل بيتها إلى سكن حقيقي يأوي إليه الرجل المكدود. فيجد فيه: الحب والحنان, والظل والأمان.
    وسرته بالعناية بأطفالها: مظهرهم ومخبرهم, بمطعمهم ومشربهم, وبكل شيء من شأنهم.
    و سرته بجمال أدبها, وكريم خلقها, وحسن تبعلها, وبر زوجها, ورعايته في قلبه وشعوره وماله وعرضه.
    وسرته بالتزاماتها بأوامر دينها, في صلاتها وصيامها, في تصدقها وإحسانها {فالصالحاتٌ قانتاتٌ حافظاتٌ للغيب بما حفظ الله} [النساء: 34].
    4- وإن أقسم عليها أبرته:
    فهو تأكيد لمعنى (إذا أمرها أطاعته).. أو هو درجة أعلى في الطاعة.. فطاعة الزوجة لزوجها مجلبة للهناء والرضا, والمخالفة تولد الشحناء والبغضاء, وتوجب النفور, ويفسد عواطف الإخاء, وتنشيء القسوة في قلوب الآباء.
    وما من امرأة نبذت طاعة زوجها إلا حل بها الشقاء ولحقها البلاء.. زكلما زادت طاعة الزوجة لزوجها ازداد الحب والولاء بينهما, وتوارثه أبناؤهما, لأن الأخلاق المألوفة إذا تمكنت صارت ملكات موروثة: يأخذها البنون عن آبائهم, والبنات عن أمهاتهن.
    قال رسول الله (ص): \"ثلاثة لا تمسهم النار: المرأة المطيعة لزوجها, والولد البار بوالديه, والعبد القاضي حق الله وحق مولاه\".
    وقال أيضاً: \"جهاد المرأة حسن التبعل\" أي إطاعة الزوج\". وعندما سئل رسول الله (ص): \"أي النساء أفضل؟ قال عليه السلام:\" التي تطيع زوجها إذا أمر, وتسره إذا نظر\".
    5- وإن غاب نصحته في نفسها وماله:
    روى ابن جرير والبيهقى من حديث أبى هريرة أن النبي (ص) قال: \"خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك, وإذا أمرتها أطاعتك, وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها\" وقرأ قوله تعالى{فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله}.
    (فالغيب هنا ما يستحيا من اظهاره, أى: حافظات لكل ما هو خا بأمر الزوجية الخاصة بالزوجين, فلا يطلع أحد منهما على شيء مما هو خاص بالزوج).
    هذا معنى أن تنصحه في نفسها.. أما أن تنصحه بماله فمعناه أن تحفظ وتصون مال زوجها. فلا تعطى أحدا من أهلها أو من غيرهم شيئاً من مال زوجها أو متاعه, إلا إذا أذن لها.. لقوله (ص): \"ولا تعطى شيئا من بيته إلا بإذنه, فإن فعلت ذلك كان له الأجر وعليها الوزر\".
    الفصل السابع عشر
    يحسن التعامل مع المسلم وغير المسلم
    قال رسول الله (ص): \"من ظلم معاهداً, أو انتقصه حقاً, أو كلفه فوق طاقته, أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس, فأنا حجيجه يوم القيامة\".
    وقال أيضاً: \"من آذى ذمياً فأنا خصمه, ومن كنت خصمه خصوته يوم القيامة\". وقال أيضاً: \"من آذى ذمياً فقد آذاني, ومن آذاني فقد آذى الله\".
    مقدمة:
    هذه الأحاديث تعالج قضية هامة من قضايا المجتمع الإسلامي.. وهي قضية غير المسلمين الذين يعيشون في هذا المجتمع. وفي وقت الذي حسم الإسلام في (التعاليم والتطبيق) عبر تاريخه الممتد (من زمن النبي محمد (ص) وحتى سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية) هذه المسألة, وأعطى فيها لأهل الذمة من الحقوق ما لا تعطيه أمة في التاريخ القديم أو الحديث للأقليات الدينية التي تعيش في كنفها ومع ذلك فأنت تسمع في كل يوم نغمة جديدة عن حقوق الأقليات غير الإسلامية يرددها أعداد الأمة أحياناً ويرددها أبناؤها أحياناً أخرى.
    قد تختلف نوايا الفريقين.. ولكنها من حيث النتيجة مردودها واحد.. وهناك فائدة كبيرة من الاستعراض التاريخي لهذه العلاقة بين المجتمع الإسلامي وهذه الأقليات, لنرى حقيقة المظالم التي يدعونها والتي يطالبون بسببها إبعاد الإسلام عن التشريعات التي تنظم المجتمع وتحكمه.. لأنهم في مثل هذه المجتمعات الإسلامية سيكونون ضحية التمييز والضطهاد.. كما يدعون.


    السياق التاريخي بين المبدأ والتطبيق:
    في العصر النبوي:
    ذكر ابن اسحق في سيرته: أن وفد نجران_وهم من نصارى_ لما قدموا على رسول الله (ص) بالمدينة, دخلو عليه مسجده بعد العصر, فكانت صلاتهم, فقاموا يصلون في مسجده, فأراد الناس منعهم, فقال رسول الله (ص): \"دعوهم\" فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم. ولقد استنتج الفقعاء المسلمون من هذه الحادثة جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلين وتمكينهم من الصلاة في مساجدهم إذا مان ذلك عارضاً.
    وروى أبو عبيد عن سعيد بن المسيب, أن رسول الله (ص) تصدق بصدقة على أهل بيت من اليهود, فهي تجرى عليهم.
    وروى البخاري: أن النبي (ص) مات ودرعه مرهونة عند يهودي في نفقة عياله. ومرت عليه جنازة فقام (ص) لها واقفا, فقيل له: إنها جنازة يهودي, فقال (ص): \"أليس نفسا\".
    في عصر الصحابة والتابعين:
    يأمر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصرف معاش دائم ليهودي وعياله من بيت مال المسلمين, ثم يقول: قال الله تعالى: {إنما الصقات للفقراء والمساكين} وهذا من مساكين أهل الكتاب.
    وكان بعض أجلاء الصحابة يعطون نصيبا من صدقة الفطر لرهبان النصارى ولا يرون في ذلك حرجا.
    وروى ابن أبى شيبة عن جابر بن زيد: \"إنه سئل عن الصدقة فيمن توضع؟ فقال: في أهل ملتكم من المسلمين, وأهل ذمتهم..\".
    في العصر الأموي:
    يذكر لول ديورانت في كتابه \"قصة الحضارة\" ما يلى:
    \"لقد كان أهل الذمة (المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئون) يتمتعون في عهد الخلافة (الأموية) بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيراً في البلاد المسيحية هذه الأيام, فلقد كانوا أحرارا في ممارسة شعائر دينهم, واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم, ولم يفرض عليهم أكثر من ارتداء زى ذى لون خاص واداء ضريبة عن كل شخص تختلف باختلاف دخله وتتراوح بين دينار وأربعة دنانير ولم تكن هذه الضريبة تفرض إلا على غير المسلمين القادرين على حمل السلاح, ويعفى منها الرهبان والنساء والذكور الذين هم دون البلوغ, والأرقاء والشيوخ والعجزة وأهل العمى الشديد والفقر, وكان الذميون يعفون في نظير ذلك من الخدمة العسكرية أو إن شئت فقل لا يقبلون فيها, ولا تفرض عليهم الزكاة البالغ قدرها اثنان ونصف بالمائة من الدخل السنوي, وكان لهم على الحكومة أن تحميهم, ولم تكن تقبل شهادتهم في المحاكم الإسلامية, ولكنهم كانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لزعمائهم وقضاتهم وقوانينهم\".
    في العصر العباسي:
    وذكر الدكتور الخربوطلى في كتابه \"الإسلام وأهل الذمة\" ما يلى:
    \"اشتهر بين أهل الذمة في العصر العباسي كثير من العظماء, مثل جرجيس بن بختيشوع طبيب الخليفة العباسي أبى جعفر المنصور, وقد وثق فيه الخليفة وأكرمه. ومن هئلاء جبرائيل بن بختيشوع طبيب هارون الرشيد, الذي قال الرشيد عنه: كل من كانت له حاجة الي فليخاطب بها جبرائيل\".
    وأشاد ترتون بتسامح المسلمين قال: والكتاب المسلمون كريمون في تقدير فضائل هؤلاء ممن هم على غير ملتهم, حتى ليسمون حنين بن اسحق برأس أطباء عصره.
    وكان بختيشوع بن جبرائيل يضاهى الخليفة المتوكل في ملابسه وفي حسن الحال وكثرة المال وكمال المروءة ويباريه في الطيب والجواري والعبيد.. واشتهر كثير من أهل الذمة في ميدان الآداب والفنون.
    وقد بلغ ابراهيم بن هلال (وهو نصراني) أرفع مناصب في الدولة وأرقاها.
    وإذا حفظت لنا ذاكرة التاريخ بعض صور الوفاء من أهل الذمة في ديار المسلمين إلا أنها حفلت بصور المكر والخديعة والوقيعة بالمسلمسن في الحروب الصليبية وفي التآمر مع الأعداء وخاصة تجاه الدولة العثمانية التي أعطتهم امتيازات في المال والتجارة جعلت منهم دولة داخل الدولة.. وكانوا بالنتيجة عاملا رئيسا في هدم الدولة العثمانية وتفتيت وحدتها.
    والإسلام ينطلق في ذلك ليس من مبدأ رد الفعل.. إنما من مبادئه المقررة في كتاب الله وسنة رسوله. فالإسلام يكرن الإنسان لأنه إنسان بغض النظر عن لونه أو جنسه أو دينه, ويطالب المسلمين بأن يعدلوا مع جميع الناس ولو كانوا أعداءهم.
    لهم ما لنا وعليهم ما علينا
    حقوق أهل الذمة:
    القاعدة الأولى في معاملة أهل الذمة في (دار الإسلام) أن لهم الحقوق مثل ما للمسلين, إلا في أمور محددة مستثناة. كما أن عليهم ما على المسلمين من الواجبات إلا ما استثنى.
    حق الحماية:
    وتشمل حمايتهم من كل عدوان خارجي.. وقد انعقد على ذلك إجماع الأمة. ومن الموافق التنفيذية لهذا المبدأ الإسلامي موقف الامام ابن تيمية حين طالب القائد التترى (قطلوشاه) الذي تغلب على الشام بإطلاق الأسرى.. وعندما وافق على إطلاق أسرى المسلمين دون أهل الذمة رفض ابن التيمية وقال: لا نرضى إلا بافتكاك جميع الأسرى من اليهود والنصارى فهم أهل ذمتنا. كما تشمل حمايتهم من الظلم الداخلي.. يقول الرسول (ص): \"من ظلم معاهدا أو انتقصه حقا أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه, فأنا حجيجه يوم القيامة\".
    حماية الدماء والأبدان:
    وحق الحماية مقرر لأهل الذمة يتضمن حماية دمائهم وأنفسهم وأبدانهم. يقول رسول الله (ص): \"من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة, وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما\". ولا يجوز إلحاق الأذى بأجسامهم ولو تأخروا أو امتنعوا عن أداء الواجبات المالية المقررة عليهم كالجزية والخراج.
    حماية الأموال:
    ومثل حماية الأنفس والأبدان حماية الأموال. جاء فيعند النبي (ص) لأهل نجران \"ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة رسوله على أموالهم وملتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير\".
    حماية الأعراض:
    يجب كف الأذى عن الذمى وتحرم غيبته كالمسلم. ويعلق العلامة ابن عابدين على ذلك يقول: \"إنه بعقد الذمة وجب له ما لنا فإذا حرمت غيبة المسلم حمت غيبته\".
    التأمين عند العجز:
    في عقد الذمة الذي كتبه خالد بن الوليد رضى الله عنه لأهل الحيرة بالعراق (كانوا من النصارى): وجعلت لهم: أيما شيخ ضعف عن العمل, أو أصابته آفة من الآفات, أو كان غنيا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه, طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله\". وكان ذلك في عهد أبى بكر, وبحضرة عدد كبير من الصحابة, وقد كتب خالد به إلى الخليفة ولم ينكر عليه أحد, ومثل هذا يعد إجماعا.
    حرية التدين:
    ويحمى الإسلام فيما يحميه من حقوق أهل الذمة حق الحرية. كحرية الاعتقاد والتعبد, قال تعالى: {لا إكراه في الدين}. ولقد صان الإسلام لغير المسلمين معابدهم ورعى حرمة شعائرهم, قال تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لّهدّمتْ صوامع وبيعٌ وصلواتٌ ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرنَّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}.
    قضية واحدة هي موضوع خلاف بين فقهاء المسلمين وهي: هل يجوز لأهل الذمة إنشاء معابد جديدة لهم؟ فريق من الفقهاء أجاز لأهل الذمة إنشاء الكنائس والبيع وغيرها من المعاهد في الأمصار الإسلامية وفي البلاد التي فتحها المسلمون عنوة إذا أذن لهم إمام المسلمين بذلك.
    أما في القرى والمواضع التي ليست من أمصار المسلمين فلا يمنعون من تجدتد كنائسهم وبناء ما تدعو حاجتهم إلى بنائه نظرا لتكاثر عددهم.
    يقول العلامة غوستاف لوبون: (إن مسامحة محمد لليهود والنصارى كانت عظيمة للغاية وإنه لم يقل بمثلها مؤسسو الأديان التي ظهرت من قبل كاليهودية والنصرانية على وجه الخصوص).
    حرية عمل وكسب التوظيف:
    لغير المسلمين حرية العمل والكسب, شأنهم في ذلك شأن المسلمين. قال آدم ميتز \"ولم يكن في تشريع الإسلامي ما يغلق دون أهل الذمة أى باب من أبواب العمل, وكانت قدمهم راسخة في صنائع التي تدر الأرباح الوافرة, فكانوا صيارفة وتجارا وأصحاب ضياع وأطباء\". ولأهل الذمة الحق في تولى وظائف الدولة كالمسلمين إلا ما غلبت عليه الصبغة الدينية كالإمامة ورئاسة الدولة والقيادة في الجيش والقضاء بين المسلمين من أمثال الماوردى لا يرى بأساً من تولية الذمى وزارة التنفيذ..
    واجبات أهل الذمة:
    تنحصر واجبات أهل الذمة في أمور معدودة هي:
    أولاً: الجزية والخراج:
    أداء الجزية والخراج والضريبة التجارية, وهذه هي واجباتهم المالية.
    الجزية هي ضريبة سنوية زهيدة تفرض على رجال البالغين القادرين. أما الفقراء فمعفون منها. أما الخراج فهو ضريبة مالية تفرض على رقبة الأرض إذا بقيت في أيديهم ويرجع تقديره إلى الأمام.



    وتسقط الجزية عن هؤلاء في حاتين:
    الأولى: أن يضعف المسلمون عن حماية أهل الذمة.. كما أمر أبو عبيدة بن الجراح عندما بلغه تجمع جحافل الروم في الشام.. نوابه العسكريين برد الجزيةوقال: \"إنما رددنا عليكم أموالكم, لأنه قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع, وإنكم اشترطتم علينا أن نمنعكم, فإذا نصرنا الله عليهم, فنحن لكم على الشروط\".
    الثانية: أن يشارك الذمة المسلمين في القتال والدفاع عن دار الإسلام ضد أعداء الإسلام. ولقد صالح ابو عبيدة جماعة \"الجراجمة\" وهم من نصارى انطاكية ان يكونوا أعوانا للمسلمين وعيونا على عدوهم وألا يؤخذوا بالجزية.
    وفي التاريخ الإسلامي القديم والحديث عشرات الأمثلة لأهل الذمة الذين ساعدوا الجيش الإسلامي أو حاربوا معه فكان ذلك بديلا للجزية.
    ثانياً: التزام أحكام القانون الإسلامي في المعاملات المدنية.
    ثالثاً: احترام شعائر المسلمين.
    الفصل الثامن عشر
    يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
    قال رسول الله (ص): \"ما من نبي بعثه الله تعالىفي أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته, ويقتدون بأمره, ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون, ويفعلون مالا يؤمرون, فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن, ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن, ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن, وليس وراء ذلك من الايمان حبة خردل\".
    يتناول هذا الحديث الصحيح قضية من أهم القضايا الإسلامية التي تكثر حولها الجدل.. قضية واجب المسلم, وضرورة عمل الجماعي, وفريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, والمجاهدة باليد أو اللسان, ومعنى المجاهدة بالقلب.. وكلها أمور تستحق أن نقف عندها لتوضيح ما استشكل فهمه, وتبسيط ما حاول البعض تهويله أو التهوين من شأنه.
    قضية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر:
    قال الله عز وجل: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} [آل عمران:104].
    (فالمهمة التي شاء الله عز وجل أن يلقى أعباء القيام بها على عائق الأمة المسلمة عبرت عنها الآية الكريمة بمصطلحين: أحدهما الدعوة الى الخير, والآخر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
    أما الدعوة الى الخير:
    فقد روى أبو جعفر الباقر رضى الله عنه أن النبي (ص) تلا الآية الكريمة {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} فقال: الخير اتباع القرآن وسنتي.
    وبذلك يصبح معنى الآية: إنه لابد من وجود أمة (أى جماعة) تعمل على نشر الإسلام وتطبيقه, واتباع تعاليم القرآن الكريم وسنة الرسول الأمين فيما يخص أمور الدنيا والدين.
    أما المصطلح الآخر فهو مصطلح الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الذى هو موضوع البحث:
    فقد ذكر الإمام الغزالى في كتابه القيم (إحياء علوم الدين) وهو يتحدث عن موضوع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, فقال:
    (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين, وهو المهمة التي ابتعث الله لها النبيين أجمعين, ولو طوى بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة, واضمحلت الديانة, وعمت الفترة, وفشت الضلالة, وشاعت الجهالة, واستشرى الفساد, واتسع الخرق, وخربت البلاد, وهلك العباد, ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد).
    * فالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو مهمة الأنبياء. قال الله تعالى يصفرسول الله (ص) {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر} [الأعراف:157].
    * ومهمة الأمة المسلمة من بعد النبي, قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} [آل عمران: 110].
    أى أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر عمل دعوى.. تقوم به الأمة المسلمةبين الناس وفي نفسها, فهي إذا لم تلزم نفسها بالمعروف ولم تنته هي عن المنكر فكيف يصح لها أن تأمر غيرها وتنهاه؟
    * وهو عبادة واجبة,قال رسول الله (ص): \"الإسلام أن تعبد الله لا تشرك به شيئا, وتقيم الصلاة, وتؤتى الزكاة, وتصوم الرمضان, وتحج البيت, والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, وتسليمك على أهلك, فمن انتقص شيئا منهن فهو سهم من الإسلام يدعه, ومن تركهن كلهن فقد ولى الإسلام ظهره\".
    وعن جابر أنه قال: قال رسول الله (ص): \"أوحى الله عز وجل إلى جبريل عليه السلام أن أقلب مدينة كذا وكذا بأهلها. فقال يارب إن فيهم عبدك فلانا لم يعصك طرفة عين. قال: اقلبها عليه وعليهم, فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط\".
    الجانب السياسي في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر:
    قال الله تعالى {الذين إن مَّكَّنَّاهمّ في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} [الحج:41].
    * ومعنى ذلك أنه كما أن للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر جانبا دعويا, فكذلك له جانب سياسي. أى أن الأمة المسلمة وأولى الأمر فيها مطالبون بتطبيق شرع الله فريضة من الله. وأداء هذه الفريضة من اهم مسؤولياتها وأكبر واجباتها لا يجوز لها شيء من التهاون فيها, فضلاً عن إهمالها, ولأنها هي التي تضفى عليها الطابع الإسلامي والصبغة الإسلامية.
    قال رسول الله (ص): \"ما من نبي بعثه الله تعالىفي أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته, ويقتدون بأمره, ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون, ويفعلون مالا يؤمرون, فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن, ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن, ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن, وليس وراء ذلك من الايمان حبة خردل\". فإذا جاء هؤلاء الخلوف وانحرفوا بالمجتمع المسلم عن هدى الرحمن وسنة نبيه ولم ينفع معهم النصح والتذكير فقد وقع واجب التغيير على أبناء الأمة كل حسب قدرته.
    ولكن لماذا تتحنل الأمة هذا الواجب؟
    قال رسول الله (ص): \"ما من قوم يعمل فيهم المعاصى, ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لم يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب\".


    ولكن كيف تكون مقاومة المنكر؟
    1- فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن:
    وحول هذا الموضوع قال العلماء كلاما كثيرا.. منه أنه ينبغى على العصبة المؤمنة أن تجاهد المنكر وتزيله بيدها, وأن تستعمل السيف إذا لزم الأمر, وقد اشترط الفقهاء أن لا يؤدى ذلك إلى ضرر أكبر.
    2- ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن:
    والإصلاح باللسان متقدم على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالقوة. ولقد نعى الإسلام على الأمة أن تهاب الظالم وتخشاه فلا تردعه عن ظلمه, والرسول (ص) يقول: \"سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله\".
    3- ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن:
    والمجاهدة بالقلب تعنى أن الإنسان إذا لم يستطع أن يجاهد بيده ولا بلسانه لظروف خاصة به مثل شدة بطش الحاكم أو الخوف منه.. فتكون مجاهدة بالقلب. وهي ليست مجرد الإنكار القلبي والستكانة بعد ذلك, بل تعني أن يتحول هذا الإنكار إلى فكرة يبثها المنكر بقلبه بين أقرانه يجمع عليها جميع المنكرين بقلوبهم, حتى يتكون منهم تيار غالب يقوى أفراده بعضهم بعضا, بحيث تصبح لهم قوة مادية يستطيعون بها أن ينكروا بألسنتهم أو بأيديهم.
    وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان:
    فالقوى الذي لا ينكر بيده, والعالم الذي لا ينكر بلسانه, والآخرون الذين لا ينكرون بقلوبهم.. ليس عندهم حبة خردل من إيمان..
    الفصل التاسع عشر
    يوازن بين الفردية والعمل الجماعي
    ذكرنا في بحثنا \"الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر\".
    1- إن الدعوة إلى الله تعالى وظيفة الرسل, قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أنة رسلولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الظاغوت} [النحل: 36].
    2- وإن هذه المهمة انتقلت إلى الأمة المسلمة من بعد الرسل, قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} [آل عمران: 110].
    3- وإن الدعوة إلى الله هي واجب كل مسلم ومسلمة, قال رسول الله (ص): \"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان\".
    4- والمسلم القائم على أمر الدعوة الذي تمنعه ظروفه من أن يجاهد الظلم والمنكر بيده أوبلسانه.. يلجأ إلى أضعف الإيمان فليجاهد بقلبه.
    5- من هذا المنطلق قامت الحركات الإسلامية في مختلف بلدان المسلمين في قديم الزمان وحديثه. بعض هذه الحركات كان محلى النشأة والاهداف, وبعضها كان عالمى النظرة والتطلعات. فما أن تتدهور أوضاع الأمة المسلمة, فتفقد وحدتها وقوتها, وينال منها أعدائها, أو يتحكم فيها حكام يشيعون الظلموبهادنون العدو.. حتى تصدى لهذه الأوضاع رجال ربانيون يتعاهدون على إعادة الأمور إلى نصابها, وإعادة الأمة إلى دينها.. وهؤلاء هم طليعة الحركة الإسلامية في كل مكان وزمان.
    6- وفي عصرنا الحديث, وقد فقدت الأمة الإسلامية شخصيتها, وعاث فيها أعداؤها, فرقوا وحدتها, واستعمروا أوطانها, واستلبوا أرضها, واستبدلوا أحكام الشريعة فيها بقوانين مستوردة, وأقصوا الإسلام من دائرة التأثير, قامت حركات إسلامية أهمها: حركة الإخوان الممسلمين في البلاد العربية, والجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية, وحزب السلامة والرفاة في تركيا, وحزب ماشومي في أندونيسيا.. وأعداد كبيرة من الحركات الإسلامية الأخرى التي تمت بصلة فكرية أو تنظيمية لواحدة من هذه الحركات.
    7- ولقد واجهت هذه الحركات الإسلامية مقاومة شرسة من القوى المختلفة المتحكمة, ولم تكن في أكثر الأحيان معارك متكافئة, وكيف يقاوم شباب أعزل أوضاعا أقوى منهم بكثير تملك الجيوش والسلاح وتملك السجون والمعتقلات.. وما زالت الحرب مستمرة.. والكفة تكاد ترجح إلى جانب أنصار الحركة الإسلامية, فالظلم مهما ارتفع واشرأب, نهايته وخيمة وعاقبته انهيار..وصدق الله العظيم إذ يقول: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} [القصص:5].
    8- وللحركة الإسلامية جملة عناصر تتكون منها وهي:
    أولاً: القيادة والقاعدة وطبيعة العلاقات بين الفريقين.
    ثانياً: طبيعة التنظيم وأهدافه.
    ثالثاً: المنهاج التربوي الذي يعيد صياغة الفرد والمجتمع.
    ولا بأس أن نقف ولو باختصار على هذه العناصر, نحللها ونعدد اختلاف وجهات النظر حولها, فقد يكون في ذلك بعض الفائدة.
    9- معنى التنظيم:تطلق كلمة التنظيم على كل تجمع من الناس, يسعون نحو هدف محدد, يجعلون عليهم رئيسا هو القائد, ينظمون أمورهم حسب لوائح يتفقون عليها, ولا تشذ التنظيمات الإسلامية عن هذا النمط, وإن كان التنظيم الإسلامي يحاول أن يضبط وجوده, وأهدافه, وعلاقات القائد بقاعدته, حسب التعاليم الإسلامية, بل ولربما حاول التنظيم الإسلامي أن يقتفى سيرة الرسول (ص) في مختلف أطوار دعوته, وبقدر تجهد الاجتهادات والتفسيرات لتصرفات القائد محمد (ص) فإننا نجد تعدد أشكال التنظيمات وأهذافها بالقدر نفسه.
    * فمنهم من يرى أن التنظيم ينبغي أن يظم عناصر قليلة, منتقاة, صاحبة علم وثقافة, وخلق ومركز اجتماعي, وقدرة على خدمة الدعوة والارتقاء بها, وقيادة الجماهير بعد ذلك نحو الهدف المنشود. وهو ما يشبه بالمجموعة الطليعية في زماننا هذا.
    * ومنهم من يرى أن التنظيم هو إطار شامل يضم الناس جميعا, يتلقون فيه مقدارا معينا من الإعداد والتربية, ويزداد حجم التنظيم بازدياد نشاط أعضائه في ضم المزيد من العناصر, وتصبح نظرة الرضا كاملة ينظرها العنصر إلى زميله في التنظيم.. بينما ينظر الآخرين بعين الشك وعدم الأطمئنان.
    * والتنظيمات الإسلامية تضم كلا النوعين.. ففي الوقت الذي تتشدد فيه الجماعة الإسلامية في باكستان بشروط العضوية, ولا تقبل في صفوفها إلا النخبة كأعضاء عاملين.. تتساهل حركة الإخوان المسلمين في هذه الشروط ولكلا الطريقتين مزاياهما.. وعيوبهما.
    10_ بين الدين والسياسة:والدعوة إلى فصل الدين عن السياسة قديمة.. غير أنها استقرت عرفا سياسيا في القرن الماضي والقرن الحالي.. والدعوة في أصلها غربية كنسية ينسبونها إلى قول السيد المسيح: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله. وهذا النوع من الفهم لا يعرفه الإسلام ولا يقره. والإسلام دين يتناول جميع مظاهر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما فيها الجهاد والعبادات والعقائد.. ولا يعرف مثل هذه التقسيمات.. والدول الغربية التي تآمرت على المسلمين.. وأسقطت دولة الخلافة, واحتلت بلاد المسلمين, فرضت عليهم أوضاعا ثقافية وسياسية وقانونية لا يقرها الإسلام ولا تخدم غير أغراض المستعمر.. ومنها هذه الفرية \"فصل الدين عن السياسة\".. وللأسف الشديد فإننا نجد بعض التنظيمات الإسلامية تسير في الاتجاه نفسه, وتزعم لنفسها مسارا بعيدا عن السياسة.. ونستطيع أن نقول: إن الغاية الرئيسية للتنظيمات الإسلامية هي إقامة الحكومة المسلمة وتطبيق الشريعة الإسلامية.. وكل ابتعاد عن هذه الهدف يعتبر انحرافا عن الإسلام. والدعوة الإسلامية الأولى لم تحاربها قريش من أجل توحيد الآلهة بإله واحد.. إنما حاربتها لأنها أرادت أن تقيم سلطان الله مكان سلطان قريش!
    11-بين السرية والعلنية: وهذه قضية أخرى خطيرة جدا, تعانى منها التنظيمات السياسية بعامة والتنظيمات الإسلامية بخاصة.. جميع الحركات الإسلامية بدأت علنية تدعو إلى الناس أن يمارسوا حقهم المشروع في عملية التغيير بالوسائل السلمية, فقد ضمنت القوانين وحقوق الإنسان حريته في القول والكتابة والتجمع. ولكن الإرهاب بكل أنواعه مورس بحق الإسلاميين جعلهم يحولون عملهم الدعوي إلى تحت الأرض.
    والأمر الطبيعي أن ينظر الإسلاميون إلى السرية على أنها طارئة. يعملون على تخطيها والعودة إلى العلنية الطبيعية.. ولكن بعض التنضيمات استمرأت الأمر, وخلطت بين الدعوة والتنظيم, وبدأت تدخل بالدعوة دهاليز السرية.. وفي الدهاليز تتم المؤامرات وتنحرف الدعوات, باسم السرية تقتل الفضيلة وتشيع الرذيلة, ويحكم على العول ويبرأ المجرمون, ويرتفع الأراذل ويذل الأفاضل.
    يكفى في أجواء السرية هذه أن تلقى الكلمة.. وتحاط بأجواء خاصة.. لتصبح حقيقة غير قابلة للنقص.. تماما مثل تعاويذ الكهان! فلا قائدها يقدم البرهان.. ولا السادة السامعون يطالبون بالدليل.. وكيف يحق لهم ذلك والأمر في غاية السرية.. باسم هذه السرية وببركاتها قامت أعمق الخلافات التي لا تحل! وأسوأ المعارك التي لا سبب لها! إن هذه السرية.. هي غير سرية الدعوة في مكة التي نظم فيها الصف الإسلامي صفوفه, وهيأ نفسه للمعركة الطويلة مع الشرك.. استوعب خلالها المسلمون معنى الإسلام ومعنى الدعوة حتى لا يقع أي تناقض في دعوتهم.. أو بين دعوتهم وسلوكهم.
    12- معنى القيادة: لابد لكل جماعة من رئيس, تلك حقيقة قررتها الشريعة وأمرت بها,ويؤيدها الواقع ويدركها العقل السليم, وفي الحديث الشريف: \"لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم\" ويقول الإمام ابن التيمية تعليقاعلى هذا الحديث: \"فأوجب (ص) تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر, تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بالقوة والإمارة\".
    وتقوم القيادة:
    * بإدارة الجماعة.
    * ووضع الخطط لها.
    * وتحديد الأهداف المرحلية والنهائية.
    * ووضع الوسائل المناسبة لهذه الأهداف.
    * وتنفيذ الخطة.
    * وتشكيل الأجهزة التي تشرف على متابعة التنفيذ.
    فإذا تصورنا أن جميع هذه المهام تقع على عاتق القيادة الحركية في التنظيمات الإسلامية.. فمعنى ذلك أن القيادة يجب أن تكون على درجة عالية من الكفاءة, ليس في الجوانب الشرعية التي يكتفى بها البعض بل وفي مختلف جوانب المعرفة.
    فعلى الإدارة مثلا أن تعرف الكثير عن علوم الإدارة:
    * كيف تختار العناصر المناسبة.
    * كيف تعدهم, وترفع باستمرار مستوى أدائهم, وتحسن توجيههم حسب قدراتهم.
    * كيف تنظمهم.
    * كيف يمكن الأستفادة منهم وتحقيق أهدافها من خلالهم.
    ومن واجبات القيادة:
    * أن تضع الرجل المناسب في مكان المناسب.
    * وأن تمنح الثقة وتعطى الصلاحيات وتحاسب على الإنتاج فالقدرات تبنى بالمسئوليات.
    * وأن تتابع العمل ولا تكتفى بالتقارير.
    * القيادة الإسلامية لابد أن تكون على درحة عالية من الكفاءة والثقافة الإسلامية والعلوم العصرية المتنوعة..
    * وعلى القائد الإسلامي أن يكون حارسا للمباديء أمينا على المفاهيم والتصورات التي يدعو بها.
    * وعلى القائد الإسلامي أن يكون قدوة صالحة, راجح العقل, شجاعا, حليما, عفوا, رفيقا, متثبتا, وفيا للعهد, صادقا, ذكيا, حاضر البديهة, سليم الصدر, لا يقبل العاية ةالنميمة.
    * وعلى القائد الإسلامي أن يتخذ البطانة الصالحة.
    * وعليه قبل كل شيء أن يتأكد من تطبيق الشورى في جميع مواقع اتخاذ القرار.
    * والقائد مسئول عن عمله, يحاسب إن قصر أو خطأ.
    13- البيعة: في حالات الكثيرة يكون الخطط بين قائد الجماعة المسلمة أيا كان اسمها.. وبين الخلافة أو قيادة الدولة الإسلامية. وإذا كان خروج المسلم على الدولة الإسلامية التي تحكم بشرع الله يعتبر كبيرة من الكبائر.. فإن الأمر في حالة الجماعة الإسلامية ليس كذلك.. ولقد بالغ بعض الكتاب الإسلاميين عندما عرفوا البيعة بأنها عهد على الطاعة, كأن يعاهد الرجل أميره على أن يسلم له النظر في نفسه وأمور المسلمين, لا ينازعه في شيء من ذلك, ويعطيه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره.
    14- أركان البيعة: وفي رسالة التعاليم ذكر الإمام حسن البنا (رحمه الله) أركان البيعة فقال إنها عشرة: الفهم, الإخلاص, العمل, الجهاد, التضحية, الطاعة, الثبات, التجرد, الأخوة, الثقة.
    وهذا يعني أن الفرد في الحركة الإسلامية يبايع القائد على هذه الأركان.
    15- الشورى والعدالة: والشورى هي أساس العلائق بين المسلمين. والعدل هو شرط لإقامة علاقة صحيحة بين القائد والأتباع. والشورى كما أنها اساس قانوني تقوم عليها العلاقات في كل تجمع إسلامي صغر أو كبر, كذلك فهي خلق إسلامي وصفة لازمة للمؤمنين المصدقين المستجيبين لله. قال تعالى: {والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم وممّا رزقناهم ينفقون} [الشورى: 38].
    والشورى واجب على الحاكم والمحكوم, ونتائجها تلزم القائم بالأمر, ولا شورى بدون معلومات يقدمها المسئول للآخرين, والخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. أما حجب الشورى.. فكما أنها سبب رئيس لانحدار الأمة فهي سبب كاف لعزل القائد أو الخليفة.
    أما العدل الذي ينادى به الإسلام فهو عدل مطلق يساوى بين الناس, قال تعالى: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} [النساء:58].
    16- الطاعة: وللقائد المسلم مقابل أدائه لواجباته, وقيامه بحقوق الآخرين, السمع والطاعة بالمعروف. فمن غير المعقول أن يكون القائد قائما بما عليه لله وللأمة, ثم لايكون مسموع الكلمة ولا مطاعا, والطاعة بالمعروف قضية ضرورية في كل المجالات.
    17- التربية والتعليم: ذكرنا في بحثنا السابق \"الأمر بالنعروف والنهى عن المنكر\"ما يلى:
    الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يجمع _في الأصل_ بين عملين:
    * عمل الدعوة.وعمل التربية والتنظيم.
    ويتم هذان العملان بترتيب طبيعي. فيدعوا المسلم الناس أولا إلى دين الإسلام,ثم يعنى بتربية الذين يؤمنون به وتنظيمهم. وعلى هذه التربية وهذا التنظيم يتوقف نجاح الدعوة أو إخفاقها. فإذا كان التنظيم محكما موطدا, والتربية سليمة قوية, أفلحت الدعوة, وإلا كان الفشل مصيرها المحتوم. ولذلك كان بين الدعوة والإرشاد, وبين التنظيم والتربية صلة قوية وارتباط وثيق. فلا توجد التربية والتنظيم بدون الدعوة, كما أن من المستحيل بلوغ الدعوة إلى غايتها المنشودة من غير تربية وتنظيم. ومعنى ذلك أن قضية التربية والتعليم هي جزء المكمل للدعوة والإرشاد وهما قضيتان في موضوع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. والتربية والتعليم ضروريان لذلك الإنسان الذي استجاب للدعوة وشرح الله صدره للإسلام, فلا يصح أن يترك لفهمه القديم ولانحرافه السابق, فقد ثبت في السنة المطهرة, أنه عندما أسلم عمير بن وهب, قال رسول الله (ص) لأصحابه: \"فقهوا أخاكم في دينه, وأقرئوه القرآن\".
    الفصل العشرون
    ينفق من ماله
    عن أبى هريرة _رضى الله عنه_ قال: قال رسول الله (ص): \"ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان, فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا. ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا\".
    تناول هذا الحيث الصحيح قاعدة هامة من قواعد الحياة الإسلامية والنظام الإسلامي.. فالمجتمع الإسلامي, مجتمع متماسك ومتوازن في جوانبه الروحية والمادية, وفي جوانبه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فلم يركز الإسلام على جانب دون آخر, بل عالج جميع القضايا الإنسانية التي يتعرض لها الكائن البشري معالجات تنسجم مع فطرته, يعالجها من هنا ويقومها من هنال حتى تستجيب للتوجيه الصحيح الذي فيه خير الإنسان والمجتمع.في مجتمعات أخرى غير الإسلام سابقة أو لاحقة, وجدت قيم شاذة مسخت الإنسان وقزمت فطرته.. وفي مجتمعات أخرى تتسمى بالإسلام اسما ولكنها لا تطبقه بالفعل يشقى فيها الإنسان كذلك, لأنها مثل الأولى لم تطبق على الإنسان توجهات الفطرة التي جاء بها الإسلام ووازن بها حياة الإنسان من كافة الجوانب.
    الفصل الحادي والعشرون
    إداري ناجح
    وعلى الداعية المسلم أن يكون إداريا ناجحا.. فالإدارة من العلوم الحديثة التي استفادت منها الدول الفربية (خاصة) واستطاعت بها أن ترتقى في البناء في مجالات كثيرة وأن تصون في الوقت نفسه هذا البناء. من مقتضيات الإدارة الناجحة أن تضع الرجل المناسب في المكان المناسب, وأن تمنح الثقة وتعطى الصلاحيات وتحاسب على الإنتاج.فالقدرات بالمسئوليات.. وبدون المسئولية تضعف الكفاءات وتتقزم. ومن مقتضيات الإدارة الناجحة المتابعة والاستفادة, فلا يجوز أن تبنى الأجهزة لمجرد الرغبة في وجودها, ولكن لأن الحركة تحتاجها وتنتظر قراراتها وشتان بين حركة تعمل بالأجهزة.. وبين أجهزة تشكل ولا تتابع ولا يستفاد منها.
    1- تنظيم الوقت:
    إن التزام الوقت, وتقدير قيمة الزمن من عناصر تقدم الأمم أو تخلفها, فإذا رأيت أمة كسولة يتسكع شبابها وشيوخها في الطرقات, أو في المقاهى, ليلهم كنهارهم, صبحهم كمسائهم.. لا يعرفون لهم غاية أو هدفا.. إذا رأيت مثل هذه الأمة فاعلم أنها أمة ميتة لا تعيش.
    الزمن يمضي ولا يعود.. وهو ما عبر عنه حسن البصرى_رضي الله عنه_ بقوله: \"ما من يوم ينشق فجره إلا وينادى: يا ابن آدم, أنا خلق جديد, وعلى عملك شهيد, فتزود مني فإني إذا مضيت لا إعود إلى يوم القيامة\". إذا كان الأمر كذلك, وللوقت كل هذه الأهمية, فعلى الداعية المسلم أن يعيد حساباته ويحدد أولوياته ويجعل تنظيم الوقت من أهم العناصر في حياته العملية.
    2- التخطيط:
    والتخطيط هو تحديد الأهداف في عمل معين, وتحديد الوسائل اللازمة لتحقيق هذه الأهداف, بأكبر كفاءة وأقل تضحية.. فالتخطيط هو الوسيلة التي تنقلك من خطوة إلى خطوة بعدها ومن مرحلة إلى مرحلة متقدمة بالأسلوب الذي يختاره المخطط الذي يتناسب مع طاقاته وقدراته.
    أخي المسلم الداعية:
    عليك ان تكون إداريا ناجحا, فخلال المائة العام الأخيرة تطورت النظرية الإدارية إلى حد كبير وذلك في إطار المناخ المحيط بها, نظرا لتطور النظم السياسية والاقتصادية, وللطفرة الهائلة التي حدثت في مجال العلم والتقدم التكنولوجي, وطرق المواصلات والاتصالات, واستخدام الحاسب الآلي في معظم مجالات العمل الإداري, وفي بداية القرن العشرين ظهرت الأفكار الإدارية التي تهدف إلى الحصول على أقصى إنتاجية ممكنة بأقل تكاليف ممكنة, وفي هذا الشأن ظهر التركيز الشديد على وظائف الإدارة المتمثلة, في التخطيط والتنظيم والتنسيق والتوجيه والقيادة والرقابة على عمليات مختلفة في مشروعات الأعمال وظهرت المدرسة الإدارية التي تعتمد على التجارب العلمية في تحقيق واجباتها المختلفة.
    أصبحت الإدارة علما لا يستغنى عنه أحد.. وصارت القرارات تستند على التجارب العلمية لا الحس أو التخمين أو الخبرات السابقة.

     

    كلمات مفتاحية  :
    صفات الداعية المسلم

    تعليقات الزوار ()